محمد محمد ألمانيا
الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 20 - 19:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استراتيجية الغرب الجديدة ترغم تركيا أكثر فأكثر بالهروب عنه!
ـ قلق وهاجس تركيا الشديدين من عودة سيفر " Sevres " جديد مستقبلا - "بهذ الخصوص يمكن الاطلاع على الخريطة الخاصة بمعاهدة سيفر الملحقة بالمقال، تلك المعاهدة التي أحن اليها دوما ألما وحسرة"!
ـ جدية ذلك التحول عن الغرب وأهمية ذلك للاستراتيجية الغربية وللشعوب المقموعة والمضطهدة في تركيا والمنطقة معا
ـ عودة تلك السلطة منذ سنتين للتغطية على تلك المعنويات البائسة بقصف وبتوغلات في بعض مناطق أقليم كوردستان الجنوبي
منذ تلقي نظام الخلافة العثمانية السابق ضربات موجعة وفتاكة من الأيادي الأوروبية الناصعة قبل وخلال الحرب العالمية الأولى عندما أزال الحلفاء الأوروبيون المنتصرون النفوذ العثماني التركي في البلقان وشمال أفريقيا ومصر والسودان وفي الجزيرة العربية، بلادالشام والرافدين وحتى احتلالهم لعاصمة الخلافة استنبول عقب الحرب العالمية الأولى, وخوفا من تفتيت البقية الباقية من تركيا الحالية, حاولت وتحاول الحكومات التركية التورانية الشوفينية المتعاقبة أن تستغل بشتى الوسائل خلافات القوى الدولية خصوصا بين الاتحاد السوفيتي السابق والغرب الأوربي ـ الأمريكي لصالح نزعاتها الشوفينة ضد آمال الشعوب الكوردية ـ الأرمنية ـ اليونانية بغية استمرار احتلالها لأراضي تلك الشعوب في كوردستان الشمالية المحتلة (جنوب وجنوب شرق تركيا)، في المناطق الأرمنية المحتلة المتبقية(في شمال شرقها ) وفي مناطق تراقيا اليونانية ـ البلغارية الأوروبية وبعض جزر بحر ايجة اليونانية المحتلة المتبقية الأخرى(في غرب وجنوب غربها)، فضلا عن مناطق شمال قبرص. وقد تهيأ لتلك السلطات المتعاقبة فعلا تلك المساعي منذ اتفاقية لوزان المشؤومة 1923، بعد أن كانت دول الحلفاء المنتصرة قد أرغمت بقايا الحكومة العثمانية عبر معاهدة سيفر 1920 على التنازل عن تلك المناطق الأرمنيةـ الجورجية- اليونانية لشعوبها الأصلية وتدويل مناطق مضائق البوسفور والدردنيل وكذلك على الخضوع لتقرير مصير الشعب الكوردي عبر ايجاد حكم ذاتي في مناطقه الكوردستانية المذكورة وخلال سنة كان من المفروض أن يجري استفتاء لتقرير مصيره على أن يتم لاحقا وفق نتيجة ذلك ضم الأجزاء الكوردستانية الأخرى في العراق وسوريا الحديثتي التكوين أيضا, حيث كانت الحدود الشمالية لهما آنذاك غير دقيق وغير حاسم مع الحدود التركية الحالية بعد. ألا ان التخوف الأوروبي الغربي الرأسمالي بعد ذلك من النفوذ السوفيتي ومن ايديولجيته الشيوعية بدأ يزداد أكثر فأكثر طبقا لتزايد ولامتداد تلك النفوذ حتى الى جنوب وجنوب غرب القفقاس في آذربيجان وأرمينيا وجورجيا معا، وخصوصا بعد أن بدأت الحكومة السوفيتية منذ 1920 ببناء علاقات تحالفية مع بقايا ادارات بعض الفرق العسكرية والميليشيات العثمانية المتبقية التي كانت لاتزال تقاوم القوات اليونانية والحلفاء المحتلة لجنوب وغرب تركيا والتي كان يشرف عليها مصطفى كمال وقره بكر وغيرهما في شرق تركيا الحالية، وكذلك تقديم و توضيح العديد من وجهاء الكورد الدينيين والقبليين استمرار ولائهم للخلافة العثمانية المتبقية
أمام بعض الوفود والمندوبين الانكليز وغيرهم عندما كان هؤلاء يزورون مناطقهم ويسألونهم عن رؤيتهم حول تقرير مصير الشعب الكوردي وفق ما نصت على ذلك معاهدة سيفر، مما كان يشكل ذلك صدمة لدى أولئك الوفود. كما أن هزيمة القوات اليونانية سنة 1922 أمام تلك الميلشيات والقوات العسكرية العثمانية المتبقية والتي أنشأها مصطفى كمال وزملاؤه وبدعم عسكري ومالي من السوفيت, من مناطق ازمير وبورصة بالاضافة الى مناطق تراقيا التي كانت قد أحتلتها القوات اليونانية بمساعدة الحلفاء في أعوام 1919، 1920 ، 1921 . هذه العوامل الأساسية وغيرها قد دفعت الحلفاء أن يغيروا من استراتيجيتهم الخاصة بتركيا المتبقية وبالتالي بمحتويات معاهدة سيفر أيضا ومن ثم الغائها، الأمر الذي حدا بهم بأن يبرموا بمعاهدة لوزان الجديدة 1923، وأن تظل تركيا كبيرة وغير مجزأة وقوية لردع النفوذ السوفيتي الشيوعي مستقبلا، مقابل أن تترك القيادات العثمانية التركية التحالف مع السوفييت وأن تنحاز الى الغرب الرأسمالي، والغاء نظام الخلافة, قبول اجراء تبادل سكاني بين اليونانيين والأتراك, احترام وحماية حقوق الأقليات الدينية الغير مسلمة في تركيا, تغيير نمط الألبسة وأغطية الرأس والعادات والثقافة الشرقية الاسلامية بما فيها تبديل أحرف الكتابة وذلك لابعاد سكان تركيا ثقافيا واجتماعيا عن الشعوب الاسلامية المجاورة بهدف اضعاف عوامل التواصل مستقبلا بينهم بقدر الامكان تجنبا من اعادة تشكيل اتحادات لتلك الشعوب على أسس دينية وثقافية مجددا... وغيرها من البنود والشروط الأخرى, وقد وافقت تلك القيادات بكل اندفاع على ذلك. وهكذا ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الحكومات التركية تستفيد من ذلك الصراع بين المعسكرين الشرقي الاشتراكي وبين الغرب الرأسمالي الى مرحلة بداية التسعينيات، مرحلة انتهاء ذلك الصراع المسمى بالحرب الباردة السوداء.
غير أنه عقب ذلك بدأت نبضات القلب الأسود تتسارع بشكل دراماتيكي وتتهستر الذهنية الحاكمة التركية الشوفينية الى درجة أصبحت تتخبط يمينا وشمالا دون أن تتمكن تلك السلطات طبعا من اعادة عقارب الساعة الى الوراء بعد أن أستوعبت مضامين استراتيجية EU - USA الجديدة الخاصة بتشجيع الحريات والديموكراتية ومكافحة الدكتاتورية والشوفينية والارهاب وباعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد وكذلك بتوفر امكانية التفاهم مع روسيا الاتحادية التي هي أصلا تهدف تقليديا الى تدويل مناطق المضائق بوسفور ودردنيل وتناصر الأرمن واليونانيين بارجاع مناطقهم المتبقية تحت الاحتلال التركي. فقد تتالت الأحداث والنجاحات الكبيرة لقوى الحريات والديموكراتية في المنطقة وغيرها في العالم، بدءا من تشكيل بعض المناطق الآمنة للكورد الجنوبيين سنة 1991 عبر قرار دولي عقب الهجرة المليونية الكوردية آنذاك، ومن ثم حماية الغرب - خصوصا أمريكا وبريطانياـ لتلك المناطق منذ ذلك الوقت وحتى وقت تحرير العراق سنة 2003 ، رغم انوف السلطات التركية والسلطات الغاصبة الأخرى لكوردستان، وكذلك رغم مقاتلة PKK, PDK, YNK لبعضها البعض لسنوات عديدة خلال مرحلة تلك الحماية.
ثم بدأ الغرب (بشكل أساسي( UK-USA) خصوصا بعد أحداث 11.09.2001 بتسارع أكبر بدعم مبادئ نشر الحريات والديموكراتية في الشرق الأوسط وغيره، حيث قام بتحرير افغانستان والعراق من السلطات الهمجية رغم معارضة السلطات التركية لذلك آنذاك, ثم تحرير لبنان نسبيا، وكذلك تصعيد الضغوط الدولية الديموكراتية القوية على النظام البعثي الدكتاتوري الشوفيني الآخر في سوريا, مما يجعل هذا بأن تتخوف السلطات التركية بشكل كبير من احداث تغيير ديموكراتي في سوريا بفضل دعم تدخل غربي معين، وبالتالي سوف تفتح موانئ وأجواء وبر سوريا للغرب عقب ذلك التغيير، وهذا ما سيحرم تركيا مستقبلا من الامتيازات التى تتلقاها من الغرب لقاء مثيلات ذلك لديها، بالاضافة الى التخوف من حصول الشعب الكوردي على حقوقه المشروعة في سوريا أيضا بعد ذلك التغيير. كل ذلك يجعل من المعنويات الشوفينية الحاكمة في تركيا أن تنحو الى الحضيض والدرك الأسفل, فهذا كله ما يجعل من الحكومة التركية أن تشعر أكثر فأكثر باليأس والمرارة بصدد نتائج وسمات الظرف الذهبي الحالي، وذلك خوفا من اعادة تنفيذ مشاريع أخرى شبيهة بمضامين معاهدة سيفر القديمة ولو ربما بأشكال جديدة. فان محاولاتها المتكررة والتي لاتكتفي فقط باضطهاد وانكار الوجود القومي لحوالي عشرين مليون كوردي وكوردية في كوردستان الشمالية, بل تحاول منذ سنتين أن تقفز فوق 23 ولاية كوردستانية شمالية، لتهاجم وتهدد الشعب الكوردي في أقليم كوردستان العراق وتتوغل في بعض مناطقه أيضا بحجة وبزعم وجود أنصار لقوات PKK هناك, كما كان ذلك يحدث قبل تحرير العراق, وذلك لعرقلة تطبيق المادة 140 ولكسر أمال ومعنويات هذا الشعب مرة أخرى بعد ذلك التحرير.
وهنا لا بد من التنويه على ضعف الأداء الكوردي الاداري والأمني والمسؤولية السلبية الناتجة عن ذلك، حيث أن الصعوبات الكبيرة التي حدثت أمام القوات الأمريكية ـ البريطانية منذ ما بعد تحرير العراق والى الآن بفعل قيام المجموعات الارهابية بالأعمال الاجرامية الكثيرة أدت الى أن تتنازل الحكومات الأمريكية ـ البريطانية نسبيا للأطراف المعادية للكورد، أي غض الطرف عن بعض تدخلاتها السلبية في المسألة العراقية بشكل عام والكوردية بشكل خاص. فلو قامت القيادات السياسية والادارية والأمنية الكوردستانية منذ ما بعد تحرير العراق بالتعاون والمراقبة الجدية والصادقة مع القوات الأمريكية ـ البريطانية المحررة في ملاحقة ومتابعة حركة تلك المجموعات الارهابية في مختلف مناطق العراق لما تمكنت هذه من التحرك بسهولة داخل القرى والمدن ومختلف المناطق ومن القيام بارتكاب تلك الأفعال الارهابية المتواصلة، ومن ثم لتم جلب الاستقرار الى العراق وبالتالي لما احتاجت الحكومات الأمريكية ـ البريطانية الى ترضية تلك الأطراف المعادية على حساب مناطق المادة 140 وغيرها ولما غضت الطرف حتى للقصف التركي والايراني الحالي لجبال ولبعض مناطق كوردستان الحدودية أيضا.
فنظرا الى هذه الأسباب المخيفة ولكون الظرف أصبح أكبر بكثير من طاقات ونوايا الشوفينية لتلك السلطة، وكذلك توصلها الى اليقين بأن الغرب لا يمكن أن يلغي استراتيجيته الجديدة هذه الخاصة بمصالحه في المنطقة من اجل ارضاء وتلبية تلك النوايا التركية القائمة فقط على استمرارية احتلال واضطهاد تلك الشعوب داخل تركيا وفي أجوارها، وبأن الاتحاد الأوروبي يستمر في اغلاق باب انضمام تركيا اليه, خصوصا بدأت قوى سياسية ومبادرات شعبية غربية عديدة في السنين الأخيرة تطالب حكوماتها بضرورة تطبيق شروط العضوية داخل حلف الناتو أيضا بالزام كل عضو بايفاء مبادئ الحريات والديموكراتية وحقوق الانسان على غرار مبادئ الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وذلك على أساس أن الحرب الباردة قد انتهت منذ عقود ولم تعد الضرورة الى التعجيل بكسب وبضم أو بابقاء الأعضاء داخل الحلف رغم عدم ايفاء بعضهم لهذه المبادئ، فأصبحت تركيا تشعر بأنها باتت مهددة حتى بالابعاد من ذلك الحلف مستقبلا أيضا. لذلك وللعوامل والمستجدات المذكورة سابقا، بدأت تركيا بشكل أكثر منذ السنوات الأخيرة بالبحث والهرولة اتجاه العديد من الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية وبعض المنظمات الاسلامية المتطرفة في المنطقة، تحت مزاعم التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع التضامن الاسلامي في المنطقة وما شابه، وذلك بعد عقود طويلة من التبجح والغرور أمام تلك الشعوب المقموعة والمضطهدة في تركيا وفي أجوارها أيضا, وكأن قوة الغرب المهيبة هي مضمونة وموجودة في جيبها!
فالتناقض الكبير بين تلك النوايا التركية الشوفينية وبين مبادئ الاستراتيجية الغربية الجديدة أدى وسيؤدي الى المزيد من الانفلاق بين تركيا والغرب, وان ذلك الابعاد عن الغرب سوف يزيد من امكانية تنفيذ تلك الاستراتيجية الغربية الجديدة في المنطقة وكذلك يزيد من امكانية وصول تلك الشعوب المحتلة والمقموعة والمضطهدة داخل تركيا وفي المنطقة على حرياتها ومصالحها المشروعة أيضا.
محمد محمد ـ ألمانيا
- Xerita ligor Peimane Sever-1920:
استراتيجية الغرب الجديدة ترغم تركيا أكثر فأكثر بالهروب عنه!
ـ قلق وهاجس تركيا الشديدين من عودة سيفر " Sevres " جديد مستقبلا - "بهذ الخصوص يمكن الاطلاع على الخريطة الخاصة بمعاهدة سيفر الملحقة بالمقال، تلك المعاهدة التي أحن اليها دوما ألما وحسرة"!
ـ جدية ذلك التحول عن الغرب وأهمية ذلك للاستراتيجية الغربية وللشعوب المقموعة والمضطهدة في تركيا والمنطقة معا
ـ عودة تلك السلطة منذ سنتين للتغطية على تلك المعنويات البائسة بقصف وبتوغلات في بعض مناطق أقليم كوردستان الجنوبي
منذ تلقي نظام الخلافة العثمانية السابق ضربات موجعة وفتاكة من الأيادي الأوروبية الناصعة قبل وخلال الحرب العالمية الأولى عندما أزال الحلفاء الأوروبيون المنتصرون النفوذ العثماني التركي في البلقان وشمال أفريقيا ومصر والسودان وفي الجزيرة العربية، بلادالشام والرافدين وحتى احتلالهم لعاصمة الخلافة استنبول عقب الحرب العالمية الأولى, وخوفا من تفتيت البقية الباقية من تركيا الحالية, حاولت وتحاول الحكومات التركية التورانية الشوفينية المتعاقبة أن تستغل بشتى الوسائل خلافات القوى الدولية خصوصا بين الاتحاد السوفيتي السابق والغرب الأوربي ـ الأمريكي لصالح نزعاتها الشوفينة ضد آمال الشعوب الكوردية ـ الأرمنية ـ اليونانية بغية استمرار احتلالها لأراضي تلك الشعوب في كوردستان الشمالية المحتلة (جنوب وجنوب شرق تركيا)، في المناطق الأرمنية المحتلة المتبقية(في شمال شرقها ) وفي مناطق تراقيا اليونانية ـ البلغارية الأوروبية وبعض جزر بحر ايجة اليونانية المحتلة المتبقية الأخرى(في غرب وجنوب غربها)، فضلا عن مناطق شمال قبرص. وقد تهيأ لتلك السلطات المتعاقبة فعلا تلك المساعي منذ اتفاقية لوزان المشؤومة 1923، بعد أن كانت دول الحلفاء المنتصرة قد أرغمت بقايا الحكومة العثمانية عبر معاهدة سيفر 1920 على التنازل عن تلك المناطق الأرمنيةـ الجورجية- اليونانية لشعوبها الأصلية وتدويل مناطق مضائق البوسفور والدردنيل وكذلك على الخضوع لتقرير مصير الشعب الكوردي عبر ايجاد حكم ذاتي في مناطقه الكوردستانية المذكورة وخلال سنة كان من المفروض أن يجري استفتاء لتقرير مصيره على أن يتم لاحقا وفق نتيجة ذلك ضم الأجزاء الكوردستانية الأخرى في العراق وسوريا الحديثتي التكوين أيضا, حيث كانت الحدود الشمالية لهما آنذاك غير دقيق وغير حاسم مع الحدود التركية الحالية بعد. ألا ان التخوف الأوروبي الغربي الرأسمالي بعد ذلك من النفوذ السوفيتي ومن ايديولجيته الشيوعية بدأ يزداد أكثر فأكثر طبقا لتزايد ولامتداد تلك النفوذ حتى الى جنوب وجنوب غرب القفقاس في آذربيجان وأرمينيا وجورجيا معا، وخصوصا بعد أن بدأت الحكومة السوفيتية منذ 1920 ببناء علاقات تحالفية مع بقايا ادارات بعض الفرق العسكرية والميليشيات العثمانية المتبقية التي كانت لاتزال تقاوم القوات اليونانية والحلفاء المحتلة لجنوب وغرب تركيا والتي كان يشرف عليها مصطفى كمال وقره بكر وغيرهما في شرق تركيا الحالية، وكذلك تقديم و توضيح العديد من وجهاء الكورد الدينيين والقبليين استمرار ولائهم للخلافة العثمانية المتبقية
أمام بعض الوفود والمندوبين الانكليز وغيرهم عندما كان هؤلاء يزورون مناطقهم ويسألونهم عن رؤيتهم حول تقرير مصير الشعب الكوردي وفق ما نصت على ذلك معاهدة سيفر، مما كان يشكل ذلك صدمة لدى أولئك الوفود. كما أن هزيمة القوات اليونانية سنة 1922 أمام تلك الميلشيات والقوات العسكرية العثمانية المتبقية والتي أنشأها مصطفى كمال وزملاؤه وبدعم عسكري ومالي من السوفيت, من مناطق ازمير وبورصة بالاضافة الى مناطق تراقيا التي كانت قد أحتلتها القوات اليونانية بمساعدة الحلفاء في أعوام 1919، 1920 ، 1921 . هذه العوامل الأساسية وغيرها قد دفعت الحلفاء أن يغيروا من استراتيجيتهم الخاصة بتركيا المتبقية وبالتالي بمحتويات معاهدة سيفر أيضا ومن ثم الغائها، الأمر الذي حدا بهم بأن يبرموا بمعاهدة لوزان الجديدة 1923، وأن تظل تركيا كبيرة وغير مجزأة وقوية لردع النفوذ السوفيتي الشيوعي مستقبلا، مقابل أن تترك القيادات العثمانية التركية التحالف مع السوفييت وأن تنحاز الى الغرب الرأسمالي، والغاء نظام الخلافة, قبول اجراء تبادل سكاني بين اليونانيين والأتراك, احترام وحماية حقوق الأقليات الدينية الغير مسلمة في تركيا, تغيير نمط الألبسة وأغطية الرأس والعادات والثقافة الشرقية الاسلامية بما فيها تبديل أحرف الكتابة وذلك لابعاد سكان تركيا ثقافيا واجتماعيا عن الشعوب الاسلامية المجاورة بهدف اضعاف عوامل التواصل مستقبلا بينهم بقدر الامكان تجنبا من اعادة تشكيل اتحادات لتلك الشعوب على أسس دينية وثقافية مجددا... وغيرها من البنود والشروط الأخرى, وقد وافقت تلك القيادات بكل اندفاع على ذلك. وهكذا ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الحكومات التركية تستفيد من ذلك الصراع بين المعسكرين الشرقي الاشتراكي وبين الغرب الرأسمالي الى مرحلة بداية التسعينيات، مرحلة انتهاء ذلك الصراع المسمى بالحرب الباردة السوداء.
غير أنه عقب ذلك بدأت نبضات القلب الأسود تتسارع بشكل دراماتيكي وتتهستر الذهنية الحاكمة التركية الشوفينية الى درجة أصبحت تتخبط يمينا وشمالا دون أن تتمكن تلك السلطات طبعا من اعادة عقارب الساعة الى الوراء بعد أن أستوعبت مضامين استراتيجية EU - USA الجديدة الخاصة بتشجيع الحريات والديموكراتية ومكافحة الدكتاتورية والشوفينية والارهاب وباعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد وكذلك بتوفر امكانية التفاهم مع روسيا الاتحادية التي هي أصلا تهدف تقليديا الى تدويل مناطق المضائق بوسفور ودردنيل وتناصر الأرمن واليونانيين بارجاع مناطقهم المتبقية تحت الاحتلال التركي. فقد تتالت الأحداث والنجاحات الكبيرة لقوى الحريات والديموكراتية في المنطقة وغيرها في العالم، بدءا من تشكيل بعض المناطق الآمنة للكورد الجنوبيين سنة 1991 عبر قرار دولي عقب الهجرة المليونية الكوردية آنذاك، ومن ثم حماية الغرب - خصوصا أمريكا وبريطانياـ لتلك المناطق منذ ذلك الوقت وحتى وقت تحرير العراق سنة 2003 ، رغم انوف السلطات التركية والسلطات الغاصبة الأخرى لكوردستان، وكذلك رغم مقاتلة PKK, PDK, YNK لبعضها البعض لسنوات عديدة خلال مرحلة تلك الحماية.
ثم بدأ الغرب (بشكل أساسي( UK-USA) خصوصا بعد أحداث 11.09.2001 بتسارع أكبر بدعم مبادئ نشر الحريات والديموكراتية في الشرق الأوسط وغيره، حيث قام بتحرير افغانستان والعراق من السلطات الهمجية رغم معارضة السلطات التركية لذلك آنذاك, ثم تحرير لبنان نسبيا، وكذلك تصعيد الضغوط الدولية الديموكراتية القوية على النظام البعثي الدكتاتوري الشوفيني الآخر في سوريا, مما يجعل هذا بأن تتخوف السلطات التركية بشكل كبير من احداث تغيير ديموكراتي في سوريا بفضل دعم تدخل غربي معين، وبالتالي سوف تفتح موانئ وأجواء وبر سوريا للغرب عقب ذلك التغيير، وهذا ما سيحرم تركيا مستقبلا من الامتيازات التى تتلقاها من الغرب لقاء مثيلات ذلك لديها، بالاضافة الى التخوف من حصول الشعب الكوردي على حقوقه المشروعة في سوريا أيضا بعد ذلك التغيير. كل ذلك يجعل من المعنويات الشوفينية الحاكمة في تركيا أن تنحو الى الحضيض والدرك الأسفل, فهذا كله ما يجعل من الحكومة التركية أن تشعر أكثر فأكثر باليأس والمرارة بصدد نتائج وسمات الظرف الذهبي الحالي، وذلك خوفا من اعادة تنفيذ مشاريع أخرى شبيهة بمضامين معاهدة سيفر القديمة ولو ربما بأشكال جديدة. فان محاولاتها المتكررة والتي لاتكتفي فقط باضطهاد وانكار الوجود القومي لحوالي عشرين مليون كوردي وكوردية في كوردستان الشمالية, بل تحاول منذ سنتين أن تقفز فوق 23 ولاية كوردستانية شمالية، لتهاجم وتهدد الشعب الكوردي في أقليم كوردستان العراق وتتوغل في بعض مناطقه أيضا بحجة وبزعم وجود أنصار لقوات PKK هناك, كما كان ذلك يحدث قبل تحرير العراق, وذلك لعرقلة تطبيق المادة 140 ولكسر أمال ومعنويات هذا الشعب مرة أخرى بعد ذلك التحرير.
وهنا لا بد من التنويه على ضعف الأداء الكوردي الاداري والأمني والمسؤولية السلبية الناتجة عن ذلك، حيث أن الصعوبات الكبيرة التي حدثت أمام القوات الأمريكية ـ البريطانية منذ ما بعد تحرير العراق والى الآن بفعل قيام المجموعات الارهابية بالأعمال الاجرامية الكثيرة أدت الى أن تتنازل الحكومات الأمريكية ـ البريطانية نسبيا للأطراف المعادية للكورد، أي غض الطرف عن بعض تدخلاتها السلبية في المسألة العراقية بشكل عام والكوردية بشكل خاص. فلو قامت القيادات السياسية والادارية والأمنية الكوردستانية منذ ما بعد تحرير العراق بالتعاون والمراقبة الجدية والصادقة مع القوات الأمريكية ـ البريطانية المحررة في ملاحقة ومتابعة حركة تلك المجموعات الارهابية في مختلف مناطق العراق لما تمكنت هذه من التحرك بسهولة داخل القرى والمدن ومختلف المناطق ومن القيام بارتكاب تلك الأفعال الارهابية المتواصلة، ومن ثم لتم جلب الاستقرار الى العراق وبالتالي لما احتاجت الحكومات الأمريكية ـ البريطانية الى ترضية تلك الأطراف المعادية على حساب مناطق المادة 140 وغيرها ولما غضت الطرف حتى للقصف التركي والايراني الحالي لجبال ولبعض مناطق كوردستان الحدودية أيضا.
فنظرا الى هذه الأسباب المخيفة ولكون الظرف أصبح أكبر بكثير من طاقات ونوايا الشوفينية لتلك السلطة، وكذلك توصلها الى اليقين بأن الغرب لا يمكن أن يلغي استراتيجيته الجديدة هذه الخاصة بمصالحه في المنطقة من اجل ارضاء وتلبية تلك النوايا التركية القائمة فقط على استمرارية احتلال واضطهاد تلك الشعوب داخل تركيا وفي أجوارها، وبأن الاتحاد الأوروبي يستمر في اغلاق باب انضمام تركيا اليه, خصوصا بدأت قوى سياسية ومبادرات شعبية غربية عديدة في السنين الأخيرة تطالب حكوماتها بضرورة تطبيق شروط العضوية داخل حلف الناتو أيضا بالزام كل عضو بايفاء مبادئ الحريات والديموكراتية وحقوق الانسان على غرار مبادئ الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وذلك على أساس أن الحرب الباردة قد انتهت منذ عقود ولم تعد الضرورة الى التعجيل بكسب وبضم أو بابقاء الأعضاء داخل الحلف رغم عدم ايفاء بعضهم لهذه المبادئ، فأصبحت تركيا تشعر بأنها باتت مهددة حتى بالابعاد من ذلك الحلف مستقبلا أيضا. لذلك وللعوامل والمستجدات المذكورة سابقا، بدأت تركيا بشكل أكثر منذ السنوات الأخيرة بالبحث والهرولة اتجاه العديد من الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية وبعض المنظمات الاسلامية المتطرفة في المنطقة، تحت مزاعم التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع التضامن الاسلامي في المنطقة وما شابه، وذلك بعد عقود طويلة من التبجح والغرور أمام تلك الشعوب المقموعة والمضطهدة في تركيا وفي أجوارها أيضا, وكأن قوة الغرب المهيبة هي مضمونة وموجودة في جيبها!
فالتناقض الكبير بين تلك النوايا التركية الشوفينية وبين مبادئ الاستراتيجية الغربية الجديدة أدى وسيؤدي الى المزيد من الانفلاق بين تركيا والغرب, وان ذلك الابعاد عن الغرب سوف يزيد من امكانية تنفيذ تلك الاستراتيجية الغربية الجديدة في المنطقة وكذلك يزيد من امكانية وصول تلك الشعوب المحتلة والمقموعة والمضطهدة داخل تركيا وفي المنطقة على حرياتها ومصالحها المشروعة أيضا.
محمد محمد ـ ألمانيا
ـ خريطة وفق محتويات معاهدة سيفر 1920 :
#محمد_محمد__ألمانيا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟