|
زيارة -للزعيم- في عيد الثورة
كمال يلدو
الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 16:24
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
لاتخلـو رمزيـة "المكان" من الطرافـة في عملية توثيق تأريخ ثورة 14 تموز المجيدة وابطالها الذين قضـى معظمهم بظروف دراماتيكية سـادها جـّو الانتقام . فالأنظمة التي توالت على الحكم وخاصة النظام البعثي لم تدخر جهدا في تغيير وتغييب اية معالم ترمز للثورة ، ان كان اســما أو شــاهدا او حتى ذكرى ، وقد ابلوا كذلك في المناهج الدراسية والكتب التي صدرت في تلك العهود ، لابل حتى ان وزارة الدفاع التي كانت ابرز ذكرى للثورة ، جرى تغيـر مـكانها ، واصبح مصير البناية الاصلية الاهمال والنسيان، تلك التي ارتبطت بذاكرة البغدادين كمقـر للزعيم عبد الكريم قاسم ، والموقع الأكثر اهميـة في عمر الثورة القصير الذي لم يتجاوز خمســة سـنوات. الا ان معلما من معالم بغداد ضل يختزن حادثـة امسـت شــاهدا على ما كان يضمره البعثيون تجاه الثورة حينها ، والعراق لاحقا ، الا وهي " محاولة الاغتيال " التي تعرض لها الزعــيم في وضح النهار بشــارع الرشـــيد وبالضبط في المنطقة المسماة " رأس القرية" والمحصورة بين "عكد النصارى وحافظ القاضي" . فـفي تلك الفسحة الصغيرة كان من بين ما كان عمارة بطابقين يملكها ( شبلي السعدون) تطل على شارع الرشيد ، استأجرفيها كل من - عبد الوهاب الغريري و كريم محمود شنتاف - شـقة في الطابق الأول عشـــية المحاولة ، واستخدموهـا فعلا في اطلاق الرصاص على الموكب اضافة الى العصابة التي كانت موجودة بالقرب من السيارة والتي شاركت بنيران مسدساتها ورشاشاتها. وانتهت هذه العملية بالفشل ، وقتل فيها (الغريري) فيمـا فـّر الآخرون ومن بينهم صدام حسين . امـا الذاكرة التي يصيبها الاحباط احيانا بالكسل أو النسيان ، ســرعان ما تعاود نشــاطها في الهزات الكبيرة فتسـتعيد جزء من حيويتها ، وتتذكر! وهـذا ما حدث بالضبط حيـن نهـض ابناء تلك المنطقة الغالية والعزيزة ( شارع الرشيد - رأس القرية) وأعلنـوا للعراقيين جميعا من ان ذاكرتهم ما زالت بخير ، ونبلهم وطيبة اخلاقهم قائمة رغـم ما مـّر بها من وهـن . فـقـد قامت الجماهير قد بتحطيم وأزالة تمثال (الغريري) غداة اسقاط النظام البعثي في التاسع من نيسان 2003 ، ربما بعملية انتقام من ذكراه التعيســة أو كـرد فعل لأعادة الاعتبار لهذه الساحة ، او ربما طمعا بمكـونات التمثال المعدنية التي بيعت لاحقا في ســوق الخردة! لقد كانت مبادرة الاهالي تعبيرا راقيا للوعـي الجمعي بالأحداث ، اذ ســبقت القرارالحكومي بأكثر من خمســة سنوات (2005 – 2010 ) ولم تنتظر الحاكم حتى يصدر مرسومه بأقامة النصب التذكاري بل كان لها اسلوبها الخاص في تكريم الزعيم!. وبالعودة للنصب الذي يتوسط واحدا من اهم شوارع بغداد ، فلابد من الاشــارة الى امكانية تطوير هذا الصرح المهم على الاقل من الجانب الفني وذلك بتعزيز قـاعدته التي يستند عليها واضافة جداريات تجســد حادثة الاغتيال اصلا ، وابراز علم الجمهورية وشــعارها اللذين بقيا رمزا لرقي العراقي وابداعات فنانيه ، ويمكن ايضا وضــع حقلا من الزهور الدائمة حول المنصة ، وان يقوم بعض اصحاب المحال التجارية في الموقع بتوفيرالتحفيات التي ترمز للمناسبة لكي يحتفظ بها الزوار، من قبيل اعلام الثورة وشعارها ونسخة مصغرة من التمثال وحتى بعض الصور والكتب . فهذا المكان الفريد والوحيد في العراق يمكن له ، ويجب ان يكون قبلة لمحبي الثورة وشهدائها الابرار، يزوره العراقيون طوال السـنة. اما ســـلســلة الاحداث التي توالت على هذا الموقع فقد اخذت منحى هوليودي ان صح التعبير . فمن مجموعة بيوت قديمة ســرعان ما هــدمت وتركت كأرض جرداء لبعض الوقت في ( عملية اولى لمحـو الذاكرة)، ثـم تعــّدل الارضية وتحـوّل الى ساحة لوقوف السيارات بدون اسم او معلم (عملية ثانية لمحـو الذاكرة) ، بعدها يتم اعـادة بناؤها وتهيئتها لتصبح سوقـا تجارية يتوسطها نصب وتمثال – الجاني - الذي قضـى في محاولة الاغتيال ( امعان آخـر في تغييب الذاكرة واستفزاز للمشاعـر) ، لكن بعـد اعوام كثيرة ع ، ينتهي المشهد بقيام الجماهير- ابناء المنطقة - بتحطيم التمثال وتستبدله بآخــر للزعيم ومن اموالها الخاصة ، فتســتعيد الذكرى معانيها التي اختزنت في وجدان الاهالي لأكثر من اربعين ســـنة . ان اسقاطات الحدث على المكان ببعده الزماني لايمكن ان يكون تجريدا لواقعة ما بقدر ما يعـّد استنســاخا للحدث ، واسترجاعا لكل محاوره رغم تغيّر الظرف الزماني . فهـذا التجلي الوجداني يتكرر ويســتنســخ في الاحتفالات الشخصية بأعياد الميلاد او الزواج او ذكريات كثيرة اخرى قد يمر عليها الزمن او تتغير الشخوص ويتغير المكان الا ان انعكاسات الصورة تبقى تسترجع نفسها وتولـّد ذاتها تباعا وبالتفاعل مع المخزون المتراكم عـبر مجموعة الاحداث وترابطاتها . وهذا ما اثبته التأريخ اللاحق الذي اسس له مجموعة من (الشقاوات) الذين هاجموا الموكب بأمل قتل الرئيس والقفز على السلطة ليس من منطلق الثورة الشعبية بل بروح انقلابية صرفة من معرفة حجم الجماهير التي كانت تمثلها هذا اجماعة ، بـل لارتباطهم بالمخطط الاقليمي والاستعماري الذي كان العبـّارة لتحقيق مآربهم لاحقا في الانقضاض على الثورة وتبديد معظم مكتسباتها . لقـد اقترنت هذه منطقة منذ طفولتي بمحل الولادة ، وبقـى ( 9 أ / 186 رأس القرية) أكبر عنوان دخل الذاكرة ولم يغادرها ، وأرتبطت معظم البدايات الأولـى بتلك (الدربونة) ، والتي تعـددت تسمياتها حسب الـسامع ، فتارة - رأس القرية ، بدايـة العـمـّار ، مدام منكرسيان ، شاكر ابو الكبة ، عمارة الطب ، ابو ذنون - او العنوان الأكبر الذي سيطر فـيّ على مستوى تشــكل الاحداث ، فقـد كانت بدايتها المطلة على شارع الرشيد هي التي شــهدت " محاولة الاغتيال اللئيمة، وسـال دمه الطاهـر على ارضها!" ، فهنـا يكمن عمـق الحدث ، وأمتزاج السياسة بالطفولة ، ســـّر ارتباط البراءة بمشــاريع البعث الدموية ، هناك تكمن تقاطعات الصورة التي تتحول لاحقا الى المطالبة بتقديم الجلاد للقضاء وانصاف الضحية . ان تجليات وضعنا الحالي وما آل اليه الحال ، من ضعف الامن والامان و الخدمات ، وتفاقـم مشاكل الكهرباء والماء والبطالة والفقر ، والانتشار الجنوني للفساد الاداري وسرقة وتبديد المال العام ، وأرتفاع اعداد الارامل والايتام. يعيد الكـرّة مجددا في المعايير المطلوبة عنـد اختيار وتأييد الجماهير للحاكم ، وللقوى التي تقود التغيير ومصداقية شـــخوصها و حقيقة شــعاراتها وبرامجهـا ومدى ارتباطها بالمشاريع الاقليمية والدولية . يعيد للأذهان الحق الذي تملكه الجماهير تجاه الدولة والمسؤليين والذي لايجب ولا تحت اية ظروف التنازل عنه للحاكم ، فالحاكم في خـدمة الشعب والعكس ليس صحيحا . فـقـد ولــى ، ويجب ان لا يفسـح المجال ابدا لعودة الشعار البائس (( بالروح بالدم نفديك يا فلان ...)) هذا الذي دفعنا ثمنه دمـا ، وحروبا ، وشبابا ، وخرابا ، وأيتاما وغربــة واحزان . وهذه التجربة بذاتها تـؤكد مجددا بأن القوى التي تريد بناء الوطن يجب ان تنظر ابعد من انفها وان تلم المشهد بكل زواياه وثناياه وأن تشرك كل المخلصين ، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية ، في برنامج وطني طموح للنهوض بهذا الواقع ، ووضع العراق والعراقيين على جـادة التقدم والتطور . لا اظن ان الكتابة عن ثورة 14 تموز او قادتها الأماجد وزعيمها الشهيد قاسم تأتي من باب الترف او تأليه القائد بقدر ما تنبئ عن الولوج للذات والبحث عن منفذ للخلاص من محـن العراق .فهذه المقاربات التي تجرى ، وتردد اسم الزعيم والثورة لا يمكن ان يكون عملا اعتباطيا بقدر ما هو ترجمة للتجربة المخزونة ، وها هي الحياة تفرز سياسين ومسؤولين لم يرقى ادائهم واخلاصهم الى مستوى الحدث . فمتى ما تنازلوا عن عروشهم العاجية ، وعن القصور التي استولوا عليها ، وتخلصوا من حماياتهم وسياراتهم المصفحة ، وزهـدوا برواتبهم ومخصصاتهم ومنحهم ، عند ذاك ســوف لن تضيق ذاكرة العراقيين عليهم وســتتسع لتحملهم رموزا وطنية مخلصة ودون ذاك ، لن تســـعفهم الالقاب ولا الرتب ولا المراكز. فقد شهدنا حاكما لم يترك لقب الا والصق به ، لكنه انتهى بأبشـــع صورة حينما ارتبط آخرفصـل من مسرحيته بمشــهد " جـرذ الحفرة!" .
في صبيحة هذا اليوم التموزي الجميل ، ســــيقبل اهالي رأس القرية ، وشــارع الرشيد ، وكل المناطق المحيطة بها ، قسم منهم محمـّل بذكرياته ، و آخر بأحلامه ، و آخر يعتمر قلبه بالغـضب على الوضع القائم . سيتحلقون حول التمثال ، وربما ينظفـون المدرجات ، وقد يقوم قسم منهم بتوجيـه الحديث لــه : " دتشـــوف شـــديصير بينـه؟" و " وينـك يا زعيم الفقراء؟" . ســيناريوهات لاعـّد لها ولا حصـــر ، لكن شـــئيا اكبر يبوح به المكان ، هــو وفاء الذاكرة العراقية لواحد من ابرز الحكام اخلاصـا وأمانـة للعهـد الذي قـطعه عشـــية تســـلمه الحكم ، وحتما ســتروى الحكايات والقصص ، وسيكبر الزعيم في عيون الجيل الذي لم يسـعفه الحظ ان يره ، وســتتوالد الاحداث التي شهدتها المنطقة ، وشارع الرشيد اصلا ، وسـينـفض الغبار عن الذاكرة الشــائخة لتستعيد احتفالات ومسيرات العهد الجمهوري ، والفرح الغامر الذي عاشته كل طبقات الشــعب ، الا اعدائــه وخصومـه ، هذا المشهد الذي يتكرر ويتوالد كما لو اننا لم نتعض من التجربــة المـّرة السابقة . ليس كثيرا علينا ان نقف ونتأمل ، فاليوم عيـد ، و نحن في حضـرة الزعيم ، نحمل لـه ورودا وأغاني وعهـدا ان تظـل احلامـه للفقراء شــاخصة وماثلة ، من اجل ان يرفـل كل العراقيين بالخيـر، وان يتقدم هذا الوطن ، وتعيش المرأة والاطفال والايتام فيـه بكرامة ، و يكون كل ابنائه متســاوين بالحقوق والواجبات . لقـد اختصر محبوه المشهد برقعة ذهبية استقرت وســط النصب: ((الزعيم عبد الكريم قاســم ، ولـد في 21/2/1914 ، فجـّر ثورة 14 تموز 1958 ، اسـتشـهد في 9/2/1963)).
الولايات المتحدة/ 14 تموز 2010
#كمال_يلدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظلال الزعيم -عبد الكريم- في المشهد العراقي
-
هل الآرشيف العبري العراقي ....عراقي؟
-
قرأة في تفجيرات الموصل الأخيرة:لا بديل عن الحماية والمحكمة ا
...
-
حول انتخابات 2010:قبلنا التحدي ، وفخورين به!
-
حول انتخابات الخارج،احتفظوا - بعراقيتكم- للذكرى فقط!
-
قناديل من كلية العلوم/جامعة بغداد
-
بعض الفرق الموسيقية للجالية العراقية في ديترويت ... - الجمهو
...
-
أتمنى ان تكون -زلّة لسان- غير مقصودة!
-
هدية عيد الميلاد لمسيحيي العراق!
-
من يستمع لمايكرفون - الفيحاء- المفتوح ؟
-
مسلسل تفجير كنائس الموصل:ام الربيعين تقتل ابناءها!
-
تضامنا مع جريدة - المدى- وكاتبها المبدع - وارد بدر السالم-/م
...
-
لقاء مع الناشطة شروق العبايجي-المبادرة العراقية للمياه-،خطوة
...
-
ماذا لو رفض العراقيون والعالم الحر نتائج الانتخابات؟
-
من ينصف المسيحيين في العراق ؟
-
ولكل حسب عمله ...!
-
على ابواب انتخابات البرلمان الجديد:حتى لا ت̛غدر قوائم ا
...
-
ام تحسين تصرخ: -چا هيّة ولية؟-
-
في عيد الصحافة الشيوعية حقوق مشروعة لكنها حقوق ضائعة دعوة ال
...
-
اختطاف المطران رحو حلقة في مسلسل استهداف المسيحيين العراقيين
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|