|
تسييس الازمات
عباس عبد الرزاق الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس من الحكمة او الانصاف استغلال معاناة الناس و"استثمارها" لاجندات سياسية او حزبوية مشخصنة بعيدة عن التوجه الوطني او الانساني وأدلجة اسبابها ونتائجها وماتفرزه من انعاكاسات سلبية على عموم المشهد العراقي، ومن الخطا الفادح ان تحتسب جميع الازمات المتوارثة والمستجدة في خانة الحكومة التي انتجت وفق الآليات الدستورية والمنهج الديمقراطي الحر والشفاف بعد التغيير النيساني المزلزل وان ترمى جميع "الكرات" في ملعبها من دون مراجعة تاريخية وسياسية نقدية وموضوعية شاملة لمجمل الارهاصات والاشكالات والاسقاطات التي رافقت تأسيس الدولة العراقية الحديثة (1921 / 2003 ) وما تلاها من احداث ومراحل ومنعطفات شكلت بمجملها ما آلت اليه الامور عشية ذلك التغيير العاصف يضاف الى ذلك إن الفساد الاداري والمالي المستشري في اجهزة الدولة العراقية المعاصرة (دولة التأسيس الديمقراطي) لم يكن متأتيا من فراغ تاريخي او ثغرة قانونية بل هو جزء من التركة الثقيلة من الخراب الشمولي التي ورثها العراقيون من حكوماتهم السابقة اضافة الى الهجمة الارهابية البربرية والمؤامرات التي حيكت من اجل افشال التجربة الديموقراطية الفتية في هذا البلد الذي عانى طويلا من جميع اشكال الاستبداد والقهر والتعسف والإفقار المتعمد . البعض من داخل العملية السياسية نفسها ومن خارجها يحاول جاهدا ان يقوم بتسييس جميع الازمات التي يمر بها البلد ، الأمنية بالدرجة الاساس (ملف الارهاب) ناهيك عن الاقتصادية والمعيشية والخدماتية بأن يلقي باللائمة على المتصدين للعملية السياسية محملا اياهم مسؤولية جميع ما يحدث ويعطي صورة تسقيطية وكيدية بأن العراق كان في عهد الديكتاتورية المقيتة افضل حالا من هذا العهد الذي شهد التعددية والتداول السلمي للسلطة وانتعاش الاقتصاد وتفعيل مبادئ حقوق الانسان واشراك جميع مكونات الشعب العراقي في آليات الحكم... ويحاول البعض ايضا ان يعطي صورة اخرى من خلال تسييسه للازمات التي يعجُّ بها المشهد العراقي بأن الحكومات التي جاءت عن طريق الانتخابات الدستورية هي غير كفوءة او غير قادرة على ادارة الملفات المأزومة والمتشابكة وان من الأولى لهذه الملفات ان تدار وتعالج من قبل "حكومة" شديدة التمركز وقوية بالقهر والتسلط وهذا يعني ارجاع العراق الى مربع الصفر . العراق ورث عن النظام السابق الذي كان يمثل آخر حلقة من مسلسل فشل التأسيس الدولتي الذي عانى منه اكثر من ثمانية عقود، دولة مهشمة ومعزولة دوليا ومنبوذة اقليميا وشعبا مسحوقا ومضطهدا يعيش جلـُّه تحت مستوى الفقر العالمي ومحاصرا بفعل العقوبات الأممية المفروضة عليه من قبل الاسرة الدولية بسبب سياسات ذلك النظام الرعناء كما ورث اقتصادا متآكلا وبنى تحتية مندثرة تماما وحزمة من المشاكل المعقدة مع دول الاطار الجغرافي المحيط بالعراق ومضاعفات سياسية واقتصادية مع المجتمع الدولي والامم المتحدة ومجلس الامن الدولي وورث ايضا تصدعا ديموغرافيا وتشظيا سوسيولوجيا وتفتتا غير مسبوق في القواعد التي تتمركز عليها الوحدات الطوبوغرافية وضمورا في الاسس المفاهيمية التي تتجذر من خلالها المواطنة الحقة وتترسخ. إن النظام السابق قد ترك لنا سجلا هائلا وأرشيفا عملاقا في مجال خروقات حقوق الانسان والاعتداء على الحياة البشرية والبيئية قد لايكون له شبيه حتى في الذاكرة العالمية حول جرائم النازية والنظم التوتاليتارية الفاشستية الاخرى فضلا عن تهشم البنى السايكلوجية لشرائح واسعة من المجتمع وانهيار اسس الثبات المجتمعي والتوازن الأسري بفعل الحروب والحصار والاساليب القمعية وعمليات الابادة الشاملة والتطهير الطائفي والعرقي ومصادرة الحريات وتكميم الافواه. كل ذلك وغيره ملفات موروثة ساخنة وجاهزة للانفجار والتشظي في أية لحظة ومن غير الممكن ان تعالج في سنوات قلائل او بممارسات حكومية واجرائية سطحية في ظل وضع شديد الحساسية والتعقيد وقد رافقتها اجواء الفوضى الخلاقة التي اجتاحت البلاد بعد الاحتلال الامريكي للعراق والتخبط والعشوائية التأسيسية للدولة العراقية مابعد التغيير مما زاد المشهد العراقي تعقيدا الى منظومة التعقيدات السابقة.. لكن الذين يسيسون الازمات التي تجتاح الواقع العراقي ينظرون بعين عوراء الى مايجري دون أية مراجعة منصفة لمجمل الاسباب والنتائج التي تعتمل في ذلك الواقع ويتعاملون معه حسب نظرية نصف الكأس الفارغ ولاينظرون الى النصف الآخر .. ان الكثير من الملفات الساخنة التي يتم تناولها سياسيا واعلاميا وبشكل دراماتيكي مقصود ومفتعل والتي لها تماسُّ مباشر بحياة الناس ومشاغلهم اليومية ومعاناتهم المستمرة لم يتم ذلك من المنظور الانساني المتفاعل والمتشارك مع الاخرين او من منظور وطني بموجب استحقاقات المواطنة وتراتبية الحقوق والواجبات التي تمليها أسس التعاقد الاجتماعي والمصلحة الوطنية والتضامن التعاقدي بين ابناء الوطن الواحد وانما بتسييس لا علاقة له بأية ازمة يعانيها المواطن في ظروف عسيرة وقاهرة وبما يشبه كلمة حق يراد بها باطل . [email protected] إعلامي وكاتب عراقي
#عباس_عبد_الرزاق_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنية العراقية
-
مسؤولية المجتمع الدولي تجاه العراق
-
المعارضة ليست ترفا سياسيا
-
العشائرية في المجتمع العراقي
-
هل دخل العراق النفق مرة اخرى ؟
-
المحلل السياسي
-
الدولة العراقية وتحديات النجاح
-
سلطة عراقية رابعة
-
الانتخابات والمواطنة
-
ثقافة التحزب وشخصنة الدولة
-
بانوراما انتخابية
-
الصدامية ... بين حلم العودة وكابوس الاجتثاث
-
أصنام المالكي تغزو كربلاء
-
عقدة الاستجواب
-
هاجس المربع الأول
-
الواقع المزري في كربلاء (2 2)
-
العراق وفضاؤه الإقليمي
-
هولوكوست عراقية !!!
-
الواقع المزري في كربلاء المقدسة (1 2 )
-
دراما مسيسة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|