|
صلاح خالص
سعيد عدنان
كاتب
(Saeed Adnan)
الحوار المتمدن-العدد: 3076 - 2010 / 7 / 27 - 13:55
المحور:
الادب والفن
ولد في البصرة في سنة 1925م، وتوفي في بغداد سنة 1986م، وبين سنتي الميلاد والوفاة حياة حافلة خصيبة، دار فُلكها في مدارات: السياسة والصحافة والجامعة، وكان في كلّ مدار وثيق النفس، راسخ القدم، جهير الرأي. درس الأدب العربي في باريس، وكان قد ذهب إليها في أُخريات الأربعينيات، طُلَعَةً، متضحةً معالم طريقه، وما بقي إلاّ الاستزادة من المنهج والأفكار، وقد استزاد وامتدت آفاق القراءة والتأمل الى اليونان وفلاسفتهم الكبار، وكان يقرأهم وبيده مصباح من عصره يُنير له دجى الأعصر الخالية، ويهبط بالقراءة والتأمل من ذلك العصر البعيد إلى ما يأتي بعده عصراً عصراً حتى يصل إلى ما هو راهن فتكتمل له رؤية في التفسير لا تلبث أن تصبح أداة نافذة من أجل تكامل المعرفة. قرأ الوقائع والأفكار بضوء مصباح كان بعض زيته ما كان يتمخض به البلد ويتجه إليه من تحرر في الفكر، واستقلال في السياسة، وقد بقي ذلك الزيت يَمدّ المصباح بالضياء ويدفع عنه الذبول. كانت حوادثُ البلد في تقلباتها المعين الذي يرجع اليه ويطابق بين الأفكار وبينه سعياً نحو خيرٍ يفيض على الأرض وناسها. نال الدكتوراه في الأدب الأندلسي في سنة 1952م، وعاد إلى العراق والتحق بكلية الآداب يدرّس الأدب الأندلسي ومواد أخرى من الأدب والنقد، ولم يقصر جُهده على الدرس الجامعي، على ما له فيه من مكانة مرموقة، بل اتجه إلى ساحة الأدب والفكر الواسعة، فأصدر مع نخبةٍ ممن يلتقي بهم فكراً وموقفاً، في سنة 1954م، مجلة ((الثقافة الجديدة)) التي كان من رسالتها الدعوة إلى الجديد في الفكر والأدب، وقد رعتْ المجلة ريادة الشعر الحديث فوجد البياتي على صفحاتها متسعاً كما وجد من هيئة تحريرها سنداً وعوناً. ولما قامت الجمهورية في سنة 1958م كان ممن أسسوا ((اتحاد الأدباء)) الذي تولى رئاسته محمد مهدي الجواهري، وكان في هيئته الإدارية علي جواد الطاهر، ومهدي المخزومي، وصلاح خالص وحسين مردان وآخرون من صفوة الأدب والفكر يومئذٍ. وكان من عمل ((اتحاد الأدباء)) أن أصدر مجلة أدبية هي ((الأديب العراقي)) وقد تولى صلاح خالص جانباً كبيراً من شأنها فضلاً عما كان ينشرهُ فيها من مقالات في الأدب والنقد. وزاول الإدارة إذ أُنيطتْ به ((دائرةُ البعثات)) فأصبح مديراً عاماً لها، وبقي في أعماله هذه كلها يمارسها على نحو من الوضوح والاستقامة وحسن القيام عليها حتى 8 شباط 1963م فأُضطُر، فيمن أُضطر إلى مغادرة البلد، وأقام في الاتحاد السوفيتي وعمل أستاذاً جامعياً في إحدى جامعاته مترقباً العودة إلى البلد. وكان 8 شباط 1963م قد دفع بجملة من أصحاب القلم والفكر إلى المهجر فاتجه علي جواد الطاهر ومهدي المخزومي وشاكر خصباك إلى المملكة العربية السعودية، واتجه آخرون إلى أوربا الشرقية وكلهم يأمل بالعودة، ويرجو إستئناف حياته على ارض بلده، فلمّا ذهبت شرّةُ شباط شيئاً، وعاود الأنفسَ شيءٌ من أمل، شرعوا بالعودة وإستئناف ما انقطع من حياتهم. عاد صلاح خالص فإلتحق بكلية الآداب يدرّس الأدب الأندلسي ومواد أخرى من الأدب والنقد، واتصل بميدان الصحافة وفي عزمه أن يصدر مجلة شهرية يتولّى مسؤوليتها ورئاسة تحريرها فأصدرها في سنة 1970م، وجعل عنوانها ((الثقافة)) وشعارها: ((مجلة الفكر العلمي التقدمي)) ووصفها بأنها ((مجلة شهرية ثقافية عامة))، وكانت تصدر أحد عشر عدداً في السنة وربما ازدوجت بعض أعدادها لأمر يتصل بالإنفاق على طبعها وتوزيعها. أرادها أن تكون مستقلة في محيط كانت صحافته كلها مرتبطة بالدولة تمويلاً وتوجيهاً، ولم يكن الأمر سهلاً، ولا الطريق معبّدةً إلى صحافة مستقلة يومئذٍ، فلقي في سبيلها ما لقي من عنتٍ وأذى، حتى قال محبوه ليتهُ يُغلقها ويتخلى عنها إذ رأوا وجه الخسارة أقوى من وجه الربح، ولكنهُ كان عجيباً في صبره وثبات نفسه وتعلقهِ بالأمل وكأنَّ اليأس لا يدركهُ، فلقد تمرّس بالعمل الصادق المثمر منذ نشأتهِ الأولى، ورأى الحياة فيه، وليس في القعود والركون إلى السلامة، كان إذا رأى بارقة أمل فرح بها ومدّ إليها جسراً، وقد تكون البارقة آلاً يلتمع في صحراء قاحلة. نُسجتْ حياته من السياسة والصحافة والجامعة فإذا وجدتَه في ميدان الصحافة سياسياً مثقفاً بارعاً فأنك لا تجدهُ في الجامعة إلاّ أكاديمياً يُعنى بمصادره ومراجعه وإقامة الدرس على نهجه الصحيح في بسط المعرفة في تشابك عناصرها ووضوح طريقها، ولقد شهدتهُ في السبعينيات ثقيل الخطو يدخل إلى كلية الآداب يحسبه من يراه شيخاً في السبعين وهو يومئذٍ في فلك الخمسين، وشهدتهُ يدخل إلى الصف ((الرابع أ)) يدرّس الأدب الأندلسي ويبدأ بالفتح، وتاريخ الفتح، ودواعي ذلك ويعرض أقوال المؤرخين على نحو من السعة، والتفصيل، ويطيل، وقد يسأم بعض الطلبة من هذا التاريخ الطويل ولكنه على نهجه الواضح الهادئ مما هو فيه يستوفي الفتح وتاريخه وما لابسهُ من أحداث، وعندهُ أن الأدب لا يُفهم على وجهه إن لم يُفهم المهاد التاريخي الذي نشأ فيه. كان قطبَ الأدب الأندلسي في جامعة بغداد، ألّف فيه: ((المعتمد بن عباد الإشبيلي))، و ((إشبيليه في القرن الخامس الهجري)) و ((محمد بن عمار الأندلسي)) وأشرف على ما كُتب فيه من رسائل جامعية وأفاد طلبته علماً ومنهجاً وخلقاً على سمت من الهدوء والتواضع. كانت بينه وبين شاعر العرب الأكبر الجواهري مودة قديمة لم تزدد على الأيّام إلاّ ثباتاً ورسوخاً، نشأت في أواخر الأربعينيات، وقويت بعد قيام الجمهورية في سنة 1958م والتقيا بعد 1963م في المنفى على خير ما يكون عليه اللقاء، واجتمعا على أرض الوطن ثانيةً، ثم قذفت النوى بالجواهري مطلع الثمانينيات، كرةً أخرى، إلى غربة لا أوبة منها، وظلت المودة على أصفى ما تكون، ذلك إن صلاح خالص يدرك مكانة الجواهري الرفيعة من الشعر، والفكر، والمجتمع. وقد نشر لهُ في ((الثقافة)) قصيدتين – في الثمانينيات- هما ((عبدة الجبورية)) و ((في أعياد الثمانين))، وفيهما ما فيهما من التعريض الذي هو ابلغ من التصريح، ولم يكن ميسوراً ان يُنشر للجواهري يومئذٍ شيء في العراق والسلطة لم تكن راضية عنهُ. وقد عُدَّ نشرُ تينك القصيدتين مما تُزهى به مجلة ((الثقافة)) ويُزهى بهِ صاحبها. وقد كان الجواهري يقدر في صلاح خالص أشياء كثيرة، وقد آن أن يُسكنها لفظه الجميل، فقال قصيدتهُ: ((أأخي أبا سعد)) في سنة 1984م، وصلاح – عندئذٍ- قد اصطلحتْ عليه الأوصاب، وآذنت حياته بالمغيب، ومنها: يا صفـو إخوان الصفاء إذا ما جفّ نبع مروءةٍ وجســا شوقاً إليك يشـدّ نابضــه حبُّ ترعرع بيننا ورســـا والذكريـات ترفّ ناعمــةً رفّ النسيم بحسرة همســا أصلاح لم تبرح صفيّ هوى صدق إذا ما الكـاذب انتكسـا لكنّه يسرع في الأُفول، وتنطفئ ذبالته، وتقول إنّه ذهب قبل أوانه. وتسأل: أين أجد آثاره من كتب ومقالات؟ وهل من دراسة وقفتْ عنده تستجلي أدبه وفكره ومواقفه؟ وهل من يردّ الفضل إلى أصحابه؟.
#سعيد_عدنان (هاشتاغ)
Saeed_Adnan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عناد غزوان في موقف له
-
رشدي العامل(1934-1990) ودربه الحجري
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|