مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 923 - 2004 / 8 / 12 - 09:54
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
السياسة التي كما يقول عنها منظرين العلوم السياسية هي كل شيء في حياتنا .. وهذه الحقيقة التي ليست بحاجة لتنظير وتدريس فكل ما نقوله لا بد له هدف سياسي ليس بالضرورة بالفهم الحقيقي أو التقليدي للسياسة , فالأب بحاجة للسياسة في إرضاء أطفاله والإجابة عن أسئلتهم التي لا تنتهي والمحرجة , خاصة وان كان سؤال الطفل لماذا العرب مهزومون ؟؟
لماذا يهزم العرب في أي معركة يخوضونها ؟؟
لماذا الهزيمة صارت شيء يرتبط في كلمة عربي في التاريخ الحديث؟؟
لماذا العرب لا يملكون طائرات ودبابات ؟؟؟ لماذا إسرائيل لا تخاف من العرب ؟؟؟
سيكون الأب بحاجة لانتقاء كلمات يسيسها بطريقته الخاصة لاقناع طفله بمنتهى اللطافة في الخطاب كما يفعل قادتنا السياسيين في الأحزاب والحكومات, أن العرب هم تنين راكد سيصحو بعد فترة ... ليكتشف الطفل بعد أن يصحو ويعي سياسة العالم أن ما قاله أباه هو حقيقة, من ناحية واحدة , أن قوة العرب ليست سوى تنين , أي أسطورة ليس لها وجود, وقصة صحوتهم المتأخرة هذه هي جزء من الأسطورة كأسطورة قلب التنين , وتنين المدينة , وفتاة التنين ...
سيكتشف الطفل أن العرب غدو في هذا الزمان مجرد أساطير اخترعها السياسيون والأدباء القوميين للكلام عن قوة كامنة للعرب ...
السياسية أيضا يحتاجها رجل عاد متأخرا للمنزل ليبرر لزوجته سبب تأخره, فربما لا تكون السياسة مجرد كلمات بل فعل خاطف لقبلة يسايس بها زوجته, أو بالأصح يضحك بها عليها ... فنحن العرب أفضل من يتقن فن السياسة الاجتماعية بالمنطق الإغريقي للسياسة, فقد عرفها الإغريق بأنها فن الخداع ... بينما يعرفها الآخرون بأنها فن الممكن وهذا بالطبع ليس عندنا ... فالكذب ملح الرجال كما يقول المثل العربي ... وبلا كذب لا توجد حكومة كما عودتنا حكوماتنا ... والكذب هو البرنامج التاسيسي للأحزاب العربية , ليس تطاولا إنما من بعد خبرة طويلة معها ..
لكن كون السياسة فن الممكن هل هذا حقيقة في مجتمعاتنا العربية وفي طريقة تعاملنا مع ساستنا الكبار الذين يملأون أداننا منذ سنين الفتح أو سنين النكبة أو النكسة أو كذبة نصر تشرين ... أو خيام اللاجئين .... أو توطين النازحين .... بخطاباتهم الرنانة التي في كل لحظة نشعر أنها أرجعت فلسطين .. وان القدس غدت خلف الأبواب ,
فنفتح الأبواب فلا نجد سوى أمريكا وراء الباب ... وندخل المطبخ فنجد القهوة أمريكية والغاز أمريكي والبهارات أمريكية , والمنسف أمريكي , والطاهية أمريكية , وأمريكا في قدر الطعام , وأمريكا تهدينا القمح والقمع؟؟
لقد أتقن ساستنا السياسة الحقيقة التي تسمى فن الخداع على الشعوب المنتهكة بعرضها و أرضها وفكرها ومضمونها الثقافي والأخلاقي .
لكن لماذا لا يكون خطابنا مع حكوماتنا بنفس نوع الخطاب وبنفس حجمه ؟؟
ومن أين لنا بقوة مثل قوة أمريكا تدعمنا كي نتمكن من الجلوس على كرسي خلفه آلف دبابة و آلف مخبر يحمون هذا الكرسي ويمنعون أي منتج فرنسي من الدخول إلى مطابخنا وتحديدا أدوات المطبخ التي تمنع الالتصاق ؟؟
فالتيفال صار ممنوع لأنه يمنع الالتصاق , لان الشعب إذا اعتاد على هذا النوع من الأدوات ربما سيفكر مستقبلا باستيراد أدوات أخرى وربما أفكار تمنع التصاق الحكام بالوراثة على كرسي الحكم الجمهوري .
إن الخطاب الرنان السياسي (الكاذب) لم يعد مقتصرا على مجرد خطاب الحكومات بين الشعوب , ولا بين النظم الاجتماعية الأساسية .. الأب والابن ... الرجل وزوجته ... التلميذ والمعلم .... الدائن والمدين ... بل تعداه إلى اختراع نمط جديد في التغيير المسمى ثوريا في المنظمات المفترض أن تكون ثورية إيجابية مع شعوبها, التي أعطتها مطلق الثقة في ما يسمى الممثل الشرعي الوحيد.
هذا النمط رأيناه وعشناه في فترة ما قبل أوسلو وما بعد كامب ديفد الأول الذي وقعه الرئيس المؤمن كما أسموه (أنور السادات ) نيابة عن الشعب المصري والشعوب العربية بصفته رجلا سياسيا أتقن فن السياسة و أوقع أكثر من 70 مليون مصري في مأزق التمثيل السياسي أمام العالم باعترافه بإسرائيل , وتلته منظمة التحرير برئيسها المنتخب أيضا سياسيا وليس جماهيريا أو ديمقراطيا بتوقيعه أوسلو الأول وكامب ديفد الثاني .
فما الذي صنعه السياسيون الثوار في الثورة الفلسطينية بعد سنوات من الاتفاقيات السياسية ؟؟
ما الذي قدمه لنا جنود العاصفة الذين خرجوا من الأردن مقاتلين عام 1970 إلى لبنان ؟؟
وما الذي قدموه للقضية أثناء دخولهم الحرب الأهلية في لبنان عام 1978 حتى عام 1982 ... عام جلاء المنظمة عن بيروت التي بكت لوداع الثوار .. وبكت ناقمة على التآمر على رجال المقاومة الذي نفذته العاصفة بهروبها من خط المواجهة في الجنوب إلى داخل بيروت التي حملت 80 يوما من الحصار والقذائف الأمريكية الإسرائيلية عاشت بها الليالي الحمراء والسوداء والدخانية ...
ما الذي قدمه لنا رجال العاصفة في فندق الحمامات في تونس ؟؟؟
وماذا صنع بنا رجال العاصفة السياسيين حين أتوا حاملين مبادرة الحل السلمي تحت شعار (السلام خيارنا الاستراتيجي ) حاملين معهم باليد الأخرى لبنات بناء مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الكبير في فلسطين ...
فهل يمكن إيجاز منجزات العاصفة منذ العام 1965 إلى يومنا هذا بكلمات درويش في قصيدة وعود من العاصفة حين قال :
خلف أجفان العيون الخائفة ... منذ هبت في بلادي العاصفة
ولأن العاصفة وعدتني بنبيذ وبأنخاب جديدة واقواس قزح .... ولأن العاصفة كنست صوت العصافير البليدة والغصون المستعارة عن جذوع الشجرات الواقفة ....
لم تعطينا السياسة العربية سوى وعود كاذبة ...واتفاقات مشوهة ... وكان أخرها حرب العصابات التي أطلق عليها البعض الحرب على الفساد والتي هي في حقيقتها ليست سوى حرب مناصب ... حرب بين فاسدين وفاسدين يتهمون بعضهم بالفساد ويطالبون بالتغيير ....
فمتى سيصبح عندنا زعيم واحد سياسي يتعامل بمنطق السياسة الحقيقية ... سياسة الجماهير ومطالبها الحقيقية ؟؟
متى سيتولد لدينا زعيم ثوريا يكون في المقدمة مثل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الذي يضع العالم بكفة والشعب الكوبي بكفة أخرى على سلم أولوياته ويكون بمقدمة مطالبهم الحقيقية ضد الهيمنة الأمريكية وسطوتها على العالم ...
حين شرعت بقراءة إحدى خطابات الزعيم الكوبي فيدل كاسترو تعجبت فعلا رغم أني كثيرا ما قرأت عن هذا الرجل عبر مسيرته الثورية مع الثائر العالمي تشي جيفارا, إلا أن كاسترو بالرغم من التصاقه أيضا على كرسي الحكم في كوبا التصق إلى جانب ذلك بهموم الشعب ومعطياته الأساسية , بل ومعطيات العالم وهمومه ضد أمريكا وهيمنتها.
لقد أضاف كاسترو بخطابه نبرة التحدي رغم ضعف كوبا الصغيرة أمام الوحش الذي يحاصرها من جهاتها كلها, فقد أوصل كاسترو ما لم يوصله إثنان وعشرون حاكما عربيا , إنه صوت الشعب وصرخته الحرة ضد الإمبريالية العالمية.
حين يكون خطاب الرئيس ممزوجا بخطاب الشعب ويحمل نبرات حزنه وهمومه , يصبح بمقدورنا أن نقول أننا أمام حاكم أنتجه الشارع ولم تنتجه أمريكا , لم تنتجه الثورات المصطنعة , ولم يأتي على ظهر دبابة في انقلاب.
ولم يندم الشعب على الوقوف صفوفا في تحيته حين يقف في شوارع العاصمة الكوبية هافانا في مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني دون حراسة شخصية ودون رجال أمن ومخبرين ينتشرون كالجراثيم على كل أزرار القمصان وفي الجيوب الخلفية وعلب السجائر , ويختبئون خلف حروف الشعارات المرفوعة.
بالفعل كانت رسالة كاسترو من أجمل ما قرأت من صوت الشعب على لسان الحاكم الذي يقود الشعب نحو الحرية.
لست هنا بصدد ذكر مرحلة الثورة الكوبية التي حولت كوبا 360 درجة نحو التقدم والإنتاج والاكتفاء الداخلي عبر السياسة الحكيمة التي اتبعها رجال الثورة وفي مقدمتهم جيفارا و كاسترو وهزيمة أمريكا التاريخية في خليج الخنازير فهي من المفروض أن تكون ضمنيا معروفة لدى القارئ العربي الذي يحلم منذ سنوات بهزيمة للإمبرياليات العالمية بحجم هزيمة أمريكا في خليج الخنازير , لكن بصدد إطلاعكم على هذا الخطاب التاريخي الذي اقرب ما يكون صوت الشعب الكوبي على لسان كاسترو , فربما يكون صدى الخطاب نهجا وأسلوبا حديثا لدى قادتنا السياسيين , وتجربة غير مسبوقة تحاول الأحزاب أن تتبناها لكي تمتلك أدنى مصداقية أمام شعوبها وأعضائها الذين بدأو يفرون ضجرا من كذب الأحزاب.
سأكون في المقدمة لفيدل كاسترو يضيف هو نهج لم نعهده ولم نشهده عبر سنوات عشناها في ظل ما يسمى بالانقلاب العسكرية والتوجه الجديد نحو العولمة والخطاب الأمريكي العالمي .
فهناك أيضا خطاب أخر يمكن أن يكون معقولا أكثر من خطاب العولمة والشرق أوسطية وخطابات الإسلام السياسي الخداعة .
أدعكم مع الخطاب ففيه عبرة لمن يعتبر
ساكون في المقدمة
(فيدل كاسترو)
السيد جورج دبليو بوش
إنّ المليون كوبي الذين اجتمعوا اليوم للتظاهر أمام قسم المصالح التابع لكم ليس سوى جزءٍ بسيط من شعبٍ شجاعٍ وبطل، يتمنى أن يكون هنا اليوم معنا لو أنّ ذلك ممكن. نحن لا نقوم بذلك كرهاً للشعب في شمال أمريكا الذي نعرف جيداً جذوره الأخلاقية التي تعود للحقبة التي هاجر فيها أوائل الحجاج إلى هذه القارّة. كما إننا لا نتمنى إزعاج الموظّفين والعاملين والحرّاس في هذا المبنى الذي، في ممارسته لوظائفه، يتمتّع بكلّ الأمن وكلّ الضمانات التي يستطيع شعبٌ مثقّفٌ ومتحضّر مثل شعبنا تقديمها له. إنّنا نجتمع، مستنكرين، للاحتجاج على الإجراءات الفظّة التي لا رحمة فيها والقاسية التي تبنّتها حكومتكم مؤخراً ضدّ بلادنا، ولإدانة تلك الإجراءات. نحن نعلم تماماً رأيكم بأولئك الذين يأتون للتظاهر هنا أو ما الذي تدّعونه: إنّها جماهير مقموعة ومتعطّشة لتتحرر، تدفع بها الحكومة الكوبية إلى الشارع. إنّكم تجهلون تماماً أنّ هذا الشعب الأبيّ والفخور والذي قاوم لمدّة خمسة وأربعين عاماً الكراهية، والحصار والاعتداءات من طرف أكثر قوى الأرض هيبةً، هو شعبٌ لا يمكن لأيّة قوةٍ في العالم جرّه مثل قطيعٍ يسير وراء بعضه بعضاً، وكلّ حيوانٍ فيه مربوطٌ بمرس.
من المفترض أن يعلم رجل دولة – أو شخصٌ يدّعي أنّه كذلك – بأنّ الأفكار الصحيحة والإنسانية حقاً كانت على مدى التاريخ أقوى بكثيرٍ من القوّة: لم يبق من القوة سوى أطلالٍ مغبرّة وبائسة؛ ومن الأفكار، بقيت ملامح مضيئة ليس بوسع أحدٍ أن يطفئها. لقد كان لكلّ حقبةٍ أفكارها التي تتراكم، سواءً كانت جيدة أم سيئة. لكن ما نتج في المرحلة التي نعيشها، في عالمٍ بربريّ، غير متحضّرٍ ومعولم، هو الأسوأ والأفظع والأكثر ضبابيّةً. في هذا العالم الذي تريدون فرضه اليوم، لا توجد أيّة إشارةٍ للأخلاق والمصداقية والعدالة والمشاعر الإنسانية، لا يوجد أيّ مبدأ أوّلي للتضامن والسخاء.
إنّ كلّ ما يندرج تحت اسم حقوق الإنسان في عالمكم وعالم حلفائكم الذين يشاركونكم نهب الكوكب هو أكذوبةٌ كبرى. فمليارات البشر يعيشون جائعين، دون ما يكفيهم من الأغذية، دون أدوية، دون ملابس، دون أحذية، دون سقف، في شروطٍ تحت بشرية، دون الحدّ الأدنى من المعارف والمعلومات التي تسمح لهم بفهم مأساتهم ومأساة العالم الذي يعيشون فيه. ربما لم يقل لكم أحدٌ يوماً كم هو عدد عشرات الملايين من الأطفال واليافعين والشبان والأمهات والكهول أو الشيوخ الذين يمكن لهم أن يستمروا على قيد الحياة لكنّهم يموتون كل عام في "جنّة الأحلام المثاليّة" هذه التي يمثّلها كوكب الأرض، ولا الإيقاع الذي تدمّر وفقه شروط الحياة الطبيعية والتي تبدّد خلال قرن ونصف، مع تأثيراتٍ ضارّة بصورة مرعبة، والهيدروكاربورات التي استغرقت الأرض ثلاث مائة مليون عام كي تخلقها. يكفيكم أن تسألوا معاونيكم عن الأرقام الدقيقة المتعلّقة بعشرات آلاف الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية، والمدافع، والصواريخ ذات المدى البعيد والدقّة العالية، والمدرّعات، وحاملات الطائرات، والأسلحة التقليدية وغير التقليدية، الكافية لإنهاء الحياة بأجمعها على الكوكب، والموجودة تحت تصرّف ترساناتكم.
لو أنّ ذلك حدث، لما استطعتم، ولما استطاع أيٌّ كان أن ينام. ولا حلفاؤكم، الذين يحاولون منافستكم في مجال الترسانات. حين يدرك المرء ضعف حسّ المسؤولية، وقلّة الموهبة السياسية وضعف الرغبة في التفكير، وسط البروتوكولات والاجتماعات والمستشارين، أولئك الذين يمسكون في أيديهم اليوم مصير البشريّة، ناهيك عن الخلل في التوازن بين الدول المعنيّة، حين يدرك المرء في منتصف الطريق بين الحيرة واللامبالاة مستشفى المجانين الحقيقي الذي أصبحت عليه السياسة العالمية، أين المجال لأدنى أمل؟ أنا لا أحاول الإساءة إليكم ولا شتمكم، لكن بما أنّكم قد قرّرتم إخافة هذا البلد وإرهابه وتدمير نظامه الاقتصادي – الاجتماعي واستقلاله في نهاية الأمر، لا بل وجوده إذا سنحت الفرصة لذلك، فإنني أجد من واجبي الأساسي أن أذكّركم ببعض الحقائق. من الذي أعطاكم الحقّ المعنوي أو الحقّ بالحديث عن الحرّية والديموقراطية وحقوق الإنسان في حين تحوزون القدرة على تدمير البشرية وتحاولون من خلال ذلك أن تفرضوا عليها وحشيّتكم، في حين أنّكم تتجاهلون منظّمة الأمم المتحدة، وتنتهكون حقوق أيّ بلدٍ كان، وتشنّون حروباً كي تستولوا على الأسواق والموارد الطبيعية في العالم، وتفرضون أنظمةً سياسيةً واجتماعية منحطّة خارجة من الزمن تقود الجنس البشري إلى الهلاك؟
أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن الديموقراطية، وذلك لعدّة أسباب: من بينها أنّ العالم أجمع يعرف بأنّ صعودكم إلى رئاسة الولايات المتحدة حصل بفضل الغشّ.
أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن الحرّية لأنّكم لا تنظرون إلى العالم إلاّ تحت سلطة الإرهاب الذي تنشره الأسلحة القاتلة التي تستطيع أيديكم غير الخبيرة إطلاقها على البشريّة.
أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن البيئة لأنكم تجهلون تماماً أنّ الجنس البشري يعيش خطر الفناء. أنتم توصمون بالوحشيّة النظام الاقتصادي والسياسي الذي سمح للشعب الكوبي ببلوغ أعلى مستويات محو الأميّة والمعارف والثقافة بين أكثر الدول تقدّماً في العالم، وسمح بإنقاص معدّل الوفيّات عند الأطفال إلى مستوى أقلّ منه في بلادكم، وبتقديم خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات ذات الأهمية الكبرى اجتماعياً وإنسانياً مجاناً لجميع السكّان.
إنّه لأمرٌ مضحك أن يسمعكم المرء وأنتم تتحدّثون عن حقوق الإنسان. إنّه كلامٌ أجوف، يا سيد بوش! هذا البلد أحد البلدان النادرة في القارّة التي لم تعرف يوماً خلال خمسةٍ وأربعين عاماً حالة تعذيبٍ واحدة، كتيبة موتٍ واحدة، إعداماً واحداً خارج القضاء، ولم يصبح فيه مسؤولٌ واحدٌ مليونيراً أثناء ممارسته للسلطة. أنتم تفتقدون للسلطة الأخلاقية كي تتحدّثوا عن كوبا، البلد الأبيّ الذي يقاوم منذ خمسةٍ وأربعين عاماً حصاركم الوحشيّ، حربكم الاقتصادية وهجماتكم الإرهابية التي أودت بآلاف الضحايا وتسببت في خسائر اقتصادية بلغت مليارات الدولارات. أنتم تهاجمون كوبا لأسباب سياسية واهية، بحثاً عن الدعم الانتخابي لمجموعةٍ تزداد خسّةً من الخونة والمرتزقة الذين ليس لديهم أخلاقٌ ولا مبادئ. ليس لديكم أيّ حقٍ أخلاقي لتتحدثوا عن الإرهاب، لأنّكم محاطون بمجموعةٍ من القتلة الذين تسببوا من خلال أعمالٍ كهذه بوفاة آلاف الكوبيين. أنتم تبرهنون على ازدرائكم للحياة البشرية ولا تترددون في إصدار الأمر بالموت خارج القضاء على عددٍ غير معروف، لكونه سرّياً، من الأشخاص في العالم.
ليس لديكم أدنى حقٍ، سوى الحقّ الذي تعطيه لكم القوّة الغاشمة، في التدخّل في شؤون كوبا، وإعلان انتقال نظامٍ إلى آخر حين يطيب لكم، وتبنّي إجراءاتٍ في هذا الاتجاه. أنتم تستطيعون بالتأكيد اجتثاث هذا الشعب، ومحوه من خارطة العالم، لكن ينبغي أن تعلموا بأنّكم لن تستطيعوا أبداً استعباده أو إخضاعه من جديد إلى الشروط الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة! كوبا تقاتل لتزرع الحياة في العالم؛ أمّا أنتم، فتقاتلون كي تزرعوا فيه الموت. وفي حين إنّكم تقتلون عدداً يعلمه الله من الأشخاص في هجماتكم المفاجئة والوقائية في جميع الاتجاهات، فإنّ كوبا تنقذ حياة مئات الآلاف من الأطفال والأمهات والمرضى والمسنّين في العالم. إنّ كلّ ما تعرفونه عن كوبا أكاذيب تبصقه الأفواه الشرهة للمافيا الفاسدة التي لا ترتوي لأشخاصٍ من الباتستيين القدامى وذرّيتهم، وهم خبراء في التلاعب بالانتخابات وقادرون على إيصال شخصٍ لم يجمع الأصوات اللازمة للانتصار إلى منصب رئيس الولايات المتحدة.
إنّ البشر لا يعرفون الحرّية ولا يستطيعون معرفتها في النظام الذي تمثّلونه والذي يسود فيه كلّ هذا الكمّ من عدم المساواة. ما من شخصٍ يولد متساوياً في الولايات المتحدة. إنّ المساواة الوحيدة الجارية في الأماكن المعزولة التي يعيش فيها ذوو الأصول الأفريقية واللاتينية، في محميّات الهنود الحمر الذين عاشوا في بلدكم وجرى استئصالهم، هي حرّية الفقر والاستبعاد. إنّ شعبنا، الذي تربّى على التضامن والأممية، لا يكره الشعب في أمريكا الشماليّة، ولا يتمنى موت الجنود الشبّان في بلادكم، بيضاً وسوداً وهنوداً وخلاسيين وأمريكيين لاتينيين في كثيرٍ من الأحيان، ممن تدفعهم البطالة إلى التطوّع في الجيش حيث يرسلون بعد ذلك إلى أيّة "منطقةٍ نائية" في العالم في إطار هجماتٍ غادرة ووقائية أو حروب غزو.
لقد أثار التعذيب الذي لا يصدّق الذي يتعرّض له السجناء في العراق استنكار العالم. أنا لا أدّعي الإساءة إليكم كما قلت. لكنني أتمنى فقط أن يضع أحد مستشاريكم تلك الحقائق أمامكم في ساعة صفاء، حتى لو لم تكن ستكسب إعجابكم.
بما أنّكم قد قرّرتم بأنّ مصيرنا قد أبرم، يسرّني أن أنسحب على طريقة المحاربين الرومانيين بدخول الحلبة: تحيّةً يا قيصر، أولئك الذين يريدون الموت يحيّونك. لن أندم سوى على أمرٍ واحد: ألاّ أقابلك وجهاً لوجه، فأنت ستكون على بعد آلاف الكيلومترات، في حين سأكون، أنا، في الصفّ الأوّل، محارباً ومدافعاً عن وطني حتّى الموت.
باسم الشعب الكوبي
فيدل كاسترو
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟