عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 3027 - 2010 / 6 / 7 - 15:01
المحور:
كتابات ساخرة
جمهورية النفط في أرض الصومال
Somalia with Oil
عماد عبد اللطيف سالم
( العنوان مستل – بتصرف - من : The Economist . Iraq s tribes : As potent as ever. May 20th 2010 )
( 1 )
الصومال بلد جميل .
له سواحل تطل على خليج عدن .
وغابات تجاور افريقيا ( حيث كل شيء , ولاشيء ) .
ولديه جيران طيبون ومتحضرون ( كأرتيريا واثيوبيا ) .
الصومال بلد ديموقراطي - برلماني – اتحادي – متعدد الاعراق والمذاهب – فيه وزارات ورئاسات ومناصب
واقاليم وجمهوريات ( كجمهورية اوغادين , وجمهورية ارض الصومال , واقاليم الشباب المجاهدين , ودولة
محافظة مقاديشو الحرة .. بمناطقها الملونة بالوان الطيف كافة . ) .
( 2 )
كان الصومال ملكيا – اقطاعيا
بعدها اصبح جمهوريا – استبداديا
ثم حل اللاشيء .
وبعد عشرين عاما من اللاشيء ... دشن الصومال عصر القراصنة – الفقراء – الجدد .
وبدلا عن عولمة الغابات ....
عادت افريقيا الى عصر العبيد والقرصنة .
( 3 )
الصومال بلد المقهورين .
والمقهورون لايجيدون التسلط .
المقهورون لاسلطة لهم على أحد .
لاسلطة لهم .. حتى على قهرهم .
( 4 )
في الصومال .. انتخب الكثير من العميان ... عددا قليلا من النواب العوران .... فكان الوليد هو : جمهورية
الفوضى .. الغارقة في النفط والصخب .
( 5 )
الصومال واحد من ابتكارات القبائل .
والقبائل واحدة من افضل ابتكارات الصحراء .
والصحراء احتضنت النفط .
والنفط اكتشفه المستعمرون .
هكذا تشكلت الدولة والسلطة والثروة في الصومال القديم .
( 6 )
رجب طيب اردوغان يقول : " لسنا دولة قبيلة .. وعداوتنا لها ثمن ."
هل هذا يعني ان عداوة الدولة – القبيلة .. ليس لها ثمن .؟
( 7 )
القراصنة في القرن الواحد والعشرين .. حمّالوا أوجه .
والوجوه الوحيدة المكشوفة ... هي وجوه القراصنة الصوماليون .
( 8 )
لاتوجد في عاصمة" جمهورية نفط الصومال " قلاع أقطاعية متباعدة , بأسوار وحدود وضرائب , كما هو
الحال في الاقاليم الاقطاعية البعيدة عن المركز .
لاتوجد في مقاديشو ( كما في عصر الاقطاع الاوروبي ) قلعة لكل امير , مع ريف فقير تابع .. مكتظ بالعبيد .
في مركز " جمهورية نفط الصومال " توجد قلاع صغيرة متراصّة ( كقصور النبلاء ) , يرفع كل امير معاصر
عليها راية دالّة على القبيلة او الطائفة او العرق .
وجميع هذه القصور " الحاكمة" تتكالب على رقعة ارض ( شبيهة بالغيتو) .. لاعلاقة لها ابدا بالمحيط "
المحكوم " حولها .
ان " حكام الاقطاع السياسي " يوحدهم مصير واحد . ووحدة المصير هذه تدفعهم الى اختراع المزيد من
الملاذات الامنة من الغضب ... ( وبالذات غضب الاقنان المرتبطين بالارض ) .
في هذه الملاذات الخضراء , يتوحد مصير الحاكمين .. في مواجهة المجذومين الساخطين , في الصحراء
المحيطة بالغيتو . وفيها ايضا , ترفرف البيارق الأقطاعية فوق قصور " الغيتو الأخضر " لتفصح عن حقائق
مفزعة حول تباعد ساكنيها , وتنابذهم , وجشعهم , وأحقادهم الممتدة ... بعضهم على البعض الاخر .. رغم
وحدة مصيرهم المفترضة .
وحكام الغيتو الجديد , هم " الملاك الغائبون " الجدد , في حين تكون الارض التي يزرعها الاقنان المحكومون
بعيدة جدا عن الماسكين برقبتها ( سياسيا فقط ) في الغيتو الأخضر .
انها " ملكية سياسية " وليست " ملكية عقارية " . ملكية مدرّة لريع لاينتهي .. وفيها السمات ذاتها لتوزيع
الريع في الأقطاعيات القديمة .. والعلاقات الانتاجية ذاتها بين الاقنان والأرض .. والأقنان والملاّك .. والأقنان
والسراكيل .
الفرق الوحيد هو ان المدن الأقطاعية في الصومال القديم كانت عصيّة على الاستباحة . كانت الدولة الصومالية
القديمة هي الدولة – القبيلة ( كما يقول اردوغان ) . دولة لها كرامة القبيلة .. وبالتالي فأن عداوتها , لم تكن
دون ثمن ... وكانت الدول المجاورة هي الأكثر ادراكا لذلك .
( 9 )
في الصومال الجديد ريف وعشائر .. وريف وقبائل . ريف بلا هواء ولا ماء ولاعشب ولامواشي . ريف وعبيد
.... ريف في كل مكان , وعبيد في كل مكان .. وشيوخ , وامارات , وتجار حروب اهلية , وملوك طوائف .
ريف .. ريف .. و"سياسيوا ارياف معاصرون".. " وفلاحوا سياسة " .. وبيارق .. وعمائم .. ويشامغ ..
وغتر.. وعقال .. وخواتم .. ونقاب .. وانتقال من الاقتصاد المخطط مركزيا , الى أقتصاد السوق الحر .
ريف .. وريف .. وريف.. وانتخابات , وبرلمانات , وفيدراليات , وولائم , ومجالس بلدية , ومجالس محافظات
, وسراكيل , وملاك غائبون , وأقنان , وبروليتاريا هلامية , وكومبرادور محليّون , ورأسماليون أجانب ,
وشركات عابرة للقوميات , ومولات , وجامعات ,وحمامات شعبية , ومطاعم " للباجة " , وزواج عرفي ,
وزواج مسيار , ورضاعة للكبار ( بعد ان اصبح ارضاع الصغار مستحيلا ) .
ريف .. وريف .. وريف , وبرلمانيات , ونساء معيلات لأسرهّن , ووزيرات , وحريم , ونساء " معنفات " ,
وسياسيات منقّبات , ومحجبات , وسافرات .
ريف .. وريف.. وريف.. وحناطير , و "ستّوتات " , وعربات تجرّها الحمير , وعربات يجرّها البشر , ولالات,
وفوانيس , وطائرات , وأقمار صناعيّة , وحواسيب وهواتف محمولة , وجوازات سفر , وبطاقة تموينية ,
وماء معقّم بألاوزون , وماء معفر بصرف الفضلات الثقيلة , وبالدم والبكتيريا .. وديدان المجرّات .
صحراء .. صحراء .. صحراء .. وغبار مستدام , وبدو وخيام , وأبل ومضارب , وطرق سريعة , وأغنام ,
ومتنزهات , ومزابل كونية , ونواد للصيد , ونسور للقنص , وكلاب سائبة , وقطط جرباء , وشحّاذون ,
وأسمال , ودشاديش , وبدلات جورج أرماني , ومواكب أعراس وجنائز , وعطور , ونبيذ , وشاي
" الحصّة " , ومعجون التعاسة .
بدو .. وخيام .. وغبار .. وكافيار.. وزيوت الأسبان , وسيارات اليابان , والشهداء السعداء , والشهداء
التعساء , وأيتام , وارامل , وثكنات , وسجون , وعويل ممتّد من مهد ألاجداد .. الى لحود الأحفاد .
مشاحيف .. ونواعير .. ومختبرات .. ومفاعلات .. " وفتّاحوا فال " , وفاتحون معاصرون , ودجّالون ,
واباطرة ,وأساتذة جامعيون , ومحللون سياسيون , وخبراء أقتصاديون , ومفكّرون .... والمزابل أكثر من
الذباب .. والذباب أكثر من البعوض , والبعوض اكثر من القمل , والقمل أكثر من الجرذان , والأحياء
" الصفريّة " أكثر وأكبر من المدن الرئيسة .
الصومال بلد يختزل انماط الأنتاج كلها .. ويحتويها .. ويعيد صياغة البشر القاطنين فيه على شاكلتها .
.
الصومال بلد مأزوم بالأنتقال من سيء الى أسوأ .
الصومال بلد لاينتقل .. بلد يرفض ان يغادر جلده .. بلد يأبى قاطنوه مغادرة جلودهم .. حتى وهم بعيدون عنه .
( 10 )
مع تنامي عائدات النفط الصومالية , انتقل الأقتصاد الصومالي , من الأقطاع .. الى القرصنة .
وعندما ينفد النفط في ارض الصومال .. سينتقل الأقتصاد الصومالي , من القرصنة ... الى المشاعيّة البدائيّة ,
(11)
في أرض الصومال المباركة... لاتوجد عشوائيات .. من اللحم والتنك .
فالصومال – بحد ذاته – كيان عشوائي ...
والصوماليون –برمّتهم - كائنات عشوائية .
( 12 )
يقع تحت خط الفقر في أرض الصومال ... كل هيكل عظميّ , لايحصل على 2400 سعرة يوميا,
ويقلّ دخله الشهري عن 77000 دينار صومالي .
(13)
كانت الصومال - قبل عصر النفط – متخمة بالأصدقاء .
ومع النفط .. تناوشتها العداوات من كل جانب .
ومع ذلك ... فأن عداوتها ... ليس لها ثمن .
( 14 )
أمّي لم تكن صومالية ً أبداً ..
( لأن أبويها لم يكونا صوماليّان بالولادة !! )
اما أبي ( رحمه الله ) فقد كان صومالياً " رعوياً " قحاً .
فهو ينحدر من سلالة اول كائن أفريقي .. ترك الغابات سليما معافى .. ومات في كهف بعيد عن التجمعات
الحضريّة .. بعد معاناة قصيرة .. من مرض الايدز .
وجمجمة جدي الأكبر هذا ( والذي تنحدر منه أفخاذ وبطون عشيرتي الصومالية المتنفذة ) , هي الوحيدة
المتبقية من " أرث الصومال العظيم " في المتحف الوطني الصومالي .
هذا المتحف لازال قائما حتى الآن في قلب العاصمة الحبيبة مقاديشو .. بجمجمة وحيدة .. عصية على التفتت ..
منذ فجر السلالات .
وفي حين يقوم القراصنة الجدد ( بسحناتهم القديمة ذاتها ) , بأنتهاك حرمة أخلاف هذا الرجل العظيم ,
وكراماتهم , في البروالبحر , وعلى مدار الساعة .. فأن جمجمة جدي الأكبر .. لازالت شاخصة في المتحف
الوطني .. سليمة معافاة ... تبحلق ببلاهة في الجدران المتداعية ... بمحاجر خاوية... الا من الغبار .
هناك في المتحف الوطني الصومالي .. تستريح الجمجمة الوحيدة لأسلافي المحاربين العظام .. هناك .. حيث
تمتلك الجماجم وحدها .. حصانتها الذاتية .. ضد قذائف المورتر .
( 15 )
أيتها السماوات السبع الطباق
انني أستجدي منك ذرة رمل " من غبار القرون " لأموت عليها كريما .. كأسلافي .
فهل تجيرين عبدا هاربا من " سراكيل السياسة " و"مضايف العولمة " .............
أم تتركيني أحمل هموم المنافي .. وحدي .
( 16 )
يااّبار النفط المقدسة
متى نلوذ بك من القحط والفاقة .. وقهر الرجال ؟
متى نستبدل برميلا منك .. بقطرة ماء غير اّسن ؟
متى تحل عليك اللعنة .. وتحل علينا البركة .. ونغادر ارض السخام ... عائدين ثانية ً .. الى ارض السواد .
( 17 )
وداعا يا أرض الصومال المباركة.
وداعا يابلد الموز الفارع .. والنساء الفارعات .
وداعا لدرب ذي ممر واحد , ومنفى واحد , وبعد واحد ... وأقوام شتى .
وداعا للقراصنة الفقراء ..
والقراصنة الصعاليك .....
والقراصنة السادة ........
والقراصنة الاتباع .
وداعا لوطن لن أعود اليه ابداً
الا اذا اصبحت قرصاناً
او ابنا ً لقرصان
أو حفيدا ً لقرصان .
( خاتمة )
قبل النفط ...
كانت معارك ألقبائل الصومالية الطاحنة , تدور حول الماء والكلأ .
كانت معارك أسطورية , وكان أجدادي فرسانا بحق .
كان ذلك عصر الفرسان ...
وكان العشرات من ابناء قبيلتي يموتون في كل غزوة , وسيوفهم ثابتة على أكفهم ..
أما خسائرنا من الأبل ( في كل غزوة ) , فقد كانت بعيرا واحدا فقط .... يموت وهو ثابت على سنامه .
أما الماعز والخرفان ................ فلا يموت منها أحد .
وبعد النفط ...
أصبحت معارك قبيلتي ,مع القبائل الأخرى, تدور حول أحتكار الحق في حراسة ألانابيب .
كانت معارك ضارية ...... وكان أسلافي فرسانا بحق
كان ذلك عصر الفرسان
وكان المئات من أبناء عشيرتي يموتون في كل " صولة " ... بينما تبقى ألانابيب .... عامرة بأهلها .
وما بعد – بعد – النفط ...
عادت الصومال فقيرة
وأصبحت معارك اّبائي مع غيرهم أكثر ضراوة
وكانت هذه المعارك الضروس تدور حول الحق في احداث العدد الاكبر من الثقوب في خطوط ألانابيب.
كان اّبائي أفذاذا بحق ...
فمع كل ثقب اضافي ... يموت ألالاف من الصوماليين ألأبرياء
أما عشيرتي ...................... فلا يموت منها أحد .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟