|
حكاية المارستان والأسوياء الأحرار
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 01:49
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
من مارستان النطاس الكبير خرجوا، رغم أنه صنفهم من الأشد خطراً ورسم على باب قسمهم دائرة حمراء ، قيد أقدامهم وأيديهم في سلاسل وأصفاد ، لكنه لم يظفر ولم تستطع تحاليله المخبرية وصولاته الكهربائية أن تقيد عقولهم..فظلت طليقة تهزأ منه ومن ألاعيب حراسه ، وكل مانسجه أعوانه من أخبار وقصص ملفقة ومتضاربة في المعنى والمبنى...كانت تخرج راكضة نحو شوارع المدينة مصدرة صهيل الرواية ناقلة غزارة وفيض الجنون عند حارس المارستان...لا عندهم... استشاط أبو كلبشة مهدداً متوعداً ..بأنه سيكشف كل الخبايا ويعرف أدق التفاصيل ويلحق بهم حتى غرف نومهم...سيقف فوق أسرتهم ويقرأ أحلامهم...ويعيد ترتيبها حسب الأحرف الأبجدية والتعليمات السلطانية، الهابطة من سفح بيت النطاس الكبير...سيعلن على الملأ أن دماءهم مهدورة وعقولهم مأجورة لغريب يحدث بها خللاً تربوياً ويربطها بثقافة لاتنتمي لأشعار الصناديد وتشرد بهم عن بيادر العبيد...بعيداً حيث لايرغب النطاس ولا يريد. انهم حفنة من نشاز موسيقي الهوى شارد عن قطيع النعاج وحظائر القبيلة يقرأون تعاويذ الشيطان ويتمتمون بلغة لاتعرفها آيات الايمان لفرعون وآله وصحبه أجمعين .. إنها خارج بلاط الدين ، خارج حدود العقل...وماهم إلا حفنة من مجانين ، سيروضهم حراس النطاس ويُعَّلم بهم أصول الفقه ولغة الأقدار في النقل والاقتباس. من عصر هارون حتى قراقوش سيد الطاغوت والمبشر بحدود الخبر...كيف يخرج وينتشر، كيف يعالج ويقاس.. سيثأر منهم ويقتص من مجالسهم ويجعل صروحهم تتهاوى وعروش فكرهم تضطرب وتتلوى ، سيعلن جائزة لكل من يصطاد منهم خبراً ، ويحفظ على لسانهم شعراً. ستظل جموعهم مطاردة يطلبهم قانون صاحب الثأر وقانون صائد الجوائز ... سيطلبهم لبيت الطاعة ويجبرهم على الرضوخ والخناعة... أخذهم إليها سنيناً وأدخلهم في أقبيتها شهوراً...مَثَّلوا دور الواله العاشق ودور القانط الناسك. مَثَّلوا دور الواعظ والراوي لحكايات أبوزيد وعنترة...لكنهم لم يعلنوا الولاء ولا استطاع عسس النطاس أن يفك أسرار سطوتهم وحضرتهم في بيوت المدينة وأحياء القبيلة. دخل أخطرهم الأكرم..أحد الموهوبين في رسم مخططات الجسور ، والبارع في فيزياء القناديل وكيمياء الحب ولوعة الشوق حين تنعقد الألسنة وتغلق الأفواه بأقفال تخفى مفاتيحها لدى حارس اللغة. لكن الأكرم اكتشف أبجدية جديدة لحوار يدور بين المعشوق ومعشوقته...ابتكر أبجدية له ولأخيه أبو النور..صاغها في غفلة من حراس الليل..وفتح درباً خفية توصله لرفاق البيت والخريطة ، التي لم يعترف بها النطاس واعتبرها مزورة الحدود ...مموهة القرى..لاتتفق أحلامه وأحلام فتيانها... لم يقف أبو النور منتظراً فسارع بدوره لفتح نافذة تغادر منها أرواح المعذبين وتشعل شموعها في هياكل تطوف بها كهنة الحق ومدوني الناموس الكوني...فلحقت بالركب جموع من كتاب المعاهد ومعلمي الفصاحة وقارئي الشعر ومهندسي المتاحف....ترتص أجسادهم في ردهات لبيت سموه بيت الأمل... عرفوا كيف يدخلوا البهجة والبسمة في عيون الناس والفرح المنتظر لأطفال الشوارع المحرومين من حدائق وألعاب. باغتتهم ظبية قادمة من بلاد النواعير، جلست القرفصاء وحيت بخجل وحياء... كيمامة تعرف متى تطعم صفارها ومتى تشعل نارها نطقت بحكمة الخبير المتربي بحضن علام ونذير... أفصحت وروت عن حلم أهلها وعن وهم الحوذي بمهارته كفارس أو راكب لبعير.. أصغى الجميع لامرأة تنطق بصيرتها وتقول دون خشية مافي سريرتها نظراتها أبعد من زرقاء اليمامة وعزيمتها أصلب من حجر الرحى، ولغتها تسقط فوق الصفحات البيضاء رقراقة الحبر شفافة لاتعرف التلوين ولا قراءة الفناجين.. .تريد أن يتحول الخطأ إلى صواب والشك ليقين...لأنها تؤمن بابن الوطن سيد الناس وصاحب الفصل والقوانين. ومع كل ماعرفوا من أهوال وما لفقت بحقهم من أقوال ... آن الأوان ليخرجوا من عتمة الليل إلى انبلاج الفجر لحرية مصورة مرهونة، وبشروط النطاس مقرونة... خرجوا تباعاً وتحلقوا حول نار الفرح ، قطعوا المسافة بين القيد والباب خلال عامين ونصف...يحلمون بلقاء الأحباب... تخلف عنهم أبو حسين ، حكيم لاتفارقه الابتسامة...صاح بصوت جهوري لاترف أجفانه عند القول ولا فرائصه عند الفعل... وبهدوء سأل المتحلقين عن قدرتهم على قراءة أسرار الفقيه وأحفاده ، جال بنظراته واتكأ على معصمه ثم نطق مؤكداً وفسر شارحاً لعيون أبو النور المتسائلة.:ــ ...اعلم ياصديقي أن سلالة الرق رحلت من عالم الأمس لتحط رحالها في تاريخنا الحاضر. أمازلت تعتقد أن سبارتاكوس جديد سيولد من رحم امرأة تعيش قصة العويل والندب وتغمس لقمتها بالماء الملوث ؟ هل يمكن للكلمات في لغة العسكر والعمامات، أن تغتسل وتنشر ثيابها طاهرة نظيفة في ضوء الشمس بعد أن غرقت حتى الأردان ببحار الدماء والكذب؟ عندما سمع النطاس مادار في الحلقة ، أقسم أن يقتص من أبي حسين...وأن يعيده ليصبح القاطن الوحيد في خندق ترتع فيه الجرذان وتنام في سقوفه الوطاويط والعناكب معلقة... أقسم ألا يترك عيونه تلامس النور...وأن يرميه بتعويذة المعتوهين.. أقسم أن يحرمه من.. رشفة الهواء ومن لون السماء.. لأنه تجرأ على أرواح تمده بالبراعة وتضمن له الشفاعة.. لأنه تجرأ على كسر مجداف الفقيه ورميه بمالا يرضيه هنا تتوقف روايتي عن سرد أسطرها، لأن جسدي ضاق بملائكته ولم تعد تتسع صفحات القصة لبراكيني المؤجلة لم يعد لليل قدرة على استعبادي وإلزامي بنوم يأخذني من عذاب الحقيقة...من فرح يجترح حزناً ومن حزن يستمر مصلوباً بين دفتي كتاب كيف يمكنني أن أنهي هندسة سطوري وقصة العشق موقوفة في زنزانة تصغر وتكبر حسب مزاج نطاس لايعرف من المهنة سوى المشرط، ومن مهمة المشرط سوى تقطيع أوصال وطني، فكيف بربكم سأنهي حكايتي؟ وهل لهندسة الوراثة وعلم الحساب والفلك أن يتنبآ بما يخطر ببال جزار؟. ــ باريس 21/06/2010 م ــ مارستان كلمة متداولة في الشرق وتعني " مستشفى المجانين"
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثالوث المقدس عند العرب، الذي يدفعهم لاستخدام العنف والقتل
...
-
لعبة الكشاتبين الثلاث في الشرق الأوسط ، كشتبان فارسي، كشتبان
...
-
لا ... ثم لا ياكويت لاتكوني سوريا ثانية
-
سياسة الوقاية أم سياسة العلاج المتأخر؟
-
ذاكرة وألم تتحدث عن علاقة الرجل الشرقي بالمرأة ...بالحب!
-
الزيارات الإسعافية للنظام السوري، هل تحمل إنقاذاً أم حرباً؟
-
بين التنوع والتسامح
-
متى ينضج العرب سياسياً حسب العرف - الإيراني طبعاً-؟!
-
آيات نسائية ( الجزء الأول )
-
وجهان للقانون السوري، واحد للفساد وآخر للسياسة!
-
بعض الكتاب من طينة - التي عملتها بالعين-!
-
الحرية الفردية بمعناها اليومي البسيط بين الأمس واليوم
-
لاجئون، نازحون، والآن...مهجَّرون!..ومتنزه باريسي باسم بن غور
...
-
تربية وطنية على العلم والفن مبنية!
-
من سِرت إلى القدس...سيروا تحفظكم أجسادنا!
-
كيف نقرأ الانتخابات الإقليمية الفرنسية؟
-
عويل وطن
-
اغتيال وطن
-
باقة من الورود البيضاء لفداء حوراني ولكل المناضلات في سورية
...
-
في عيد المرأة ...نحتفل بها كضحية من ضحايا العنف!
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|