يوسف ليمود
الحوار المتمدن-العدد: 3025 - 2010 / 6 / 5 - 18:32
المحور:
الادب والفن
في معرض يحوى ما يربو على أربعين لوحة أكثرها من الحجم الكبير والمتوسط، في قاعة نهضة مصر بمتحف محمود مختار، يستمر حتى 8 يونيه حزيران، نرى تجربة تصويرية ذات ملامح خاصة من حيث المنطلق والنتيجة الفنية. رانيا الحكيم، كمصورة، تعمل على تجربتها منذ اكثر من عشر سنوات في صمت وتفان نادرا ما نجدهما في المنظر الفني السائد اليوم، في أي مكان، حيث الهدف من ممارسة الفن في الغالب أشياء لا علاقة لها بالفن أو بالمطلب الروحي للفنان.
القاعة الواسعة المقام فيها العرض مفتوحة على ذاتها فراغاً واحداً تتكسر زواياه على حوائط وامتدادات تحتضن الداخل في المكان وتتيح لعينه رؤية المعروض كله تقريبا من زاوية واحدة، هذا يجعل الانطباع الأوّلي لحظة رؤية أعمال هذه الفنانة وكأننا ندخل مصنعاً من الآلات تدور تروسه الملونة في حركية يحكمها الصمت لا الصخب، إذ كما هناك ازدحام في العناصر المبعثرة على سطح لوحتها، ثمة الهدوء الذي يتنفس الفراغَ والصمتَ فيما يشبه جدلية بين الحركة والسكون، أو لو أحلناها إلى ما هو كوني وأشمل سنقول بين "اليِن واليَن"...
بدلا من استعمال الفراجين، تلجأ الحكيم إلى آلات أكثر حدة تجري بها على سطوح ألواحها الخشبية، الكبيرة الحجم غالبا، بعنف وانفعالية يستدعيان في الذهن ظلاً من أساليب مصوري لوحة الآكشن من أمثال سولاج وبولوك ودي كونينج وغيرهم، حتى لو لم يستعملوا السكاكين والمكاشط. غير أن انفعالية رانيا الحكيم ذهنية رياضية أكثر مما هي تعبيرية عاطفية. هذا التناول الخشن بهذه الأدوات الخشنة يقول الكثير عن المزاج النفسي الصادرة عنه أعمال الفنانة، حيث لا فرصة لتسلل رخاوة في التشكيل أو في التلوين لدواعي التطريب البصري المسطح، إنما ثمة رقة تتخلّق عبر هذا الأداء الغليظ، وهي رقة لأنها تنبع تحديدا من النقيض غير المفتعل الذي تثيره وتحركه الرغبة الأكيدة في التعرف على الذات والتواصل معها عبر تلك المواد والخامات التي ستبقى للأبد وكأنها مخلوقة لمن يظلون أطفالا مهما كبروا.
ملمح آخر للمزاج النفسي للفنانة يبِين من عنوان المعرض "فيه ما فيه" وهو عنوان الكتاب الذي يضم أحاديث وأقوال جلال الدين الرومي، نلمس منه انشغال الفنانة بالتراث الصوفي أدبياً، وانعكاساً من هذا الانشغال على أعمالها فنياً، وإن كنا نرى أن هذا العنوان الصوفي تماما لم يضف إلى المعرض شيئا، بل إنه ليبدو في غير حيزه، إذ يكفي المتفرج أن يلمس محاولات الفنانة تجسيد الطاقة السارية في المكان من خلال الناتج البصري نفسه وهو ناتج تحكمه حركية أدائية تمشط الحس العام لأشكال سابحة في فضاء ملون بغنائية غير مفتعلة، بل مشبع بها.
يوسف ليمود
النهار اللبنانية
#يوسف_ليمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟