|
حدود الليبرالية
فريدة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 17:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بعد أقل من شهر من رحيل عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض «هيلين توماس» وإحالتها الي التقاعد إثر إطلاقها تصريحات ضد الممارسات الإسرائيلية في فلسطين ومطالبتها للإسرائيليين بالعودة إلي بلدانهم الأصلية وترك فلسطين لأصحابها أي أنها خرجت مطرودة من موقعها، طردت محطة الـ سي.ن.ن الشهيرة الصحفية الأمريكية من أصل لبناني والمتخصصة في شئون الشرق الأوسط أوكتافيا نصر بسبب رأي لها كتبته علي موقع «تويتر» الإلكتروني أشادت فيه بالمرجع الشيعي الراحل «محمد حسين فضل الله» وقالت إنها كانت تحترمه كثيرا. ومن المعروف أن أمريكا أدرجت منظمة حزب الله التي شارك فضل الله في تأسيسها في لائحة المنظمات الإرهابية الدولية. وتأتي الواقعتان علي التوالي لتكشفا عورات الديمقراطية الأمريكية وتناقضاتها وحدودها وتبرهنان علي قول أحد الكتاب أن أمريكا هي أقرب الديمقراطيات الغربية إلي الدولة البوليسية. وكان الرئيس السابق جورج بوش الابن قد أصدر بعد واقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين قامت طائرات بقصف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع «البنتاجون» في واشنطن - كان قد أصدر مجموعة من القوانين التي تقيد حريات المواطنين الأمريكيين وتبيح لقوات الأمن التنصت علي هواتفهم ومراقبة بريدهم واحتجازهم بحجة الدفاع عن الوطن ومحاربة الإرهاب المحتمل.. وانطلقت منذ ذلك الحين أوصاف الدولة البوليسية علي النظام الأمريكي. وعاشت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أجواء مكارثية مجددا وهي الأجواء التي استثمرتها القوي المحافظة الجديدة والتي تحالفت معها القوي الصهيونية ذات النفوذ الواسع في أمريكا لتفرضا حماية علي الممارسات الإسرائيلية وصولا الى استخدام أساليب الابتزاز والبلطجة حتى لا تكون هذه الممارسات موضع نقاش ناهيك عن النقد، وها قد أدى النقاش والنقد إلى الإطاحة بامرأتين داستا علي الأسلاك العارية في دولة تتناقض الشعارات المرفوعة فيها مع الممارسة. ويتواكب هذا التوجه ضد الحرية مع الأزمة العميقة التي دخل فيها النظام الرأسمالي الأمريكي والتي ازدادت عنفا قبل عامين حين انهارت مؤسسات مالية كبري وانتقلت الأزمة إلى بلدان أوروبا وغيرها من بلدان العالم لتؤكد أن الرأسمالية حين تتحول إلي امبريالية بوصولها إلي مرحلة الاحتكار فإنها تقوم بالتضييق علي الحريات العامة، ويجري تفريغ لفظ الليبرالية من محتواه السياسي والفكري ليصبح شعارا أيديولوجيا فحسب. تتناقض معه ممارسات كل من نظام الحكم والمؤسسات العامة، كما هو الحال مع «هيلين توماس» و«اوكتافيا نصر»، واللتان عبرتا عن آراء وأفكار المفروض أن يجري احترامها من وجهة النظر الليبرالية كما قرأنا أسسها في الكتاب. وكما يقول الكتاب على الصعيد النظري. تتعلق المنظومة الليبرالية بالحرية وهي تستعمل المفهوم في مستويين، مستوى فردي ومستوى جماعي. في المستوي الأول المفروض أنها تتقبل آراء الآخرين وتدعو الجميع إلى هذا التقبل حتى لو كانوا لا يتفقون مع هذه الآراء التي لا يجوز أن تكون سببا لإلحاق الضرر بأصحابها. أما في المستوي الثاني فهي تعني التعددية السياسية ووجود منظومة من الحريات العامة المضمونة والمعترف بها والتي يتوافق المجتمع علي حمايتها ويرفض - نظريا- أي مساس بها. ولكن هذه الممارسات الصريحة المعادية لحرية الرأي، وهي الحرية القابلة للتعدد نظريا تبين لنا أن للديمقراطية الليبرالية حدودا. وأن من يضع هذه الحدود ليس النظام السياسي فقط وإنما تشارك في وضعها بعض المؤسسات العريقة التي من المفترض فيها حماية حرية الرأي والتعبير التي قال لنا الليبراليون الأوائل: إنها مقدسة. وقبل شهور قام المجلس القومي للسينما الأمريكية الذي يمنح جوائز الأوسكار وهي أشهر الجوائز السينمائية في العالم باستبعاد فيلم «أفاتار» من قائمة الأفلام الفائزة رغم إجماع النقاد علي جدارة الفيلم واستحقاقه للجائزة الكبرى لسبب بسيط هو أنه تضمن نقدا جذريا للسياسة الأمريكية، ولم تشفع «الليبرالية» لا للفيلم ولا للصحفيتين الشجاعتين بسبب بسيط هو اتساع الفجوة بين المبادئ العامة الجميلة لليبرالية وبين السياسة التي هي بنت الأزمة العامة من جهة، وبنت دخول الرأسمالية إلي مرحلة الاحتكار والامبريالية من جهة أخرى وهي تدوس على الحريات بالحذاء العسكري الثقيل. وحرية السوق هي الحرية الوحيدة المقدسة بالنسبة لها.
#فريدة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملحمة الانعتاق
-
قضية للمناقشة - باسم الله
-
أفعال فاضحة
-
فاشية إسلامية!
-
إخضاع المرأة والمجتمع
-
السؤال الجديد
-
العَلمانية ليست كفرًا
-
ألمجد لمن قال لا
-
ألمعركة القادمة
-
الهولوكست والعنصرية
-
تحرر المرأة العربية ذلك اللحن الذي لم يتم
-
الدمقراطية والعلمانية
-
قضية للمناقشة في عيد العمال
المزيد.....
-
ألمانيا: آلاف المتظاهرين في برلين احتجاجا على -التقارب- بين
...
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE تدعو للمشاركة في الإضراب العام
...
-
قبل 3 أسابيع من التشريعيات.. مظاهرة حاشدة في ألمانيا ضد التق
...
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|