|
ملتقى الجونة (2)
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3091 - 2010 / 8 / 11 - 00:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على مدار ثلاثة أيام متواصلة، من 23 إلى 26 يوليو الماضى، شهدت قرية الجونة بالغردقة حواراً بالغ الثراء بين كوكبة متميزة ومتنوعة من النخبة المصرية حول ثلاثية الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد. واستغرقت المناقشات وقتاً طويلاً نسبياً، عبر ثمانى جلسات متلاحقة، حتى فى دقائق الراحة الفاصلة بينها. ورغم تعدد الاجتهادات التى تجلت فى هذا الحوار الطويل، والذى وصل إلى حد السخونة فى أكثر من مناسبة، فإنه يمكن تصنيف هذه الاجتهادات المتعددة ضمن اتجاهين أساسيين. الاتجاه الأول "إصلاحى" إذا جاز التعبير، وشعاره الأساسى هو "مالا يدرك كله لا يترك كله". والاتجاه الثانى "راديكالى" بالمعنى القديم للكلمة قبل لىّ عنقها على يد المؤسسة الايديولوجية الأمريكية فى السنوات الأخيرة وجعلها مرادفة للاسلاميين المتشددين بصفة أساسية، والشعار الرئيسى لهذا الاتجاه الراديكالى هو "التغيير التام أو الموت الزؤام"..، لأن الخرق قد اتسع على الراتق، بحيث لم يعد "الترقيع" يجدى، ولا الاصلاحات الجزئية تفيد أو تنفع. ولهذا رأينا الاتجاه الأول – أى الاتجاه الاصلاحى – يركز على قضايا محددة مثل المشتريات والمشروعات الحكومية التى تتم من خلال المناقصات والمزايدات العامة وما يشوبها حالياً من نواقص وما يصاحبها من انحرافات أو تواطؤ بين بعض المسئولين أو العاملين وبعض أصحاب الأعمال، وكذلك ما هو موجود من شروط وضوابط تحرم أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من المشاركة فى المناقصات والحصول على عمليات تمكنهم من الاستمرار فى السوق، علاوة على استخدام المعلومات بما يمكن البعض من الفوز بالمناقصات من خلال تقديمها لهم بطريقة غير قانونية من العاملين أو حجبها عن الاخرين. هذا النوع من الفساد يمكن – فى راى الاتجاه الاصلاحى – مقاومته من خلال عدد من الاقتراحات، منها على سبيل المثال: • وضع نظام شفاف وتنافسى للمشتريات الحكومية قائم على معايير موضوعية يصبح فعالا فى منع الفساد، وذلك ببعض الإجراءات مثل تعميم ونشر المعلومات المتعلقة بإجراءات وعقود الشراء، والقيام مسبقاً بنشر شروط المشاركة وقواعد المناقصة الحكومية مع استخدام معايير موضوعية والتنظيم الرقابى للأمور. • تفعيل قرار وزير الصناعة رقم 1028 بتفضيل المنتج المصرى. • تفعيل القانون رقم 110 للمنشئات الصغيرة والمتوسطة الذى يبيح لهذه المشروعات الحصول على 10% من المشتريات الحكومية والذى لم ينفذ لعدم وجود آلية محددة تضمن مشاركة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى جميع المناقصات لأن حجم الأعمال فى معظمها كبير ويقتصر التقدم إليها على الشركات الكبيرة التى تقوم بتنفيذ العملية باسنادها من الباطن إلى قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة! • إزالة التناقض بين القانون 141 لسنة 2004 الذى يحدد نسبة 10% من المشتريات الحكومية للمشروعات الصغيرة والقانون رقم 89 لسنة 1998 الذى لا يتضمن الالتزام بهذا النص. • عدم المغالاة فى تحديد ثمن كراسة الشروط حتى لا يكون ذلك عبئاً على قطاع الاعمال الصغيرة والمتوسطة ويؤدى إلى عدم قدرتهم على التقدم للكثير من المناقصات. • مراقبة الإجراءات الخاصة بالمناقصات للحيلولة دون التحايل بأن يتفق المسئول عن المناقصة مع أحد الأطراف على أن يتقدم للعملية ويحضر معه عرضين آخرين لاستيفاء الشكل وتغطية العملية حيث يشترط أن يتقدم للمناقصة ثلاثة عروض على الأقل. • تحديد مدة معينة فى بداية كل سنة مالية تعلن خلالها المناقصات فى جميع الوزارات والهيئات لمنع طرح مناقصات تم تفصيلها لأشخاص محددين. • وضع نظم محددة لمنع تضارب المصالح والمحاباة والمحسوبية بحيث تفرض قيودن حسب الحاجة ولفترة زمنية معينة، على ممارسة الموظف العام السابق لأنشطة محددة أو على عمل الموظف العام فى القطاع الخاص بعد استقالته أو إقالته أو تقاعده، وذلك عندما تكون هذه الأنشطة أو الأعمال لها صلة مباشرة بالوظائف التى تولاها أثناء خدمته العامة والاستفادة مما لديه من معلومات أو علاقات فى جهة عمله. *** وما سبق هو مجرد مثال لمجالات كثيرة يرى الاتجاه الإصلاحى إمكانية إحراز تقدم كبير فيها بخصوص مكافحة الفساد. وهناك امثلة ومجلات أخرى - يمكن العودة إليها بتفصيل أكثر – جرت مناقشتها فى الملتقى. وهذه النماذج المتنوعة أجملها " دليل إرشادى لمجتمع الأعمال" لمحاربة الفساد عن طريق العمل الجماعى. هذا الدليل الذى أعده البنك الدولى يهدف إلى "مساعدة الشركات على التصدى للتحديات القانونية والتنافسية والاقتصادية والخلقية التى يفرضها الفساد عليهم أثناء ممارستهم لأعمالهم فى أى مكان فى العالم". ويقول "دليل" البنك الدولى فى مقدمته أن الاهتمام كان يتركز فى السابق على الإجراءات التى يجب أن تفرضها الحكومات أو التى تقوم بها الشركات بشكل منفرد لتحسين نظم رقابتها الداخلية. لكن هناك تطورات مهمة حدثت فى مجال آخر يشار إليه عادة بتعبير "العمل الجماعى". حيث تم ابتكار أدوات جديدة تمكن الشركات من أن تتجمع سوياً وطوعياً لرفع مستوى الممارسات وخفض الفساد ومخاطر إهدار المنافسة على مشروع ما على أساس قطاعى. وتتراوح هذه الأدوات بين "تحالفات نزاهة" فى مجال المشتريات الخاصة إلى "مدونات سلوك" و "مبادرات سياسية عامة جماعية". والفكرة الضمنية وراء هذا "الدليل الإرشادى" أنه يمكن محاربة الفساد عن طريق عدد يزيد أو يقل من الاصلاحات الجزئية هنا وهناك. *** وفى مواجهة هذا الاتجاه الإصلاحى.. كان هناك الراديكاليون الذين شككوا فى جدوى مثل هذه الاصلاحات الجزئية نظراً لاتساع نطاق الفساد وتحوله إلى "مؤسسة"، بل إلى أقوى وأكبر مؤسسة فى مصر. بحيث أصبح من المستحيل محاصرة هذه المؤسسة، أى مؤسسة الفساد، دون تغيير شامل فى المجتمع والدولة، انطلاقاً من أن "السمكة تفسد من رأسها"، وأن محاربة الفساد فى ظل استفحاله بهذا النحو أصبحت مسألة سياسية فى المقام الأول. وبالتالى فإنه من قبيل تضييع الوقت وإهدار الجهد فى مناخ فاسد ومفسد ولا يتوقف عن إفراز فاسدين ومفسدين فى مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع عموماً، وحيث يوجد "تساند وظيفى" بين الفاسدين فى كل هذه المجالات، كما يوجد "تحالف" قوى بين مؤسسة الاستبداد ومؤسسة الفساد. ولا يمكن بالتبعية الحديث جدياً عن مكافحة حقيقية للفساد فى ظل استعصاء تداول السلطة مثلاً، أو فى ظل غياب "متعمد" لقانون ديموقراطى يكفل حق المواطن فى الحصول على المعلومات، أو فى ظل غياب آليات جادة للمحاسبة دون تمييز بين وزير وخفير. *** ورغم اتساع الشقة بين المدرسة الإصلاحية وبين المدرسة الراديكالية، فإن هناك مساحة مشتركة جمعت بين أنصار المدرستين (ومنهم أقطاب ورموز إصلاحيون فى الحزب الوطنى الديموقراطى الحاكم ذاته) ، يمكن البناء عليها – كفترة انتقالية – لارساء دعائم مفاهيم وثقافة وآليات النزاهة والشفافية كجزء أساسى من متطلبات مشروع "نهضة مصر" و"تحديث" مصر على قاعدة المواطنة والعقلانية والتسامح وإنفاذ القانون على الكبير قبل الصغير.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملتقي الجونة (1)
-
رغم تقرير الانجازات: الممارسات الاحتكارية.. تخرج لسانها للمن
...
-
تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
-
-التميمى- فى النار سبعين خريفاً
-
دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر
-
التعذيب .. بنظام »خدمة التوصيل إلى المنازل«!
-
رسالة عاجلة للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة .. هل وصل التمييز
...
-
قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر
-
نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل
-
هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
-
وراء كل -نصر- .. ابتهال
-
فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين
...
-
احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
-
حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح
...
-
لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم
...
-
وصف سيناء »44« منير شاش يتكلم.. اسمعوا وعوا
-
-تحسين مستوى العسل-.. مطلب من البرنامج الانتخابى للرئيس
-
الغاز تحتاج إلي حل .. القمة الرابعة عشرة للمجموعة الخمسة عشر
-
قمة مهمة.. لكن الكرة أهم (1)
-
-تهميش- مصر فى أفريقيا وآسيا .. وبلاد كانت تركب الأفيال
المزيد.....
-
فيديو يُظهر لحظة انهيار سقف في ملهى ليلي يضم أكثر من 300 شخص
...
-
رأي.. تيم سباستيان ورنا الصباغ يكتبان عن سياسات ترامب: ما ال
...
-
نجمة يوتيوب السيدة راشيل تستقبل مولودتها عبر أم بديلة
-
حلول طبيعية لمواجهة أضرار البلاستيك الدقيق في الجسم
-
كارثة في نادٍ ليلي بالدومينيكان: عشرات القتلى والمصابين
-
جنوب لبنان.. آمال منسية على شواطئ بحر من الدمار
-
ذئاب منقرضة تعود للحياة .. هل تعود الديناصورات أيضا؟
-
الأندر والأغلى في العالم.. جوهرة البحر الأبيض المتوسط في أبو
...
-
السفارة الأمريكية في سوريا ترحب بالإعلان الدستوري
-
الدفاع الروسية: إسقاط 158 مسيرة أوكرانية فوق مناطق متفرقة خل
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|