صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)
الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 12:18
المحور:
الادب والفن
لايزال مفهوم الأسطورة بمعانيها المتعددة يلاقي حيزاً كبيراً من الجدل والقراءة وإعادة القراءة للأساطير من اجل خلق فرضيات جديدة وتفسيرات متعددة ومتغيرة.
وقد كان لمؤلف هذا الكتاب رأي يعد من اهم الاراء في هذا المجال ، وذلك من خلال تحليله لمفهوم الاسطورة وعلاقتها المتجددة ليس مع الماضي فحسب وانما عبر ارتباطها بالحاضر الآني والمستقبل المجهول.
وقد جاء في مقدمة كتاب (الأسطورة والمعنى)(**) التي كتبها المترجم (د.شاكر عبد الحميد) توضيح لبعض افكار (شتراوس) التي تتتسم بالعمق وتعدد المعاني التي تحيل القارئ الى افكار جديدة ومعاني ظاهرة وخافية في نصوصه وتحليلاته ،وقد بدا واضحاً من الصفحات الأولى للكتاب اهتمام (شتراوس) بمفاهيم متعددة منها الزمن في الأسطورة ،اذ يقول عنه " ان زمن الاسطورة يمكن تمثيله في ضوء ذلك كما يأتي: الزمن القابل للأعادة = الزمن البنيوي = اللغة = التزامن ، والزمن الغير قابل للاعادة :=الزمن الاحصائي = الكلام= التتابع" .
ان هذا الافتراض يؤكد على وجود الزمن في بنية الاسطورة ، وقد ذكر (شتراوس) في معرض حديثه عن الزمن وتداخله مع الاسطورة لذلك يشير الى"ان الاسطورةعند شتراوس تشير دائماً الى وقائع يزعم انها حدثت منذ زمن بعيد" .
ان الاسطورة كما وردت في الكثير من المصادر التي تؤكد على انها قصة من زمنٍ ماضٍ فلم يسبق ان سمعنا عن اسطورة من الزمن الحاضر، ولكن (شتراوس) يؤكد على ان الاسطورة تمتد الى الزمن المستقبل من خلال اعادة تفسيرها بما يشتمل عليه الزمن الحاضر والمستقبل " وجوهر الاسطورة لايكمن في اسلوبها او موسيقاها او في بنيتها ولكن في القصة التي تحكيها فالاسطورة لغة يتم تنشيطها عند مستوى مرتفع خاص وتتابع فيه المعاني بشكل يجعل الخلفية اللغوية لها في حالة حركة دائمة "ومن خلال تحليل (القصة/ الاسطورة) نجد انها مكونة من اللغة،وهي بطبيعة الحال في تطور دائم وتحتمل تفسيرات عدةّ، لذلك تبقى الاسطورة مستمرة من الماضي الى الحاضر والمستقبل.
ان ارتباط الاسطورة باللاشعور إنما يعود الى تراكمات في الذاكرة الحية، لذلك فإن (شتراوس) يعتمد في قراءته لها على" قانون مركزي كما يؤكد (روسي)هوان العقل الانساني اللاشعوري يدرك العلاقات بين المتعارضات في الواقع الطبيعي ويعمل على احداث المصالحة والتكامل فيما بينها من خلال أبنية التبادل".
ان رأي شتراوس هذا يتعارض في مضمونه مع تفسير علماء النفس لمفهوم اللاشعور سواء كان الفردي او الجمعي (فرويد –يونغ) وذلك لأنهم يرون ان الاسطورة تحتمل تسلسلاً تاريخياً للاحداث على العكس من شتراوس الذي ينظر الى الاسطورة نظرة تختلف عن النظرة التاريخية " وهي ان القوانين البنيوية للاسطورة او وظيفتها الرمزية تظل كما هي لاتتغير " .
ان شتراوس في اعتماده على البنيوية في تحليل الاسطورة يختلف اختلافاً عميقاً مع علماء الانثربولوجيا وعلماء النفس ويشير الى ان اختلافه في طرح أراءه حول المجتمع اذ يعدّه " بمثابة آلالة الخاصة التي تحدث فيها عمليات الاتصال او التخاطب ، والظواهر الاجتماعية رسائل، وبنية اللغة هي الشفرة المستخدمة لنقل الرسائل" .
ان هذا الرأي يجرد المجتمع من كل العلاقات التي تتضمنه وتكونه ويلغي كافة الأسس التي تبنى عليها المجتمعات ويحولها الى صنف جامد خالٍ من الروح.
وقد حدد (شتراوس) محوراً اخر حول (لقاء الاسطورة والعلم) والذي يوضح من خلاله التزامه بأهمية دور العلم إلاانه يعتقد في الوقت نفسه ان العلم لايمكن ان يعطينا كل شيء، ويعود السبب في ذلك الى مايمكن ان توفره الاسطورة ويبقى العلم عاجزاً عن توفيره. يقول (شتراوس):" انني اعتقد ان هناك بعض الاشياء التي فقدناها وربما كان علينا ان نستعيدها ثانية ، لأنني لست متأكداً انه في عالم مثل عالمنا الذي نعيش فيه ومع نوع معين من التفكير العلمي علينا ان نلتزم به يمكننا ان نستعيد مثل تلك الاشياء كما لو لم يتم فقدها في الماضي " .
أن العلم بكل مافيه من تطور ومع كل مايقدم من إنجازات ، الا انه يبقى عاجزاً عن الاقتراب من العالمي الروحي او عوالم التوحد التي يعيش فيها الانسان مع معتقداته الخاصة.. كما ان العلم يبقى بعيدا عن الاساطير التي تشكل في مجملها كينونة الانسان بماضيه وحاضره ومستقبله.
وفي سؤال طرح على شتراوس حول تبنيه لما عرف بـ (البنيوية) فإنه يوضح سوء الفهم الذي وقعت فيه هذه التسمية أن "البنيوية او ماقد يوضع تحت هذا الاسم، يعدّ بمثابة الشيء الجديد تماماً والثوري (الانقلابي) في الوقت نفسه وهذا كما اعتقد هو أمر زائف دون شك ففي المقام الاول – حتى في مجال اللسانيات- لاتعد البنيوية جديدة تماماً، فنحن يمكننا تتبع هذا التيار من التفكير منذ عصر النهضة والى القرن التاسع عشر وحتى وقتنا هذا ، وفي المقام الثاني فمانسميه بالبنيوية في مجال اللغويات او الانثربولوجيا او ماشابه ذلك ليس أكثر من تقليد خافت وشاحب لما استخدمته العلوم الطبيعية شديدة الدقة منذ زمن طويل " .
ان (شتراوس) في رده هذا ينسف كل ماجاء به منظروا البنيوية في اعتقادهم بالجديد وعلى الرغم من انه يعدّ احد مؤسسي البنيوية في العصر الحديث الا ان رأيه هذا يقلب الطاولة امام نفسه اولا وامام الاخرين من اتباعه ومناصريه ومقلديه من جهة وامام اعداء البنيوية من جهة اخرى.
ان التمازج الذي خلقه شتراوس بين مفهوم البنيوية والعلوم الطبيعية هو خير دليل على ماجاء به في مقدمة كلامه عن عدم اعتراضه على اهمية العلم وتمازجه بالحياة الانسانية.. وها هو هنا يعزز رأيه فيقسم العلم الى طريقتين " اما طريقة الاختزال او الطريقة البنيوية، ويكون العلم اختزالياً عندما يكون من الممكن ان يكتشف ظواهر شديدة التعقيد عند أحد المستويات التي يمكن اختزالها الى ظواهر اكثر بساطة عند مستويات أخرى " .
يقتصر (شتراوس) في حديثه السابق على طريقة الاختزال فحسب ولا يذكر الطريقة البنيوية في العلم كمقابل للاختزال ، الا انه يشير الى مسألة اخرى في غاية الاهمية وقد يعود اليه في حديثه عن الطريقة البنيوية اذ يقول " من الاشياء البعيدة عن تفكيري ان اقوم بإختزال الثقافة كما نستخدمها في مصطلحاتنا الانثربولوجية الى الطبيعة ولكن مع ذلك فإن مانشاهده عند مستوى الثقافة هي ظواهر من النوع نفسه من الناحية الشكلية (ولا اقصد اطلاقاُ الناحية الجوهرية) "
ان تقسيم المجتمع الى نمطين من التفكير (التفكير البدائي والعقل المتحضر) والذي يذكره (شتراوس) ويظهر فيه تفسير لماهية التفكير البدائي مقارنة بالعقل الحاضر للانسان وعلى الرغم من ان شتراوس يرفض تسمة "البدائي" ويستعيض بدلا عنها بتسمية "الشعوب التي لاتكتب اومادون مستوى الكتابة"ص35
ونتفق مع (شتراوس) في ذلك لأن تلك الشعوب كانت تفكر ، ولكن تفكيرها يعد بالنسبة الى التفكير الحديث متخلفاً او (بدائياً) اما بالنسبة الى تلك الشعوب فإنه يعّد تفكيراً متقدماً ومنطقياً كونه كان يلبي حاجاتهم التي تؤمن لهم الاكل والشرب والحماية من مظاهر الطبيعة التي يعيشون فيها والتي من الممكن ان تسبب لهم الاذى في بعض الاحيان.
وبالمقابل فإن الانسان في تلك الشعوب يمكن ان يتصور ان اي مجتمع آخر هو دون مجمتعه ويصفه (بالبدائي) لأنه سيستخدم أساليب للمعيشة تختلف عن أساليبه ، لذلك يمكن القول ان الاختلاف في بنية التفكير من شعب الى اخر لا ينفي وجود التفكير بحد ذاته ، ولا يعطي للشعوب الاخرى والتي تسمى (متحضرة) الحق بوصف الاخر بـ(البدائي) فكل منهما يفكر بما تمليه عليه الظروف التي وجد وعاش فيها.
وينتقل (شتراوس) في رحلته مع الاسطورة مشيراً الى وجود علاقة بينها وبين الموسيقى من خلال مقاربات يضعها للوصول الى ان "الموسيقى والأسطورة أختان ولدتهما اللغة " وذلك الوصف يؤكد على ان المستقبل الاسطوري لن يبتعد كثيراً عن الواقع واحتمالات التواصل مع الاخر.
(*) الاسطورة والمعنى ، كلود ليفي شتراوس ، ترجمة ،د.شاكر عبد الحميد – دار المأمون للترجمة والنشر-بغداد .
(**) جميع النصوص الواردة في هذا الموضوع هي للمصدر نفسه.
#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)
Samem_Hassaballa#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟