|
حركة الدستور في ذكرها ال 98 الاسباب والمعوقات
جابر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 926 - 2004 / 8 / 15 - 12:01
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تعد حركة الدستور والتي مرت ذكراها ال98 مطلع آب من عام 2004 والتي يطلق عليها الايرانيون اسم " انقلاب مشروطيت " من اهم الحركات الاصلاحية التي حدثت بداية القرن الماضي حيث جاءت هذه الحركة تلبية للتطورات التي تعرضت لها البنية الاقتصادية – الاجتماعية في داخل من ايران من جهة وتسارع التدخلات والتطورات الخارجية لاسيما على المستوى التجاري من جهة اخرى : فقد دفع النفوذ الغربي التجاري المتزايد في ايران الى ترك ثاثيراته السياسية العميقة على هيكلية الدولة القاجارية العليلة وعلى آليات التبادل التجاري والسوق المحلية ، الامر الذي دفع فئات واسعة من ابناء الطبقة الوسطى و انطلاقا من انتماءاتها الشيعية التقليدية والى الاقتصاد التقليدي ان تعرب ولاول مرة عن مخاوفها ازاء الغول القادم اليها من الغرب . بالاضافة الى ماورد لقد تسبب الاتصال مع الغرب ولاسيما الاتصال العقائدي وذلك عبر المؤسسات التعليمية الحديثة ، التطلع نحو المستقبل ، و المهن الجديدة الى ظهور فئة لم يألفها المجتمع الايراني من قبل الا وهي فئة المثقفين التي تركت بصماتها فيما بعد على مجمل التحركات والتغيرات التي حدثت في ايران بدءا من حركة الدستور 1908 وحتى قيام الثورة الايرانية عام 1979 لان فلسفة هذه الفئة المتشبعة بالعلوم الجديدة تختلف كليا عن فلسفة المثقفيين المثقفين التقليدين اللذين سبقوهم ، فهؤلاء يرفضون العمل السياسي المحافظ ، الحق الالهي للملوك ، الاستبداد والحكم الملكي المطلق القائم على سلب حقوق المواطنيين ويدافعون عن مباديء الليبرالية ، القومية ، وحتى الافكار الاشتراكية و كانو يرون انفسهم حماة و مدافعين عن الحرية ،الاخوة ، المساواة اضافة الى ذلك فقد ادخل هؤلاء وبفعل تأثرهم بالثقافة الغربية مصطلحات غربية كثيرة الى اللغة الفارسية مثل ( فئودال ، بارلمان ، سيوسيال ، دمكرات ، اريستكرات ليبرال ، برجوا ) وغيرها من المصلحات السياسية والاجتماعية والاقتصادي والسياسية الغربية ، كما انهم وعلى سبيل المثال عرفوا معنى الاستبداد من حكم الملكي ، الى حكم الملكي المطلق وعرفوا الامة ( ملت )او الشعب من " جماعة دينية " الى " جماعة غير دينية " والشعب من مفهومه العادي الخالي من اي محتوى سياسي الى مفهوم ديمقراطي ووطني ، ان هذه المفاهيم الراديكالية التي اطلقتها هذه الفئة الجديدة المتعلمة مترافقة مع العقائد الشيعية للطبقة المتوسطة المناوئة للحكومة هي التي ساعدت فيما بعد على قيام حركة الدستور منذ عامي ( 1284 – 1288 ) 5196– 1908 . لقد شهدت ايران خلال حقبة حكم السلالة القاجارية وابان فترة حكم فتح علي شاه القاجار جملة من التطورات والاحداث من بينها الضغوط الروسية من الشمال التي انتهت بتوقيع معاهدتي كلستان سنة (1192) ( 1813 ) م وتركمان شاي سنة ( 1207)هجرية شمسية ( 1828 ) م كما تحرك البريطانيين وبغية الحيلولة دون النفوذ الروسي المتزايد في اسيا الوسطى لجعل افغانستان وكذلك ايران القاجارية سدا بوجه روسيا القيصرية لمنعها من التوجه نحو الهند التي كانت انذاك مستعمرة بريطانية ، واجبر البريطانيون الملك القاجاري على توقيع معاهدة عام ( 1236 ) ( 1857 م) حيث استطاعت ايران وبموجب هذه الاتفاقية استعادت تبريز وجنوب ايران واصبحت الممثل الشرعي لايران على المستوى الدولي الا انها في المقابل فقدت سيادتها على كل من جورجيا وارمينيا وقواتها البحرية في بحر الخزر( بحر قزوين ) واي ادعاءا لها على افغانستان ودفعت لروسية القيصرية وكتعويضات حرب ما يقارب ال 300 مليون بوند . ونحن هنا لسنا معنيين بالعواقب التي ترتبت عليها هذه الاتفاقيات ولا بدوافعها السياسية الا اننا نشير بصورة عامة انها فتحت الابواب على مصرعيها امام النفوذ الاقتصادي الاجنبي في ايران . وتأتي ثورة الدستور امتدادا الى اول حركة اصلاحية تجديدية حدثت في القرن التاسع عشر والتي قام بها عباس ميرزا والذي كان حاكما لمقاطعة اذربايجان ابان الحرب الروسية الايرانية وقد تأثر هذا الرجل والى حد كبير بالاصلاحات التي قام الامبراطور العثماني السلطان سليم الثالث ، حيث ادخل عباس ميرزا ولاول مرة تعديلات مهمة على بنية الدولة القاجارية منها تشكيل نواة لجيش حديث موحد الزي ومجهز بأسلحة حديثة واسس مصنع لصنع المدافع واخر لصنع البنادق ، ودار لترجمة الكتب من اجل الأرشاد العسكري والهندسي في مدينة تبريز ، واسس اول ممثليات قنصلية دائمة تمثل ايران في كل من لندن وباريس وارسل بعثات طلابية الى البلدان الاوربية لدراسة العلوم التطبيقية كالعلوم العسكرية ، الهندسية ، الطوبغرافية ، الطب ، بالاضافة الى تعلم اللغات الاروبية . وكذلك تأتي حركة الدستور امتدادا ايضا لحركة الاصلاح الثانية التي قام بها ميرزا محمد تقي خان المعروف به امير الكبير ،الذي حصل على وظيفة الموفد الايراني الخاص لدى الامبراطورية العثمانية وقد ترافقت عودته الى ايران بجلوس مظفر الدين شاه القاجار 1848م (1227) ونتيجة لخبرته وذكائه عين رئيسا للوزراء وبما انه ميالا للاصلاح ومشجعا له فان اول اصلاحاته هي اعادة بناء الجيش واستيراد الاسلحة والعتاد الضروريان له من الخارج واسس 15 مصنع منها معملا لصنع المدافع ، ومعمل لانتاج الاسلحة الخفيفة ، وقام بتوحيد لباس الجيش ، ووضع الرتب العسكرية ، وغيرها و اسس اول جريدة رسمية للبلاد تسمى ( وقايع اتفاقية ) والاهم من ذلك كله اسس اول مدرسة عصرية غير دينية على غرار المدارس الاوروبية الحديثة اسماها به ( دار الفنون) وكانت دار الفنون والتي الغالبية العظمى من تلامذتها من ابناء ( الاعيان والاشراف ) تدرس كافة العلوم الحديثة بدءا من اللغة الاجنبية ، العلوم السياسية ، الهندسة ، الزراعة ، الكيمياء ، الطب ، البيطرة ، العلوم العسكرية والموسيقى . الا ان هذا المصلح الكبير قدم حياته ثمنا لحركته الاصلاحية فعزل عن الوزارة عام( 1230)( 1851م ) و قتل بعدها بقليل ، وبقي مشروعه الاصلاحاحي معطل الى حد بعيد . وان كان مظفر الدين شاه الملك القاجاري قد وجه ضربة قوية الى حركة الاصلاح والتجديد وذلك من خلال ابعاد الوزير اميركبير عن الوزارة ثم قتله ، الا انه اثناء فترة حكمه الطويلة التي استمرت حتى عام 1896 لم يسطتيع هو وزراءه ايقاف مسيرة الاصلاح الا انه حد من وتيرة تسريعها ، وفي عهده حصلت اصلاحات اجتماعية وتعليمية وحتى ادارية كثيرة منها منع الاتجار بالرقيق ، احترام المليكة العامة ، تشجيع المنتوجات الزراعية الحديثة مثل زراعة البطاطا ، وفي المدن الرئيسية بدلا من استخدام العقوبات التقليدية وخاصة التعذيب الجسدي ،الدفن حيا ، قطع ايدي وارجل المجرمين ، اسس سجونا ، واسس مجلس للشورى تحت عنوان ( مجلس مصلحت خانه ) ومجلس اخر للتجار واوصى حكام الولايات ان لايشركوا رجال الدين في الامور السياسية ( البدايات الاولى للعلمنة ) وان يجعلوا امورهم محصورة في " الادعية والصلاة وتدريس العلوم الدينية ، والقيام بمهام الامور الشرعية " كما سمح للبعثات الكاثوليكية والبروتستانية ان ينشطوا بين الاشوريين والارمن واليهود واسس في كل من تبريز ، ارومية ، اصفهان ، وهمدان ، المدارس والمستوصفات ، والمطابع اضافة الى ذلك قام بتوسيع دار الفنون وارسل ولاول مرة بعثة طلابية مكونة من 40 طالبا للدراسة في فرنسا . ومن بين اصلاحاته انشاء مدرستان للعلوم العسكرية واسس جريدتان الاولى حول المسائل العسكرية والثانية حول المسائل العلمية ودار للترجمة ومطبعة حكومية جديدة ان هذه المطبعة بالاضافة الى مطبعة دار الفنون ، ومطبعة اخرى في تبريز اصدرت خلال تلك الفترة مايقارب من 160 كتاب ومن بين عناوين هذه الكتب 88 كتاب في الدروس العسكرية ، وتعلم اللغة ومباني الطب ، و4 كتب سيرة العظماء المسلمين ، و10 كتب رحلات الى الغرب ، من بينها رحلة ناصر الدين شاه نفسه الى اروبا ، و10 كتب من الادب الكلاسيكي الاروبي من بينها رحلة " روبنسون كروزو " لدانيال ديفو ، مسرحيات مولير ،" اصحاب البنادق الثلاث" الكسندر دوما ، حول العالم في ثمانين يوم جول ورن وتعليقات جيمس موريه الشهيرة حول ايران ، احداث الحاج بابا ، 10 كتب حول تاريخ ايران من جملتها تاريخ ايران لسرجان ملكم ،المختصر في تاريخ ايران واخيرا ترجمة 20 اثر من آثار المؤلفين الاوروبين حول تاريخ الغرب منها : سيرة نابليون ، سيرة ، نيكولا الاول ، فريدرك الكبير ، ويلهم الاول ، لويس الخامس عشر ، مختصر تاريخ روما ، اثينا ، روسيا ، والمانيا ومقالات ولتير حول بطرس الاكبر ، الاسكندر الاكبر ، وشارل الاكبر ملك السويد وغيرها من الكتب . هذه التطورات على الصعيد التقافي وغيره التي شهدتها ايران انذاك تركت اثارها على تفكير الغالبية العظمى من المثقفين ( العضويين ) مما جعلهم يعبرون عن افكارهم في شؤون ايران السياسية المستقبلية ، فطرحوا ثلاث مسائل رئيسية وهذه المسائل هي الحكم الملكي الدستوري ( المشروطة ) ، الحياة الاجتماعية والفكرة القومية ، وعتبروا هذه الاطروحات الثلاث هي اهداف مصيرية من اجل تطوير المجتمع الايراني و بناء دولة ايرانية حديثة ، وكانوا يقولون ان الاولى تقضي على السلطة الرجعية للحكم الملكي المطلق ، والثانية تقضي على النفوذ التقليدي لرجال الدين ، والثالثة تتصدى للمشاريع الاستعمارية في ايران ،هذه الاطروحات الثلاث وان كانتا تنشدان تحقيق هدفا استراتيجيا واحدا الا ان تكتيكهما كان يتغير موقتا لماذا ؟ لان المثقفين احيانا كانوا يصطفون مع الملك ضد رجال الدين ، واحيانا يصطفون مع رجال الدين ضد سلطة الملك الاستبداية ، واحيانا يقفون مع الملك ضد المشاريع الاستعمارية على سبيل المثال اثناء حركة الدستور ( انقلاب مشروطيت ) اصطفوا مع رجال الدين ضد الملك وضد مشاريع الدول الاستعمارية الكبرى في ايران . لقد شهدت البلاد وفي السنوات القليلة التي سبقت وفاة ناصر الدين شاه فوضى عارمة ادخلت البلاد في ازمات سياسية واجتماعية شديدة لا تسمح هذه المقالة بتناولها ولكن باختصار هي : تزايد النفوذ الاجنبي من خلال اخذ الامتيازات و عقد وتوقيع الاتفاقيات مع الملك مباشرة ، تراجع الانتاج الزراعي وتباطأ التجارة الامر الذي نتج عنه سخط جماهيري عام ، دفع بالملك القاجاري ناصر الدين شاه الى استخدام العنف ضد القوى السياسية واوقف بعض الاصلاحات التي رأها تشكل خطرا عليه .على سبيل المثال انهى تطوير دار الفنون ، منع تأسيس مدارس جديدة ، فعندما احرق مجموعة من المتعصبين الدينين مدرسة عصرية في تبريز اغمض عينيه وتغاضى عما يجري ، منع نشر اخبار العالم الخارجي ، حدد ارسال البعثات الدراسية الى الخارج ، منع السفر الى البلدان الاوربية ، كما ان اصدر امرا باغلاق مقاهي طهران بحجة ان " الحكواتية والدراويش يوجهون العوام من الناس نحو البطالة واعمال الرذيلة " كما انه حارب بعض الفرق الدينية في ايران . لمزيد من الاطلاع راجع( ايران ميان دو انقلاب از مشروطه تا انقلاب اسلامي ) يرفند ابراهيميان ترجمه الى الفارسية كل من كاظم فيروزمند حسن شمس آوري ، محسن شانجي والذي اعتمدنا عليه فيكتابة هذه المقالة . لقد تعرض ناصر الدين شاه واثر هذه الممارسات الى عملية اغتيال على يد احد تلاميذ جمال الدين الافغاني ادت الى وفاته وهويحتفل في الذكرى الخمسين لتتويجه وخلفه على الحكم من بعده مظفر الدين شاه . لقد اكمل الشاه الجديد الانقضاض على ما تبقى من الانجازات التي نوهنا لها فيما مضى وقام بجملة من الاجراءات لعل اهمها واخطرها فتح ابواب البلاد على مصرعيها امام الشركات الاجنبية واعطى امتياز استخراج نفط البلاد في كافة المقاطعات المركزية و الشمالية الى شخص بريطاني اسمه دارسي وعطى امتياز جمع الضرائب الى المصرف الملكي البريطاني ( امبريال بانك ) واغرق البلاد في مجموعة من القروض الخارجية . الا انه في المقابل سمح بدخول بعض الجرايد التحررية مثل جريدة " حبل المتين " التي كانت تطبع في الهند وجريدة " برورش " التربية ، التي كانت تطبع في القاهرة والغى قانون منع السفر والاهم من ذلك شجع تأسيس التجمعات التجارية ، الثقافية ، والتربوية . ان هذه السياسة التي انتهجها مظفر الدين شاه اسفرت دون ان يعلم الى ظهور تجمعات ذات طابع سياسي منها قيام تجار اصفهان بتشكيل " الشركة الاسلامية " ولعل من بين اهدافها الحفاظ على استقلال ايران ، ودعم الصناعات الجديدة وحماية الصناعات التقليدية ، وفي طهران شكل مجموعة من المثقفين تجمع المعرفة " انجمن معارف " وقامت بتأسيس المكتبة الوطنية ، وفي مرحلة قصيرة من عمرها منذ تاسيسها حتى قيام الحركة الدستورية ( انقلاب مشروطيت " اسست 55 مدرسة متوسطة خاصة في طهران . لقد خرجت الامور رويدا رويدا من يد مظفر الدين الذي كان مغرقا في ملذاته ، وتشكلت المنظمات السياسية العلنية والسرية في معظم مناطق البلاد ، ولعل اهم هذه التنظيمات تنظيم جماعة جريدة " كنجينه فنون" في تبريز ونشطت بين المواطنين الاذربايجانيين وغيرهم والحزب الاجتماعي الشعبي " الحزب الديمقراطي الاشتراكي " الايراني الذي تأسس سنة 1283 – 1904 م المتأثر بالافكارالاشتراكية الثورية الماركسية الروسية والذي كان نشطا بين اوساط 100000الف عامل مهاجر اغلبهم من العاملين الاذريين العاملين في حقول البترول في باكو وامين عامه وجل مؤسسيه من الاتراك الاذريين الذين لعبوا فيما بعددورا بالغا الاهمية في صياغة اول دستور ايراني والجمعية الانسانية " جمعيت آدمي " في طهران المتأثرة بافكار سان سيمون و افكار اغوست كانت الليبرالية ، وقد طرحت هذه الجمعية والتي تضم 57 مثقفا " عضويا " في ربيع 1283- 1904 م موضوع " الاطاحة بالاستبداد " واقامة " حكومة العدل والقانون " واخذت هذه الجمعية تروج لافكارها من خلال بعض رجال الدين المتنورين ، مخافة ان لاتؤلب عليها رجال الدين المتشددين والجرايد وترجمة المقالات التحررية من اجل اشاعة مفاهيم الديمقراطية والدستورية بين افراد المجتمع الايراني ان تشكيلة هذه الجمعية تعكس التباين الاجتماعي للمثقفين انذاك فمن بين 57 المكونين لهذه الجمعية هناك 15 فرد منهم من الموظفين و8 من المعلمين و4 من المترجمين والكتاب وطبيب1 و4 من رجال الدين كانوا مطلعين على منجزات العلوم الجديدة ، رئيس عشيرة 1 ،3تجار 4 ، صنائعيين . بدأت هذه الحركات تبلور افكارها وتطرح مطاليبها السياسية وفي اجتماع لها سنة 1284 – 1905 طرحت جملة من المطاليب منها الاسس الوطنية للعدالة ، تشكيل محاكم عادلة ، اصلاح الجيش ، اصلاح النظام الضريبي ، وضع الاسس والمعاييرمن اجل عزل وتنصيب الحكام ، دعم التجارة الداخلية ، بناء المزيد من المدارس ، اعادة بناء الجمارك ، وضع حد لامتيازات رجال الدولة .. الخ وقد جاء في خاتمة هذه المطاليب ان الدولة اذا قبلت بهذه المقترحات فان ايران خلال جيل واحد سوف تتجاوز المنجزات التي حققتها اليابان . وما ان حل عام 1284 – 1906 حتى كانت ايران تسير نحو ثورة سياسية كبرى واصبحت الطبقة المتوسطة التقليدية تشمل طول البلاد وعرضها ، وقد انفصلت اقتصاديا وعقائديا وسياسيا عن السلالة الحاكمة . واصبحت انظار المثقفين وافراد الطبقة الوسطى تتطلع نحو فكرة الاطاحة بالسلالة القاجارية ، تكوين دولة مركزية قوية ، بعد ان افلست السلالة القاجارية ممثلة بمظفر الين شاه ماليا و سقطت اخلاقيا . تم التمهيد للقيام بحركة الدستور من خلال ثلاث احتجاجات رئيسية ، الاحتجاج الاول المطالبة بعزل القنصل البلجيكي ، والدفاع عن التجار والمصرفيين و الصناعيين و الانتاج الداخلي ، والاحتجاج الثاني عندما حاول حاكم طهران تخفيض اسعار السكر والذي امر بجلد اثنين من تجار السكر المحترمين ، مما اثار حفيظة المواطنين ضد الحكومة واثناءها طالب المحتجين الحكومة بتفيذ اربعة مطاليب محددة اقالة حاكم طهران ، اقالة القنصل البلجيكي نوز المسؤل عن الضرائب ، تطبيق احكام الشريعة ، وتاسيس محاكم قضائية . اما الاحتجاج الثالث هو الاحتجاج الذي حدث في صيف محرم الحرام سنة 1285 – 1906 ولعل السبب الرئيس في اندلاع هذا الاحتجاج هو تباطيء الشاه في تأسيس محاكم قضائية وعزل القنصل البلجيكي من جهة واعتقال احد الخطباء من جهة اخرى. ادى اعتقال هذه الخطيب وجمع من المعارضة المعروفين الى دفع التجمعات والاتحادات السرية الى توزيع بيانات غاضبة تدعو فيها المواطنين للتظاهر وقد ادى التصادم بين الشرطة والمتظاهرين الى مقتل احد الطلبة، وفي اليوم الثاني خرج الى الشوارع الآلآف من الطلاب واصحاب المتاجر والمهنيين حاملين جنازة الطالب القتيل على اكفهم لابسين الاكفان مستعدين للتضحية وقد حالت قوات الدرك دون انطلاق هذه المسيرة وجرت بين الجانبين مواجهات قصيرة الا انها مواجهات دموية اسفرت عن جرح 22 متظاهرا وجرح اكثر من100 متظاهر اخر وبما انه قد جرى نهر من الدم بين الناس و البلاط "الدربار " فقد اتخذ بعض من رجال الدين موقفا صريحا وعلنا ومعاديا للملك القاجاري . لم تكف المعارضة بهذا القدر من المظاهرات بل نظمت مظاهرتان كبيرتان ردا على اعمال العنف التي قامت بها السلطات القاجارية ، وقد تقدم هذه المظاهرات علماء دين كالطباطبائي و البهبهاني و بعض الزعماء الدينيين يساندهم الفين من الطلاب الى مدينة قم الواقعة على بعد 145 كيلومتر جنوب طهران للاعتصام هناك و قد اعلن الزعماء الدينيين من قم ان العاصمة لا قائد معنوي لها لذلك فان تنفيذ الامور الشرعية وعقد المعاملات ستبقى معلقة حتى يتراجع الملك ويفي بوعوده السابقة . لم تقف مطالب المحتجين عند هذا الحد بل فكروا بالاعتصام داخل السفارة البريطانية في طهران وقد ورد من خلال التقارير التي رفعتها السفارة البريطانية الى وزارة الخاجية ان عدد المعتصمين في حديقة السفارة بلغ 14000 الف معتصم ولم يعد المعتصمين والمتظاهرين يكتفون بالطاليب السابقة وانما اضافوا لاول مرة مطلب جديا لهذه المطاليب الا وهو تشكيل مجلس تأسيسي تمهيدا لتشكيل بارلمان في البلاد . ورغم تعنت الملك الا انه اضطر لقبول مطالب المتظاهرين فسقطت الوزارة وعين مظفر الدين شاه وزارة جديدة برأسة الليبرالي مشير الدولة ، ووقع مرسوم تشكيل المجلس التأسيسي وبذلك توقفت الاحتجاجات الا ان النضال من اجل قيام نظام دستوري ملكي ظل مستمرا . سرعان ما افتتح المجلس التأسيسي في طهران من اجل تدوين قانون انتخابات المجلس القادم ، لقد اتخذ المجلس جملة من القرارات والتوصيات وهو ان حدد عدد مقاعد اعضاء المجلس 156 مقعدا وتعتبر هذه الخطوة خطوة غير مسبوقة في ايران وفي الشرق الاوسط كله . في عام 1908 التأم المجلس وقام ممثلي الشعب انذاك بصياغة الدستور ودوره في توجيه السياسة الداخلية والخارجية ، واعتبار المجلس ممثلا لكافة ابناء الشعب قاطبة ، ويتمتع بصلاحيات واسعة منها التصديق على كافة القوانيين والمراسيم ، الميزانية ، المعاهدات والاتفاقات الدولية ، القروض ، الاحتكارات والامتيازات .ان النضال الاساسي بين الملك والمجلس الوطني هو حول البنية المستقبلية السياسية لايران ، فقد دون اعضاء المجلس القانون الاساسي الايراني او الدستور معتمدين على نسخة مترجمة من الدستور البلجيكي التي يدعو الى اقامة نظام حكومي برلماني في ايران كما ان الوثائق الصادرة عن المجلس والتي عرفت بالملاحق المكملة للدستور انقسمت الى فصلين ، الفصل الاول تم التأكيد فيه على جملة من الامور منها : الحقوق ، مساواة افراد المجتمع امام القانون ، السلامة الشخصية والمالية والعرضية( الناموسية ) ، الحصانة ضد الاعتقالات الكيفية ، وضمان حرية التعبير و النشر وتشكيل الاتحادات والاحزاب ، اما الفصل الثاني يؤكد على تفكيك سلطات الثلاث لحكم ، ووضع السلطة التفيذية امام السلطة التشريعية ، واضافة الى تمتع القوى التشريعية بكثير من الامتيازات تسطيع ان تستجوب رئيس الوزراء والوزراء وعزلهم ولايجوز ادخال ابناء واخوة وعمومة الملك الى الوزارة الى اخره من القوانين التي تجعل الملك يملك ولايحكم اي ايجاد نظام برلماني دستوري ليبرالي على غرار الانظمة الملكية القائمة في الغرب .
لقد كان لحركة الدستور وكما يقول الكاتب والمفكر الاهوازي المعروف الاستاذ يوسف عزيزي وجهان اساسيا الوجه الوطني الديمقراطي ومعنى الوجه الوطني الديمقراطي هنا الوجه الايراني للحركة وليس " الفارسي " لان تيارات من القوى القومية كالاتراك والارمن والبختيارين قد شاركت في انجاح هذه الحركة ، الا ان التيارات والاتجاهات القومية الشوفينية الفارسية تحاول طبع مقولة الوطنية بالطابع الفارسي ووضع المفهوم الفارسي بدلا من المفهوم الايراني . لقد اجهضت حركة الدستور بفعل التدخلات الخارجية التي دفعت بشخص مثل رضا شاه الى دفة الحكم وتوطيد سلطته على ايران اثر عملية انقلابية . اما الوجه المعادي للاستبداد في حركة الدستور وما يحمله من خصوصية ديمقراطية ادى وبجهود الاذربايجانيين الى ادخال فقرات الولايات والمقاطعات ( اللامركزية ) في اول دستور ايراني تمت صياغته عام 1908 ولكن هذه الفقرة لم ترى النور في العهد البهلوي اطلاقا وفي الحقيقة ان رضا شاه جمد بشكل تام الوجه الديمقراطي لحركة الدستور وحصر الوجه الوطني بقومية واحدة ولغة واحدة هي اللغة الفارسية .لمزيد من الاطلاع راجع التنمية والمسالة القومية في ايران يوسف عزيزي ترجمة الكاتب والمنشورة على سايت مركز دراسات الاهواز www.ahwazstudies.com لقد بدأت ايران ثورتها الوطنية والديمقراطية منذ اوائل القرن الماضي الا انها لم تتمكن وحتى هذه اللحظة من انجاز مهام هذه الثورة وبقيت كثيرا من المسائل كوضع حد فاصل بين الدين والسياسة ومسألة الديمقراطية ،التعددية السياسية ، حل المشكلة القومية بما فيها حل مشكلة الشعب العربي الاهوازي دون حل .
#جابر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمة السيد المهندس كريم بني سعيد رئيس وفد الشعب العربي الاهو
...
-
تجار فستق رفسنجان يسرقون مياه كارون واساتذة الجامعة والصحفيي
...
-
الشعب العربي الاهوازي يمثل في اجتماع مجموعة العمل الخاصة بال
...
-
سياسة الاضطهاد القومي والتجويع صفتان ملازمتان لسياسات حكام ا
...
-
انجاز دولي هام جدا وغير مسبوق تحققه لاول مرة قضية الشعب العر
...
-
بمناسبة ذكرى مجزرة يوم الاربعاء السوداء اما حان الوقت لمحاكم
...
-
ا لحكومة الايرانية والواقع المأساوي للمواطن العربي الاهوازي
...
-
متى ينزاح الاضطهاد القومي والطبقي عن كاهل الشعب العربي الاهو
...
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|