|
-المعارَضة- إذ غدت -وظيفة حكومية-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 15:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"المعارَضة" إذ غدت "وظيفة حكومية"!
جواد البشيتي
بعض المعارَضة (أو المعارِضين) في بعض الدول العربية تُقْمَع لكونها متَّهَمة حكومياً بأنَّها تحرِّض في الغرب (أو في بعضٍ منه) ضدَّ حكوماتها واستبدادها وتعسُّفها، توصُّلاً، على ما تتوقَّع وتتمنى، إلى أن يَدْفَع "خطابها التحريضي" إلى انتصار غربي (أو أوروبي) لـ "حقوق الإنسان (المقدَّسة)"، وإلى ممارَسة ضغوط اقتصادية غربية على تلك الحكومات، وكأنَّ ما يسمَّى "الإصلاح السياسي والديمقراطي" في العالم العربي يمكن أن يصبح في متناول شعوبنا ومجتمعاتنا إذا ما زجَّ الغرب (الديمقراطي الليبرالي) بما لديه من قوى الضغط الاقتصادي في معركتنا من أجل الحرِّية السياسية.
وفي "خطابها التحريضي المضاد"، أي الذي ضدَّ هذا اللون من المعارَضة، تقول الحكومات، أي تشكو وكأنَّها نَبِيٌّ لا كرامة له في قومه، إنَّها ليست ضدَّ "المعارََضة (الدستورية الشرعية المسؤولة الأصيلة..)"، وإنَّ لديها منها، ومن أصحاب "الرأي الآخر"، ما يفيض عن الحاجة؛ لكنَّها ضدَّ "الاستنصار بالأجنبي"، وتعريض "الاستقلال القومي" للخطر، وكأنَّ هذا "الأجنبي"، الذي بفضله تحكم، وتستمر في الحكم، ليس هو نفسه "الصديق" و"الحليف"، في خطاب آخر لها!
لقد أرَدْنا معارَضة حقيقية أصيلة، تشبهنا، منَّا ولنا؛ وأرَدْناها، أو أرَدْنا لها، أن تكون حرباً على فساد الحكومات، والحكومات الفاسدة، وعلى حكم الفساد، والحكم بالفساد، فإذا بها، أو بقسم كبير منها، تنافِس الحكومات في الفساد، وتَسْتَنْصِر بـ "أصدقاء" و"حلفاء" حكوماتها في الغرب، فغدا "الصراع" بين الطرفين (الحكومة والمعارَضة) صراعاً بين "صديقين" و"حليفين" لدول وقوى غربية لها من المصالح والأهداف والميول ما يجعلها عدوُّاً مبيناً للتطوُّر الديمقراطي الحقيقي لشعوبنا ومجتمعاتنا.
أمَّا "المعارَضة البيضاء"، "الناصعة البياض"، أي تلك التي تَفْخَر بها حكوماتنا، وتتغنَّى، فإنَّها، والحقُّ يُقال، تنتسب إلى الحكومة، وكأنَّها "ابنتها غير الشرعية".
في عالمنا العربي (على وجه الخصوص لا على وجه الحصر) شَرَعْنا نرى ظاهرة سياسية جديدة هي ظاهرة "المعارَضة الحكومية"، أي "المعارَضة" التي تحوَّلت، أو تكاد أن تتحوَّل، إلى "وظيفة حكومية"، يؤدِّيها أفراد وجماعات من خارج الحكومة؛ ولكن بما يخدمها، في آخر المطاف، ومن حيث الجوهر والأساس، وفي أوقات الضيق والشِّدة على وجه الخصوص.
و"المعارَضة"، بصفة كونها "وظيفة حكومية"، إنَّما هي ظاهرة سياسية جديدة، ولَّدتها حاجة الحكومات لدينا إلى أنْ تحكم بما يجعلها تبدو "صديقة لدودة" للديمقراطية و"حقوق الإنسان"، فتعلُّم الحكم بما يوافِق مبدأ "ليس بالعنف (أو القمع أو البطش أو الحراب..) وحده تحيا الحكومات" هو ما تتوفَّر عليه حكوماتنا الآن، كارِهةً مُرْغَمَةً.
ولا شكَّ في أنَّ هذا "التحدِّي" يضطَّر حكوماتنا إلى "التعلُّم" و"التثقُّف" و"التهذُّب" و"شَحْذ الذهن والقريحة"، وإلى أن تعتاد، بالتالي، عادة حسنة، هي أن تتوفَّر (عبر عقول وعيون مستعارة أو مستأجرة) على كَشْف واكتشاف ما لدى شعوبها ومجتمعاتها من ميول ونزعات واتِّجاهات جديدة، في السياسة والفكر والتفكير، توصُّلاً إلى الإحاطة بها، والسيطرة عليها، والتحكُّم فيها، ودرء "المفاجآت" غير السَّارة؛ وتسيير"الرِّياح"، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، بما تشتهي سفينتها.
إنَّها، أي الحكومات، تُدْرِك وتعي الحاجات والضرورات السياسية الجديدة لدى شعوبها ومجتمعاتها، وتَعْلَم أنَّ تلك الحاجات والضرورات ستَدْفَع، عاجلاً أو آجلاً، الناس إلى أن يفكِّروا ويعملوا، سياسياً، بما يعكسها، ويعبِّر عنها، ويوافقها، فَتَخْتَرِع لهم، وإنْ ليس بالمعنى الحرفي دائماً، قيادات تجتذب إليها المعارضين من شتَّى الألوان، فيظل كل شيء، بفضل هذه "الحرب الاستباقية (أو الوقائية)"، تحت السيطرة (الحكومية غير المباشِرة).
حكوماتنا أصبح لديها، إذ أدركت أهمية وضرورة "القوَّة الناعمة"، أسلوباً في الحكم، مختصُّون (حكوميون) بكل صنوف المعارَضة، يجتهدون في قيادتها وتنظيمها، وفي تزيينها بما تحتاج إليه من شعارات ورموز وبرامج وصحف..؛ وقد ترى من بعضهم، وتسمع، ما يجعلك تظن أنَّ "شعرة معاوية" بينه وبين أهل الحكم قد انقطعت؛ ولكن يكفي أن ترى ما حلَّ بمعارضين حقيقيين، أقل منه "تطرُّفاً" في معارضتهم للحكومات، حتى تدرك أنَّ وجود "النقد الحقيقي" يولِّد الحاجة إلى "تزوير النقود".
أنتَ إيَّاكَ أنْ "تسب" و"تشتم"، ولو بكلمات سياسية، الحكومات والوزراء..، فإنَ لهذه المعارَضة "موظَّفيها الحكوميين"، فَدَعْ الخبز للخبَّاز!
إذا أردت أن تكون "إسلامياً" في معارضتك للحكومة فإنَّ لهذه المعارَضة موظَّفيها الحكوميين "الإسلاميين"؛ وإذا أردت أن تكون "يسارياً" في معارضتك للحكومة فإنَّ لهذه المعارَضة موظَّفيها الحكوميين "اليساريين"؛ وإذا..
وهذا التناقض بين الظاهِر والباطن من الحياة السياسية لقسم كبير من المعارضين، ومن قوى المعارَضة، يتَّضِح ويتأكَّد في أوقات الأزمة والضيق والشِّدة.
يُقال "يحقُّ للشعراء ما لا يحقُّ لغيرهم"؛ ونقول إنَّ النقد اللاذع للحكومات يحقُّ للمعارضين من الأبناء غير الشرعيين لهذه الحكومات، ولا يحقُّ لغيرهم من المعارضين، ولو كانوا أقل منهم "تطرُّفاً" في النقد والمعارَضة.. والعداء، فهلاَّ نُدْرِك أنْ ليس كل ما يلمع (في سماء المعارََضة) ذهباً.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل -تقصف- الطموح النووي الأردني!
-
تعليق -لاهوتي- على حدث رياضي!
-
اخترعها الفقراء وسطا عليها الأغنياء!
-
حرب إسرائيلية على -النموذج التركي-!
-
إلاَّ أسطوانة الغاز!
-
ما هو -الزمن-؟
-
إنقاذاً لإسرائيل المحاصَرة بحصارها!
-
تصحيحاً ل -الخطأ- الذي ارتكبه العرب..!
-
إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!
-
أزمة -المواطَنة-.. عربياً!
-
-أسطول نجاد- بعد -أسطول أردوغان-!
-
-النفاق-.. سياسة عربية!
-
ظاهرة أردوغان
-
هل نجرؤ على الانتصار؟!
-
معبر رفح.. تُغْلِقه مصر فتَعْبُر تركيا!
-
امتزاج -الأحمر- ب -الأزرق-!
-
جماهير -إعلامية فضائية-!
-
الشرق الأوسط الخالي من السلاح النووي!
-
-الانتخاب- و-التزوير- صنوان!
-
قانون لانتخابات نيابية -أخلاقية-!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|