|
فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين أباظة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 17:30
المحور:
الادب والفن
هل تذكرون فيلم »الأرض«.. درة تاج السينما المصرية.. الذي أبكي ملايين المصريين وانتزع آهاتهم وهم يشاهدون الفنان العبقري محمود المليجي متشبثاً بتراب أرضه المسلوبة رغم عملية »السحل« المروعة التي يتعرض لها علي أيدي تحالف الاستبداد والفساد؟! تراجيديا الواقع.. لا تقل جنوناً عن تحفة يوسف شاهين.. لكن المخرج هذه المرة هو وزير الزراعة أمين أباظة الذي يشن حرباً علي مغتصبي أراضي الدولة. علماً بأن هؤلاء »الغاصبين« ليسوا قطاع طرق أو أشقياء أو شذاذ آفاق.. وإنما هم من »الأكابر« و»الناس اللي فوق«. إنهم باختصار من »أهل القمة«.. وبتحديد أكثر هم من »المحظوظين« من أهل القمة، الذين حصلوا ــ بطريقة ما ــ علي مساحات تزيد أو تقل من الأراضي المملوكة للدولة مقابل ملاليم، ثم باعوا نفس الأرض بعد بضعة شهور، أو بعد سنوات معدودات، بالمليارات! ولا نحسد هؤلاء علي المليارات التي كسبوها، ولا نعترض علي »تعمير« الصحراء، أو إقامة مجتمعات عمرانية جديدة، أو حتي منتجعات فاخرة، فوق هذه الأرض التي كانت جرداء لا زرع فيها ولا ماء. ما نعترض عليه ــ بالأحري ــ هو الطريقة التي يتم بها »تخصيص« هذه الأراضي، التي هي في التحليل النهائي ملكية مشتركة لجميع المصريين والطريقة التي يتعامل بها »المشترون« المحظوظون مع هذه الأرض التي آلت لهم. * * * وبعيداً عن الشعارات والمواعظ تعالوا نتابع مشهداً صغيراً من هذه التراجيديا المصرية المفزعة. المشهد الذي نعنيه هو مجرد مثال بسيط، أغلب الظن أنه متكرر بصورة أو بأخري في أنحاء أخري من مصر المحروسة. والمثال يتعلق تحديداً بــ »الشركة المصرية الكويتية للتنمية والاستثمار«، والتي كانت تسمي سابقا »الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي والإنتاج الحيواني«. الشركة يجلس علي رأسها محافظ سابق، ويشغل منصب العضو المنتدب بها نائب بمجلس الشعب وعضو بالحزب الوطني. هذه الشركة تعاقدت مع الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية علي شراء 26 ألف فدان تمثل الظهير الصحراوي لقري مركز العياط بمحافظة الجيزة سابقا، 6 أكتوبر حاليا، مقابل مائتي جنيه للفدان بإجمالي خمسة ملايين ومائتي ألف جنيه فقط لا غير. وذلك بغرض استصلاحها وزراعتها كما ينص العقد وطبقا لمواد القانون 143/81 والقانون 7/،91 ضمن خطة الدولة لاستصلاح 4.3 مليون فدان. لكن ما جاء في هذا العقد شيء، وما حدث علي أرض الواقع شيء مختلف تماماً. فقد استفادت الشركة المشترية من كل التسهيلات الممنوحة لها بحجة استصلاح الأرض تحقيقاً لمتطلبات الأمن الغذائي، لكنها لم تقم بالاستصلاح المطلوب، بل لم تقم بأي نشاط له علاقة بالزراعة من قريب أو بعيد.. بل قامت ــ بكل بساطة ــ بتقسيم الأرض وبيعها بالجملة والقطاعي كاستثمار عقاري. وقامت الشركة ذاتها ببيع 9732 فدانا من هذه المساحة إلي شركات وأفراد من دولة الكويت بالمخالفة لبنود العقد الابتدائي الموقع مع الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية المؤرخ في 16 فبراير ،2002 البند الخامس والمادة 13 من القانون 143/81.. مع العلم بأن البيع لغير المصريين يعد مخالفاً للقانون حتي مع تمام أعمال الاستصلاح. وتوجد تحت أيدينا صور لتعاقدات أبرمتها الشركة المذكورة مع 102 شركة وفرد بدولة الكويت وحدها. وبعيداً عن التفاصيل المملة، والكئيبة، فإن الخلاصة هي أن الفدان تم بيعه بمعرفة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية للشركة المصرية الكويتية عام 2002 مقابل مائتي جنيه، أي بسعر سبعة وأربعين قرشاً للمتر. وقامت الشركة المشترية ببيع نفس الأرض بسعر يتراوح بين 200 و500 جنيه للمتر الواحد. أكثر من هذا.. قامت الشركة بإنشاء شركات أخري استخدمت الأرض المصرية المشار إليها »26 ألف فدان« كأصول لهذه الشركات، ثم قامت بتحويلها إلي أسهم وتم تداولها بين الأفراد والشركات في البورصة الكويتية. ويبدو أن الأرباح الطائلة التي حققتها الشركة نتيجة هذه الممارسات تحت مظلة أرض العياط، شجعتها علي تكرار اللعبة في مناطق مصرية أخري. وهو ما حدث فعلا حيث قامت بالحصول علي مساحة من الأرض علي طريق مصر ــ إسكندرية الصحراوي.. وأسست شركة باسم آخر، وقامت الشركة ذات الاسم الجديد بالإعلان عن إنشاء منتجع »دريم فارمز«، ويوجد تحت أيدينا كتيب مطبوع طباعة فاخرة يحتوي علي صور للشاليهات الفاخرة التي تعد الشركة زبائنها بإنشائها، ومواصفاتها بالتفصيل الممل، علماً بأن العقد الذي تم شراء الأرض بموجبه ينص أيضا علي أن الغرض هو الاستصلاح الزراعي، وإذا به يتحول ــ بقدرة قادر ــ إلي الاستثمار العقاري أيضاً. وحتي بالنسبة للاستثمار العقاري لم تكن الممارسات العملية مريحة.. وعلي سبيل المثال اتصلت بي سيدة من البحرين تقول إنها تعاقدت علي شراء شاليه ودفعت معظم الأقساط ولم يتبق سوي قسطين فقط آخرهما عند الاستلام المحدد تاريخه بالعقد.. خلال شهر يونية المنصرم. وقد حل يونية ورحل بينما الأرض مازالت جدباء ولا توجد شاليهات من أي نوع! وقام محامي السيدة البحرينية بتسليمي صور من العقود والوثائق المتعلقة بهذه الفضيحة. * * * ويتبين من هذا الجبل من الأوراق الموجودة لدينا أن هناك مخالفات كثيرة ومتعددة شابت عملية تخصيص معظم هذه الأراضي، ثم مخالفات أكثر لشروط التعاقد، وبخاصة الغرض من التخصيص، ثم مخالفات تتضمن الاستيلاء علي أراضي مملوكة للدولة متاخمة للأرض التي تم »الاستيلاء« عليها بطرق »قانونية«.. فمن »يشتري« ألف فدان يضع يده علي ثلاثة آلاف فدان مجاورة!! * * * كما يتبين أيضاً أن أولئك الذين يقومون بكل هذه المخالفات لم يكن باستطاعتهم القيام بها لولا التقاعس والإهمال والتواطؤ من جانب الجهات الحكومية ذات الصلة والمسئولة عن الحماية الصارمة لحق الدولة. والغريب أن الأمر لا يحتاج إلي تشريعات جديدة ويكفي أن نلقي نظرة عابرة علي المادة 42 من اللائحة التنفيذية للقانون 143/81 التي تنص بوضوح علي أن »يكون استغلال الأرض عن طريق تأجيرها عاديا أو تأجيرها بقصد التملك لمدة ثلاث سنوات فإذا ثبتت الجدية في الاستصلاح خلالها تملك الأرض المستأجرة بقيمتها قبل الاستصلاح والاستزراع مع خصم القيمة الإيجارية المسددة من ثمن الأرض، وإذا لم تثبت الجدية اعتبر عقد الإيجار مفسوخاً من تلقاء نفسه دون الحاجة إلي إجراءات وتسترد الأرض إداريا من مَنْ كان قد استأجرها ويستثني من ذلك المستثمر الذي يقوم بإيداع القيمة الكلية للمشروع المعتمد من الجهة المختصة والمخصص له المساحة المبيعة في أحد البنوك بجمهورية مصر العربية المعتمدة لدي البنك المركزي كرأس مال يخصص للصرف منه علي المشروع ويحرر عقد البيع فور إيداع هذه القيمة علي ألا تتجاوز المدة ثلاث سنوات من تاريخ عقد البيع«. ومن هذا النص يتبين أن المسئولين بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بقطاعات الملكية والتصرف والمتابعة الميدانية مسئولون مباشرة عن جميع المخالفات التي مكنت المستثمر من التعدي علي أملاك الدولة واغتصابها ومخالفة العقود الموقعة مع الهيئة وتغيير الغرض والمتاجرة بأملاك الدولة وبيعها لأجانب وما ترتب علي ذلك من آثار.. وهي كلها جرائم جنائية في حق المال العام لا تسقط بالتقادم وتستوجب المحاسبة الجنائية. * * * والآن.. ولسبب ما استيقظت بعض الجهات الحكومية ذات الصلة من سباتها العميق. وأحد أهم هذه الجهات هو وزير الزراعة أمين أباظة الذي بدأ في مطالبة بعض »الحيتان« بحق الدولة. وأظن أن هناك كثيرين لن يغفروا للوزير هذه »الجرأة« علي مقامهم الرفيع ووضع يده في عش الدبابير. لكن المسألة ليست مساندة الوزير، أو عدم مساندته، وإنما هي ــ في النهاية ــ هي: هل ندافع عن إرثنا المشترك الذي هو أرض مصر، أم نتركه »سداح مداح« ليتلاعب به المضاربون والباحثون عن الربح السريع الذي يبلغ أضعافاً مضاعفة من أرباح تجارة السلاح وتجارة المخدرات!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
-
حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح
...
-
لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم
...
-
وصف سيناء »44« منير شاش يتكلم.. اسمعوا وعوا
-
-تحسين مستوى العسل-.. مطلب من البرنامج الانتخابى للرئيس
-
الغاز تحتاج إلي حل .. القمة الرابعة عشرة للمجموعة الخمسة عشر
-
قمة مهمة.. لكن الكرة أهم (1)
-
-تهميش- مصر فى أفريقيا وآسيا .. وبلاد كانت تركب الأفيال
-
الفساد فى محاربة الفساد
-
وصف سيناء : (1)
-
وصف سيناء : (2)
-
صرخة احتجاج من قلب الصعيد الجوانى
-
اقتراح عملي للإبقاء علي »حرارة« المعدات التليفونية
-
يحدث فى العالم العربى فقط: الانتخابات تغتال الديموقراطية!
-
صدمة الحقيقة.. في شرم الشيخ
-
داوستاشي.. بدون تعليق
-
... حتى التصوف.. بقرار جمهوري!
-
هل يتجه الاقتصاد العالم إل »التدمير الخلاق«؟!
-
-شهادة- إنسان مصرى بدرجة قاضى دولى:كيان الجماعة المصرية مهدد
...
-
»المستنير »دادا«.. في قلب العتمة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|