أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار ياسر الحيدر - لمحات تاريخية من مسيرة المرأة الصابئية المندائية















المزيد.....



لمحات تاريخية من مسيرة المرأة الصابئية المندائية


نزار ياسر الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 3084 - 2010 / 8 / 4 - 20:27
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تؤكد الديانة المندائية على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وتتجلى هذه المساواة من عملية الخلق المندائي الأول حيث تم خلق آدم وحواء في نفس الوقت (*ومن التراب والطين الأحمر، والدم والمرارة .. ومن سر الكون ، جبل آدم وحواء ..وحلت فيهما نشمثا " النفس " بقدرة ملك النور) وعندما بدأت الحياة بدأت مرة واحدة في جسد آدم وحواء فكانوا متكافئين في الخلق ألا فيما أوكل لهما من واجبات في الحياة الدنيا .

لقد حرم الدين المندائي الرهبنة وفرض الزواج على كل المندائيين رجالا ونساء وأوجب عليهم أن ينجبوا أن يتمكنوا من ذلك (*الرجال الزاهدون في النساء ، والنساء الزاهدات في الرجال كذلك يموتون ، ومصيرهم الظلام حين من أجسادهم يخرجون ) ، (*لا تكونوا كالنبت الرديء يشرب الماء ولا يعطي الثمر ) ، (*أيها الرجال الذين تتخذون نساء أنجبوا ، فان لن تنجبوا ذهبت ذريتكم ) ، لقد أكد الدين المندائي أن يكون الاقتران بين الأزواج المندائيين حصرا (*أذا اتخذتم لأنفسكم أزواجا فاختاروا من بينكم وأحبوهن، وليحفظ أحدكم الآخر واعتنوا يبعضكم عناية العيون بالأقدام ) ، كما أكدت تعاليم الدين المندائي على التمسك بالمثل والأخلاق العالية التي تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة ويوصي النساء (*أيتها النساء اللواتي تكن للرجال حذار مما لا يرضي الله ولا يحسن لدى الناس، الزنا والسرقة ، وإياكن وعمل السحر أنه من رجس الشيطان ، الزوجة الصادقة تهب الحب الصادق , لا ينفصل بعضكم عن بعض حتى تنتهي أعماركم ) ، أن هذه العلاقة المتكافئة التي تؤكد عليها الديانة المندائية وهي أول الديانات التوحيدية على وجه الأرض فهي بذلك تكون صاحبة أرقى نظرة لمسألة الجندر عندما لا تميز بين الرجل والمرأة.



كيف لنا ان نتخيل الحالة الاجتماعية العامة للصابئة المندائيين قبل قرن من اليوم وهم كانوا يعيشون متلاصقين مع ضفاف الأنهار و الاهوار جنوب العراق حيث كان العراق والمنطقة يرزحون تحت سيطرة الدولة العثمانية وهي تعيش آخر أيامها وكانت تسمى الرجل المريض فالدولة المريضة تحكم شعوب مريضة متخلفة وهم على هذا الحال لأكثر من أربعة قرون خلت ، لقد كان الصابئة المندائيون عيون الدولة العباسية وبلاطها فآل الصابي وآل قرة هم جواهر التاج العباسي بآدابهم وطبهم وهندستهم وترجمتهم وفلسفتهم وعلوم الفلك فبعد هذا المجد وسقوط الدولة العباسية دخل العراق بنفق مظلم أعشى الأبصار لأربعة قرون من الظلمة القاتلة فكان اختبارا للأصالة والثبات على المثل والأخلاق فكانت النتيجة أن دين بهذه المثل والأخلاق ظهر مرة أخرى من النفق الطويل المظلم وهو يحمل نفس المبادئ لكنه خرج متعبا متشبث بالبقاء والحياة يقنع بالكفاف كعادته لا يلهث وراء ملذات الحياة الفانية والتي يعتبرها دينه ما هي إلا سفرة قصيرة كي تعود النفس إلى كنهها في عالم الأنوار.

لقد تركز سكن المندائيون في مناطق كانت تعيش أسوأ حالات العيش والتخلف ألا وهي المنطقة الجنوبية من العراق فبالإضافة إلى شظف العيش فكانت تحكم المنطقة حياة عشائرية أقطاعية متخلفة تتحكم بمصائر المجتمع وكان الصابئة يعيشون عيشة هامشية يتحالفون مع العشائر المحيطين بهم ويسمونهم ذبابة جرش وينظرون أليهم بشرمن الدرجة الثانية نسبة لأبناء العشيرة

فأكتسب المندائيون من هذه العشائر كل عاداتهم وتقاليدهم ونمط معيشتهم وكانوا يتميزون عنهم بمهنهم الحرفية المختلفة مثل الحدادة والنجارة والصياغة وتصليح وصناعة الأسلحة ولان المجتمع زراعيا بحتا فالفلاحون هم بحاجة دائمة للمندائيون ولا يستطيعون الاستغناء عنهم .

لقد ثبت المندائيون أنفسهم مع هذه القبائل بدماثة أخلاقهم وإنسانيتهم وجنوحهم للسلم وحرفيتهم العالية في مجال عملهم وعلى مرور الزمن استطاع المندائيون من رسم حدود لعلاقاتهم بينهم وبين الآخرين واستطاعوا الحفاظ على ديانتهم من الاختراق في أغلب الأحيان والحفاظ على نسائهم بشكل عام إلا ما ندر من حالات النهب قياسا للمجتمع القاسي الذي يعيشون بين ظهرانيه .



لقد كانت المرأة المندائية امرأة مناضلة قوية متدينة فهي التي تحافظ على بيتها وأولادها وهي التي تزرع القيم والأخلاق الدينية في عقول ونفوس أولادها وبناتها وهي التي ترعى بيتها وضيوفها وما يحتاجه بيتها وتربي الحيوانات التي تغذي العائلة وتحول الحياة البسيطة البدائية إلى واحة من القناعة والحب وخالية من أية تعقيدات وتراعي رغبات زوجها المتدين أيضا بالفطرة بعد إن كانت الأمية هي السمة الغالبة لتلك الحياة التي أحجبت التطلع إلى أية طموحات قد تخرج أكثر من متطلبات العيش والحياة وكانت تعاليم دينه البسيطة والتي توارثها بالفطرة هي التي يوزن بها مبادئ الخير والشر .

لقد كان للأحداث التي توالت على العراق بعد الاحتلال البريطاني لها الفضل الكبير من إن يتحرر المندائيون من سجنهم هذا فقد انفتحت الآفاق لهم بعد إن تعددت معسكرات الجيش البريطاني وخلقت فرص عمل كثيرة أمام المندائين خاصة وإنهم حرفيون مبدعون إضافة إلى أنهم يملكون مهنة فنية لا يملكها غيرهم إلا وهي مهنة الصياغة والتي أبدعوا باستنباط صياغات للفضة أحبها البريطانيون والتي اعتبروها جزءا من الاتكيت البيروقراطي للانكليز أضاف إليها المندائيون نقش معالم العراق الأثرية وطعموها بالميناء السوداء والتي ابتكرها المندائيون وأعجبت الانكليز ومن عمل معهم وتميز بصياغتها المندائيون وأطلقوا عليها اسم ( شغل صبة ) أو Amara Work نسبة إلى مدينة العمارة .

لقد كان المندائيون يذهبون إلى المدن التي يتجمع فيها الانكليز منفردين كي يعملوا هذه الصناعات الفلكلورية المتميزة والتي كان الانكليز يرغبون باقتنائها ويتركون عوائهم في مدنهم الأصلية في الجنوب بالقرب من أهلهم وذويهم ليعودوا لزيارتهم قبل الأعياد الدينية المندائية محملين بالأموال والمتاع وكل ما تحتاجه العائلة بين عيدين ويبقوا لأسابيع ثم يعودوا الى أماكن عملهم وحوانيتهم او يتناوبون فيما بينهم كي لا يغلقوا حوانيتهم وتنقطع أرزاقهم ، وهنا يأتي دور المرأة المندائية التي تتحول إلى أم وأب أثناء غياب زوجها عن داره طلبا للرزق فهي ترعى أولادها وبناتها وتحافظ عليهم وتراعي احتياجات بيتها والاهتمام بمعيشة عائلتها لحين قدوم زوجها أو زيارته والحفاظ على مندائية أولادها وبناتها وتحرص إن ترعى بناتها بالأخص وتحافظ عليها من أية مخاطر تتعرض لها البنت الشابة المندائية حتى إذا ما وصلت لسن الزواج فتكون الأم قد ربت البنت على أحسن ما يكون لتكون ربة بيت متكاملة مندائية الدين والهوى وهكذا تستمر دورة الحياة الخالية من أية تعقيدات لكن سمة هذه المرحلة هي تفشي الأمية التي حجمت من تطلعات هذا الجيل .



كنتيجة للحكم الوطني افتتحت مدارس في مدن الجنوب استوعبت الكثير من شباب وشابات الطائفة الذين اظهروا تفوقا منقطع النظير فسرعان ما تخرج منهم عشرات بل مئات المعلمين وعشرات المعلمات سدوا حاجة تلك المدارس من معلمين وانتشروا بين القرى والقصبات يعلمون أجيال من الأميين من العراقيين كما تخرج أيضا أعداد كثيرة من الموظفين الصحيين الذين كانوا يقومون بعمل الأطباء الذين كانوا عملة نادرة في ذلك الحين ويعالجون الناس من أمراض السل والبلهارزيا و الدزنتري و أمراض العيون مثل الرمد والتراخوما وقد كان لجهودهم تلك الأثر الكبير بإنقاذ الكثير من الناس ، على الرغم من انخراط العديد من الشابات المندائيات إلى المدارس وتخرج العديد منهن كمعلمات قديرات إلا أن المرأة المندائية ظلت حبيسة البيت ترعى أطفالها وتدير شؤونه لكنها كانت من هذا الموقع خير معين لأولادها وبناتها لحرصها أن تدفعهم للانخراط في المدارس فلعبت دورا كبيرا بتشجيع أولادها وبناتها للاستمرار في الدراسة بل وحتى التفوق فيها وهذا ما كان السمة الأساسية لمعظم التلاميذ المندائيين .



أن تطور الحياة في خمسينات القرن الماضي وتخرج جيل من الشباب المثقف شجع العوائل المندائية إلى النزوح إلى مدن وحواضر العراق الرئيسية البصرة أو بغداد ليستقروا فيها ويعملوا في أسواقها ويتيحوا الفرصة أمام أبنائهم وبناتهم من الاستمرار في التعليم الجامعي الذي كان غير متيسرا في مدن الجنوب آنذاك وكمثال على ذلك المندائيون الذين استقروا في بغداد فقد شكلوا ظاهرة جديدة على المجتمع البغدادي في تجمعاتهم قرب الأنهار وممارسة لشعائرهم التي كانت غريبة على البغداديون كذلك تجمعهم بالأسواق الرئيسية بعد إن فتحوا حوانيت لهم لصياغة الفضة والذهب في شارع النهر قرب جسر الأحرار فكان سوقا مميزا لصياغة الفضة الذي كان يزوره الأجانب و العوائل الراقية من العراقيين ليتمتعوا بمشاهدة هؤلاء المندائيين وهم يعملون بأدواتهم البسيطة تحفا فنية روعة في الجمال والإتقان وتركزوا أيضا في منطقة خان الشاهبندر بعد أن ترك اليهود فراغا سده المندائيون بعد إسقاط الجنسية عنهم في الخمسينات فكان سوقا عامرا لصاغه الذهب المندائيين يؤمه العراقيون وهناك سوقا ثالثا أكثر شعبية ويميل للذوق الريفي في منطقة باب الشيخ بجوار الحضرة الكيلانية .

لقد استمر الدور التقليدي للمرأة المندائية برعاية أسرتها ومسؤوليات البيت ورعاية الأولاد وكانت تتحمل أعباء التربية خاصة وان زوجها يذهب إلى عمله صباح كل يوم ولا يعود إلا عند المساء لذلك فأن المسؤولية الحقيقية كانت هي مسؤولية المرأة .

لقد كان لانخراط الشباب المندائي في معاهد وكليات بغداد في خمسينات وستينات القرن الماضي واحتكاكه مع تنظيمات الحركات السياسية التي ترفع شعارات التقدمية والعدالة الاجتماعية وتحلم ببناء عراق يتسع لكل مكوناته ويساوي بينها . لقد كان انتماء شباب الصابئة المندائيين إلى هذه الحركات سيف ذو حدين فمن جهة كان لهذا الانتماء تأكيدا لوطنية المندائيين عموما ومن جهة ثانية ألب عليهم أعداء هذه الأفكار وكل من تقاطع معها وهذا ما رأيناه مما جرى عليهم بعد انقلاب شباط 1963 وما رافقه من بطش وقتل واعتقال وقطع أرزاق وتشريد بعد أن سحق التيار اليساري آنذاك فكانت حصة المندائيين من كل ذلك كبيرة استمر تأثيرها حتى يومنا هذا ، لقد كانت للمرأة المندائية حصة من كل ما جرى فلم تسلم من المطاردة والاعتقال والتعذيب والاعتداء بمختلف الوسائل حالهن حال الرجال المندائيين . وهذا حتما سيسجله التاريخ للمرأة المندائية بأحرف من نور وسيذكرهذا لها ماحيين.



لقد كان لتلاحق الأحداث التي مرت على العراق فيما بعد قد انعكس على الوضع العام للمرأة المندائية اقتصاديا بسبب ارتفاع أسعار النفط بعد تأميمه بداية السبعينات والاستقرار النسبي للأوضاع السياسية آنذاك بعد أن حصلت طفرة اقتصادية بحياة العراقيين ومنهم المندائيون وكان للمرأة حصة بهذا التطور فقد انخرطت بالحياة العامة بعد أن أكملت دراستها في المعاهد والجامعات وبدأت تشتغل في مختلف الاختصاصات المختلفة وأثبتت جدارتها فكان منهن الطبيبات والمهندسات والأكاديميات والأديبات والإداريات والمعلمات والفنانات ولم يبقى مجال إلا ودخلته وكان مشهودا لها بالتفوق العلمي والوطنية العالية والإخلاص والشعور بالمسؤولية .

لم تستمر حالة الاستقرار النسبي إلى ما لا نهاية ولم تتطور نحو الأحسن لسوء الحظ وبسبب الحكم الدكتاتوري الشمولي ، تدهور الوضع السياسي للعراق نهاية السبعينات ودخل العراق في بداية الثمانينات بحرب دموية مدمرة استمرت ثمان سنوات مع إيران لم يسلم منها أي بيت عراقي فقد أحرقت الحرث والنسل فكان شباب الصابئة المندائيين إحدى مصادر أوارها فقد جند لها كل من ولد عام 1945 والى عام 1970 أي بمعنى أن كل الشباب الذين ولدوا خلال خمسة وعشرون عاما في العراق أصبحوا وقودا لهذه النار المستعرة ، إضافة إلى من شملتهم فيالق الجيش الشعبي من كبار السن أو من كانت وظائفهم تعمل لخدمة الجهد العسكري للحرب .

لقد كانت نتائج هذه الحرب كارثة على الجميع وخاصة المندائيون بسبب عددهم ، فتعطلت الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتحطمت البنية التحتية للعائلة فقد سقط المئات من الشهداء المندائيين وجرح المئات وتعوق واسر المئات وتخلف الكثير من إكمال دراستهم وإكمال تحصيلهم العلمي فانعكس كل ذلك على المرأة المندائية مرة أخرى . لقد كان للمرأة الزوجة المندائية دور رائع في هذه المحنة التي مرت على العراق فكانت هي الأم والأب للعائلة تحملت مسؤولية الحياة وصعوبتها عند غياب زوجها لأسابيع عدة ليأتيها سالما لزيارة عائلته لمدة أسبوع أو اقل ليترك زوجته مرة أخرى تتحمل مسؤولياتها الصعبة ولأكثر من ثماني سنوات متعاقبة ، ومن جهة أخرى تركت هذه الحرب أكثر من جيل من الشابات المندائيات العوانس من اللائي لم تتح لهن الحرب الفرصة بتأسيس أسرة مندائية تضاف إلى المجتمع المندائي الذي هو بحاجة أصلا للتنمية السكانية بسبب عدد أبناءه القليلين .



وما كادت أن تنتهي حرب ألثمان سنوات مع إيران ويعود الجنود إلى أهلهم ويعود الأسرى ويشفى الجرحى حتى زج العراقيون مرة أخرى في حرب أخرى بعد دخول الجيش العراقي للكويت ونكيء جرح العراقيين مرة أخرى وهو الذي لم يشفى بعد وبدء النزف من جديد وبدأت معانات العائلة العراقية والمندائية بمعانات جديدة خاسرة حتما وتكررت المأساة مرة أخرى ودفعت الطائفة خيرة شبابها الناجين من الحرب الأولى مرة أخرى لساحات الوغى فمنهم من استشهد ومنهم من فقد ومن جرح ومن أسر فتحطمت آمال الشباب والشابات المندائيين في بناء اسر مندائية يعيشون فيها كانوا يحلمون بتكوينها حالهم حال أي شاب في العالم .

ونتيجة لهذه الحروب العبثية والاستبداد فرض حصار جائر وظالم على الشعب العراقي ولم يكن له تأثير واضح على الحاكم بل زاد من طغيانه وقمعه وعنجهيته . هنا بدأ الكثير من المندائيين جديا بالهجرة خارج العراق والبحث عن وطن بديل يكون ملاذا آمنا لهم بعد سلسلة من المعانات لهم ولأسرهم وأولادهم ، لقد كان ذلك قرارا صعبا لهذه العوائل المندائية ، فكيف لهم أن يقلعوا جذورهم من تربة العراق وإعادة إنباتها في تربة غريبة عن أصولهم وهم أهل وجذر العراق!!؟؟مرة أخرى كان مطلوبا من المرأة المندائية أن تضحي ببيتها ومقتنياتها واستقرارها ومستقبل ووحدة عائلتها ومستقبل أولادها فدخلت مرة أخرى في دوامة معانات من نوع جديد بعد ان جمعت كل ما تملك هي وزوجها لتدفعه ثمنا لعصابات التهريب كي تصل بسلام إلى وطن جديد يحفظ لها ولعائلتها كرامتها إلا أن هذه الأماني لم تتحقق للعديد من هذه العوائل التي تم النصب عليها من قبل مافيات التهريب فترى العديد منهم عاد إلى العراق بعد أن فقد ما يملك والبعض منهم انشطرت عائلته مرة أو مرتين فأصبح الزوج في مكان والزوجة في مكان آخر وأولادهم في مكان ثالث وتبقى هذه المصيبة اقل هونا من مصيبة الذين غرقت بهم مراكب التهريب الصدئة وهم في طريقهم الى استراليا فأي كرامة لهذا الإنسان المعذب الذي كل ذنبه انه عراقي مندائي !!!؟ لقد خاطر الكثير من المندائيين بتهريب زوجاتهم وبعض أولادهم وبناتهم املآ بان يستقروا في بلد المهجر وبعدها يقوموا بترتيب سحب للزوج بشكل رسمي بسبب ارتفاع أجور التهريب عندها ستنشطر هذه العوائل وستكون الزوجة في مكان والزوج في مكان آخر وهنا تبدأ معانات الزوجة من جهة ومعانات باقي عائلتها من جهة ثانية وربما تطول هذه المعانات لسنوات طويلة صعبة فيها الكثير من التحديات الحقيقة لها لكن في الغالب كانت المرأة المندائية على مستوى عالي من القدرة والتحدي ونجحت إلى لم شمل عائلتها وأثبتت أنها امرأة أصيلة وملتزمة ومجاهدة لم تهزها المصاعب ولا الغربة .

أما ما تبقى من المندائيون في العراق وتحملوا عبأ الحصار والحياة الصعبة التي تدنى مستواها إلى مستويات خطرة جدا وخاصة الجانب الاقتصادي بعد أن انخفضت قيمة الدينار وتدنت الرواتب والأجور إلى أدنى المستويات وفقد الأمان وانتشرت الجريمة وانحسرت الحريات العامة وخاصة حرية المرأة وحرم الشعب ككل من كل ما يحسب على الجانب الغير أساسي لإدامة الحياة ومما زاد الطين بله تبني الحكومة وقيادة العراق للحملة الإيمانية التي ضغطت بشكل كبير على ما تبقى من الحريات وخاصة حرية المرأة التي عانت الكثير من هذا الموضوع فأجبرت المرأة المندائية إلى ارتداء الحجاب الإسلامي وحرمت من حريتها بالشارع وبدأت ضغوطات مبطنة بالترغيب ثم بالتهديد لاعتناق الدين الإسلامي وحصلت الكثير من الحوادث وتكررت الاعتداءات بعد أن أطلقت صيحات منابر الجوامع وخطب الجمعة بمهاجمة غير المسلمين وإطلاق الدعوات لاستباحة نسائهم وأموالهم . لقد كان للصابئة المندائيين صمودا بطوليا لمقاومة هذه الدعوات والحفاظ على وحدة العائلة المندائية وصد الضغوط التي تحصل على أولاد وبناة هذه العوائل داخل المدارس والجامعات والدوائر الرسمية بالرغم من ما تظهره الدولة على إنها ضد هكذا ممارسات لا تقبل بها وتعاقب من يجاهر به لكن مجرد تبني الدولة لهذا النهج الإسلامي شجع القوى المتطرفة لان تضغط لتحقيق مآربها ، لقد تعرضت المرأة المندائية لضغوطات كبيرة وفي جميع الأماكن التي ترتادها إلى تبديل دينها واعتناق الإسلام وارتداء الأزياء الإسلامية بحجة أن المجتمع أسلامي وعلى جميع النساء أن يتماشين في ملابسهن مع المسلمين !!!؟.

لقد كانت المرأة المندائية ولعقود هي الضحية الأبرز لكل مامر من مصائب على العراق. أن أنبثاق قيادات ناضجة منتصف التسعينات لقيادة الطائفة وتبنيها المشروع الثقافي وتحقيق منجزات سجلت للصابئة المندائيين وتطويرا لنشاطات النادي الاجتماعي للطائفة في بغداد ( نادي التعارف ) فقد تأسست مؤسسات عززت أانتماء المندائيين إلى ديانتهم لأنها جاءت في الوقت المناسب فكانت المحكمة المندائية واللجنة الاجتماعية والمدرسة المندائية ولجنة الشباب المندائي ومركز البحوث والدراسات المندائية ومجلة آفاق مندائية ومشاريع الزواج المندائي الجماعي والنشاطات والكرنفالات الاجتماعية المندائية لها دور كبير بالتفاف وتعميق العلاقات بين أجيال الشباب لتكوين الأسرة المندائية بالرغم من الأحوال العامة المتدنية آنذاك ، لقد توجت هذه المرحلة بإنجاز كبير جدا في تاريخ الطائفة بترجمة كتابنا المقدس كنزا ربا ونشر محتوياته واطلاع جميع المندائيين عليه واحتفاظهم بنسخ منه في بيوتهم لتحصينهم وإعادة الثقة في نفوسهم بعد إن كانوا يسمعون به ولا يروه وألان أصبح حقيقة واقعة يتداولونه ويستطيعون قراءته ويفهمون محتواه ويجادلون في إحكامه ويفتخرون به لما فيه من مثل وأخلاق عالية تحترم العائلة وتدعوها للتمسك بأخلاقياته كما انه يحتوي على نصوص واضحة وجلية لمساواة الرجل والمرأة والمكانة المحترمة لها في تكوين العائلة .



لقد كانت أحداث عام 2003 وما مر على العراق بعدها هي القشة التي قصمت ظهر البعير فقد دخل العراق بحرب طائفية دموية خطرة سحق الصابئة المندائيين بين رحى هذه الحرب ودنست كرامتهم بين أرجل العصابات والمليشيات المتطرفة الدينية والتي كانت تتصارع على النفوذ والأرض بعد أن كان المندائيون يعتقدون أن العراق هو وطنهم وملاذهم من عوادي الزمن لكن هذه التخمينات أثبت هذا الافتراض فشله ولم يكن موفقا بسبب طبيعة المندائيين التي تنزع للسلم وحب الآخرين ، لقد اختطف المئات منهم ولم يعود من عاد منهم إلا بفدية مالية كبيرة ومن لم يعد قتل أو غيبت جثته وتعرض العشرات منهم إلى السلب والقتل وهم يعملون بحوانيتهم في وضح النهار وسجلت كل هذه الجرائم ضد مجهول وضاعوا شخصيا وضاعت أموالهم و لا من شخص يستجيرون به ، حتى المرجعية الدينية التي استجار بها المندائيون لم تجيرهم ولم تصدر فتوى تحرم التعامل معهم ككفارغير مسلمين وأنهم أهل كتاب وذكروا في القرآن !!!؟ لقد أصاب الخوف والهلع المندائيون بعد أن رؤوا بعيونهم كيف يقتل المسلمين بعضهم بعضا ويقطعون رؤوسهم ويصرخون بعبارة( الله اكبر) ، لقد مارست المليشيات والعصابات الإجرامية ضغوطها على المندائيين وخاصة نساؤهم ، لقد حدثت العديد من جرائم الاختطاف وإجبار العديد منهن لاعتناق الإسلام والاعتداء عليهن ومضايقتهن في مختلف الأمور !!!؟ . وبعد تسارع الإحداث والتدهور الأمني وتدني الخدمات العامة ولكون استمرار المندائيين بإعمالهم كصاغة منتشرين في مدن العراق إلا أهدافا سهلة للسلب والنهب والقتل وإمام أنظار الشرطة والجيش المنتشرين في الشوارع والأسواق وهم من كانوا متهمين بالتواطؤ مع العصابات في اغلب الأحيان . فما كان لأغلبية من بقى في العراق من المندائيين إلا الهروب بأسرع ما يمكن تاركين ورائهم بيوتهم ومحلاتهم وأموالهم ومستقبل أولادهم وكل ما هو عزيز ليسلموا على نفوسهم ليستقروا مؤقتا في دول الوسط مثل سوريا والأردن بشكل رئيسي .

أن تصاعد الأعمال الطائفية التي وصلت ذروتها عام 2007 ومازالت الأمور في العراق بدائرة الخطر واستمرار حوادث القتل والنهب والاختطاف والتسليب على المندائيين يقطع الطريق عليهم للعودة إلى العراق بعد الدعوات الخجولة من قبل المسئولين لعودة اللاجئين إلى وطنهم لأنها لازالت دولة ضعيفة غير قادرة على القبض على زمام الأمور لأسباب كثيرة معروفة .

إن وصول عدد المندائيين في سوريا إلى خمسة عشر ألف مندائي قبل سنوات قليلة ليعيشوا تحت رعاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي تولت رعايتهم نسبيا واهم ما في ذلك هو إعادة توطين المندائيين كشريحة عراقية ضمن برنامج عالمي لرعاية وإعادة توطين العراقيين اللاجئين بسبب الظروف التي حصلت في العراق .

لقد تحولت معيشة العائلة المندائية إلى عيشة الكفاف فهناك عوائل تجاوزوا السنة السادسة بالانتظار لإعادة توطينهم ولازال المندائيون ينتظرون الفرج وهم بين نارين أولها طول الانتظار في سوريا والأردن وثانيها عدم إمكانية العودة إلى العراق ، وهنالك مخاوف كبيرة بعد أن بدأت مدخراتهم بالنضوب وهناك الكثير من العوائل التي لا تمتلك شيئا بالأساس وأوضاعها المالية في وضع حرج. أما ما هو دور المرأة المندائية في دول الوسط كأم و بنت و زوجة وهي تعيش وعائلتها هذه الظروف الصعبة ، لقد تحملت المرأة مسؤولية كبيرة في إدارة شؤون بيتها والحفاظ على عائلتها لحين انفراج كربتها وتحصل على إعادة توطين في إحدى دول الاستقبال ، ولنا إن نذكر معانات الشباب والشابات ومصيرهم المجهول وهم منقطعون عن دراستهم ومستقبلهم كما أنهم يشعرون بضعف الأمل بتكوين أسرة مندائية تعيش حياتها الطبيعية وملتزمة بدينها المندائي ، لقد عاشت الفتاة المندائية في هذه الفترة في حالة قلق كبير على مستقبلها فهي الآن قد فقدت ما اكتسبته خلال الأعوام السابقة من تحصيل دراسي وعلمي وتبوء وظيفة تستحقها خسرتها عندما تركت العراق وخسرت كل ما فازت به خلال السنوات السابقة ، لقد برزت مشكلة عقدت هذا الوضع وهي ضعف إمكانية الارتباط بشاب مندائي يرغب بالارتباط بها لأسباب كثيرة منها حل مشكلة إعادة التوطين وأي بلد سيتوطنون به وهذا ما قد يتقاطع مع ارتباطه مع شريك حياته مستقبلا .

لقد تعددت معانات العائلة المندائية في دول الوسط بسبب عدم الاستقرار والقلق الذي يسيطر على تفكيرها لعدم وضوح الرؤية لمستقبلها والذي قد يطيل بقاؤها ومعاناتها من مختلف الجوانب ، إن ظهور نتائج التوطين للمحظوظين منهم في دول لا يلاءم هذه العوائل بسبب ابتعادهم عن اقاربهم أو انشطار هذه العوائل وسيكون لقائهم صعبا مستقبلا وهذا ما تخشاه الشابات المندائيات بالابتعاد عن أهاليهن أو من تختارهن ليكونوا شركاء لحياتهن .

لقد تحملت المرأة المندائية المسؤولية مرة أخرى في دول الوسط فنراها تعمل بأعمال مختلفة بالرغم من بساطتها كي تساعد بإعالة عائلتها وهذا قد يعرضها لمخاطر مختلفة لكن المرأة المندائية وبشكل عام أثبتت جدارتها وتحملها المسؤولية إضافة إلى قدرتها بحماية نفسها وإنها على درجة عالية من الحصانة والوعي .



أن وصول العائلة والمرأة المندائية إلى دولة الاغتراب هو بالذات تجربة جديدة ومنعطف في حياتها فهناك مسؤوليات وتحديات ستواجهها بسبب النمط الجديد من الحياة التي ستعيشها وتجربة تهدف الاندماج بالمجتمع الجديد وتحديات العيش والدراسة والارتباط بشريك الحياة لتأسيس عائلة مندائية جديدة وهذا يتطلب وجود مجتمع مندائي كي تتم عملية التفاهم والتعرف للوصول لهذا الهدف الذي يرتبط بكيفية المحافظة على الدين المندائي وتأدية طقوسه ولو بالحد الأدنى .



أخيرا : لقد كانت المرأة المندائية دائما عنصرا فعالا وليس هامشيا في المجتمع الصابئي المندائي عبر عقود التاريخ المعاصر ، وهذا هو انعكاس لمفاهيم هذا الدين الذي يتساوى فيه الرجل والمرأة .



( * كنزا ربا الكتاب المقدس للصابئة المندائيين )





دمشق 3 آب 2010



#نزار_ياسر_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة واقع الاقليات العراقية‏
- في الذكرى 46 لانقلاب 8 شباط الاسود.....ايام سوداء لاتنسى ... ...


المزيد.....




- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول ...
- اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار ياسر الحيدر - لمحات تاريخية من مسيرة المرأة الصابئية المندائية