|
أحلام فتى المونديال
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 3037 - 2010 / 6 / 17 - 07:37
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
قبل ست سنوات من ألان تقدم السيد " جوزيف بلاتير" رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ليعلن أمام وسائل الإعلام الدولية و ووفود الدول المرشحة لاحتضان مونديال 2010 ، أن شرف التنظيم حازت عليه دولة جنوب أفريقيا ، و هناك علت صيحات الوفد الجنوب الأفريقي الذي جاء للعاصمة السويسرية بزعامة أسطورة البلد نيلسون مانديلا ، الرجل الذي ارتبط اسمه بالكفاح و النضال ضد التمييز العنصري ، انه " الماديبا " أو العظيم و المبجل كما يناديه سكان قبيلته الأصلية . بمنطقة " ترانسكاي " بجنوب افريقيا رأى نيلسون روليهلالا مانديلا النور في الثامن عشر من يوليوز من العام 1918 ، و هي السنة التي عرفت وقوف آلة دمار الحرب العالمية الأولى ، ليكون بذلك ميلاده مقرونا بدخول الإنسان حقبة السلام التي لم تدوم طبعا إلا سنوات قليلة ، و بعد وفاة والده الذي كان زعيما لقبيلة " التيمبو " المعروفة ، خلف مانديلا الأب و هو في مراحل مبكرة من طفولته . بدأ في تلقي دراسته الابتدائية بمدرسة داخلية عام 1930 ، و عمل بعدها على التحضير لنيل البكالوريوس من جامعة " فورت هار " في ظروف اتسمت بالتقلب و التدهور ،بسبب نشاطه الطلابي النضالي الذي كان سببا في حرمانه من متابعة الدراسة عندما فصلته الجامعة سنة 1940 ، و لم يتابع مسيرته التعليمية إلا عن طريق المراسلة متوجا ذلك بالحصول على الإجازة ليلتحق بعدها بجامعة " ويتواتر ساند " متخصصا في الحقوق . مرت حياة مانديلا السياسية عبر ثلاث مراحل أساسية رسمت فيما بعد مسار الحياة ككل ، و كانت المرحلة الأولى قبل دخوله السجن حيث نشط ضمن المجلس الإفريقي القومي الذي انضم له سنة 1942 ، و كان شغله الشاغل يقوم على نبذ سياسة التمييز العنصري التي كانت مفروضة على سكان حنوب إفريقيا السود و المدعومة من النظام الحاكم ، حيث جرد السود من كل حقوقهم الاجتماعية و الثقافية و السياسة ، ليعيشوا بذلك حقبة إلغاء شامل من الوجود كبشر و كإنسان ، وأصبح مانديلا قائد للمعارضة و المقاومة المطالبة بالحق في تكافؤ الفرص و رفع سياسة التمييز العنصري ، و ذلك بعد فوز الحزب القومي سنة 1948 ، هذا الأخير الذي عمل على سن تشريعات جد عنصرية ضد السود ، و لم تكون هذه المقاومة مسلحة في البداية لكنها تحولت عن ذلك ، و رفع زعمائها السلاح بعد الحملة الأمنية الشرسة التي شنتها السلطات على متظاهرين سود سلميين و قتلت فهم العديد ، فكان قرار مانديلا و باقي زعماء المجلس الأفريقي القومي أن لا هدنة و خيار سوى حمل السلاح ، و هنا تبدأ المرحلة الثانية من حياة الماديبا السياسية . سنة 1962 اعتقل مانديلا و هو آنذاك رئيس الجناح العسكري للمجلس القومي ، و حكم أربع سنوات بسبب تهم مختلفة ، لكن سرعان ما أعيدت محاكمته بتهم ثقيلة جدا منها الخيانة العظمى و التخطيط لعمل مسلح ، و حكم عليه بالسجن المؤبد ، لتنطلق حملات المطالبة بإطلاق سراح مانديلا ، و تستمر هذه النداءات العالمية طيلة السبع و العشرين سنة التي قضها الرجل في السجن ، و أصبح بالموازاة معها اسم منديلا مقرونا بكل الدعاوي المناهضة لسياسة التمييز العنصري ، و بعد 16 سنة من سجنه ، خرجت من زنزانة مانديلا الرسالة الشهيرة التي تدعوا لمواصلة الكفاح و التي كانت بمثابة رسالة للعالم على أن الرجل الماديبا لن يستسلم أبدا . و رغم العرض الذي قدم لمانديلا لوقف العمل المسلح شرط خروجه من السجن سنة 1985 إلا انه رفض ، لتستمر مقاومة المجلس الأفريقي على الخارج و تزدد الضغوط الدولية ، مما دفع النظام بقرار الرئيس " فريدريك وليام دي كليرك " بإطلاق سراح نيلسون مانديلا في 11 فبراير 1990، و بداية مرحلة التغيير الشاملة بجنوب أفريقيا . بعدها بسنة تولى مانديلا رئاسة المجلس الأفريقي القومي ، و في سنة 1993 منحت أكاديمية نوبل بالسويد نيلسون مانديلا و الرئيس " فريدريك وليام دي كليرك " جائزة نوبل للسلام مناصفة كتتويج لجهودهما في سبيل تحقيق السلام ، و تأتي سنة 1994 و يزف خبر هام للعالم مفاده أن السيد نيلسون مانديلا أصبح رئيسا لجنوب افريقيا ، ليكون أول رئيس أسود للبلد ، و تبدأ بذلك حقبة التنمية الشاملة لجنوب أفريقيا و هي الحقبة التي اتسمت بحكم الأغلبية وفق نظام ديمقراطي متميز . ليس غريبا عن مانديلا أن يقرر بعد تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية سنة 2000، التفرغ للعمل المدني مدافعا و مناضلا في سبيل تمتع الناس بحقوقهم الأساسية ، فكانت دعواته للعالم و للأنظمة بشكل خاص باحترام حقوق الإنسان شغله الشاغل ، و لم يترك الحياة العامة إلا سنة 2004 عندما بدأت حالته الصحية تنحوا نحو التدهور ، و ظل حضوره قليلا في بعض المناسبات الخاصة وطنيا و دوليا ، لكن مؤسسته المدنية " مؤسسة نيلسون مانديلا " لم تتوقف و ظل عملها الخيري و المدني قائما إلى اليوم ، توج مانديلا في العديد من المناسبات بميداليات و أوسمة فخرية من طرف رؤساء دول و ملوك ، و كذا مؤسسات مدنية و حكومية دولية ، و يظل التكريم الكبير للرجل هو تخليد الثامن عشر من يوليوز القادم يوما عالميا لنيلسون مانديلا بقرار من الأمم المتحدة الفريد من نوعه عبر التاريخ . عرف نيلسون مانديلا بمواقفه الثابتة و الجريئة اتجاه عدد من القضايا منها القضية الفلسطينية ، كما عرف بصداقته المتينة لعدد من الشخصيات العالمية كالرئيس الكوبي " فيديل كاسترو " ، حيث تبادلا سويا الكثير من الزيارات التي اعتبرت زيارات تاريخية بين القائدين ، و كانت لمانديلا صداقة قوية بالراحل الدكتور " عبد الكريم الخطيب " القائد السياسي و مؤسس حزب العدالة و التنمية بالمغرب . لا أحد ينكر أن للماديبا دور كبير في ظفر دولة جنوب أفريقيا بشرف تنظيم مونديال 2010 ، بشهادة رئيس الإتحاد الدولي الفيفا ، حيث عمل على حشد دعم عالمي لملف جنوب أفريقيا ، و حضر إلى جانب أعضاء لجنة الترشيح في كل المحافل الدولية التي تم فيها التعريف بملف الاحتضان ، سيما و انه سبق و احتضنت جنوب أفريقيا كأس العالم للكرة المستطيلة أثناء فترة ولايته ، و قد كانت دعوته دائما تقضي بجعل الرياضة وسيلة للتوحيد و التقريب بين الشعوب و الأعراق ، و كم تمنى العالم رؤية نيلسون مانديلا في حفل الافتتاح إلا أن الأقدار شاءت أن يغيب عن افتتاح هذا المحفل العالمي ، مكتفيا بتوجيه رسالة شفوية للجميع أبلغها الرئيس الحالي " جاكوب زوما " يدعو فيها الجميع للاحتفال و الابتهاج ، فهذا عرسنا و هذه ليلتنا ، فعلا إنها ليلة المونديال الرائعة لا نعيشها دائما ، إنها ليلة كان نيلسون مانديلا فتى أطوارها بامتياز .
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تكريم محمد الميموني ... شاعر المتوسط و السمراء
-
حينما تلتقي المنفى بالديكتاتورية لا أحد يتقن الحديث إلا مولر
-
يوم هاجرنا الطيب صالح
-
في ذكرى الوفاة
-
شذرات شبابية
-
تطوان في السرد الروائي ... تجارب و شهادات
-
عجوز يصارع للبقاء في هافانا
-
الإنتماء الى أفرقيا
-
قبلة و أغنية حزينة
-
غابرييل غارسيا ماركيز ... و ريح شقاء ايرينديرا
-
جامعة ... و دورة إستدراكية
-
الهجرة الى أين ؟
-
جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الفقيه داود التأهيلية بالمضيق و رس
...
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 4 )
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 3 )
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 2 )
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 1 )
-
موسم الهجرة الى أصيلة
-
غابرييل غارسيا ماركيز ... على خطى الرواية و التقشف
-
جنون و حرائق و سهول
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|