أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - الأمريكي المسلم والمسلم الأمريكي















المزيد.....

الأمريكي المسلم والمسلم الأمريكي


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3101 - 2010 / 8 / 21 - 10:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



إن طرح سؤال من نوع لماذا يكون على أمريكا (المسيحية) أن تتقبل فكرة إقامة المساجد على أراضيها في حين أن بلاد المسلمين الآن بشكل عام لا تتعامل بالمثل . ؟!
سؤال من هذا النوع هو في حقيقته إجابة وليس سؤال, فثمة حديث بصوت عال يجعل المقارنة بين البلاد الإسلامية وبلاد (المسيحيين) تأتي لصالح الأخيرة بكل تأكيد’ ومع محاولة من هذا النوع, أي أن تكون صياغة السؤال قد جعلته يحمل إجابته بنفسه فإن الرد عليه هو الآخر قد يتخذ شكل سؤال: ولكن هل من العدالة بالأساس أن نسأل ذلك السؤال.. ؟!
لا لن يكون من العدالة طرح سؤال من هذا النوع, وحتى إن هناك ظلم كبير في صياغته, وهذا الظلم غير موجه للبلدان الإسلامية كما يمكن أن يفهم وإنما للبلدان الغربية ذاتها من واقع إن السؤال يجعلها على مساواة مع الدول الإسلامية على مستويات متعددة ومركبة, منها ما هو علمي وحضاري ومنها ما هو اجتماعي وسياسي وثقافي, ويكون المتسائل عندها أحد إثنين, أما جاهل مع كمية لا بأس بها من الغباء الذي يجعله عاجز عن إدراك إن المسافة الفاصلة بين بلادنا وبلدانهم الأوربية والأمريكية قد تبلغ آلاف الفراسخ من التقدم والتحضر, وأما أن يكون من المتغابين الذين يهمهم تأسيس حقائق سليمة على أسس غير سليمة مما يؤسس بالتالي إلى مغالطات قد يفوت إدراكها على الكثيرين, وهي بالتالي غير محقة ولا تخدم الطرفين من محاولتها إلغاء الأسس الصحيحة لتكوين الحقائق.
من العدل أن لا نبخس الغرب حقه بها التسطيح والاختزال والاستسهال, والواقع إن تساؤلات من ذلك النوع وبناء للحقائق بهذه الطريقة, وإجراء مقارنات تجريدية تتعامل مع المرئي من الحقيقة وليس مع ما يسندها من أسباب إنما تعبر عن حالة خروج مفزعة عن الموضوعية, فما دام الأمر يجري على طريقة, وهل سيبنون كنيسة في مكان الكعبة إذا هدموها, فإن فرص أن تكون هناك مناقشة مجدية ستنعدم لأسباب سيكون في مقدمتها, إن سؤالا من هذا النوع ليس من مقاصده أبدا الوصول إلى فهم حقيقي لما يدور من أجل وضع حلول تنطلق من ذلك الفهم السليم وإنما هدفه الفوز في اللحظة الأولى من الدقيقة الأولى من الجولة الأولى وبالضربة القاضية الفنية التي لا تترك للخصم وقتا يتعرف فيه إلى وجه الحكم, وفي مباريات من هذا النوع لن يكون غريبا أن يكون الغالب مغلوبا أيضا.
سيكون باب المقارنة مفتوحا فيما لو كان هناك تكافؤ حضاري بين البلدين وتشابه وحتى تماثل في النظام السياسي والمنظومة القيمية والثقافية للمجتمعين, لكن صورة المجتمعات الغربية التي نراها على السطح لا يمكن استيعابها عن حق دون استيعاب كونها نتاجا حقيقيا لسلسلة من التطورات الحضارية التي لم تمر بها المجتمعات الإسلامية والتي مكنت الغربيين على تأسيس علاقات اجتماعية محكومة بدساتير لا تتسامح أبدا بقضايا الحرية وحقوق الإنسان.
إن تلك المجتمعات لم تصل إلى هذا الرقي والتقدم إلا بعد جولات حضارية مكنتها أن تحرر الإنسان من كثير من القيود, ويحتاج المرء إلى العودة إلى زمن محاكم التفتيش وعصور الحكم الكنيسي لكي يفهم مقدار ما عانته تلك المجتمعات لكي تنطلق على طريق البناء والتقدم.
إن نظرة هذه المجتمعات إلى المسألة الدينية كونها تحتكم إلى العلمانية الجزئية قد مكنتها من تحقيق معادلة متوازنة ما بين القيم المثالية والروحية التي يمثلها الدين وما بين القيم المادية والوضعية التي تمثلها حركة الدولة وبالتالي فهي لم تقع في فخ وضع الاثنين في علاقة تضادية كما فعلت الدول الماركسية أو العلمانية الكلية, وفي أمريكا فإن ذلك قد حدث حتى قبل أن يصل إليها اي مسلم ولأغراض ضبط العلاقات بين المسيحيين ذاتهم التي كانت قد أرهقتهم الأحكام الدينية ونظام القساوسة ومنعت عنهم التنفس في الهواء الطلق.
إن الحرية ومجموعة العلاقات المتحضرة الأخرى ما كانت قد وجدت من أجل عيون البوذيين أو المسلمين وإنما كانت نتاجا للمسيرة الذاتية لتلك المجتمعات, وقد حدث لها بعد ذلك أن تشتغل لفائدة كل الأقوام التي ما غادرت بلدانها الأصلية ومنها المسلمة إلا لكي تنعم بالرخاء والتقدم في ظل تلك المجتمعات, وسيكون من باب الكذب وتشويه الحقائق لو إن مهاجرا مسلما لم يعترف بأن الحرية التي توفرت له في بلاد الغرب لم يكن يحلم بها, وإن في مقدمة ما يجب أن يشهد به لتلك الحرية هو تأكيدها على المساواة العادلة بين الناس جميعا وعلى كل الأصعدة, وهو أمر لم يتوفر في بلده إن لم يكن هو الذي دفعه بالأصل للهجرة.
ولن أكون متجنيا إذا ما قلت إن على ذلك الذي يبحث عن إجابات صحيحة عليه أن يطرح أسئلة صحيحة, وإن من لا يفعل ذلك هو مصاب أما بعقله أو بنواياه, لكن لا أحد بإمكانه أن يسأل أسئلة صحيحة ما لم يكلف نفسه بدراسة الحقائق أولا وترتيبها لكي تسعفه في صياغة سؤاله بشكل منطقي ومعقول وهادف. وإن من أهم الحقائق التي يجب عليه التعرف عليها هي إن احترام الدين الإسلامي في المجتمعات الغربية لم يأتي بعد دراسة مستفيضة لجانبه الفقهي وإنما لأن الدستور كان كفل للجميع ممارسة شعائرهم الدينية بشكل لا يتقاطع مطلقا مع ممارسات الآخرين ومع نظم ولوائح تنظم مواقع العبادة وأوجه نشاطاتها العملية.
ومثل ذلك فإن على المسلمين أن يعلموا إنهم لم يحصلوا على حق ممارسة دينهم كمكسب ذاتي, وإنما لأنهم جزء من مجتمع كفل لهم دستوره هذا الحق بوصفهم مواطنين في مجتمع يكفل الحرية الدينية للجميع بالشكل الذي ينسجم مع قوانينه الأخلاقية الأخرى.
وإن من سوء التقدير أن يتصور المسلم إن المجتمع يتعامل معه كمسلم وإنما هو يتعامل معه كأمريكي أولا بأول ولا يهمه أن يكون مسلما أو مسيحيا, فهذا الأمر هو من اهتمام الله لا من اهتمام البيت الأبيض, وإن من سوء التقدير أيضا أن يتصور المسلم أنه أقرب إلى مسلمي بغداد أو الرياض من مسيحي واشنطن أو نيويورك إلا بمقدار طرق العبادة, شأنه في ذلك شأن مسيحيو بغداد في علاقتهم بالمسلمين, أما في الأمور الدنيوية الأخرى فسيكون عليه أن يفهم تماما إنه جزء من مجتمع له فيه ماله وعليه ما عليه تماما مثل الآخرين من الأديان الأخرى, فهو لم يعد ضيفا, وفي اللحظة التي يحصل على المواطنة فهو يتساوى مع الجميع في الحقوق والواجبات, وإن شاء غير ذلك فليعد من حيث أتى, وإن الإسلام نفسه واضح في تنظيم ذلك.
وإن الخطأ هنا يجري على جبهتين, جبهة المسلمين ذاتهم الذين لا يحسبون جيدا معنى أن يكونوا مواطنين في تلك المجتمعات فيستمرون بعقلية المغترب بشكل مفتوح, وجبهة الآخرين الذين يتعاملون مع المسلمين كغرباء, وإذا كان الخطأ الأول يتحمل الحديث المتشعب حول ضرورة أن يتخلى المسلم عن كل ما من شأنه أن يخدش العلاقة بوطنه الجديد, فإن الخطأ الثاني هو الذي يرفض أن يجري التعامل مع الهوية الدينية للمسلم قبل هويته الوطنية.
إن كون المسلم مسلما لا يوجب التعامل معه بالمنطق الذي يحسبه على مجتمع أو بلد آخر, لذلك فإن من حقه أن يمارس حقوقه الدينية وفق الدستور حتى ولو اُضطُهد كل المسيحيين في العراق أو مصر وإلا لتحولت أمريكا إلى أن تكون وبكل التفاصيل بلدا كالعراق ومصر.
وإن من يعقد مقارنات مجحفة لا يظلم مصر هنا وإنما يظلم أمريكا من واقع إسقاط كل ما وصلته من تحضر ورقي على صعيد احترامها للحرية وحقوق الإنسان داخل مجتمعها, لذلك سيكون من غير اللائق طرح أسئلة من نوع وهل سيقبل المسلمون ببناء كنائس في بلدانهم تعاملا بالمثل, لأن سؤالا كهذا يتأسس على فرضية خاطئة تنظر إلى مسلمي أمريكا كمواطنين غير أمريكيين وتسقط عنهم بالجملة جنسيتهم الأمريكية, إضافة إلى تجاوزه لحقيقة إن احترام أمريكا للجوامع على أرضها هو احترام لدستورها قبل أي شيء, وهو دستور ترى أن التخلي عنه سيصيبها بمقتل حقيقي, وإن الالتزام به لا يأتي مطلقا لصالح عيون المسلمين كمسلمين وإنما لصالح عيونهم الجميع كأمريكيين, وإن ذلك يفرض على الجانب المسلم أن يفهم إنه أمريكي مسلم وليس مسلما أمريكيا, ففي اللحظة التي يكتسب فيها المسلم جنسيته فإن هويته الوطنية الدينية يجب أن تتعدل بهذا الاتجاه وكذلك سلوكه.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأستاذ جاك وجامع قرطبة
- الديمقراطية.. وصواريخ صدام على تل أبيب
- عن الحب والكراهية في السياسة ومقالات الدكتور عبدالخالق حسين
- طائرة إسمها الكويت
- صدام .. كم, مما كان فيك ما زال فينا
- العراق.. النجاح في الفشل
- من إنحرف عن ثورة تموز.. قاسم أم عارف ؟!
- من الذي بدأ القتال بعد الثامن والخمسين.. الشيوعيون أم البعثي ...
- سقوط النظام الملكي وعيوب نظرية الْ.. ( لَوْ ) لقراءة التاريخ ...
- عيوب في قراءة التاريخ....العيب الثاني
- 14 تموز والعهد الملكي.. عيوب في قراءة التاريخ
- المالكي وعلاوي... بين لغة الأرقام ولغة الأحكام
- عبدالكريم قاسم.. ليس بالنزاهة وحدها يحكم القائد ولكن بها يبد ...
- الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة
- تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت
- ظاهرة الأسماء المستعارة
- الديمقراطية العراقية.. وهل ممكنا أن تبيض الديكة
- الدلتا العراقية السياسية... على أبواب أن تغرق
- العراق أفضل بدون حكومة
- الشيوعيون والبعثيون.. وقضية الرحم الواحد


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - الأمريكي المسلم والمسلم الأمريكي