أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !














المزيد.....

فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 17:44
المحور: الادب والفن
    



لا أعرف ، ولا أظن أحدا يعرف ، طبيعة الإشارات الخفية التي تعتمد عليها الروح الإنسانية في لحظات خاصة جدا . كل ما أعرفه أنني ظهر يوم الاثنين 22يونيو حوالي الثالثة ظهرا اتصلت بالروائي والصديق العزيز عبد الوهاب الأسواني لأسأله من العريش عن حالة الأستاذ فاروق عبد القادر . منعني من السؤال عنه فترة أنني شخصيا أجريت عملية جراحية منذ أكثر من شهر ثم غادرت القاهرة . ولم نكن لا أنا ولا الأسواني نعلم ونحن نتكلم بالتليفون أن فاروق لذي نتكلم عنه لم يعد بين الأحياء . حين أصابته جلطة في المخ منذ عدة شهور ذهبت إليه في منزله بشبرا ، وكانت المرة الأولى التي أدخل فيها بيته ، هناك حيث رأيت وحدته ، وتخبطه بين الكتب وحده ، وكبرياءه ، وروح الفكاهة والتحدي التي لم تفارقه . ومنذ زيارتي الأولى له ، كان يخلط بين الأزمنة والأحداث والأشخاص لكن دون شطط ، وقيل حينها جلطة ، وقيل ضمور في المخ ، لكني أدركت في كل الأحوال أن الشخص الذي عرفناه طويلا قد اهتز بعمق ، مثل شجرة ضخمة تقلقلت جذورها بيد عنيفة ، فأخذت أزهارها تتساقط . في زياراتي اللاحقة له في منزله ، ثم في بيت المسنين بالتجمع الخامس كان يوغل في خلط الوقائع مع استمرار ترحيبه بشخصي ، وفيما بعد حين نقل إلي مستشفى الدمرداش لزم الصمت وقد حول بصره عن عالمنا إلي جهة أخرى بعيدة . ولا أظن الراحل الكبير بحاجة لتعريف، سواء من حيث جهده النقدي أو الكتب الهامة التي أثرى بترجمتها الحركة الثقافية والفكرية . لكن لا بأس عند الوداع من أن نذكر بأنه ولد عام 1938 ، وأنهى جامعة عين شمس عام 1958 وتأثر كثيرا بالفكر اليساري ، وعمل سكرتيرا لمجلة المسرح ومسئولا عن ملحق الأدب والفن بمجلة الطليعة وحين أغلقها الرئيس السادات شق فاروق عبد القادر طريقه الطويل المتفرد بالاستقلال عن المؤسسات الثقافية الرسمية ، والأهم بالاستقلال عن وجهات النظر الرسمية في الثقافة والنقد حتى توفي عن عمر يناهز الثانية والسبعين عاما ، وحده ، دون أسرة ، أو أبناء . وعلى مدى نحو أربعين عاما تابع الراحل الكبير النشاط المسرحي والروائي والثقافي بقلم حاد ونظرة متشددة ، وترك بعضا من دراساته في كتب مثل " أوراق من الرماد والجمر " ، و " نفق معتم ومصابيح قليلة " ، و " في الرواية العربية المعاصرة " ، و" أوراق الرفض والقبول " وغير ذلك، كما ترجم بعضا من أهم أعمال الكاتب المسرحي البريطاني " بيتر بروك " ، وقام الراحل الكبير بدور هام في متابعة إبداع الروائيين العرب والتعريف بهم ، وترك من المؤلفات والتراجم ما يصل لنحو خمسة وعشرين عملا . وقد تعرفت إلي الناقد الكبير منذ نحو سبع سنوات ، وكانت جلسته كل يوم أحد في مقهى " سوق الحميدية" بباب اللوق هي المكان الوحيد الذي أقصده كلما سمحت الظروف . ولم أكن أتردد عليه بفضل اتفاقنا ، بالعكس فلم أكن أوافقه على كل ما يذهب إليه من تصورات ، لم تكن القصة متعلقة بالآراء وتطابقها أو تنافرها ، لكن كان يشدني إليه احترامي العميق لروح التحدي التي تشمله وتفيض منه وتحيل جلسته إلي جمرة من التماسك الأخلاقي والفكري . وكنت أفرح بعناده وصلابته في بحر الظلمة الثقافية حتى عندما تطيش ضرباته ، وأستمد من ذلك التحدي شعورا بالقوة ، وكان هو سعيدا ومزهوا بروح الفارس الذي لا يشتريه مال ولا بشر ولا منصب ولا وسام ولا جائزة . وحين تدهورت حالته الصحية ونقل إلي مستشفى القوات المسلحة بالمعادي ، كان يحدث أن أمر على مقهى " سوق الحميدية " وأمد بصري من بعيد إلي منضدته شاغرة وأقول لنفسي : لقد خلت القاهرة من الجرأة والتحدي وانطفأ سراجها . وطالما كان فاروق عبد القادر موجودا وحيا ومؤثرا كان ثمة معيار يعارض الرشوة في النقد ، والمجاملات، والاستسهال ، وتصنيع الكتاب استجابة لتعليمات الأجهزة ، وقد انكسر ذلك المعيار برحيله ، ولم يبق سوى أن يسود الفساد دون نجمة واحدة كاشفة . وقد رحل فاروق عبد القادر دون أن يدري أنه – قبل يوم من وفاته – قد تلقى جائزة التفوق في الآداب التي استحق ما هو أكثر منها من زمن بعيد . ولعله كان في لحظاته الأخيرة يردد لنفسه ما كان يكرره في حياته" وبقيت مثل السيف فردا". نعم ، هكذا عشت ، وهكذا تغادرنا .

...
أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
- ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
- غزة تبحر إلي العالم
- الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
- سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
- - واجب - قصة قصيرة
- عن ذلك النور
- بلدنا - قصة قصيرة
- الطبيعة لا تجد من تراسله !
- مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
- اعتراف جوركي .. الباحث عن الإيمان
- سيد درويش .. عبقري الشعب طريد الدولة
- خرج المنطق من حياتنا .. من يجده يتصل بنا
- من وراء سحابة
- لماذا لا يقرأ المصريون ؟
- لماذا يعشق المثقفون هذه - الديمقراطية - ؟
- زهور للمرأة العراقية
- الفن وزملاء المهنة
- الاستشراق الأمريكي .. طلعت الشايب
- الروس يقرءون الآن رفاعة الطهطاوي


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !