|
دينُ الحب
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3066 - 2010 / 7 / 17 - 10:40
المحور:
الادب والفن
مهداة الى : إبتسام وفادي
حروف هذا العنوان ليست مني ، وليست حديثة ايضا ، فقد نسجها الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قبل عقود زمنية طويلة ، أشعل بها قناديل فكره ، وشمخت بها علاقته مع الاخر بقدر عال من المحبة والتسامح ، باعطائه العلاقات الانسانية ما بين البشر دفقا روحيا بقوافي شعرية صوفية راقية ، تعبر عن رقة عاطفته المنسابة في احترام الاخر وقبوله وضبط علاقات تصالح وإخاء مميزة معه ، أحوج ما نكون لها الان في الزمن المعاصر.
ولهذا يعتبر الشيخ محيي الدين بن عربي حسب إجماع المصادر " من اشهر رجال التصوف وعلم من أعلام اصحاب الحقيقة وقطب من أقطاب أهل الطريقة ، رأى أن العالم كله يقوم بحقيقة الأنسان الكامل ، ولم يضع حدا في مفهومه للأنسان لأي فرق بين من هم أبناء دين واحد ومن هم خارجه ، كما أعاد الأعتبار للمرأة كطرف أساسي كالرجل في هذا المفهوم ." وبهذا تجاوز ابن عربي كل ما يمُت للأهل والقبيلة والملة والطائفة ، ورفضَ كل أشكال التمييز بين البشر في المعتقد اوالجنس ، وزاوج في فكره مابين التعاليم الروحية والتأملات وأساليب التفكيرالعلمي الفلسفي ، وأعتبر أن المعرفة هي معرفة قلبية بالدرجة الأولى ، فالقلب هو الدليل ، وهو الرمز الأكبر للذات الأنسانية ، وهو الروح والعقل والنفس والجسم ، وفيه تتبدى الحقيقة.
لم يكن ابن عربي في التراث الصوفي مجرد عالم لامع فحسب ، بل كان متفردا بين علماء عصره بشاعرية قل نظيرها في الفكر ألتأملي ،عبر عنها برهافة عن تسامحه مع عقائد الأخرين وايمانه بوحدة الوجود وصحة الاديان كلها ، والتسامي فوق الفوارق مابين البشر ، والبحث دوما عن سبل التقارب الجامعة لهم على اساس من المودة والمحبة والتسامح ، وقد عبر عن كل هذا في قوله : عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا إعتقدت جميع ما اعتقدوه
والعنوان ألمبين أعلاه في بداية هذه السطور، هوعنوان أبيات شعرية لابن عربي ، يتسع قلبه فيها لكل العقائد ، المسيحية والاسلام واليهودية والوثنية معا ، سجلها في ديوان شعره الشهير الموسوم " ترجمان الأشواق "، ردد فيها في مساحة واسعة من الوضوح والشفافية قائلا :
لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قراّ ن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وأيماني
لا ريب أن هذه الكلمات ، تحجب الضغينة والحقد والانغلا ق على الذات ، وتلغي أيضا صراع الحضارات ، وتبني أعمدة للمحبة والعلاقات الانسانية بين البشر ، لأن الحب يتسع لكل صور العبادات ، سواء ترددت تلك الشعائر في الأديرة او ألمساجد او في غيرها من المعابد.
ولد ابن عربي في شرقي الاندلس ، وقام برحلات عديدة بين المغرب ومصر والعراق و سورية وفلسطين، حتى استقر في دمشق ، ووافته المنية فيها في عام 1240م ، ودفن في سفح جبل قايسون ، وتسمى الأن المنطقة التي فيها ضريحه باسمه " الشيخ محيي الدين " .
ثمة إجماع على أن ابن عربي لم يكن مؤلفا عاديا مثل غيره من المؤلفين ، وانه كان يتميز عن غيره من الناحيتين الكمية والكيفية ، ويعتمد في مؤلفاته على إحترامه للأنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه ، ويعتبره النقاد من "أخصب المؤلفين عقلا وأخصبهم خيالا" و كانت أفكاره محط إهتمام العلماء والفلاسفة ، في أيامه وبعد رحيله ، وثمة دلائل تشير إلى إستفادة الشاعر الأيطالي دانتي في العصور الوسطى من مؤلفات ابن عربي ، وعلى الاخص من كتابه " ألفتوحات المكية" الذي يضم بين دفتيه اربعة الاف صفحة ، وألفه خلال فترة تقرب من اربعين عاما .
ومن المثير ان ثمة اهتمام عالمي كبير في الوقت الحاضر بالمنحى الشخصي والسيرة الذاتية لابن عربي ، يتجسد بوجود جمعيات مرموقة تحمل اسمه في دول كثيرة ، تعنى بنشر ودراسة وترجمة أعماله ، لها أعضاء من الباحثين والكتاب والعلماء ، و تعقد إجتماعات ومؤتمرات لاستيعاب التجربة الروحية التي تتجلى في افكاره وأشعاره ، وتعتبر هذه الجمعيات شهادة دامغة على المكانة المرموقة التي يحتلها في ساحة الحضارة الانسانية.
و من اهم هذه الجمعيات ، جمعية اسست في أكسفورد عام 1977، تحمل اسم ابن عربي ، لها فرع في سان فرنسيسكو، تنحصر أعمالها باصدار مجلة باسمه وترجمة اعماله ونشرها ، و عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التي يشارك فيها اعضاء الجمعية وغيرهم من المهتمين.
والجديد في عصر الانترنت ، وجود مواقع كثيرة باسم ابن عربي على الشبكة تعنى به وبفكره ، وقد إطلعتُ أثناء كتابتي هذه السطور على عدة مواقع منها موقع مميز لجمعية أوكسفورد السابق ذكرها http://www.ibnarabisociety.org يكشف عن انشطتها بكل مافيها من احداث ولقاءات واهتمامات يومية واصدارات جديدة، ولاحظتُ وجود فرق موسيقية مختصة به ، تغني أشعاره وتوزعها بأقراص مدمجة ، وسمعت مقطوعة موسيقية للموسيقار اليوناني العالمي الشهيرYanni *تحمل اسم " دين الحب لابن عربي " تنساب أنغامها بايقاع جميل على وقع مناظر طبيعية تتقافز باطياف لونية خلابة ، ويظهر معها بلقطات متصلة أبيات الشعر السابق ذكرها مكتوبة باحرف نافرة باللغة الانجليزبة. وختاما علي هنا إدراج استدراك مهم ، ألا وهو ان حديثي عن ابن عربي لا يشكل تأييدا شاملا لنزعة التصوف التقليدية بطرقها المختلفة ، بل انه يتضمن فقط جوانب تعريفية بالمعاني السامية لدين الحب الذي تبناه ابن عربي بكل ما يقتضيه من التزام بمبدأ المحبة الشاملة و الاخاء ما بين البشر لخير الانسانية جمعاء ، بغض النظر عن اختلاف عقائدهم ومنابتهم العرقية ، وهذا ما تحتاجه الدول العربية ، في هذا الزمن الذي تتسع فيه تخوم التفرقة ما بين ابناء الوطن الواحد ، وتنتشر فتاوى تكفير الاخر تارة ، وتهميشه وتجاهله تارة اخرى ، وعدم الاعتراف به ايضا بسبب اختلاف الدين والمذهب *يمكن سماع القطعة الموسيقية لياني على اليوتوب : Music : Yanni Love Is My Religion) Ibn ,Arabi)
http://www.youtube.com/watch?v=padT8zNnYu4&feature=related
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بنت عمي فاطمة
-
هيلين توماس
-
مآّذننا وأبراج كنائسهم
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|