أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَطهر 4















المزيد.....

الرواية : مَطهر 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3032 - 2010 / 6 / 12 - 09:19
المحور: الادب والفن
    





إنّ الموجودَ مَفقودُ .
عامٌ كاملُ مَضى ، مذ بدأ عبدُ الله بخط الأسطر الأولى ، الواجفة ، من تذكرة حياته ؛ منذ أن شعّ في داخله ، المُظلم ، نورُ الحنين إلى المَوطن الأول ؛ نورٌ ـ كطرف البرق ، ما عتمَ أن تبعَهُ وابلٌ من غيث الكلمات . وإذ أهملَ فروضَ الإيمان ، جميعاً ، إلا أنّ صلاته ما تفتأ موّجهَة ً نحوَ قِبلة الشام الشريف ؛ نحو مدينته ومَسقط رأسه.
هنا في المنفى ، إذاً ؛ في يوم حارّ نوعاً ـ شبيه بيوم فائتٍ ، عتيق ، قبلَ ثمانية عشر عاماً ـ كانَ على ذلك الخبَر الطازج ، المُستطير ، أن يهبّ على كينونتي مُبعثراً حَرْفاً حرفاً كلماتِ كناشي هذا : " إعدامُ الباب في فارس ". لم أعرف الرجلَ قبلاً ، قط . بيْدَ أني كنتُ مُهتمّاً بمُتابعَة سيرته ووقائعه . فلا غرو ، والحالة هذه ، أن أتفكّر بعبَث المقدور ؛ حينما عقدتُ في ذهني حِسْبَة ، مُقتضبَة ، لأخلصَ من ثمّ بأنّ عُمْرَ الباب ، حينما ماتَ مَشنوقا ، كانَ لا يَتجاوز الحادية والثلاثين عاماً : وحَسْبي أني إلتقيتُ بمن سيكون عليهم أن يُبشروا بظهوره ـ بإعتبار أنهم ثلة من حواريّيه ، المَوعودين ـ وكنتُ في تلك السنّ ، نفسها .
ذلكَ حَصَلَ في مدينة القدس ، عند عودتنا إلى الشام عن طريق عكا . إنّ رفيقَ رحلتي ، القاروط ، كانَ هوَ من إقترحَ عليّ الإيابَ برّاً ، ما أن أنهينا مُهمّتنا في القاهرة . وعليّ كانَ أن أقبلَ اقتراحه ، مُغتبطاً مُمتناً ، طالما أنه سيجنبني خوضَ غمار اليمّ ، الكائن على حافة الآخرة . وما لم أكُ أعلمه عندئذٍ ، أنّ البك ، الماكر ، كانَ يَحملُ في جرابه رسالة من العزيز إلى والي العتبات المَقدسية ؛ المُقيم في مقرّه بعكا . فلنعُدْ إلى هناكَ ، على كلّ حال ، لنرَ ما كانَ من أمر تلك الرسالة ، السرّية .

" إنّ العزيزَ ، لعلمكَ يا آغا ، مُستاءٌ من مَسلك عبدي باشا ، غير الوديّ "
قالَ لي القاروط ، ممهّداً لما سيفجأني به من خبر مهمّته ، المَعلومة . آنذاك ، كانت قافلتنا قد خلفتْ الصحراءَ وراءها وباشرَتْ طريقها حذاء الساحل الفلسطيني ، لكي تمكث ليلة مَبيت في رفح ، ومن ثمّ تواصل في اليوم التالي ، صباحاً ، مَسيرها إلى القدس . ولحُسن فألنا ، فلم يَعترض القافلة أيّ طاريء غدر ، مألوف ، من لدن البدو النهّابين السلاّبين . ويتعيّن عليّ الإشارة هنا ، بأنّ الفضل في ذلك كانَ يعود لسلطة عبدي باشا ذاتها ، الشديدة.
" إنّ العزيز يَصِفُ والي عكا بأفدَحَ النعوت ؛ وربما أهوَنها " النمرود ". علّة الأمر ، ظاهراً ، أنّ عبدي باشا أخذ يُشجّعُ الفلاحين المصريين ، الهاربين من الجندية والسُخرة سواءً بسواء . إنه يَفعل ذلك مُتعمّداً ، ما دام يتحصّلُ مالاً من أولئك الناس ، المُلتجئين إلى الولاية الشامية عَبْرَ عكا ". كانَ البكُ يتكلّم بصوتٍ خافت ، بالرغم من أننا بمعزل عن رفاق الرحلة الآخرين ؛ ثمة ، في خان المسافرين ، الواقع في أحد أرباض البلدة .
" أليسَ هوَ بنفسه ، من كانَ قد إلتجأ فيما مضى إلى مصر ، مع المير بشير ، فوجدا الحماية لدى حاكمها ؛ حينما نالهما غضبُ الباب العالي ؟ " ، سألتُ القاروط باهتمام مُعتمِداً أيضاً الهمسَ . فأومأ برأسه إيجاباً ، ثمّ كشر عن بَسمة ساخرة : " ولذا استحقَ لقبَ النمرود "
" ولكنكَ ، يا بك ، قلتَ أنّ ذلك هوَ سبب الخلاف ، الظاهر ؟ "
" أجل . أما سَبَبُهُ الحقيقيّ ، فإنه يُداور في فلك آخر . إنّ طموحات العزيز ، باتتْ اليوم معروفة لمن يهمّهم الأمر ، على الأقل . وأكثر هؤلاء يتقون تلك الطموحات ، طالما أنهم لا يَرغبون بتغيير الوضع القائم "
" قصْدُ كلامك ، بحَسب ما فهمته ، أنّ والي عكا يَخشى أن يَفقد منصبه ، ما لو سيطرَ العزيزُ على البلاد الشامية "
" عفارم . وأعتقدُ أنّ ذلك هوَ حالُ الآخرين ، أيضاً ، من عمال بلادنا الشامية : فإنهم وبالرغم من امتعاضهم من اصلاحات الباب العالي ، الأخيرة ، لعلى استعداد للمُنافحَة عن سلطته حتى رمقهم الأخير . إنّ مسألة التغيير غايَة ً في التعقيد ، ولا يُمكن قبولها مِنْ لدُن مَنْ اعتادوا عُمراً على الوضع القائم للسلطنة ؛ والذي ، بدوره ، ترسّخ على مرّ الأزمان والحِقب . إنّ ذلك بالنسبة لهؤلاء ، كما لو كانَ دينهم ، الحنيف ، ويأتي من يُجبرهم على الارتداد عنه ". قالها القاروط ، ثمّ ما لبثَ أن أخذ بالتثاؤب . فسكتّ عندئذٍ عن المُجادلة ، مُدركاً أنّ أجلَ النوم قد حانَ .

قبيل الفجر، أفقتُ مُنغصاً بحلم ٍ مُخلبَس . إذاك ، كانت العتمَة ما تفتأ تهذي بخمرة صاحبها الماجن ؛ القمر . فقمتُ من فوري لأداء فرض الصلاة ، لكي أستعيدَ سكينة روحي في حضرة خالقها . في المَصلى ، تسليتُ بوجود مرتادين آخرين ، من المُسافرين في رَحْلنا . فتبادلتُ مع أحدهم الكلامَ ، لدى فراغنا من الفرض . هذا الرجل ، الشائخ نوعاً ، كانَ تاجراً من القدس مُعتاداً على السفر إلى مصر لمُبادلة بضائعه بغروش المُشترين . وحينما يؤوب من هناك ، كانَ يفعل الشيء عينه في مدينته ؛ حيث اُخبرتُ منه أنه يَمتلكُ محلاً لمنتجات الزيتون ، يقعُ في قلب القدس القديمة. وبما أنّ العطارة كانت مهنتي، سابقا، فمن الطبيعي أن يهتمّ ذلكَ التاجر بمعارفي في شؤون الصابون ؛ الذي كانَ في مُبتدأ القرن ما زال تجارة رابحة للغاية .
" إنّ بعضَ ولاة دمشق ، كانوا يحتكرون صناعة الصابون ويَفرضون رقابة ، صارمة ، علينا ، نحنُ تجارها ، كما على الفلاحين ممن يَمدّوننا بخامتها " ، قالَ لي العجوزُ مُطلقا تنهّدة الذكرى . ثمّ أضافَ " ولقد تخلصنا من جورهم ، ولله الحمد ، مذ أن فصلت الولاية الفلسطينية عن دمشق ، بسعي من مولانا عبدي باشا ". فسألته عندئذٍ بغير إكتراث : " فأنتَ إذاً ، أطالَ الله بعمركَ ، عاصرتَ العديد من أولئك الولاة الشوام ؟ "
" نعم ، ولا ريب . لا أنكرُ أنّ بعضهم كانَ عادلاً ويتعفف عن أكل حقوق رعيّته . إلا أنّ ذلكَ كانَ مَعدناً ثميناً ، نادراً . والعجيب ، أنّ الخلقَ من عامّة وأعيان وعسكر ، كانوا يَستهترون بالوالي العادل ، فيصفونه بميوعة المرأة وخلاعة الغلام ، ثمّ يتضامنون معاً على افشال مهمّته في الولاية إلى حدّ أن يُكاتبوا الآستانة بحقه . ولله في خلقه شؤون "
" لعلكَ سَمِعْتَ بما جرى في الشام ، مؤخراً ؟ "
" آه ، نعم . ليَحفظنا الربّ من شرور أولئك القوم ، المُبتدعين " ، نطقها الرجلُ بعفوية. وأدركتُ من يعني بكلامه ؛ طالما أنّ مفردة " البدعة " أضحَتْ مُلتصقة بجلد أتباع أبن وهّاب . فما أن همَمتُ بالتعليق ، حتى واصلَ العجوز قوله : " لقد كانَ من الممكن ، قبلاً ، استئصال شأفة غرسة الشرّ هذه ؛ حينما اجتاحَ هؤلاء الأعراب البلادَ الشاميّة ، حتى وصلوا حوران . ولكنّ ذلك الوالي ، المَدعو بالكنج الكردي ، عجز عن التصدّي لهم لأنه كانَ هوَ بنفسه سادراً في الجهل والتزمّت والضلال . قبل ذلك ، قامَ الكنجُ باحتكار الصابون ، صناعة وتسويقا ، وسامَ التجارَ ألوان التنكيل ". وما لم يكُ يَعلمه هذا التاجر ، أنّ أبن الكنج ـ أو ربيبه بالأصح ـ موجودٌ معنا في الخان ؛ وأنه في حجرتي ثمة ، يغط في نوم عميق ، سادر .

انتهزتُ سانحَة الفطور ، فأومأتُ برأسي خفية ً ناحية التاجر ، المقدسيّ ، قائلاً للقاروط بدعابَة : " إنه يَعرف أشياء كثيرة عن والدك ، المرحوم ". فحرّكَ البكُ رأسه نحوَ الرجل ، المطلوب ، لكي يستلّ لمحة من سحنته ، فما عتمَ ان أجابني بمَرَح أيضاً : " يبدو من هيئته ، النظيفة ، أنه تاجرُ صابون "
" إنكَ بنفسكَ ، يا بك ، أبنُ تاجر صابون ". تطلعنا ببعض هنيهة ً ، ثمّ ما عتمنا أن انفجرنا معاً بالضحك الصّخاب ، حدّ أنّ أصحابنا ، المُنهمكين بالأكل في قاعة الطعام ، التفتوا نحونا بنظرات فضول واستغراب . عندئذٍ ، هممتُ بنقل ما قاله ذلك التاجر ، مُستهلاً بموضوع الوهّابيين . وإذا بالقاروط يُبدي شيئاً من التململ ، ولا يلبث أن يقترحَ عليّ أن نتمّمَ حديثنا ، خارجاً . وربما سَهَوتُ ، قبلاً ، عن التنويه بخصلة البك ، المُتمثلة بتدخينه الشره . وكانَ يَستعملُ لذلك أداة ً خشبيّة ، صغيرة ، مَصقولة بعناية ؛ تسمّى بالغليون . فما أن أضحينا أمامَ مدخل الخان ، حتى أخرجَ البك أداته تلك وشرَعَ في مدّها بمدقوق التتن . فحينما اشتعلت جذوة الغليون ، تصاعد منه عبقٌ طيّب النكهة متماهياً بدخان رماديّ ، خفيف . وكانت هذه ، أيضاً ، سانحَة لحديثي عن أهل البدعة : " إنّ التدخينَ حرامٌ ، بحسب أبن وهّاب . حتى ويقال أنّ أبنه ، وخليفته ، يشنق من يُضبط من رعيّته وهوَ يدخن علناً ". فهزّ البك رأسه دلالة على علمه ، ثمّ قالَ لي : " في زمن أبي ، الكنج ، هوجمَتْ ولاية الشام من لدن أعراب أبن وهّاب . من جهته ، فإنّ أبي لم يكن مُتزمتاً قط ، أؤكدُ لكَ بصدق ونزاهة. كلّ ما في أمره، أنه حينما علمَ بما فعله أولئك الأعراب في العراق ، من استباحة وابادة وتدمير ، خشيَ أن يَتمكنوا أيضاً من اجتياح الولاية الشامية . فلكي يُداهنهم ، اتخذ تلك الاجراءات الصارمة ، الغريبة ؛ من قبيل تمييز النصارى واليهود بملابس خاصة ، بأن يكون اللون الأسود للأولين والأحمر للآخرين . كذلك الأمر بالنسبة لرعاياه المسلمين ، فقد فرضَ على الرجال أن يطلقوا اللحى وعلى النساء النقاب مع منعهنّ من الخروج للدرب إلا لسبب قاهر . وأبطل تعاطي الخمور والتتن والملاهي ووضع الغواني في الحديد حتى يتبنَ ، ومن عادتْ منهنَ لممارسة عملها قذف بها في لجة بردى . وربما أنتَ تعلم ، يا آغا ، أنّ مهنة البغاء قد حَظيتْ دوماً باعتراف الشهبندر ، فكانَ لصاحباتها جمعيتهنّ ، الخاصّة ـ كباقي جمعيات أهل الحِرَف ، في أسواق الشام " . أوضحَ لي البك ما كانَ من لبْس ، في سيرة والده بالتبني . وأظنّ أنه لحظ تغيّر لوني ، ما أن وصلَ في كلامه إلى حديث الغواني : فإنّ صورة زمرّد ، المسكينة ، طالعتني إذاك مُتواشجة مع صورة تلك الفتاة ؛ التي اُغرقتْ في نهر بردى بعدما هُشِمَ بدنها بأحجار الراجمين ، المَمْسوسين بتحريض شيخ الشام ، السابق .

" وماذا بشأن صحّة الأقاويل، عن ثروة الكنج ، المكنوزة هناك في القلعة ؟ "
سألتُ القاروط على حين غرة ، وفي نيّتي حثه على الإعتراف بسرقة الكناش . وكالعادة ، لم يَبدُ على ملامح مُحدّثي، الخالدة ، أيّ تأثر . ولكنه سَرَحَ ببصره بعيداً ، نحوَ صفحة البحر الأزرق ، المَسفوع بأشعة الشمس ، الذهبية ، فيما كانَ يُصلح من حشوةغليونه . وما لبثَ أن أجابني بهدوء وهوَ يُحدّق ملياً في عينيّ : " أجل ، إنه كلامٌ صحيح . وأعتقدُ أنّ الوزيرَ المَغدور ، بدوره ، كانَ يَبحثُ عن ذلك الكنز ؛ المُقدّر بإثني عشر صندوقا من الذهب "
" أنتَ تقصُد سَعيه لإمتلاك ذاك الكتاب ، المَفقود ؛ المَنسوب للشيخ البرزنجي ؟ "
" آه ، نعم . لقد سبقَ للدالي باش ، آغا يقيني ، وأخبركم بالأمر . ولكن ، ما لم تعلمه لحدّ الآن ، يا آغا ، أنّ الوزيرَ أسرّ للدالي باش نفسه بسرّ هذا الكنز . فقبيل ساعة من مَصرعه ، ولما شعرَ الوزير بأنّ أجله حانَ حقا ، فإنه قال للآغا بحسرة وبما يُشبه الهذيان : " بدءاً ، كنتُ بصدد تقديم هديّة للسلطان ؛ وهيَ كناش البرزنجي ، الذي كانَ يُودّ الاستئثار به واخفائه عن أعين الناس . علاوة على ما كانَ من رغبة الباب العالي ، الأخرى ، بالحصول على ذلك المخطط ، المطلوب ؛ الذي يُثبت كون المسجد الأموي مَبنياً على صورة الصليب ، تمهيداً لتدميره بقنابر القلعة ، بعدما تكون قدسيّته قد بَطلتْ. بعد ذلك ، فكرتُ طويلاً بإمكانية أن أتملك أنا بنفسي ثروة َ الكنج ، القارونية ، المَخفيّة على أغلب ترجيح في البرج الثالث عشر ، السرّي ، من القلعة تلك ، اللعينة . ولقد كلفتُ ثقاة من رجالي بالأمر . إلا أنّ بحثهم الدؤوب ، المَحموم ، كانَ بلا جدوى . ولو أنك ، أيها الدالي باش ، جئتني بالكناش من منزل الشاملي ، لتغيّر كلّ شيء في هذه الحاضرة . بل وكنتُ قد تحدّيتُ الصدر الأعظم ذاته ، وحللتُ بمكانه ثمة في الآستانة . أنتَ تفهم ما أعنيه ؛ البرطلة وإلى ما هنالك من أمور السلاطين ، المُعتادة " . أبديتُ فضولاً واضحاً بحكاية الساعة تلك ، الأخيرة ن من حياة الوزير : " إنها ثروة أبيكَ ، يا بك ، ما كانَ يدور الحديثُ عنها . واعذرني إذا قلتُ ، بأنّ ردّ فعلك في هذا الأمر غريبٌ بعض الشيء ؛ وكأني بك غير مبال به ؟ " ، قلتُ للقاروط مُستفهماً، علّ كلماتي تستفزّ غرورَه وكرامته على السواء . على أنّ قسماته بقيَتْ خالية من التعبير ، حينما بادرَ لإجابتي إثر وَهلة تفكير : " لا أدري حقا ، ما إذا حدّثكَ الزعيمُ عن طلبي الكناش منه ؟ " . ولم ينتظرَ جوابي ، بل استأنفَ من فوره " وقد أنكرَ ، بطبيعة الحال ، أنه يَمتلك الكتاب ؛ مع أنّ الذي أهداه إياه سبقَ له أن خبّرني بذلك . عندئذٍ ، تدخل وصيفُ الشاملي في هذا الموضوع ".

" أيها الداهية ، أمنَ المُمكن أن تعترفَ لي بهذه البساطة ؟ "
ساءلته في سرّي ، وأنا بغاية الدهشة. ولكنني ، بالمقابل ، تذرعتُ بالصمت ولم أكن لجوجاً : فما دامَ البك سَيُفضي أمامي بما يَعرفه عن حكاية الكناش ، فإنّ سبباً ما ، طارئاً ، هوَ ما يَدفعه لذلك. في الإبان ، كنا قد عُدنا أدراجنا ودونما أن نشعُرَ باتجاه أقدامنا . فلما صرنا أمام النزل ، مُجدداً ، أشرتُ للبك أدباً أن يتقدّمني بالولوج خللَ المدخل .
هناك ، في الحجرة التي نشغلها ، بالدور الأرضيّ ، جلسَ رفيقُ الرحلة على كرسيه ، المُفضل ، فيما اقتعدتُ بدوري على طرف سريري . برهة أخرى ، وما عتمَ فمُ مُحدّثي أن تبَرْطمَ ثانية ً: " قلتُ ، أنّ ذلك الوصيف ، ذي الوجه المَملوط ، قد اهتمّ بموضوع الكناش . وأخبرني بنفسه ، لاحقا ، بأنه كانَ معتاداً على التنصّت لما يدور في حجرة أعمال سيّده . المهم ، أنّ الخسيسَ أبدى لي رغبته بالمساعدة وبمقابل صرّة من الغروش الذهبية . وأعترفُ لكَ ، أيها الصديق ، بأني ضعفتُ وقتذاكَ أمامَ إغراء تملك الكتاب . وربما ستعذرني ، لو أقسمتُ الآنَ أمامك، بأني ما شجعتُ ذلك المأفون على فعلته . بل أخذتُ الأمرَ على منقلبٍ آخر : إنّ خبرَ الكناش ، أضحى معروفا لذاك الشخص الخسيس ، ومن المحتمل جداً أن يَصلَ بشكل أو بآخر للوزير وتكون الطامة الكبرى . وإذاً ، فكرتُ على الصورة التالية : الأفضل أن أكون أنا ، صاحب الحق بالميراث ، من يشتري ذمّة هذا الوصيف من أن يَفعلَ ذلك شخصٌ آخر ، دخيل ". وحينما نطقَ القاروط جملته ، كما لو كانت مَحفوظة في صدره أصلاً ، فإنّ نبرَة صوته كانَ فيها ما يُشبه التوسّل والرجاء . عندئذٍ ، ما كانَ يجوز لي الصمتَ أكثر . فتوجّهتُ لمُحدّثي بالقول : " أيها البك المُبجّل ، لا حاجة بكَ قط للإعتذار " . لقد خاطبته بلهجة صادقة ، رأيتُ أنها أثرتْ فيه نوعاً . ثمّ استدركتُ قائلاً : " إني أفهمُ تماماً قناعتكَ ، بكونكَ أجدر الناس بتملك ذاك الكناش ، طالما أنّ الأمرَ يتعلق بثروة أبيك. ولكن ، أرجو منكَ إجابتي بصراحة ، ما دمتَ من الثقة فيّ أن أعلمتني بسرّكَ : أتنوي إعادة الكتاب لصاحبه أم ستحاول فكّ رموزه وصولاً إلى كنز الكنج ؟ "
" إنّ خبَرَ الكنز ، لعلمكَ يا عزيزي ، ليسَ له ذكر على الإطلاق في نسخة الكناش ، التي تسلمتها من وصيف الشاملي . وإني لفي ريبةٍ ، من أنّ المَقبورَ قد استلّ منه بعض الأوراق ، أو أنّ سيّده بذاته من سبقَ له أن فعل ذلك ؛ بغية إفقاد الكناش قيمته ، الحقة " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية : مَطهر 3
- الرواية : مَطهر 2
- الرواية : مَطهر
- الأولى والآخرة : صراط 7
- الأولى والآخرة : صراط 6
- الأولى والآخرة : صراط 5
- الأولى والآخرة : صراط 4
- الأولى والآخرة : صراط 3
- الأولى والآخرة : صراط 2
- الأولى والآخرة : صراط
- الفصل الثالث : مَنأى 9
- الفصل الثالث : مَنأى 8
- الفصل الثالث : مَنأى 7
- الفصل الثالث : مَنأى 6
- الفصل الثالث : مَنأى 5
- الفصل الثالث : مَنأى 4
- الفصل الثالث : مَنأى 3
- الفصل الثالث : مَنأى 2
- الفصل الثالث : مَنأى
- الرواية : مَهوى 11


المزيد.....




- وفاة الممثل الأمريكي فال كيلمر عن عمر يناهز 65 عاماً
- فيلم -نجوم الساحل-.. محاولة ضعيفة لاستنساخ -الحريفة-
- تصوير 4 أفلام عن أعضاء فرقة The Beatles البريطانية الشهيرة ...
- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَطهر 4