|
هل غدا -الجهاد- ضد الشعب المغربي مقدما عن الجهاد ضد الاحتلال الصهيوني ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3051 - 2010 / 7 / 2 - 13:03
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الإعلان عن تفكيك خلية إرهابية يوم 21 يونيو 2010 من طرف السلطات الأمنية في المغرب ، لم يكن حدثا اعتياديا رغم تعود الرأي العام المغربي على الأخبار المرتبطة بنجاح الأجهزة الأمنية في رصد وتفكيك عشرات الخلايا الإرهابية . فأهمية الإعلان تأتي من كون الخلية إياها يرأسها "جهادي" فلسطيني وتضم ثلاثة فلسطينيين آخرين إلى جانب مغاربة قد يزيد عددهم عن السبعة . وأن يكون مغاربة ضمن خلايا إرهابية تنشط داخل المغرب أو خارجه ، أمر لا يدعو إلى الاستغراب مادام فقه التكفير والجهاد ضد العدو الغاصب والأنظمة"الطاغوتية" قد أوجد له محاضن ومشاتل خصبة لإنتاج متطرفين على استعداد للقتل باسم "الجهاد" في أي مكان بالعالم . ولعل بيئة التطرف التي تشكلت على مدى عقدين قبل الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 ، هي التي فتحت أطماع تنظيم القاعدة على التركيز والاهتمام بهذه البيئة قصد استقطاب وتجنيد "الجهاديين" للقيام بالأعمال الإرهابية داخل المغرب وخارجه . ولا شك أن عدد الشيوخ المنتمين لتيار السلفية الجهادية والمعتقلين على خلفية التحريض على القتل باسم الجهاد ، أو العناصر المتورطة في التخطيط للعمليات الإرهابية خارج المغرب أو لتنفيذها لدليل قاطع على تغلغل التطرف وفقه التكفير وثقافة القتل بين ثنايا المجتمع المغربي . لكن الداعي إلى الاستغراب في الإعلان عن تفكيك هذه الخلية هم الفلسطينيون الأربعة الذين تعود إليهم خطة تشكيل الخلية ورئاستها . الأمر الذي يجعلنا أمام سؤال مركزي : هل بات "الجهاد" في أرض المغرب أولى من الجهاد في أرض فلسطين المحتلة ؟ ذلك أن المفروض في المتطلعين إلى الجهاد والعاشقين "للشهادة" والفوز بنعيمها والتمتع بحور عينها أن يقصدوا الديار المحتلة والأراضي التي اغتصبها الكيان الصهيوني وشرد أهلها . فهل هي قناعة جديدة آخذة في التشكل لدى الفئات المتطرفة من الفلسطينيين التي باتت ضحية لعقائد التيار السلفي الجهادي ؟ بالتأكيد أن عموم الفلسطينيين وباختلاف فصائلهم يدركون جيدا نبل مشاعر التضامن التي يكنها الشعب المغربي للشعب الفلسطيني وحجم المساندة التي يقدمها للقضية الفلسطينية باعتبارها قضيته الثانية بعد قضية الوحدة الترابية . لهذا ليس القصد من هذه الأسئلة الإساءة إلى نبل المشاعر وقوة الروابط بين الشعبين المغربي والفلسطيني ؛ بينما القصد التنبيه إلى خطورة العقائد الجهادية التي تقضي على مثل هذه الروابط وتسيء إلى النضال الفلسطيني الشريف . ذلك أن عقائد التكفير والقتل باسم الدين والجهاد ــ وهي العقائد التي يتشبع بها أعضاء التنظيمات الجهادية ــ تجعل الجهاد ضد "العدو" القريب مقدما على الجهاد ضد العدو البعيد . والمقصود بالعدو القريب هم المواطنون في الدول العربية والإسلامية والذين يدينون بالإسلام بينما تعتبرهم التنظيمات الجهادية "مرتدين" . ووفق عقائد هذه التنظيمات المتطرفة ، فإن قتال المرتدين وقتلهم ، ليس فقط واجبا "شرعيا" ، بل مقدما على كل جهاد ضد "الكفار" و"أعداء الدين" . لهذا السبب جاءت عقائد الجهاديين تشرعن استهداف الأنظمة السياسية وكل مؤسسات الدولة وعموم المواطنين . لأن من أهداف هذه التنظيمات التكفيرية تقويض ما تسميه بالأنظمة الطاغوتية التي هي ، في حكم العقائد الجهادية ، أنظمة مرتدة وكافرة لأنها لا تحكم بما أنزل الله . وهذا ما أفتى به مثلا أحد شيوخ التيار التكفيري الجهادي ، يوسف فكري ، في حق نظام الحكم في المغرب بقوله ( إن دين الله وحكم الإسلام في واد ونظامنا الحاكم في واد آخر .. فمتى كانت قوانين أوربا ودساتير أمريكا واستشارة اليهود مقدمة على شريعة أحكم الحاكمين ؟ قال تعالى : " أم لهم شركاء شرّعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " ) . ونفس الحكم أصدره شيخ آخر من شيوخ هذا التيار ، وهو أبو حفص في قوله : ( الإسلام السيادة فيه لله عز وجل . والنظام الإسلامي يقوم على الاستسلام لأمره سبحانه وتعالى ، وبالتالي فالإسلام أو الشرع أو الله سبحانه وتعالى هو الذي له السيادة المطلقة ، والسيادة العليا . فهو الذي له حق الحل وحق التحريم وحق التشريع . وأما سيادة غيره ، هذا هو مفهوم الديمقراطية ، أن تكون السيادة للشعب ، فهذا مما لا يرضاه الله عز وجل ، ومما لا نرضاه ، يعني من منظورنا الشرعي . هذا باطل شرعا أن تكون السيادة لغير الله سبحانه وتعالى) . وبعد تكفير الأنظمة الحاكمة لا يجد هذا التيار حرجا في تكفير المواطنين ، ليس لتركهم الدين أو اتخاذهم الأوثان آلهة من دون الله تعالى ، ولكن لضيق أفق هذا التيار وغلوه في فهم النصوص الدينية وتطويعها لشرعنة القتل والتخريب . بحيث تصبح المطالبة بالديمقراطية أو المشاركة في مؤسساتها علة التكفير ،كما يفتي بهذا كل شيوخ هذا التيار ومنهم عبد الكريم الشاذلي في قوله ( كل من اتخذ مع الله آلهة أخرى في التشريع فقد أشرك بالله .. وعلينا أن نعلم أن المرء لا يكون من الموحدين حتى يكفر بكل طاغوت قديما كان أو معاصرا . فإن لكل عصر وزمان ومكان طواغيته وأشنعها طواغيت عصرنا الذين يحكمون الناس بالقوانين الوضعية في صور شتى ) . ووفق العقائد التكفيرية الدموية يصبح قتل المواطنين بعد تكفيرهم أمرا "شرعيا" وفرضا دينيا . وباعتبار الأمر كذلك ، فإن هذا التيار التكفيري يجعل قتل المواطنين المتهمين بالردة مقدما على قتل الأجانب بمن فيهم اليهود الذين هم ألد أعداء "الجهاديين" . ويبرر شيوخ هذا التيار تعطشهم إلى دماء مواطنيهم دون دماء الصهاينة المحتلين ، كما جاء في فتوى عبد الكريم الشاذلي ، بأن ( جهادهم مقدم على جهاد اليهود لسببين : القرب والردة ) .إذن ، فالفلسطينيون الأربعة الذين تم اعتقالهم ، وعلى رأسهم "ي درويش" ، جاؤوا إلى المغرب ، ليس من أجل "الجهاد" ضد الصهاينة الذين يحتلون أرض فلسطين ويشردون شعبها ويُقتّلون أبناءها ، بل من أجل قتل المغاربة الذين يؤمنون بالديمقراطية ويسعون لإرساء دعائمها وإشاعة قيمها وثقافتها . لا لذنب اقترفوه سوى الرغبة في الاستفادة من الحكمة البشرية في تدبير الشأن العام . فالمغاربة ، من منظور عقائد الجهاديين ، هم العدو الأقرب الذي يجب تقديم قتله عن العدو الأبعد الذي هم الصهاينة . إنها نفس العقائد التي حملت فلسطينيين آخرين عن التخلي عن القتال في فلسطين المحتلة وترك شعبها الأعزل يواجه مصيره ، والذهاب إلى أفغانستان أو الشيشان أو لبنان لقتل المسلمين . ولم يكن عبد الله عزام إلا أحد أبرز الأسماء التي كرست هذه العقائد وحرضت عليها . كما ستظل معارك النهر البارد في لبنان دليلا على انحراف عقائد الجهاديين ووصمة عار في جبين شيوخهم الذين شرعنوا "الجهاد" ضد المسلمين الآمنين والتخاذل حين يتعلق الأمر بنصرة المستغيثين من بطش الصهاينة المحتلين . وكذلك كان حال زعيم مجموعة "أنصار جند الله" عبد اللطيف موسى الذي أصدر بيانا أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة يعلن فيه أن جماعته (لن تعين كافرا على كافر ) . أي لن تشارك إلى جانب عناصر حماس "الكافرة" في صد عدوان إسرائيل "الكافرة" . فقد كان همّه إسقاط إمارة حماس ليقيم إمارته "الإسلامية" التي أعلن عنها في خطبة له بمسجد ابن تيمية . لكن لم يُكتَب له النصر ولا كان له الأمر . فأنعم بها من عقائد وأكرم !!
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النقاب الدخيل والنقاب الأصيل !
-
هل سينفذ تنظيم القاعدة تهديده ضد المونديال ؟
-
هل تحترم الجمعية حقوق الإنسان حتى تدافع عنها ؟
-
التطرف عقائد واحدة غايتها فرض الوصاية على المجتمع (6) .
-
الحوار الذي لم ينشره موقع إسلام أون لاين حول جماعة العدل وال
...
-
الغلو والتطرف دوائر تتكامل في الأهداف والوسائل (5) .
-
حوار لفائدة جريدة المنعطف
-
بعد سبع سنوات عن الأحداث الإرهابية ، أين المغرب من خطر الإره
...
-
التطرف ثقافة ومواجهته فرض عين وليس فرض كفاية(4) .
-
التجديد ولعبة وضع السم في العسل؟(3)
-
متى يدرك المثقفون مثل الأستاذ الساسي غلو التجديد وتطرف أصحاب
...
-
وأخيرا أدرك الساسي غلو التجديد وتطرف أصحابها !!(1)
-
الفساد واللاعقاب يقودان حتما إلى الكارثة أو الفتنة .
-
مبادرة -أنصفونا- تخلو من عناصر الاتزان والإنصاف والمصداقية.
-
مبادرة -أنصفونا- بحاجة إلى الوضوح والإقرار وليس الغموض والإن
...
-
مبادرة -أنصفونا- صرخة إنكار وليست مراجعة واعتذار .
-
جماعة العدل والإحسان بين تكتيك الدولة وارتباك القضاء .
-
المرأة بين حركية الواقع وتحجر الفقه .
-
ماذا لو تحولت فاجعة مكناس إلى بداية حقيقية لعهد الحساب والعق
...
-
خلافة الشيخ ياسين قضية عقدية وليست تنظيمية .
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|