|
الطريق الثالث في الولايات المتحدة - الليبريتاريون الجدد
طارق الهاشم
الحوار المتمدن-العدد: 3034 - 2010 / 6 / 14 - 17:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مطلع العام 2009 وفي ولاية فلوريدا ظهرت اولي مظاهرات حركة (حفلة الشاي) وخلال سنة وبضع اشهر, تحولت الحركة التي تستمد إسمها من احداث عام 1773 في مدينة بوسطن, الي اهم حدث سياسي معاصر في العقد الاخير وقد كان لمزيج من الاحباط المتزايد لدي المواطن وفلسفة الحركة البسيطة وعوامل إخري ذات خصوصية أمريكية , ذلك الاثر المتصاعد لدفع الحركة الوليده لتشكل اليوم وحسب إراء العديد من المحللين الحزب الثالث في السياسة الامريكية. برغم إنه لم يتم تسجيلها كحزب سياسي حتي الآن. هذه الحركة وان كانت الاوضح للناظر فهي ليست الوحيدة .وثمة حركات أكثر خطورة علي هيكل السياسية الامريكية الحالي حيث يتقاسم جناحا الحزب الجهوري القديم = حزب لينكولن = السياسة الامريكية منذ بدايات القرن العشرين .ولمن لم يفهم الجملة السابقة نقول أن الحزب الديمقراطي الحاكم حالياً هو جناح منشق عن الحزب الجمهوري منذ حوالي المائة عام , ولربما يفسر هذا تشابه السياسات في كلا الحزبين وبقاء الفروق بينهما في حدها الادني .المراقب اللصيق للانتخابات الاخيرة عام 2008م والازمة الاقتصادية اللاحقة لها يلاحظ ظهور تيار قوي كافر بالمسلمات المعتادة للسياسة الامريكية. وفي هذا الاطار نشاهد جماعات متجانسة تنتمي لليمين وهي تجرد الجمهوريين من ارضيتهم وتدفع الديمقراطيين نحو الهامش . وعدا عن مجموعة (حفلة الشاي) توجد مجموعات اخري مثل (حافظي القسم ) وهي مجموعة تنشط حصراً في صفوف الجنود ورجال الشرطة المتقاعدين وربما كان لها امتداد داخل القوات العاملة الامر الذي يجعلها مصدر قلق واضح لرجال مكتب المباحث الفدرالية اما المجموعة المقلقة الاخري فهي العدد المتزايد من مجالس الولايات التي تقدم قوانين لاحياء التعديل الدستوري العاشر هو التعديل الذي يسمح للولايات بالانفصال عن المركز في حال عدم توافق القوانين والممارسات الفدارلية مع وثيقة الحقوق الدستورية,هذه الحركة ناجحة لدرجة ان عدد الولايات التي اقرت قوانين من هذا النوع تجاوز العشرة .اضافة الي حركات اخري قديمة مثل (الركبة الجريحة) (ووندد ني) قامت بنفض الغبار عن نفسها و تبنت فلسفة اليمين الليبريتاري الجديده.
وبرغم محاولات التعتيم السياسي والاعلامي فإن هذه الحركات تكسب علي الارض ومن غير المرجح أن تتراجع خاصة وان المؤسسة الرسمية ليست في وضع يسمح لها بالهجوم بسبب نتائج الحرب والاقتصاد لذا فإنها تصانع التيار الجديد وتدعي الاستماع الي مقولاته ومحاولة تطبيقها .لكن , وقبل ان نواصل شرح فلسلفة هذا اليمين الجديد: يجب علي القاريْ ان لايحاول تصنيف هؤلاء الاشخاص باي طريقة تقليدية. فهذا ليس اليمين المرتبط بالكنيسة التقليدي .وليس ذلك المهتم بشن الحروب علي الطبقات الادني او الاعداء الخارجين. بل شي اخر مختلف يتبني نضالات مارتن لوثر كينج و غاندي: لذا فانهم يسمون انفسهم الباتريوت او الوطنيين ولايميلون لتصنيفهم ضمن اليمين السياسي الذي يعتقدون انهم تجاوزه من الناحية الفكرية .
نشأت الولايات المتحدة علي فلسفة مخالفة لتلك التي نشات عليها الثورة الفرنسية. ففي فرنسا شكلت اعمال روسو الاساس الفكري لثورة حيث يقول بان المجتمع هو مصدر السلطات .أما في المستعمرات كما كانت تسمي الولايات المتحدة فان فلسفة الثورة قامت علي ان الانسان المنفرد هو مصدر السلطة وانه هو فقط من يحق له تخويل صلاحيته .
وعرف هذا الاتجاه بالاناركية وببساطة عني ان الانسان المقيم منفرداً غير ملزم باتباع اي نوع من القوانين او دفع ضرائب طالما لم ينضم الي مجتمع ما , وعني ان المجتمع يستطيع وضع القوانين الخاصة به حتي وان عارضت قوانين الدولة وقد جسدت افلام الكاوبوي الوحيد الذي يعبر الصحراء خارجاً علي كل قانون صورة مستقاة من ثائر تلك الايام .
بعد النصر علي الجيش الانجليزي سيطرت الارستقراطية الامريكية علي الدولة ممثلة في اشخاص مثل واشنطن (قريب الملك) وجيفرسون مالك العبيد الثري وخلافا لما يعتقده الكثيرون اليوم: شكل الدستور وثيقة ممقوته لدي معظم الامريكين الفقراء الذين نظروا الي الحكومة الوليده بالكثير من الشك , وقد وضع الدستور قيودا علي الحرية المطلقة التي سعي اليها الثوار ضد الملك وقد جاء انعقاد الكنغرس الاول ليزيد الطين بله. فقد نص ثاني القوانين المجازه علي فرض الضرائب لتمويل انشطة الحكومة . وعندما تفاوض جيفرسون و زملاؤه الدبلوماسيون مع بريطانيا للحصول علي وضع الدولة الرسمي: تم الاعتراف بالملك جورج الثالث اميرا علي الولايات المتحدة(اتفاقية باريس1793) الامر الذي فجر الغضب في الوطن وهدد بثورة جديدة وللتخلص من هذه الامكانية طلب جيفرسون الي ربيبه السياسي (ماديسون) ان يكتب وثيقة مضادة للدستورعرفت باسم وثيقة الحقوق الدستورية. تحدد الاشياء التي لاتستطيع الدولة حرمان المواطن منها مثل الحق في حمل السلاح ضد طغيان الدولة وحق العبادة والحق في المحاكمة عند الاتهام وقد كانت هذه الحقوق هي الاداه التي استعملت لاطفاء نيران اي تمرد حتي عهد لينكولن حين اصر علي انفاذ قوانين المركز ضد رغبات الولايات الامر الذي ادي الي الحرب الاهلية. حيث وقفت فيها الولايات الجنوبية ليس مع تجارة الرقيق وانما مع حق الولايات في سن القوانين الخاصة بها دون تدخل من المركز لذا سمت نفسها بالولايات الكونفدرالية . بعد هزيمة الجنوب في الحرب تعززت سلطات المركز من الناحية القانونية ولكن علي الارض في الجنوب ازداد انصار الحقوق الفردية تمسكاً بما اسموه الطريقة الامريكية . وفي هذا الاطار تطور الفكر التحرري libertarian الذي يؤمن بالفردانيه الاقتصادية حيث الانسان مسؤول بصورة كاملة عن نفسه من ناحية العمل والمسؤولية عن الاختيارات الاقتصادية وللتوضيح لايؤمن التحرريون بالاعانات الحكومية للبطالة ولايؤمنون بفرض ضرائب غير ضرورية او وجود وكالات حكومية ذات صلاحيات واسعة مثل FBI او حكومة غير منضبطه مالياً والاهم من ذلك لايعتقدون بضرورة وجود عملة مركزية مثل الدولار وانما يظنون ان بامكان اي شخص ان يصدر عملته الخاصة به. حيث لاحقوق للدولة تتجاوز الحقوق الفردية وعلاقة المواطنين بها هي علاقة تعاقدية لا اكثر . وقد كانت السبعينات من القرن الماضي فترة الاحياء لهذه الفلسفة وتصاعدت حتي التسعينيات عندما قامت الحكومة بالقضاء عليها عبر التخويف والقوة واستعداء المجتمع ضدها- كما يصرح غالب اليمين الجديد - مشيرين الي احداث مثل حريق كنسية الدافيديين الذي قضي فيه العشرات علي الاقل ومن خلال احداث يدعي اليمين التحرري انها من انتاج الحكومة لتجريمهم. مثل تفجير المبني الفدارلي في اوكلاهوما 1995 الذي اتخذته الحكومة ذريعة للقضاء علي المليشيات المسلحة في الغرب الاوسط (حق تشكيل جيوش خاصة هو ضمن وثيقة الحقوق الدستورية) . وقد تعلمت الحركة الجديدة تغير اساليبها والاقتراب اكثر الي الجمهور من خلال التشكيك في الرواية الرسمية لاحداث سبتمبر ورفض الحرب في افغانستان والعراق وتقديم مرشح رئاسي ضمن الحزب الجمهوري هو رون بول والاستفادة من الحملة كمنصة للهجوم علي الاداء السياسي لكلا الحزبين في الولايات المتحدة وجات الفرصة من خلال قانون الاعانة المالية للبنوك TARP في عهد بوش حيث جادلوا بانه لايجوز دعم اصحاب المليارات من اموال الشعب الفقير. وجاء قانون الرعاية الصحية الجديد لاوباما ليوفر ذخيرة للمنادين بالفردانية حيث يلزم جميع السكان بتامين صحي اجباري يري جزء كبير منهم انه قد يقضي علي الامال بالانتعاش الاقتصادي في القريب العاجل . وبرغم اقتراب بعض الجمهوريين التقلديين مثل (ليمبو و بيو كانون ) من التحرريين الا ان هناك اختلافات واسعة يمكن اجمالها في الاتي :-
أ/ التحررييون ليسوا علي وفاق مع الكنيسة بعكس الجمهوريين ومن بينهم عدد كبير من الملحدين.
ب/ برغم وجود البيض من الطبقة الوسطي فان التحرريين ينزعون لان يكون اكثر تلونا حيث يشكل السود وذوي الخلفيات الاقتصادية المتعددة جزءاً هاماً من مكونهم السياسي .
ج/ يؤمن التحرريون بنظريات المؤامرة بقوة ويرفضون المساومة السياسية .
د/ يرغب التحرريون في القضاء علي بنك الاحتياط الفيدرالي واعادة اصدارالدولار خلال الولايات بشرط وجود تغطية نقدية .
وبرغم انه لايوجد تحرريون في الكنغرس فقد نجح الضغط السياسي في مناقشة قانون مراجعة بنك الاحتياط وذلك للمرة الاولي منذ 1913 عندما اصبح مؤسسة رسمية . اما علي النطاق الشعبي فان حكومة الولايات المتحدة تواجه للمرة الاولي منذ الحرب الاهلية تحدياً ايديولجياً حقيقاً لسلطتها ويبدو العدو هذه المرة ماكراً . والحديث عن الحرب هنا حقيقي فعلاً فقد شكل رام ايمانويل كبير موظفي اوباما الهدف الامثل بحديثه عن وضع القوانيين المقيدة لحمل السلاح الناري وتصاعدت محاولاته لتجريم حمل السلاح لفترة قبل ان يضطر لايقافها والاهتمام بمايسميه التحرريون بقوانين الهندسة الاجتماعية مثل قانون الرعاية الصحي . وتعد ملصقات السيارات من الادوات المفضلة لديهم وهي في معظمها تستلهم او تنقل مباشرة شعارات حرب الاستقلال مثل عبارات (لا تطأني ) وهي تمثل ثعباناً في وضع الدفاع وهي شعار وحدات شهيرة في الجيش الامريكي وقد تم ادراج هذا الشعار ضمن قائمة FBI للشعارات الخطرة عام 2009 مثل الصليب النازي .والملاحظ بالنسبة للشعارات ذكاء الحركة الجديدة وتبنيها للعلم الحالي بعكس سابقتها التي تبنت العلم الجنوبي . وتستعمل هذه الحركة اسلوب احراج المتحدثين السياسين وبث هذه التسجلات عبر الانترنت الامر الذي جلب لها شعبيه واسعة في اوساط الطلاب ومتوسطي العمر . اما بالنسبة للمتقاعدين فانهم يمثلون ملاذاً سياسيا ضد سياسات الحزب الواحد التي ادت الي افلاس قدر كبير منهم. ويتمثل امل المؤسسة في القضاء عليهم في تجاوز الازمات المتكرره داخلياً وخارجياً او في الضرب المباشر كما حدث في عهد كلنتون ولكن التحرريين اكثر وعياً هذه المرة ولايسمحون للعنف بالظهور بينهم وانما يهاجمون شرعية الدولة نفسها بنجاح اكبر بكثير من السابق .
#طارق_الهاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نيكوس كزانتزاكيس واكتمال الناسوت
-
اعادة اكتشاف المشاة
-
أرض الخوف
-
موضة الديمقراطية
-
-سكر بنات- أو كاراميل
-
الفضيلة الأم
-
تعريف الأسطورة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|