من أفضل من يتحدث عن الفساد؟

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3093 - 2010 / 8 / 13 - 23:30
المحور: كتابات ساخرة
    

هذا قولٌ مأثور ٌ ويبدو أنه أصبح مثلاً , فلا يوجد أجمل من العاهرة حين تتحدث عن الحلال أو حين تعطيك درسا عن الحلال والحرام ولا يوجد أجمل من أعداء الحرية والديموقراطية حين يتحدثون عن عدالة الحكم السياسي في الدول العربية , ولا يوجد أجمل من خطيب مسجد فاسد حين يدعو للحكام العرب بدوام الصحة والعافية , ولا يوجد أشرف من القحبة حين تتحدث عن الشرف أو حين تعطيك محاضرة عن حسن السلوك وهي في الواقع إذا ما سألت عنها فإنك تجدها تدير شبكة كبيرة من الدعارة وخصوصاً إذا عرفت أنها تعمل في صالونات السيدات لتصفيف الشعر وتجميله , ويا حبيبي على المصيبة الكبرى حين يتحدث الخونة والجواسيس عوليس هنالك أفضل من الكذاب حين يتحدث عن المواعيد الدقيقة إنه حين يتحدث إنسان عادي عن الفساد ولم يكن مفسداً فإنني أستمع إليه بشيء من الخفة وعدم الاكتراث ولا أتلذذ بحديثه, إما إذا تحدث إنسان فاسد جدا عن الفساد ومحاربته فإنني أستمتع جدا وأستلذ بحديثه, كما أستلذ بحديث العاهرات عن الشرف وخصوصا حين يتحدث الفاسد عن مبادئه الشخصية وأخلاقه العالية.

وإذا جلست يا عزيزي القارئ في إحدى الجلسات وقام رجلٌ وتحدث عن الأمانة كثيراً وكنتَ أنت مستمتعٌ جدا بحديثه فاعرف على الفور بأنه لص ومحتال كبير وإنه يتحدث عن الأمانة كثيرا ليغسل جرائمه أمام الناس , فكلما تقدمت المجتمعات العربية كلما ازدادت فيها نسبة النفاق الاجتماعي والديني والسياسي.
وإذا سمعت امرأة تتحدث عن جمال الروح كثيراً فاعرف من حديثها بأن لها وجه بشع مثل وجه أحدب نوتردام أو الجاحظ ,والعاهرات هن أفضل من يتحدث عن الشرف بحيث أنني أستمتع جدا لحديثهن وهن يصفن الشرف والمحافظة عليه وعدم الخروج من المنزل إلا ومعهن مِحرم, ولهن أسلوب موجع في القلب حين يبكين على مصير غير الملتزمات بالحجاب ولا بشرع الله حين تخرج النار يوم القيامة من بطونهن, ولكن حين تتحدث غير العاهرة عن العُهر فإنني حتماً لا أستمتعُ بحديثها لأنها لا تتقن توجيه الاتهامات للنساء ولا تستطيع وصف العهر وطرائقه وطرق الوقاية منه.

واللصوص أيضاً هم أفضل من يتحدث عن الأمانة وحفظها, وأنا أستهوي الجلوس إلى جانب اللصوص وهم يتحدثون عن الأمانة أو عن أمانتهم فأعرف عن طريق الخبرة والتجربة أن الذي يتحدث عن الأمانة بهذه الحدة لا بدّ وأنه لصٌ محترف ولا يتحدث بهذه الحدة إلا لأنه يريد أن يغسل نفسه كغسيل الأموال أمام الناس ليظهر مجدداً أمامهم بمظهر كله حرص وأمانة , وكذلك المتحدثات عن الشرف يتحدثن عنه كثيرا ليظهرن أمام الناس بأنهن شريفات جدا .
وأنا شخصياً تعرضت لموقف مضحك وساخر قبل أكثر من ثلاثة شهور إذ انتدبني أحد المهندسين لأكون حكما بين طرفين متخاصمين واحد مقاول معماري والآخر صاحب منزل , وحين وصلت المنزل كان المقاول غائبا ولا يوجد في المنزل إلا صاحب الدار فتحدث لي صاحب الدار أولا ً عن أمانته هو وحرصه ومخافته لله عز وجل وقارن لي بين سلوكه هو وسلوك المقاول ومن ثم تحدث وبإسهابٍ شديد عن تجاوزات المقاول وعن سرقته للفواتير والزيادات التي فيها وعن المبالغات بحجم المصروفات والتجاوزات التي فيها وعن مواد البناء وفي الواقع قد أذهلني صاحب الدار جدا بسرعة بديهته وحنكته وصار عندي اعتقاد وهو يتحدث بأنه قد كان في زمانه مقاولا أو مهندساً معمارياً فكيف كان يعرف من البداية بأن المقاول يسرقه !!فاقتربت من صاحب وقطعتُ عليه حديثه إذ صار عندي نوعٌ من التطفل لمعرفة ماذا كان صاحب الدار يعمل وسألته:

أنت شو بتشتغل ؟ أو شو كنت في زمانك ؟ أنت مقاول معماري
؟.أو كنت تشتغل بالمقاولات ؟

فقال لي : لا أنا أعمل أو كنتُ أعمل أمين مستودعات في إحدى الشركات الكبيرة , فقلت له على الفور : معناته أنت حرامي كبير , وإذا كان المقاول سرقك ب 1000دينار أردني فيا ريت اتسامحه لأنك سارق أكثر من 50 ألف دينار أردني وهذا واضح من خبراتك العظيمة في أساليب السرسرة وأيضاً من تكلفة منزلك وراتبك الشهري , يعني دخلك الشهري 500دينار وعندك 5 أولاد كلهم في الجامعات بدرسوا ومنزلك تكلفته فوق ال 50 ألف وصدقني خبرتي تقول لي : ما بعرف الحرامي إلا حرامي مثله والطيور على أشكالها تقع , والأطفال يتعرفون على بعضهم بسرعة من خلال النظرات , والعاهرات في الأسواق يعرفن بعضهن البعض بسرعة من خلال الحركات والمشي.

والجبناء هم أفضل من يتحدث عن الشجاعة والبطولات, والمنافقون هم أفضل من يتحدث عن الإيمان العقائدي وذلك لكي يخفون دجلهم وكذبهم ونفاقهم .
ولا يكشف العاهرة إلا عاهرة مثلها أو أكثر منها عهراً, ولا يكشف اللص إلا لصٌ مثله أو أكثر منه لصوصية , ولا يكشف الجبان إلا جبان مثله , ولا يكتشف الشجاع إلا شجاعٌ مثله , والبحر لا يغوص فيه إلا البحارون الغواصون المَهَرة والمواهب تكتشف بعضها البعض, ولا أستمتع بالحديث عن العاهرات واللصوص والمفسدين إلا إذا كان المتحدث عاهراً أو عاهرة أو لصاً أو فاسداً.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات