|
عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة الاولي
عماد ابوحطب
الحوار المتمدن-العدد: 3066 - 2010 / 7 / 17 - 10:43
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لا اسعى هنا لتحليل ظاهرة،أو لتعرية أحد ،أو للتقليل من شأن أي كان،فقد حلل الكثيرون الظاهرة ولعل على رأسهم العم لينين بسكسوكته الصغيرة،في كتاباته الشهيرة عن الانتهازية اليسارية،والتي كان مطلوبا منا ان نحفظها عن ظهر قلب،في حلقات الدروشة الحزبية في تنظيماتنا اليسارية الفلسطينية المتحولة حديثا الي الفكر الماركسي اللينيني بعد ان خلعت عنها رداء الافكار القومجية .كان حفظ كتاب " مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية" من اهم برامج التثقيف الحزبية حينذاك،وكنا كثيرا ما نتعرض للتوبيخ من مسؤولي الخلايا لعدم فهمنا الدقيق للكتاب او لممارساتنا التي سرعان ما كان يتم وصمها بالبرجوازية الصغيرة او اليسارية المغامرة كشتيمة يلقيها هذا المسؤول او ذاك في وجهنا لتقريعنا.ودون الخوض في تشعبات عدة حول تلك الفترة الا انني يمكن ان اجزم ان جلنا كان من منابت برجوازية صغيرة ولهذا كنا سرعان ما نختبئ عندما نقع في الخطأ،ونصبح كالفئران عندما تقع في المصيدة بانتظار القط ومن سيلتهم منا بتوبيخاته.وكنا في حينها فراخا صغيرة لم ينبت الزغب في وجوهنا بعد،فكان من السهل وضع اللجام في اعناقنا وتسيرنا كما يجتهد رب الخلية الذي لا ترد له كلمة،فهو المنزه عن الخطأ والعليم الحكيم ، كنا كالحصان حين يوضع له اللجام لا نبصر الا ما اراده رب البيت لنا،ولم نكن عندئذ قادرين علي التلصص للاعلى لرؤية القادة الكبار والبذخ الاسطوري الذي يعيشون فيه،كانهم ليسوا اصحاب الفكر البروليتاري وانما سليلو المهراجات ،فكانوا ،ومازالوا،يرفلون بين الخدم والحشم، والحراسات والفتيات الجميلات،يرتدون افخر الثياب وتفوح منهم اطيب الروائح ويسكنون افخم الفلل.بينما نتكدس نحن في بيوت الطلبة او القواعد منتظرين الالهام الرباني الي اي مهتلك فيه سنسير.منا من سير للحروب القبائلية الصغيرة وحروب الزواريب فقضي شهيدا وبات اسما ملصقآ علي بوستر في الزقاق الذي استشهد للسيطرة عليه،ومنا من اعطب او جن او بات بحاجة لمصحة نفسية لمعالجته من الف علة وعلة. ومنا وهنا الاهم من كان ذكيا واستطاع فك اللجام مبكرا ومد رقبته الصغيرة للاعلي وحلم بان يصبح من اهل الحظوة ويجلس منازل الكبار.هؤلاء باتوا عيون السلطان ولسان حاله بين الصغار، والطريف انهم كانوا فرسان الجملة الثورية كما وصفهم العم لينين،فكانوا الاسرع في نقدنا،والابلغ في تفسير الايات المنزلة من القادة الكبار ،والاشرس في خوض المعارك الكلامية والهجوم علي بقية القبائل الفلسطينية حينما يحتدم الصراع سياسيا او عسكريا،فيعلو صوتهم ويصل صراخهم الي اقصي السماء،متخندقين وراء مواقف القيادة وحاملين سيوفهم الكلامية لقطع اعناق بقية القبائل المختلف معها . وكان البعض منا قد بدء ينتبه الي حالة الفصام التي تعيشها الفصائل والاحزاب اليسارية الفلسطينية والتي لا تختلف عن ما تعيشه الاحزاب الشيوعية العربية.فقد كان الجميع يمر بازدواجية خطاب واضحة،هجوم علي الامبريالية والانظمة الرجعية والاحزاب اليمينية البعيدة والتي لا تحكم البلد المتواجد فيه هذا الحزب وفي الوقت ذاته محاباة للاحزاب البرجوازية الحاكمة في بلدانها المقيمة فيها،كما بدأ قسم يتلمس الخلل ما بين التنظير للبروليتاريا وحالة الفساد والترهل التي تعيشها القيادات المتربعة علي سدة هذه الاحزاب،وتحويل الاحزاب الي عزب خاصة للقيادة .وهذه الازدواجية كانت انعكاسا ملموسا للانتهازية السياسية والفكرية التي تعيشها هذه القوي وقياداتها.في حينها كنا بدأنا في التساؤل عن صحة التحالف المطلق ما بين احزاب اليسار والبرجوازية الصغيرة والتي نظر اليها مطولا في الحقبة السوفيتيية وفي العديد من البلدان العربية تحت اسم الجبهات الوطنية.لم يكن النقد موجها ضد مبدأ التحالف نفسه وانما ضد شكل التحالف الممارس علي الارض.ففي الدول العربية بنيت الجبهات بين الاحزاب القومية والبرجوازية من جهة والشيوعية من جهة اخري ولكن بقيادة الاحزاب القومية واستنادا لبرامج هذه الاحزاب وتصوراتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والطامة الكبري ان الاحزاب الشيوعية حرم عليها تحريما مطلقا انتقاد الدولة او الحزب الحاكم وهكذا بقي الوجود الشيوعي اشبه بخرزة زرقاء لدرء الحسد او لاستجلاب المساعدات وعقد الصفقات مع الاتحاد السوفييتي،وهكذا تم لي عنق المفهوم اللينيني في التحالف بين الطبقات وشروطه التي في المقدمة منها قيادة الطبقة العاملة له لصالح الشكل المشوه المطبق علي الارض في العديد من الدول العربية،وكان البعض منا يري ان نهاية هذه الجبهات لن تكون الا انتحارا جسديا وفكريا لاحزاب شيوعية ستتخلي عن برامجها الطبقية لصالح البرجوازية المسماة وطنية،وتصفية في نهاية المطاف لها ما ان تنتهي مصلحة الدولة والاحزاب البرجوازية في هذا التحالف او تصطدم مع الاتحاد السوفيتي وتعاديه..في حينها نظر فلسطينيا لمبدأالجبهات هذا واعتبر ان التحالف مع فتح علي ارضية برنامج وطني مشترك هو الاساس في عمل اليسار الفلسطيني،وغيب عن وعي القاعدة ان هذا التحالف تم،كما هو الحال في الجبهات الوطنية العربية،تحت قيادة برنامج البرجوازية الوطنية السياسي والاجتاعي والفكري،مع فارق عن البلدان العربية ان النقد كان مسموحا به وان كان ضمن حدود معينة،وفي حال تجاوزها كان يتم اللجوء الي حروب الزواريب بين رفاق السلاح لحسم الخلاف واعادة اصحاب الصوت العالي في النقد الي رشدهم.يمكن القول ان مثل هذا التحالف وبالشكل والشروط التي كان يتم بها قد ساهم في نمو الانتهازية السياسية في اطراف اليسار وانتقال عدوي الانتهازية علي الصعيد الشخصي لتشمل كل الفصائل من اليمين الي اليسار دون استثناء.ومع سعي الجميع للسباق والانتفاخ الحجمي والعددي والتسابق لاحتلال المركز الاول من حيث حجم القاعدة،والتي احتلتها فتح دون منازع،باتت فصائل اليسار تتناحر لاحتلال المركز الثاني في الترتيب الحجمي وليس بالتأثير السياسي والاجتماعي والفكري،وهكذا اصبحت شروط عضوية هذه الاحزاب والفصائل شكلية فالمهم التحول ،وتحت غطاء نظري لينيني ،الي احزاب جماهيرية.هذا الامر ادي الي انتشار افقي لهذه القوي و تفريغ واسع للاعضاء وفتح مكاتب واختراع اسماء منظمات جماهيرية ملحقة بها.ومن كان يزور مكاتب هذه الفصائل كان يلمس حجم المتفرغين ماليا وبالوقت نفسه اقتصار القاعدة علي هؤلاء المتفرغين واقاربهم وعائلاتهم وحمولاتهم في احيان كثيرة. الامر الذي ادي الي ان يصبح التفرغ هو مقياس الولاء ،وبات التفريغ سلاحا بيد القيادة للامساك بيد من حديد بقواعدها التي وجدت فيه حلا لمشاكلها المالية الكبيرة.وبهكذا سياسة تنظيمية داخلية فتح الباب واسعا للانتهازية علي الصعيد الداخلي،خاصة ان الامر لم يترافق مع بناء افقي للكادر المسؤول وتمحيص في كفائته الحزبية،فقد كان المقياس الاكبر الولاء الحزبي المطلق...
#عماد_ابوحطب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-رمز الرومانسية-..هذه المدينة اليابانية المغطاة بالثلوج تعان
...
-
كيف ترى الصحافة السعودية مستقبل العلاقات بين الرياض ودمشق؟
-
روبيو: السلفادور توافق على استقبال المرحلين والمجرمين الأمري
...
-
السفير الروسي: علاقاتنا مع مصر تتطور بثقة ونجاح وانضمامها إل
...
-
أول ظهور علني لزوجة أحمد الشرع في السعودية (فيديو)
-
تحليل لـCNN: هل الصين مستعدة لحرب تجارية ضد أمريكا بعد فرض ت
...
-
المتمردون يعلنون وقف إطلاق النار في الكونغو الديمقراطية -لأس
...
-
الولايات المتحدة تطالب بانتخابات في أوكرانيا
-
من سيحصل على القارة القطبية الجنوبية
-
سحب القوات الأمريكية من سورية يطلق أيدي تركيا وإسرائيل
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|