|
تخاريف رجال الأزهر 2
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 23:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الشبهة رقم 6: الكلام المتناقض يقول كبار "علماء" الأزهر: (((جاء فى سورة النساء: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً). ولكنّ الناقدين يقولون: (نجد فيه التناقض الكثير مثل: كلام الله لا يتبدل: كلام الله يتبدل (لا تبديل لكلمات الله ) (يونس 64): (وإذا بدلنا آية مكان آية..(النحل 101) (لا مبدل لكلماته ) (الكهف 27): (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ) (البقرة 106) (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر 9): (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (الرعد 39))) انتهى. هذه هي الشبهة التي أراد "علماء" الأزهر دحضها للمرة الأخيرة حتى لا يقول بها قائل بعد اليوم، فبماذا أتوا لدحض هذه الشبهة التي هي حقيقة ماثلة لكل ذي عقل؟ يقول "علماء الأزهر": ((الصورة الأولى للتناقض الموهوم بين آية يونس: (لا تبديل لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لا وجود لها إلا فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تمامًا. فالتناقض من أحكام العقل ، ويكون بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً فى الوجود فى محل واحد ، ولا يرتفعان أبداً عن ذلك المحل ، بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر ، مثل الموت والحياة. فالإنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا ولا يرتفعان عنه فى وقت واحد ، ومحال أن يكون حيًّا و ميتاً فى آن واحد ؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى محل واحد)) انتهى. يحاول الشيوخ هنا خلط الأوراق لتشتيت تركيز القاريء، فهم يجمعون بين التناقض اللغوي والتناقض الوجودي أو تناقض مكونات الوجود. فالتناقض اللغوي فرع كبير من فروع بلاغة اللغة العربية يُسمى الطباق، حيث يجمع الشاعر أو المتحدث كلمتين متضادتين في بيت شعر أو جملة واحدة، كما قال الشاعر العربي: الوجهُ مثلُ الصبحِ مُبْيضُّ *** والشَعرُ مثلُ الليلِ مُسودُّ ضدانِ لما أُستجمعا حَسُنا *** والضدُ يُظهرُ حسنه الضدُ أما التناقض الوجودي مثل بارد وساخن أو ميت وحي، فهذه صفات لمكونات الوجود من معادن وخلايا حية وأجرام سماوية. فسخونة الماء تنفي عنه البرودة، ولا يمكن أن يكون الماء ساخناً وبارداً في نفس الوقت، كما لا تكون الخلية حية وميتة في نفس الوقت لأن ذلك يتطلب تغييراً في فيزياء الأجسام يحولها من حالة طبيعية ألى حالة مضادة لها. ونحن هنا نتحدث عن آيات القرآن التي هي كلام منطوق أو مسموع، وما الكلام إلا لغة تتكون من كلمات تعارف عليها البشر لتعني أشياء مححدة يفهمها كل من يتحدث تلك اللغة. فليس هناك مجالٌ لإدخال التناقض الوجودي في نقاش آيات القرآن. وقولهم (فالتناقض من أحكام العقل ، ويكون بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً فى الوجود فى محل واحد)، تعريف لا يمت للعلم بشيء، إذ أن كلمة "الأمر" كلمة مبهمة يمكن أن تنطبق على أي شيء يخطر ببال الإنسان. وهناك أحكام أو قوانين الطبيعة التي لا يمكن أن يكون بينها تناقض لأن التناقض هنا يعني نهاية القوانين التي تحكم العالم وبالتالي نهاية الوجود، ولذلك اعتبر فلاسفة التنوير في القرن التاسع عشر أن الله هو قوانين الطبيعة. ولكن من ناحية الأجسام المحدودة فيمكن أن يجتمع الشيئان المتناقضان في مكان واحد في الوجود. فمثلاً عين الإنسان يجتمع بها الأبيض والأسود، وهما ضدان متناقضان. وفي نواة أي خلية حية Nucleus يجتمع عدد من الجزئيات الموجبة Protons مع عددٍ مساوٍ من الجزئيات السالبة Electrons. وفي جسم الإنسان تجنمع الخلايا الميتة مع الخلايا الحية، فجميع الخلايا السطحية في جسم الإنسان خلايا ميتة، وما تحتها خلايا حية، وبالتالي يمكن أن يجتمع الحي والميت في جسم واحد. وعليه فإن دفاع الشيوخ عن تناقض آيات القرآن بمحاولة الزج بتعريفات غير صحيحة في صلب النقاش، دفاع لا يُقنع المطلعين. أما إذا أرادوا إقناع العامة وأنصاف المتعلمين بذلك فقد يفلحون في مسعاهم، وهؤلاء أصلاً لا يحتاجون إقناعاً. ثم يقول لنا الشيوخ ((محال أن يكون إنسان ما لا حى ولا ميت فى آن واحد وليس فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلى إلا ما يدعيه الجهلاء أو المعاندون . والعثور على التناقض بين الآيتين المشار إليهما محال محال ؛ لأن قوله تعالى فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) معناه لا تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون الكائنات ، ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية. ومنها القوانين الكيميائية ، والفيزيائية وما ينتج عنها من تفاعلات بين عناصرالموجودات ،أو تغييرات تطرأ عليها. كتسخين الحديد أو المعادن وتمددها بالحرارة ، وتجمدها وانكماشها بالبرودة. هذه هى كلمات الله عزّ وجلّ)) انتهى وهذا هو المنطق الزئبقي الذي اشتهر به شيوخ الإسلام واستطاعوا بواسطته تغيير معاني الكلمات المتعارف عليها بين الناس، وأعطوا بعض الكلمات معانٍ هي الضد لما تعارف عليه أهل اللغة. فلو كانت كلمات الله هي القوانين الطبيعية من انكماش وتمدد المواد الطبيعية بفعل الحرارة والسخونة كما يقول الشيوخ، فكيف نفسر هذه الآيات من القرآن: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (الكهف 109). فنحن نعرف أن المداد يُستعمل لكتابة الكلمات المنطوقة، وواضح من الآية هنا أن الله أراد بكلمة "كلمات" الكلام المنطوق باللغة العربية وليس تبريد وتسخين الحديد. فالله لا يحتاج إلى القلم والدواة ليكتب قوانين الطبيعة. وكذلك يقول لنا القرآن (ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) (لقمان 27). مرة أخرى يتضح لنا أن كلمات الله يعني الكلمات التي تُكتب بالمداد والأقلام، وليس القوانين الطبيعية كما يزعم الشيوخ الزئبقيون. والآن بعد أن عرفنا أن كلمات الله هي الكلمات اللغوية، نرجو من الشيوخ أن يبينوا لنا معني هذه الآيات المتناقضة لغوياً: (فوربك لنسألنهم جميعا عما كانوا يفعلون) (الحجر 92)، (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون) (القصص 78)، و (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه أنس ولا جان) (الرحمن 36-39). فهل يسألهم الله يوم القيامة أم لا يسألهم؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً حتى لفاقد البصر؟ وكذلك (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال 1). فالأنفال أي الغنائم كلها لله ولرسوله. ثم يقول لنا في نفس السورة (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير) (الأنفال 41). والآن أصبح نصيب الله والرسول من الغنائم هو الخُمس فقط وأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين. حدث هذا التناقض بين الآيتين في نفس السورة، فهل يبدل الله فكره بهذه السرعة؟ أم هذه ليست كلمات الله؟ أم أن التناض هنا تناقض في قوانين الطبيعة وليس في القرآن؟ ويستمر الشيوخ في تبريراتهم الخاطيئة، فيقولون: (((ولا تناقض فى العقل ولا فى النقل ولا فى الواقع المحسوس بين مدلول آية: (لا تبديل لكلمات الله) وآية: (وإذا بدلنا آية مكان آية.).لأن معنى هذه الآية: إذا رفعنا آية ، أى وقفنا الحكم بها ، ووضعنا آية مكانها ، أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون الأولى. قال جهلة المشركين: (إنما أنت مفتَرٍ). فلكل من الآيتين معنى فى محل غير معنى ومحل الأخرى. فالآية فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) والآية فى سورة النحل: (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لكل منهما مقام خاص ، ولكن هؤلاء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى الآيات ، أو جعلوا الآيات بمعنى الكلمات زوراً وبهتاناً ، ليوهموا الناس أن فى القرآن تناقضاً. وهيهات هيهات لما يتوهمون))) انتهى. قد لا يكون هناك تناقض في النقل، ولكن هناك تناقض كبير في العقل. فالآية، كما أوضحنا لهم أعلاه، تعني الكلمات في السورتين المذكروتين ولا تعني القوانين الكونية. ولأن الشيوخ نزعوا الآيات التي التي أتوا بها عن سياقها العام ولم يأتوا بما بعدها، اعتقدوا أنهم يمكن أن يخدعوا الناس. والآية التي ذكرها الشيوخ مبتورةً تقول (وإذا بدلنا آيةً مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون. قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبّت الذين آمنوا وهدًى وبشرى للمسلمين. ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلّمه بشر لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (البقرة 101-103). وأعتقد أنه ليس هناك أدنى شك في أن القرآن عندما قال (وإذا بدلنا آية مكان آية) يقصد الآية القرآنية التي نزل بها جبريل، وجبريل لم ينزل لمحمد بقوانين الطبيعة. والدليل على أنه قصد الآيات المنطوقة هو قوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلّمه بشر ولسان الذي يُلحدون إليه أعجمي). فالقرآن هنا يتحدث عن الآية التي تُنطق باللسان، وليس الآية بمعنى المعجزة أو القوانين الطبيعية. وليس هناك أي مقام خاص لبعض الآيات، فالآيات جميعها في نفس المقام لأنها جميعاً كلام الله، كما يقول الشيوخ. وإذا بدل الله آية بآية أخرى وألغى الحكم بالآية الأولى ووضع مكانها آية أخرى، أليس هذا تغييراً لكلام الله؟ والذي يحيرنا أكثر أنه يقول في نفس السورة، بعد أن غير الآيات: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها) (البقرة 106). فإذا كان سوف يأتي بآية مثلها، لماذا نسخها في المقام الأول؟ ويستمر الشيوخ في غيهم واتهام الآخرين بالجهل، فيقولون: (((أما الآيتان (لا مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقد تقدم ذكرهما فى الجدول السابق. هاتان الآيتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون الأسود: فآية الكهف (لا مبدل لكلماته) معناها لا مغير لسننه وقوانينه فى الكائنات. وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده الواقع المحسوس والعلم المدروس. وحتى لو كان المراد من " كلماتـه " آياته المنـزلة فى الكتاب العـزيز "القرآن" فإنه ـ كذلك ـ لا مبدل لها من الخلق فهى باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها))) انتهى. وكالعادة، حاول الشيوخ تمويه الحقيقة فبتروا الآية من سورة الكهف، والآية تقول (وأتلُ ما أوحي إليك من ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا). فكلمة "لا مبدل" جاءت بعد التلاوة، أي بعد أن قال له (وأتل ما أوحي إليك). ولا أظن أن إنسان عاقل يمكن أن يقول إن الكلمات هنا مقصود بها سنن الطبيعة، فمحمد لم يكن يتلو سنن الطبيعة وإنما يتلو الآيات التي أتى بها جبريل، كما قال. وحتى إذا كان المقصود من "الآيات" هو سنن الله في الكائنات، فنحن نستطيع الآن تغيير بعض سننه في الكائنات. فسنة الحياة تقول لابد أن يجامع ثور بقرةً حتى ينتج عن هذا اللقاء عجل صغير. ولكن نحن الآن بإمكاننا أن نستنسخ عجل صغير من خلية واحدة من بقرة دون أن يمسها ثور. وقد نجح العلماء الحقيقيون في خلق خلية في المختبر لا تختلف عن الخلايا الحية الأخرى، وهذا أول الطريق، وسوف يخلقون خلايا أخرى كثيرة في المستقبل، وربما يخلقون جراثيم ومخلوقات أخرى. ومن سنن الكون أو آيات الله، يقول الله في القرآن (ونقر في الأرحام ما نشاء) (الحج 5)، ونحن الآن نستطيع أن نقر في الأرحام ما نشاء. فإذاً سنن الله أو آياته يمكن تغييرها، وليس كما يقول الشيوخ: "لا يستطيع أحد أن يغير سنن الله فهي باقية محفوظة كما أنزلها الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها." وقد تنازل الشيوخ بعض الشيء وقالوا: (وحتى لو كان المراد من " كلماتـه " آياته المنـزلة فى الكتاب العـزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ لا مبدل لها من الخلق فهى باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل) انتهى. فكلمات الله كما نعرفها قد غيرها الله عدة مرات، وغيرها أصحاب محمد مرات عديدة وقرءوا القرآن قراءات بها كثير من الاختلاف بين الآيات. فمثلاً (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) (القصص 15) قرأها سيبويه (فاستعانه الذي من شيعته)، لأن الحروف لم تكن منقطة. وكذلك ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق) (سورة ص 2)، قرأها بعضهم (في غرة وشقاق). وكذلك ( لتكون لمن خلفك آية) قرأها ابن مسعود وغيره (لتكون لمن خلقك آية). وفي سورة المعارج (تعرج الملائكة والروح إليه) قرأها ابن مسعود (يعرج الملائكة والروح إليه) على أساس أن الملائكة ليست إناثاً حتى نقول تعرج. والقرآن نفسه كان قد نفى الأنثوية عن الملائكة وقال عن المشركين إنهم يسمون الملائكة أسماء الأنثى (إن الذين لا يؤمنون ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) (النجم 27)، وقال لهم محمد في الحديث "ذكرّوا الملائكة ولا تؤنثوهم" (القرطبي في شرح الآية 1-4 من سورة المعارج)، ولذلك قرأ ابن مسعود (يعرج الملائكة). فسواءً كانت كلمات الله هي قوانين الطبيعية أو كلماته المنطوقة فكلاهما يمكن تغييره، وقد غيرهما البشر مراراً وتكراراً. ثم استمر شيوخ الأزهر وقالوا: ((أما آية البقرة: (ما ننسخ من آية ) فالمراد من الآية فيها المعجزة ، التى يجريها الله على أيدى رسله. ونسخها رفعها بعد وقوعها. وليس المراد الآية من القرآن ، وهذا ما عليه المحققون من أهل التأويل. بدليل قوله تعالى فى نفس الآية: (ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير )) انتهى. نعم عرفنا أن الله (إنْ وُجد) على كلٍ شيء قدير، ولكن متى أتى بمعجزة للأنبياء السابقين ثم رفعها. وكيف يرفع مثلاً معجزة شق البحر الأحمر وعبور بني إسرائيل وإغراق فرعون وجنوده (إذا كانت قد حدثت) بعد أن عبر العبرانيون البحر ثم رجع البحر كما كان؟ هل يشق الله البحر مرة أخرى ويرجع بني إسرائيل إلى مصر ويُحيي فرعون؟ أرجو من شيوخ الأزهر أن يحترموا عقول الناس حتى وإنْ كانوا لا يحترمون عقول بعضهم البعض. ثم يتحفنا الشيوخ بأغلى دررهم فيقولون: (((أما الآيتان الأخيرتان الواردتان فى الجدول ، وهما آية الحجر: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فلا تعارض بينهما كذلك ؛ لأن الآية الأولى إخبار من الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ، ومن كل آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ، فظل القرآن محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود الزمنى ، ومن أشهرها التوراة وملحقاتها. والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى عليه السلام. أما الآية الثانية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه أحد. فإرادته ماضية ، وقضاؤه نافذ ، يحيى ويميت ، يغنى ويفقر ، يُصحُّ ويُمْرِضُ ، يُسْعِد ويُشْقِى ، يعطى ويمنع ، لا راد لقضائه ، ولا معقب على حكمه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسـألون ) فأين التناقـض المزعوم بين هاتين الآيتين يا ترى ؟ التناقض كان سيكون لو ألغت آية معنى الأخرى. أما ومعنى الآيتين كل منهما يسير فى طريقٍ متوازٍ غير طريق الأخرى ، فإن القول بوجود تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ، ولكن ماذا نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ، ويتوارى العقل وراء دياجير الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ، على ما ورد فى الجدول المتقدم ذكره.))) انتهى. أولاً يجب على شيوخ الأزهر أن يكونوا أمناء مع أنفسهم ولا يبخسوا الناس أشياءهم. فالذكر لا يعني القرآن فقط. فهاهو القرآن يقول لقوم نوح (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا لعلكم ترحمون) ( الأعراف 63). ويقول لقوم هود (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) (الأعراف 69). ويقول لمحمد (وما أرسللنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (الأنبياء 7). وأهل الذكر في زمن محمد كانوا اليهود الذين نزل عليهم الذكر قبل القرآن ولذلك نصح الله نبيه أن يسألهم عن الأنبياء السابقين وعن رسالاتهم. فنرى هنا أن الذكر لا يعني القرآن فقط، بل كل الرسالات السماوية. فإذا قال الله إنه أنزل الذكر وإنه له لحافظ، فهذا يعني أنه حفظ التوراة والإنجيل من التحريف، ولكن مع ذلك يصر شيوخ الأزهر أن التوراة والإنجيل محرفتان. وهذا في حد ذاته يُثبت أن قرآنهم ليس من عند الله لأن الله لم يفِ بكلمته ويحفظ الذكر الذي في التوراة والإنجيل. أما التناقض فواضح في أنه قال إنه نزل الذكر وإنه له لحافظ وفي نفس الوقت يقول (يمحمو الله ما يشاء ويُثبّت) وقد ذكر السيوطي في الإتقان أنّ مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لقوم ذات يوم "اخبروني بآيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال مسلمة: إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون، والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةِ أعين جزاءً بما كانوا يعملون") (الإتقان في علوم القرآن، ج2، 25، نقلاً عن الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن نصر البغدادي، ص 31). فإذاً الله قد محا هذه الآية من القرآن، وهذا يُثبت أن كلام الله يتغير. وإذا كان لم يمحها، فإذاً القرآن ناقص ومحرّف لأن هذه الآية في نظمها لا تختلف عن آيات القرآن العادية وهي غير موجودة بالمصحف الذي بين أيدينا. وكذلك تغيب عن المصحف سورة الحفد والرفد والمعروفة. وكان الشيوخ كرماء في رددوهم على الملحدين، فأضافوا هذا القول (((وهناك شبهة أخرى يمكن سردها بإيجاز: 1- إنهـم توهـموا تناقضـاً بين قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) (السجدة 5). وبين قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) (المعارج 4). وفى عبارة شديدة الإيجاز نرد على هذه الشبهة الفرعية ، التى تصيدوها من اختلاف زمن العروج إلى السماء ، فهو فى آية السجدة ألف سنة وهو فى آية المعارج خمسون ألف سنة ، ومع هذا الفـارق العظيم فإن الآيتين خاليتان من التناقض. ولماذا ؟ لأنهما عروجان لا عروج واحد ، وعارجان لا عارج واحد. فالعارج فى آية السـجدة الأمر ، والعـروج عروج الأمر ، والعارج فى آية المعارج هم الملائكة والعروج هو عروج الملائكة. اختلف العـارج والعـروج فى الآيتين. فاختلف الزمن فيهما قصـراً أو طولاً. وشرط التناقض ـ لو كانوا يعلمون ـ هو اتحاد المقام))) انتهى. أولاً: ما هو الأمر الذي يدبره الله من السماء؟ أختلف شيوخ الإسلام في تعريفه، فقال ابن عباس: هو القضاء والقدر، وقيل نزول الوحي مع جبريل، وقيل يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل. جبريل موكل بالريح والجنود، ميكائيل موكل بالقطر والماء، ملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل بالأمر عليهم. وهذا هو الأمر الذي يدبره الله من السماء إلى الأرض في ألف سنة مما نعد. ثم يعرج هذا الأمر إليه في يوم كان مقداره ألف سنة. فهذا الأمر الذي يدبره الله في السماء وينزله إلى الأرض، سواءً أكان القدر أو الوحي، يعرج إليه في يوم مقداره ألف سنة مما نعد. وكيف يعرج هذا الأمر إليه بهذا البطء؟ أليست الملائكة هي الرسول بين السماء والأرض؟ فعروج الأمر يعني في الواقع عروج الملائكة. ثانياً: الروح هو جبريل حسب قول القرآن (نزل به الروح الأمين) (الشعراء 193). فإذاً الملائكة أو إسرافيل ينزل بالأمر إلى بقيتهم في ألف سنة، ثم يصعد جبريل ومكائيل إلى السماء في يوم مقداره خمسين ألف سنة. كيف نزل جبريل في لمح البصر ليخبر محمد أن الله زوجه زينب بنت جحش مباشرةً بعد أن طلقها زيد؟ فيبدو أن جبريل عندما ينزل من السماء تساعده الجاذبية الأرضية فينزل في لمح البصر، ولكن عندما يعرج إلى السماء تعمل الجاذبية عكسه فيكون معراجه في خمسين ألف سنة مما نعد. وحقيقة الأمر أنه ليس هناك أي اختلاف في عروج الملائكة وعروج الأمر لأن الأمر لا يعرج بنفسه إنما تحمله الملائكة، ومنهم جبريل. فكفانا أيها الشيوخ من بهلوانياتكم وانظروا من منا في دياجير الظلام.
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخاريف رجال الأزهر 1
-
الدكتور سيد القمني وتأخر المسلمين - تعقيباً على القراء 2-2
-
الدكتور سيد القمني وتأخر المسلمين: تعقيباً على القراء 1-2
-
الدكتور سيد القمني وتخلف المسلمين
-
شيخ الأزهر الجديد وتربيع الدائرة 2-2
-
شيخ الأزهر الجديد وتربيع الدائرة 1-2
-
نساؤهم ونساؤنا
-
لماذا يزداد تخلفنا
-
مقارنة بين البوذية والإسلام
-
كيف خلقنا الآلهة والأديان 2-2
-
كيف خلقنا الآلهة والأديان 1-2
-
البطريرك إبراهيم وميثولوجيا الشرق 2-2
-
البطريرك إبراهيم وأساطير الشرق 1-2
-
طول اليوم الإلهي
-
القرآن وبنو إسرائيل 4-4
-
القرآن وبنو إسرائيل 3-4
-
القرآن وبنو إسرائيل 2-4
-
يهود الأندلس
-
في استراحة القراء 1
-
القرآن وبنو إسرائيل 1-4
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|