|
حكايا من المهجر: آلة الوتر
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3075 - 2010 / 7 / 26 - 00:36
المحور:
الادب والفن
في الصيف تنتعش أنماط جديدة من حياة الناس، ترتخي المفاصل الجسدية تبحث عن نسمة منعشة في أحد المنتجعات الصيفية، ترتخي العقول أيضا وتبحث عن انتعاش آخر من نوع آخر، يعرف الحكماء علاوة على تعريفات أخرى يمتاز بها الكائن البشري، يعرفونه أيضا على أنه كائن فنان، وطبيعي أن الفن يختلف كما تختلف ثقافات الشعوب ويتنوع أيضا من شخص إلى آخر أو من مجموعة إلى أخرى، لكن يبقى المشترك فيها جميعها أنها تمتلك ملكات فنية يتذوقها أي حس مرهف يبعث أحيانا على الإعجاب، في الغربة وعندما كنت في مدريد كنا نمتلك وترا مغربيا، وكنا في فترات أماسي السبت، نقيم حفلات ماجنة على قدر كبير من الفوضى كانت أحيانا تجلب لنا دوريات بوليسية كما كانت تجلب إلينا أصدقاء جدد لدرجة استغربت فيها كيف أن آلة الوتر البدائية تسحر بسحنتها” الفكرونية” عشاقا جددا من جنسيات أخرى، سألتني ذات يوم أنا ديل المار عن قصة هذا الإختراع العجيب ولم استصغ جوابا قدمه ذات يوم ساحر هذه الآلة عندما قدم آلة الوتر على أنه صناعة اندلسية صاحبت إلى المغرب أولئك المضطهدين الهاربين من الحملات الصليبية ليحتموا تحت رحمة السباع المغربية كما توحي لنا كتابات ليون الإفريقي، لكنني ، وبما أني من عشاق الخرافات الجميلة، اخترعت لها خرافة جديرة حول راع مغربي راى صورة زرافة في “تلاوة” (الكتاب المدرسي) ولأنها حيوان غير معروف عندنا كنا نعتبرها “بغلة القبور” الخرافية المعروفة عندنا في الحكايات الشعبية، كان الراعي مشدودا إلى طول الزرافة وطول عنقها لدرجة كره معها كل الحيوانات القزمية،فكان كلما رأى حيوانا زاحفا أو قزميا كالسلحفاة قتله ، كان الراعي مولعا بآلة الكمان القصديرية التي تلازمه في كل لحظات، وذات يوم كان جالسا يغذي أحاسيسه بلهفة الغناء رأى قشابة إحدى السلحفاة التي كانت ضحية من ضحايا كرهه للأقزام، خطرت له فكرة أن يجعل من هيكلها هيكل زرافة، ثم أخذ وتدا طويلا فزرعه في قشيب السلحفاة، ثم غرس في رأس الوتد قرنين واذنين خشبيين، وضع الهيكل في الأرض, ليتامله وينظر في كيفية تصميم أرجله الطويلة كما الزرافة، لكن الهيكل بدا له بما لم يفطن إليه، بدا كآلة موسيقية خصوصا وان أسفل قشيب السلحفاة يبدو حوضها صالحا لوضع خيوط أو اوتار، وهكذا تم له أن يبدع في صناعة آلة الوطر التي استبدل بها كمانه القصديري. صدقت أنا ديل مار خرافتي على مهلها واقترحت علينا أن نشاركها بآلة الوتر في إحدى حفلاتها التي تقيمها بأحد النوادي الليلية المملوك لمواطن كوبي، حيث قبل صديقي عمر الذي يتقن الضرب عليها دعوتها، وكانت أنا ديل المار في اول مشاركة لعمر معها، قدمته كمطرب مغربي واعد كما قدمت خرافة اختراع الوتر كما قصصتها لها، وصفق الجمهور لذلك كثيرا، كما وجد عمر نفسه في مأزق عظيم عندما جاء الناس يسألونه حكاية اختراع الآلة، ولكم أن تتصوروا مأزقه في أن يوفق بين تارخ الوتر وخرافة الراعي كاره الأقزام..، صدقت “أنا” المسكينة خرافتي فيما انا ضحكت في نفسي من ساحر الآلة المغربية المطرب “رويشة” الذي حاول في برنامج مذاع على الأثير البحث في جبل التاريخ ليقول لنا بأن العرب الاندلسيون، في جفول الإقتحام الصليبي لم ينسوا معهم آلته العجيبة. مرة أخرى كنا في الشاطيء مصحوبين بآلتنا العجيبة قصد الإستحمام في ماء البحر وأخذ الشمس، اصطحبنا معنا ايضا كمية من مشروب الجعة الذي يهيؤ أجسادنا للإسترخاء والتنغم خروجا عن صخب الحياة الغربية المحسوبة الخطوات، فتكاليف العيش والأجور القليلة وارتفاع الأسعار تشد عقولنا الإفريقية المنقبضة إلى أكثر من حساب، فأغلب المهاجرين منا لا يعيش لنفسه فقط، بل يعيش لأجل اهله، إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفتخر به كائن من شعوب العالم الثلث هي هذه الطاقة الهائلة من الإحساس بالتكافل الإجتماعي والعائلي المفطن في دواخلنا، كل يحسب حسابه الخاص وحساب أهله الفقراء في بلده، وهو الشيء الذي لم تستطع طقوس المجتمعات الإستهلاكية اختراقه فينا حتى الآن، فسياسات الهجرة تعتمد في تشريعاتها آليات متعددة تهدف في الأساس إلى غسل ادمغتنا الصغيرة بالكثير من الإكراهات الإستهلاكية، (في إسبانيا مثلا لايسمح نظام أجور المعاشات والبطالة باستهلاك المنحات الإجتماعية خارج إسبانيا)، لذلك كان خروجنا إلى الشااطيء بمثابة انفلات من حالات الإنقباض الحسابية المكرهة وإعادة نوع من التوازن النفسي والتشحن بنوع من الطاقة التي تكسبنا الكثير من التحمل، كان عمر كعادته قد اخذ الوتر وبدأ يثير نغماته الجميلة تتقاطعها من حين لآخر تعليقات ونكات مستملحة يطلقها الصديق عبود الذي يملك الكثير من السمات البشوشة، كان يثير غريزة الضحك فينا فقط لمجرد أنه سيبدأ في الكلام ، وأحيانا دون أن يقول شيئا، وبينما نحن في هذا الجو من الطرب والمرح، وفي لحظة كان عمر يبدع إحدى مقاماته، اقترب منا فوج من السواح الإنجليز، بدا من خلال ابتساماتهم أنهم انجذبوا لسحر الوتر، توقف عمر لحظة مبديا ابتسامة ترحاب في وجههم، نطق أحدهم : دي مارويكوس؟ انتم من المغرب قلنا نعم، فقال: المغرب جميل، وحث عمر ليستمر، وعندما انتهى عمر من مقامته رموا قطعا نقديا وسط حلقتنا وذهبوا، استغرب الرفاق موقفهم هذا واراد عمر ان يستوقفهم إلا أن عبود نهره عن ذلك ، قال عبود: ربما فهموا من حلقيتنا شيئا من الحلقة المغربية، وبسحنة بشوشة مستملحا فينا أن حلقتنا تثير فيهم الإشفاق، مساكين نحن ، نبدوا لهم كمتسولين على شكل نمطية تسولهم. فالمتسولون منهم في فوهات الميترو يتسولون بمصحوبين بآلات موسيقية، اغتاظ عمر فقال “ انا لا أقبل صدقتهم، فهب ليوقفهم ويعيد إليهم بضاعتهم، تفهموا ردة فعله، أخذوا نقودهم فيما أحدهم حاول ليشرح له الموقف، قال : نحن دفعنا مقابل استمتاعنا وليس صدقة. عاد عمر ليقذفه عبود قائلا : يا لطيبوبة هؤلاء الإنجليز، روحهم طيبة رغم أن اياديهم ملطخة بدماء المستعمرات. نعم وارادوا ان يستغفروا بنا عن جرائمهم، لم يجدوا سوى مجموعتنا الصعلوكية التي تثير الشفقة، يكفينا ما فينا من هم، هه.. لاتنقصني إلا صدقتهم....رد عمر بنوع من السخريةـ إنهم سواح تجلبهم بعض الأشياء النادرة في عوالمنا، قلتها بنوع من التهكم. إصمت أنت أيضا، إياك أن تورطني في زرافة أخرى. لماذا أيها اللعين؟ ألم تخرجك من تعب العمل الشاق في قطاع البناء إلى فضاء الطرب، والآن جاءتك النقود إلى الشاطيء أم أنك ناكر جميل؟
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النيوليبرالية المتوحشة (2)
-
اشراقات أمازيغية
-
النيولبرالية الجديدة: الزراعة المكثفة نموذجا، إلخيدو (ألميري
...
-
إعلان عن احتجاج عمال مهاجرين بألميريا (إسبانيا)
-
العمالة المهاجرة: ودور التنسيق النقابي
-
مدخل لفهم نمط القطاع الخدماتي
-
سلام لذاكرة المعتوهين
-
هل حقا انتفت الطبقات
-
الإجماع الوطني، أو ميتافيزقا الجلاد المغربي (دفاعا عن الجمعي
...
-
يوميات مغارة الموت: إضراب 1990
-
يوميات مغارة الموت: تداعيات الأزمة
-
يوميات مغارة الموت: تجربة الحلم
-
سفر الخروج.. إلى أين ؟-2-
-
سفر الخروج .. الخروج إلى أين؟
-
حكايا من المهجر -لاموخنيرا-
-
أوهام ماوراء المتوسط: -الحريك-
-
أمة التستر
-
أوهام ما بعد المتوسط 2
-
أوهام ما وراء المتوسط
-
سبحة الضفادع
المزيد.....
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|