جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3098 - 2010 / 8 / 18 - 01:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أريد أن أناقش هنا ما إذا كان من الأفضل القبول بفكرة إنشاء جامع في موقع كارثة الحادي عشر من أيلول أم لا. من ناحية المبدأ أنا أناقش هنا القناعات التي طرحها الأستاذ جاك في نصيحته لرفض فكرة إنشاء الجامع في مقالة له على صفحات الحوار المتمدن*, وأعترف هنا بأن آراء الأستاذ جاك لم تكن لوحدها من أثار وأوجب الرد, وإنما مجموعة الردود التي كتبت له, مؤيدة ومتحمسة لأفكاره.
وبعد أن منح أربعة وخمسون شخصا درجة كاملة لمقالة الأستاذ جاك, جئت أنا فأعطيته صفرا كبيرا, إذ لم يكن صعبا علي أن أرى في مقالته كثيرا من كلام الحق الذي أراد به باطل.
على عجل, هناك من سيقول: ها قد عدنا سريعا لنظرية المؤامرة, وسأقول له .. نعم عدنا.. ولم لا نعد ؟!. وإلى أن يقنعني أن عالمنا خلى تماما من كل أنواع الصراعات, وبات نظيفا من الحروب, ومن أجهزة الاستخبارات والمخابرات, سأظل مؤمنا أن محاولة إقناعي بعدم وجود نظرية المؤامرة هو دليل على وجودها.
لست ضد أن يتبنى السيد جاك فكرة ما وأن يبشر بها, كتابة وصراخا, حتى لو كانت تلك الفكرة ضد أفكاري تماما. سأشعر إنه يحترم نباهتي فأناقشه, ولينتصر من ينتصر. لكن السيد جاك دخل على ساحة الحوار وهو يحمل قنبلة دخانية للتعتيم, فصدقه البعض, أما عن نية طيبة وتبسيط وتعويم, أو عن مباهاة بقيم إنسانية لم تعبر عن نفسها بشكل جيد, أو لتبرئة نفس وليس لتبني قضية.
وبين أولئك الذين صفقوا له رأيت أشخاصا تعاملوا مع الرعاية الأمريكية لهم ولأولادهم بصيغة الرشوة, فباتوا على استعداد لكي يقولوا لأمريكا نعم, سواء في موقف الحق أو موقف الباطل. وهؤلاء الذين يستحون من دينهم ومن ثقافتهم ومن تراثهم بهذا الشكل, لا يحبون أمريكا وإنما يحبون أنفسهم. وليعلموا أن أمريكا, إن قبلت بنفاق, فليس لعجز يمنعها عن تشخيصه, وإنما لتحقيق غاية يحتاج تحقيقها إلى نفاق ومنافقين.
أعترف إن الحديث عن أي مشروع تقوم به السعودية سيضعني, بين أبناء قومي, في موقف لا أحسد عليه, وخاصة بين أولئك الشيعة الذين لا يحملون مشاعر ودية لها, وأعلن إنني أشاطرهم الإحساس, كتابة وصراخا, وأعلن أكثر إن السعودية تتحمل كل مساوئ دعمها للمذهب الوهابي التكفيري.
لكني أعلن أيضا, كتابة وصراخا, إن بلدي أمريكا يتحمل أيضا وبقدر كبير تداعيات دعمه
لهؤلاء التكفيريين, الذين كانوا قد حققوا له مصالحه الإستراتجية في حربه المركزية ضد الشيوعية, حتى إذا ما تغيرت الأمور, فقد ترتبت المعادلات السياسية بشكل آخر. وإذا ما فرض الأمر مرة أخرى على أمريكا أن تدافع عن نفسها وعن مصالحها, في معارك متشابهة, فلا أظنها ستتردد عن العودة إلى نظرية الاحتواء المزدوج, كما فعلت مع العراق وإيران إبان حرب الثمانية سنوات, وكما يمكن أن تفعل مع شيعة إيران ووهابيي السعودية. وسيبقى الحادي عشر من أيلول إحدى تداعيات علاقة تخادمية أطرافها ثلاث, التكفيريون وأمريكا والسعودية. لذلك أرى إن الدولتين تتشاركان بطرق مختلفة مسؤولية تصحيح تلك العلاقة بكل ما يمكن من سبل.
لن أترك السيد جاك يزايد على موقفي من جريمة الحادي عشر من أيلول, سأعلن له, كتابة وصراخا, بأنها كانت جريمة حقيرة وبشعة ضد الإنسانية جميعها, وليس ضد الشعب الأمريكي فقط, لا بل إنها قبل كل شيء كانت جريمة ضد الإسلام, يوم أن أفلحت بتقديمه بتلك الطريقة الظالمة. وإن هو حاول أن يقول, كما أيده بذلك كل من بارك له مقالته بالشرح والتصويت, أن هناك في الإسلام ما يشجع الإرهاب, فسأقبل أن أناقشه على شرط أن يوافقني على حقيقة تقول أن كل الأديان تفعل ذلك, مسحيين ويهود, وإن في التاريخ المسيحي جرائم يندى من هولها جبين المسيحية ذاتها, كما أن توراة اليهودية تحفل بوصايا مثل أقتل, إذبح, إسلخ..
والدين ليس حزبا بعقيدة محددة, لذلك فهو يعتمد على الطريقة التي يُقْرأ بها, وعلى مصالح الناس التي تقرأه. وبالأمس حينما جاءت جيوش أوروبا تحت شعار الصليب, لكي تقتل وتذبح وتسلخ, فإن الدين المسيحي لم يقل لها ذلك, وإنما هي من حول الصليب الذي تعذب عليه مسيح الإنسانية, إلى أداة للقتل والتدمير, وأظن أن أول من قتله الصليبيون كان المسيح نفسه, وإن أول من تضرر من محاكم التفتيش كان المسيحي نفسه, لذلك اضطرت أوروبا إلى أن تبعد الدين عن السياسة وتبعد السياسة عنه.
فالدين يا سيدي جاك, أي دين, يعتمد على طريقتنا في قراءته. وعليك يا سيدي أن تقرا التاريخ قراءة أولية فذلك سينبئك بأن علاقة الإسلام بنشوء الدولة كان قد جعله وقتها نظاما دنيويا أيضا بما حتم عليه أن يتعامل مع كل شؤون الحياة ومنها شؤون الحرب والتعامل مع الأعداء, وإن من مهمات أمريكا, بلدي وبلدك, أن تساعد بلادنا هناك لأن تخرج من المأزق الذي يضعه فيها الإسلاميون لا أن تقسم بلادهم إلى شيعة وسنة, بما يجعل من إمكانات التطرف قائمة ويسهل إمكانات تأزيم المجتمعات دينيا.
وستقول لي إنك كنت في نصيحتك: ضد المتطرفين الإسلاميين لا ضد الإسلام, وإنني قد أكون فهمتك خطأ, وسأقول لك.. لا لم أفهمك خطأ. لأن مقالتك برمتها تعبر عن حالة مُسْتَفزّة تلقي على طرف واحد أسباب وتبعات الكارثة, ودون أن تتطرق ولو بحرف لكل من ساهم فيها أيضا من الآخرين وكل من يجعل إمكانات تجددها أيضا قائمة, ما لم يتم التصدي لها بعلمية وعقل ونيات طيبة وموضوعية مجردة من أي انحياز. وإن أنت ذكرت بالحرف الواحد(على يد متطرفين مسلمين من منظمه القاعدة الإرهابية) فقد ذكرت أيضا بالحرف الواحد (بناء مسجد على أنقاض مقبرة الثلاث ألاف محترق بالمحرقة الإسلامية ), وتكفي الكلمتين الأخيرتين من كلامك لكي أشك بأن نصيحتك لم تكن خالصة لوجه الله, وإن الذي فيك لم يكن يخليك, ولهذا رفض الكلام في باطنك أن يظل طويلا تحت جلدك.
ولعلي بت الآن في أمس الحاجة إلى نصيحة منك لكي أفهم ما كنت قلته عن أوباما ((إن إصرار مسلمي أمريكا بعد النجاح الذي حققوه بإيصال أوباما المسلم والغير مولود بأمريكا إلى مقعد الرئاسة )) إذ كيف يستقيم ذلك مع قولك ((إن مسلمي أمريكا وهم أقلية صغيرة وسط أغلبية متدينة بطبعه )), فإن كانوا أقلية, وصغيرة أيضا, فكيف أفلحوا بإيصال ( أوباما المسلم ) و ( الغير مولود بأمريكا أصلا ), إلا إذا كانت أمريكا (خان جان ) وليس إمبراطورية تحكم العالم. وإن كانت لهذه الأقلية الصغيرة كل هذه المقدرة السوبرمانية للتغلب على كل المؤسسات الأمريكية الاقتصادية والإعلامية والدينية بشقيها المسيحي واليهودي, فيا لهول الكارثة القادمة أيضا, و( يا لشماتة أبلة طازة بأمريكا يا ولدي ), وبخاصة إن هذه ( الأقلية الصغيرة ), أي المسلمة, هي أقلية ممزقة وحتى متعادية بحيث تصبح أقلية صغيرة صغيرة وحتى ميكروسكوبية.
ولنرى كيف يتناقض قولك في أعلاه مع قولك في أدناه:
( أمريكا تتكون من جوهر مسيحي متدين ومتسامح عدده حوالي المائة مليون أو أكثر على اقل تقدير ومعه حوالي خمسين مليونا من ممارسي التدين على درجة ما و الباقي غير متدين و مسلمين وبوذيين و غيرهم و القوة الاقتصادية والسياسية والجيش و الجامعات و التعليم يقع معظمه في ايدى هذه القوة المتدينة )
وهكذا تريد منا يا أستاذ جاك أن نضيع ونتيه وندوخ لكي يسهل علينا أن نصدق إن بإمكان أقلية صغيرة ممزقة وتعيش في موقع الدفاع عن نفسها أن تنتصر ( على القوة الاقتصادية و......... في أيدي هذه القوة المتدينة التي يتجاوز عددها المائة وخمسين مليون ) ويا للحلاوة إذن:
لما كانت أمريكا تحكم العالم, ولما كنا نحن من يحكم أمريكا فنحن إذن نحكم العالم, شكرا لك يا جاك لأنك نبهتنا إلى ذلك.
ولا أدري ما سبب إصرارك على أن أوباما هو مسلم, وأنت تدري أنه لو كان كذلك لما ترددت وسائل الإعلام والدوائر السياسية والدينية مضافا إليها الصهيونية أيضا على استغلال تلك النقطة لغرض أن لا يفوز المسلمون بالرئاسة. ولا أدري كيف فات على هذا الجيش الجرار أن يعلم بذلك, وأنت تدري إن الانتخابات الأمريكية هي معركة يتم فيها فحص المرشح للرئاسة حتى ميكروسكوبيا.
وأيضا لا ادري لماذا تستهين بالشعب الأمريكي الذي تضنه ساذجا يتلاعب به المسلمون وضعيف النضر إلى الدرجة التي تجعله عاجزا عن رؤية هذه الحقيقة الميكروسكوبية التي رأيتها أنت بالعين المجردة.
واستهانتك بعقولنا جميعا, كأمريكيين مسيحيين ويهود ومسلمين وبلا دين, تبدو واضحة حينما تدعونا لتصديق إن أوباما ( المسلم ) قد فاز بفعل دعم المسلمين له, فنهمل بالتالي كل الأسباب الأخرى التي جعلت من فوزه ممكنا, ومن بينها وفي مقدمتها تخطي أمريكا لمرحلة التعصب العنصري وفشل المحافظين اليمينين في تقديم حلول اقتصادية كافية ونزوعهم نحو الحروب, واستهلاك الجمهوريين لزعامتهم السياسية, وفشلهم أيضا في اختيار مرشح مقنع, إلى آخر قائمة يطول ذكر محتوياتها.
وقبلك قلت, إن الشعب الأمريكي رائع ومتسامح وعطوف لأنه شعب متحضر, ولهذا فهو ليس مغفلا إلى الدرجة التي تعتقده عليها, وإذا كان من واجبي أن أحبه وأن أقدر أفضاله علي فإن علي أن لا أضلله, ولا أنطلق في حواري معه من كراهية لا يمكن إخفاء نوازعها أبدا.
ومما يجب علي أن أفهمه وبطريقة تختلف عما فهمه صاحب أحد الردود, إن المساعدات التي تقدمها الحكومة الأمريكية للمهاجرين الجدد هي جزء من نظام إجماعي يتعامل مع مهاجريه كجزء لا يتجزأ من مجتمعه, وذلك لتأهيلهم من أجل أن يكونوا مواطنيين صالحين, ولا يجب أن نفكر بها كهبات إنسانية مجردة من أية غاية وضعية, وإذا كان من واجب المهاجرين أن يكونوا أوفياء للبلد الذي احتضنهم, فإن ذلك يتطلب أمورا تتجاوز دون شك مسالة المساعدات المالية وإلا لتحول الأمر برمته إلى مجرد رشوة وعملية شراء للولاء, ولنكف عن مقارنة الأمور بطريق لفت النظر إلى تعامل حكوماتنا في بلداننا الأصلية, ومقارنة ذلك بما تفعله الحكومة الأمريكية, وتأسيس نظرية على ذلك, فذاك شيء وهذا شيء آخر مختلف.
وهل أن علي أن أتردد, ولو لحظة, فلا أظن إن حقدك على أوباما, ينطلق من رؤيا ضيقة تحاول أن تسقط ذاتها على بناء موقف كالذي نحن بصدده, ألا يكون من حقي أن اعتقد إن طريقة تعاطفك مع أبناء دينك الأقباط في مصر هو الذي دفعك إلى اتخاذ موقفك العدائي من أوباما, وهل سأكون مخطئا إذا ما ظننت إن ميل أوباما إلى الانفتاح على العالم الإسلامي وتوجيهه خطابه إلى ذلك العالم من على منصة جامعة القاهرة قد أغاظك لأنك تعتقد أن الحكومة المصرية, أو المسلمين, قد كسبوا نقطة في الصراع الدائر في مصر, بين الجَهْلَيْن, الإسلامي والمسيحي.
يكفيني أن أذكر قولك في جزء من مقالتك ((ويكفيكم ان بوش واوباما حموكم من محاكمة دولية للسعودية ومصر على دورهما فى جريمه 11 سبتمبر )) لكي تصدق بان اعتقادي بانحيازك ولا موضوعيتك لم يأتي من فراغ, فأنت هنا حينما تزج باسم مصر في جريمة الحادي عشر من آذار تكشف دون شك عن أحد دوافعك نصيحتك الثمينة, فهناك حقد على مصر بطريقة تنسيك أنها بلد مشترك بين الأقباط والمسلمين, فتعمل بالتالي على إلحاق الضرر بهما معا من خلال تصعيد الاستعداء ضد بلدهم مصر. وها أنت تنبهنا عن حكاية لم نكن سمعناها من قبل حتى من فم الدوائر الصهيونية هنا, وهي تلك التي تركز على دور مصري في تلك الجريمة, وأنا على ثقة بأن الصهيونية لا تفعل ذلك حبا بمصر وإنما لاعتقادها بأن كيل تهمة بهذا الرخص, واقتراح حلول بهذه السطحية سيفقدها مصداقيتها مما يؤدي إلى خسارتها قبل خسارة خصمها.
وهل سأكون مخطئا إذا ما اعتقدت, إن رجلا يتعامل مع قضية وطنه الأصلي بأقباطه ومسلميه بهذه الطريقة المريبة لن يكون بإمكانه أن يقدم نصيحة مجانية لمسلمي أمريكا وغير أمريكا ولن يكون حريصا على مصالحهم.
والحمد لله على أن الإدارة الأمريكية لا تنخدع بمناورات على هذا المستوى من السطحية, ولو أنها انخدعت وعالجت قضايا العالم بالشكل الذي تتمناه لما بقي هناك عالم " من أصلو "
ولغرض أن لا يزايد احد علي في هذه القضية بالذات سأقول إن موقفي من أخوتي المسيحيين في بلادنا العربية كان واضحا جدا, وقد بينته في مقالة لي كانت بعنوان ( الأكثرية أكثرية حق وليست أكثرية دين ) التي تستطيع أن تقرأها كاملة على الإنترنيت فتعلم منها طبيعة أفكاري ومعتقداتي, التي تدعو إلى بناء نظام الأغلبية السياسية التي تتيح لكائن من كان تقلد قيادة الدولة والمجتمع, دون النظر إلى دينه وقوميته وطائفته, على شرط أن تتوفر فيه شروط المواطنة الحقة, وعلى شرط أن يعبر في برامجه عن تلك المواطنة لا غيرها. كما إني أيضا وبالقدر الذي أتاحته لي مقالة كنت تحدثت فيها عن جريمة الطبيب النفسي العسكري الرائد نضال ضد إخوته في البحرية الأمريكية قد أكدت أيضا على إدانتي للإرهاب, ويكفيني أن أقول إنني أحد المتضررين منه إن لم يصح القول إني احد ضحاياه. وأجد أن ذلك وحده يكفي لتعريفك على هوية الإنسان الذي يخاطبك وكذلك أفكاره.
وسأكون بانتظار مناقشتك, حول نصيحتك بشأن مشروع بناء الجامع بعد أن تتوفر لي الثقة بأنك لست منحازا بسبب دين أو قومية أو لون, وحينها سوف أرفض أو أستجيب على ضوء قناعات توفرها مناقشة عقلية لا يمكن لها أبدا أن تبدأ أو أن تثمر ما لم تتوفر في قلوب أطرافها حسن النية.
ولن أصدق إن هناك فرصة ولو صغيرة لأن تكون نصيحة رجل منحاز هي نصيحة صادقة, خاصة إذا كان انحيازه دينيا ونظرته أحادية الجانب.
وفي الجزء الثاني من هذه المقالة سأناقش موقفي من قضية بناء الجامع, بالسلب أو بالإيجاب.
وهو موقف سيعلن في حينه !!
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟