فوزية الحُميْد
الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 08:56
المحور:
الادب والفن
- سبب قراءتي لهذه القصيدة عنوانها الضاج بالسواد ومايلاحظ تخطي النص لهذا السواد المريب الذي يختزله العنوان حيث تمتليء المعاني بالضوء و بالأخيلة والصور البلاغية في جمل شعرية قصيرة شاربة من ماء اللفظ أعذبه ومن المعاني أشفها كقوله(ألبسُ هذا الليلْ
قميصَ النهارَ المتوَّج بالشمس)
ويكتسب النص أفقه من تجربة الشاعر الثرية في فضاء الكتابة حيث كتب بصورة شعرية يتعانق فيها الفكر والإحساس الخاص والعام في شفافية كامنة تحلق فيها الألفاظ وتبوح المعاني بقلقها من ذاكرة يقظة ولغة متوهجة ويأتي هذا النص أيضا من صلب التجربة الشعرية للشاعر وهو من المجربيين و رواد كتابة قصيدة النثر السعودية في الثمانينات الميلادية
وفي هذا النص المعني بالقراءة تأتي الصحراء بتداعياتها البعيدة في مفردات (الهودج /العيس/ النخل) وفي عملية لغوية تتكيء على المكون الثقافي للشاعر ويتم توظيفها بعناية تدعمها أداة النداء للبعيد في قوله (أضع الصحراء على هودج الريح.. وأنادي ياحادي العيس.. أن امشي راكضا في البراري.. أمحو اللحظة.. وأصنع الأخرى )وما بين (أمحو وأصنع) فضاء من التطلعات والأحلام والتعب والخيبات وحيث كل شيء على هودج الريح واللا معنى ويتضح ذلك في قوله ( أضع الصحراء على هودج الريح )وكأنه يذكرني بقول المتنبي (على قلق كأن الريح تحتي أسيرها يمينا أوشمالا ) وللغة دورها المتوهج في النص حيث نلاحظ صياغة الجمل الشعرية باستخدام الفعل المضارع في حدود ثلاثة وثلاثين فعلا تدل على أهمية الإيحاء والدلالات الذهنية الآنية حيث ينمو المعنى ويصعد في أفق الرؤية وحيث يصنع ويؤسس الفوضى يصبح الشاعر بطل النص وماهذه الفوضى /المنظمة غير رؤية تسبق لحظتها في إيحاء باهر( لترتيب كائنات الضوء )التي هي كائنات للرؤى والأحلام ولم تكن الصحراء غير هذا القلق /الألق الذي يحلق في عالم يتكون من أحاسيس الشاعر وأحلامه ورؤاه كما نلاحظ في المقطع (1)
أضُع الصحَراء
على هودَج الريح.
واناديْ: يا حَادِيْ العِيسْ
ان امْشيِ راكضاً في البَراري
امحو اللحظة
وأصنعُ الأخرى
اؤسِّسُ الفوضى
وأرتب كائناتْ الضَوءْ
سماءٌ مَنْ رَحيقْ الغَمامْ
نساءٌ من شغف ونشوة
ابتكرُ العناصرَ:
[يَديْ سَحابة.. وفَمِيْ قَصِيَدة]
في المقطع الثاني يلج الشاعر في الوحدة الفضاء (وحيد في فضاء الوحدة )وفضاء الوحدة ليس فضاء خاصا بالشاعر حيث ينتقل الفضاء الهاجس المقلق الذي يثيره النص من خلال إغواء الحلم والولوج في التيه والتيه هنا يعبر عن ضفة خاصة بالشاعر يبدعها من عالمه في مواجهة السواد وماذا تعني الأحلام بلا غواية وإغواء ومن خلال النص قد نكتتشف ذواتنا في مواجهة المعتم و في محاولة (تلج التيه لتضيء القناديل) رغم هذا( السواد المدجج بالتآويل )وهي رؤية تضع النص على هودج الفكر أيضا في سواد يخطف المعاني البيضاء بغرض التضليل ويبغض الأماني ويكره الأحلام ويجافي الحياة ! وفي إتساع الخطى ربما تضيء الأحلام)بنبؤة الشعر حيث يقول:-)
(2)
ها أنَا وحيدٌ في فَضَاء الوِحْدة ..
انزفُ حبراً
وأُغْويْ الحلم
اصعد منٍ «سهل» الكلام
إلىٍ «صعيد» الرؤيا
الجُ التيه ..
واقفاً بين سَيفْ الصَحرْاء
وسَعفة النخل
أضُيء قِنْديِلي:
في هذا السَوَادْ المدجَّجَ بالتآويل
لا احتمي بقلعة اليقين
هكذا ارى الأرض في اتَساع الخطى
وفي اتساع المدى
وفي المقطع الثالث تفتتح أنا ضمير المتكلم المتخمة بتداعيات تبتكر حضورها في (المدى الذي يبحر باتجاه السفائن ويراهن على تراثه وحاضره وغده في استشراف للإنسان /الأرض وفي تآلف ينسجم مع الجنون البارع ,وفي عزف منفرد, يأمل الخروج للحظة الإشراق . والتراث هنا لا يعني الماضي بقدر ما يحرك الحاضر ويذهب الى المستقبل.
(3)
انا تراث الراهن..
وحاضرُ الغدْ..
دمي موزعٌ في عروق الأشجار
وفي زعفرانْ الأرض
انا المَدى الذي يُبحُر باتِّجاه السفائن
وانَا الفَنَار..
ولا سِوايْ
اهندسُ ما تبقَّى من جنوني
وابتكر لغةً للجنون
وفي المقطع الرابع يأتي النص عبر ذاكرة المكان في شعرية تمنح الألفاظ بعدا نفسيا وحيث تكتسب اللغة فيها خط الوعي في شكل جمالي وليس نوعا من الترف .ويتضح في ثنايا هذا المقطع حميمية ترتبط بذات الشاعر في بوح شجي يتنامى عبر جمل شعرية وبتقرير موجز يقترب من البراعة وينأى عن الثرثرة
(4),
أجيء مَنْ خريف المدن
ومطر القرى
من هذا الوجع المعتق في حناجر الخلق
من نشيج سنبلةٍ
في حقل بعيدٍ.. بعيدْ في الجنوب
ودمعة موجة
على شاطئ قصيْ
ومن الطين إذ غادرَ نفسَه
وأضْحَى رماداً وقبراً..
وفي المقطع الخامس تعاود اللغة توهجها في الدلالات والصوروالأخيلة ,و في لغة تصب على المفردات مفاهيم لا يستوعبها غير الشعر ولا يخطها غير الشاعر في قوله (أحسو ماء الغربة والتشريد ,البس هذا الليل قميص النهار المتوج بالشمس )وقد ساهمت الصور البلاغية في إضافة معان تمتليء بالدهشة في حضور اللغة الفكر مقابل اللغة الشعر وحيث الأشياء تتناسل وتهرب يبقى الشاعر يمنح القبيلة زهوها وهذه لفتة ذكية تؤكد على أهمية المعرفة التي تمنح الزهو لا القبيلة
(5)
أوزَّعُ همي «في همومٍ كثيرةٍ»
واحسو ماءً الغربةِ.. والتشريدْ
ألبسُ هذا الليلْ
قميصَ النهارَ المتوَّج بالشمس
الرياح تتناسل..
والشهب تهربُ من مداراتها
وانا وَحْديْ أمنحُ القبيلة زهوها
الرمل وسادِتي والسماء سريري
امحو مجد الهواء
واشطب سلالة الفراغ
وفي المقطع السادس يتألق فعل الشعر في سلاسة وعذوبة وبلغة تتجلى فيها الرؤيا, لغة تتحدى السواد وتضيء أعناق الأسئلة بوعي يصعد ولا يهبط ويرتبط مع النص كحالة وعي بالسرد وليس نوعا من الهدر الكتابي.
(6)
هكذا..
أضيء أعناق الأسئلة
وأعطي للكلمة عذوبتها الأولى
اراني في مرايا الروح
وفي مرايا الجموع
افتح باباً للرؤيا..
واغلق نافذةً لشهوة الجسد
ارقص في بستان الغِبطة
ذاكرتي ترعى أعشاب الغيم
واصابعي تلتقط النجوم
من فوق أهداب السماء
وفي المقطع السابع يهمس الصوت الشعري بمفهوم الوحدة /الفرد في الجملة الشعرية في قوله (وحدي ..أصنع اللحظة وحدها )والوحدة هنا وحدة بهاء وتآزر مع الذات يخلقها االشاعر في لحظة تجل وينجح في رسم الصورة البلاغية واستخدام المفاهيم الراسخة والمألوفة في ثقافة الشاعر كما نلاحظ استخدامه كلمتي (مسعى وطواف) وإسقاطهما على اللفظ كدلالات ذات بعد عقائدي ونفسي وثقافي وبتصوري تم إدرجهما بعناية وفي ربط دقيق يتفق مع اللحظة التي يتوحد فيها الشاعر بذاته و ينحاز لمملكة من ورق تاجها المحبرة /الوجع , والمحبرة/ الجرح النازف في واقع مرير!
(7)
وحَديْ ..
اصنع اللحظة وحدها
أهرولُ في مسعى الخوف
واطوفُ حول نفسي..
«اطوي الخريطة
مثلما أطوي الكتاب»
لي جغرافيتي..
اؤثث المعنى
واصنعُ وطناً من ضباب
كل شيء يَدلُّ على ما أخُطُ...
وأمحْو
مملكتي:
ورقٌ
وارقٌ
وحبرٌ
وسماوات لا تنتهيْ
- وختاما قد يُقرأ النص بأكثر من رؤية غير أنه يتجاوز فعل القراءة ,ويجاور الشعر باقتدار!
قاصة سعودية/ القاهرة/ 29/يوليو/2010م
#فوزية_الحُميْد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟