|
في ضوء انتخاب الرئيس الألماني الجديد، دروس هل يتعظ الساسة العراقيون بها؟
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 13:09
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
بعد مرور شهر على استقالة رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية "هورست كولر"، جرى في الثلاثين من حزيران الماضي انتخاب الرئيس الجديد، كانت استقالة الرئيس السابق مفاجئة للمستشارة الألمانية " ميركل"، كما صرحت بذلك لوسائل الإعلام، وكذلك للكتل البرلمانية وللأوساط السياسية الأخرى، وجاءت الاستقالة على اثر تصريح للرئيس "هورست"، في طريق عودته من أفغانستان إلى ألمانيا بعد زيارة قصيرة للقوات الألمانية الموجودة هناك ، أكد فيه على وجود مصالح اقتصادية تقف وراء اشتراك الجيش الألماني في الحرب الدائرة في أفغانستان ، وبقدر المصداقية التي انطوى عليها التصريح، فأنه اعتبر خروجا على التبريرات المكررة للساسة الألمان، والذين يؤكدون على ضرورة المشاركة في الحرب بحجة مكافحة الإرهاب و ألمساهمة في الدفاع عن الأمن والسلام الدوليين، بالإضافة إلى تقديم العون للشعب الأفغاني في سعيه لبناء دولته العصرية . يأتي هذا التطور في وقت يعاني فيه التحالف الحاكم، (الديمقراطيون المسيحيون والليبراليون الأحرار) من عدم الاستقرار في صفوفه جراء خلافات وتوترات حول عدة قضايا أساسية كان أخرها التباين في وجهات النظر حول الكيفية التي يجب اعتمادها لتجاوز الأزمة المالية في اليونان، ولذا فقد اعتبر حزبا الاشتراكي الديمقراطي والخضر، انتخاب الرئيس الجديد، فرصة لتعميق الخلاف في معسكر الحكومة، وخطوة هامة باتجاه إسقاطها، وعمدا إلى اختيار مرشح يميني محافظ ومعاد للشيوعية واليسار عموما، بهدف دفع عدد من نواب التحالف الحاكم للتصويت لصالحه، ومن المعروف إن هذا المرشح تولى بعد انهيار جمهورية ألمانيا الديمقراطية رئاسة اللجنة التي حملت اسمه (لجنة يواخيم كاوك)،و التي أشرفت على إدارة ملفات وزارة أمن الدولة المنحلة، ووجد في ذلك ضالته للثأر من التجربة السابقة باعتباره احد المعارضين السابقين لها، ولخلق المعوقات أمام اليسار لتجاوز تداعيات انهيار النظام الاشتراكي، وهو في الواقع اقرب الى مواقف التحالف الحاكم منه إلى مواقف الأحزاب التي رشحته. المستشارة الألمانية سعت هي الأخرى إلى توظيف المناسبة للملمة صفوف التحالف الحاكم فاختارت رئيس وزراء مقاطعة "نيدر ساكسن" واحد قادة حزبها لخوض السباق الانتخابي، ولذا كان المرشحان وجهين لعملة واحدة. حزب اليسار اختار عضو كتلته البرلمانية "لوكريتسيا يواخمسن" لخوض السباق الانتخابي ، وهي إعلامية بارزة حصدت العديد من الجوائز وتقلدت العديد من المناصب كان أخرها إدارة إذاعة وتلفزيون مقاطعة "هسن" شبه الرسمية. فشل التحالف الحاكم في تمرير مرشحة في الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات، وكان عليه انتظار الجولة الثالثة ليحسم النتيجة لصالحه رغم امتلاكه لعدد من المصوتين يفوق العد المطلوب للفوز بمقعد الرئاسة منذ الجولة الأولى ويعود ذلك إلى تصويت 44 نائبا من التحالف الحاكم لصالح المنافس الأخر، وقد عكس ذلك مجددا حالة عدم الاستقرار في معسكر الحكومة ومحاولة هؤلاء النواب إيصال رسالة هامة إلى قيادتهم، تطالب بأجراء تغيير في أداء الحكومة وقد شمل ذلك الحزبين اللذين يشكلان التحالف الحاكم. حققت مرشحة اليسار نجاحا إذ حصلت على 126 صوتا في الجولة الأولى بزيادة صوتين على القوة الصوتية لحزبها، وانسحبت من المنافسة في الجولة الثالثة بعد أن حققت ما يبتغيه الحزب سياسيا من المشاركة في الانتخابات، علما إن القوة الصوتية "للاجتماع الاتحادي" بلغت 1244 صوتا . قبل بدء الجولة الثالثة توجه الاشتراكيون الديمقراطيون لحزب اليسار آملين الحصول على دعمه لمرشحهم، ولكن الحزب خيب أمالهم ونصح ممثليه بالتحفظ وعدم دعم أي من المرشحين لتقاطعهما مع الأهداف الأساسية التي يتبناها الحزب، ولكونهما لا يشكلان بديلا يمكن دعمه، عندها حملِِِِِِِِِِِِت أحزاب المعارضة الأخرى حزب اليسار مسؤولية فوز " كرستيان فولف"، مرشح الحكومة بمقعد الرئاسة، في الوقت الذي أبعدت فيه هذه الأحزاب، الحزب، عن المساهمة في الحوارات لاختيار مرشح المعارضة، واختارت شخصية لا يمكن لحزب اليسار التصويت لها، وهي تعلم ذلك مسبقا، وهذا ما أكدته الرفيقة "كيزينا لوج" الزعيمة الجديدة لحزب اليسار( انتخبت في منتصف ايار الماضي)،و نائبة رئيس كتلته البرلمانية ، في تحليلها لنتائج الانتخابات، مفندة الاتهامات الباطلة التي وجهت لحزبها مشيرة إلى: *- تصويت بعض نواب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، الرافضين للحرب في أفغانستان وسياسة الهجوم على المكتسبات الاجتماعية، لمرشحة اليسار هو نجاح سياسي للحزب. *- فشل الحكومة في إظهار تماسكها وفشل أحزاب المعارضة الأخرى لاختيارهم مرشح يميني لأسباب تكتيكية محضة لم تحقق الأهداف المرجوة منها. *- صحة امتناع اليسار عن التصويت لكلا المرشحين، فلا يمكن إبدال شخصية يمينية محافظة بأخرى لا تختلف إطلاقا عنها، و أكدت، رفض الحزب تمرير مشاريع الآخرين على حساب مشروعة السياسي ، والتزامه بوعوده لناخبيه، وتأكيده على انه قوة لا يمكن تجاوزها عند التفكير بتحقيق تغير سياسي في البلاد، ومن الصعب عليه إن يكون تابعا لأحد مهما كانت المبررات. من الجدير بالذكر، إن قيادة الحزب الشيوعي الألماني امتدحت موقف حزب اليسار واعتبرته دقيقا وصحيحا تماما، جاء ذلك في تصريح ل"نينا هاكر" نائبة سكرتير الحزب، عرضت فيه قراءة حزبها للحدث من جميع جوانبه وبخصوص موقف حزب اليسار، أشارت "هاكر" " أجد إن موقف حزب اليسار كان صحيحا أثناء الجولات الانتخابية وفي الفترة التي سبقت يوم الانتخاب، لقد ازدادت مصداقية حزب اليسار السياسية، واثبت من خلال تعامله مع هذا الحدث انه يمثل حقا معارضة يسارية فاعلة"، و في نهاية تصريحها نوهت إلى إمكانية إحداث تغيير من خلال العمل البرلماني، ولكن التعبئة الجماهيرية خارج البرلمان تحتفظ بأهميتها للوصول إلى التغيير السياسي المنشود. شكل مارثون انتخاب الرئيس الجديد، الذي استمر تسع ساعات، فرصة جديدة لمتابعيه من العراقيين، للمقارنة مع ما يدور في بغداد من فوضى سياسية وصراع مؤذ على السلطة والمال لا يعير أي اهتمام للازمات المعقدة والمتعددة التي تعيشها البلاد ففي حين التزمت الكتل والقوى السياسية الألمانية بالموعد المحدد لانتخاب الرئيس الجديد، رغم حدة الصراع بين المتنافسين، ولكن لم يلجأوا للمماطلة والتسويف والتزموا بما سطر في دستورهم ، نرى فيه، أن المتنفذين في البرلمان العراقي لا يبدون أي احترام للزمن و للإنسان وحاجاته الضرورية. رغم إن رئاسة الجمهورية، في ألمانيا الاتحادية، منصب محدود السلطات و بروتوكولي، فقد شكل الحدث مناسبة لخوض صراع ديمقراطي حاد تمتع فيه نواب البرلمان بحرية كاملة لدعم المرشح الذي يرونه مناسبا، فقد شهدنا تصويت أكثر من أربعين نائبا من نواب التحالف الحاكم لصالح مرشح المعارضة في الجولتين الأولى والثانية من العملية الانتخابية، وهو مؤشر للحيز الكبير من الاستقلالية الذي يعيشه نواب البرلمان في ظل الديمقراطية، ولكننا في العراق نرى عشرات النواب يصمتون على التشبث الضار بكرسي السلطة من قبل رؤساء كتلهم، ولم نشهد أي امتعاض أو اعتراض ناهيك عن المعارضة لهذا السلوك اللا ديمقراطي وغير المسئول من قبل هؤلاء القادة. في الجانب الأخر شكل الموقف الواضح والمستقل لحزب اليسار، درسا بليغا لقوى التيار الديمقراطي العراقي، أكد أهمية الالتزام بالبرنامج و الأهداف العامة التي يناضل من اجلها الحزب، وضرورة عدم التضحية بالخصوصية والوقوع في مصيدة تكتيكات الكتل الطائفية الكبيرة مقابل وعود براقة وفرص خاسرة، كما كشف تعامل أحزاب المعارضة الألمانية مع حزب اليسار قبل وأثناء إجراء الانتخابات عن التشابه في سلوك قوى اليمين ويمين الوسط في تجاهلها لقوى اليسار و الديمقراطية على طول الخط ، مهما اختلف المكان والزمان، ولكنها تحاول بخبث سياسي واضح الاستفادة من هذه القوى عندما يكون موقفها حرج أو تصل إلى طريق مسدود، بحجج واهية مثل تحقيق التغير السياسي أو خدمة للمصلحة الوطنية العليا ، نعم على القوى الديمقراطية العراقية إن تضع مصلحة الشعب في المقام الأول، ولكن عليها أن لا تنسى أهمية الحفاظ على استقلالية قرارها والنضال من اجل تعبئة اكبر عدد من الناخبين لها ، ولا يتحقق هذا، إلا من خلال الترابط بين مصلحة الوطن والإنسان، وتقوية مواقع التيار الديمقراطي و الابتعاد عن الوقوع في شراك الآخرين، ونسيان الذات بالتركيز على ما هو عام فقط رغم أهميته القصوى.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امرأة دخلت التاريخ من أبوابه الواسعة
-
أسئلة اليسار المفتوحة
-
نقاش مفتوح حول مشروع البرنامج الجديد لحزب اليسار الالماني
-
الذكرى الستين لتأسيس الصين
-
حزب اليسار الالماني :نجاحات كبيرة في ثلاث ولايات و فرص اكبر
...
-
هموم الشيوعيين دائما وطنية
-
حزب اليسار ألأوربي يطلق حملة انتخابية موحدة في بلدان القارة
...
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|