|
ثقافة الشباب المهدور
رشيد أوبجا
الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 21:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الشباب المغربي المهدور يحز في نفسي عندما أرى الكثير من الشباب العاطل عن العمل يلجون ملاعب كرة القدم بانضباط . وعندما ترى البعض يقصدك سائلا" دبر على خوك بقات ليه 5 دراهم للورقة". وما يحز في نفسي أكثر عندما تجد البعض في المحطة يلجأ في بعض الأحيان لبيع ما في حوزته ، حتى ملابسه، ليضمن جمع ثمن تذكرة السفر. رغم ذلك تجد شبابنا المهدور* يواظب على الحضور لمباريات فريقه و التنقل إلى المدن التي يلعب فيها . لقد أثار انتباهي في برنامج " مستودع" للقناة الرياضية يوم الثلاثاء 18 ماي 2010 شاب من مشجعي الوداد البيضاوي ، يناقش بحرارة ، وبكل ثقة ويدافع عن فريقه و يحاسب ناديه في مجموعة من النقط منها التسويق و ما سماه نقص وأزمة التربية على قيم الوداد البيضاوي"! في الوقت الذي نتحدث فيه عن التربية النضالية أو التربية على حقوق الإنسان.... ما كل هذا الحماس ؟ هل المسألة طبيعية ، أم لا تعدوا أن تكون ثقافة الشباب العادي؟ ما علاقة الأمر بالسياسة؟ ليس هذا الحماس و النشاط بالغريب عن فئة الشباب ، فالشباب معروف بالحيوية و المرونة و الطموح ... ولكن هذا التوجه نحو الرياضة بهذا الشكل من التفرغ و التعصب في كثير من الأحيان ، و التفنن في الشعارات و اليافطات الخ ، و تحديد الانتماء ( رجاوي ، ودادي...) ليس من باب الصدفة ، فما هي الخلفيات ؟ إذا كانت الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة، فإن هذه الطبقة تحاول تسييد ثقافتها في العديد من المنابر ( الإعلام ، التعليم، الأسرة...) التي هي بمثابة آليات إعادة الإنتاج الإيديولوجي، و يسميها مصطفى حجازي " أدوات الهدر" . وما دام النظام الرأسمالي هو السائد ،فإن ثقافته هي السائدة ؛ من قيم استهلاكية و ثقافة الخنوع لتكريس الأمر الواقع. هذا الواقع المتسم بالأزمات و البطالة و تسريح العمال و قمع الحريات ... إن آليات إعادة الإنتاج الاديولوجي التي أشرنا إليها سلفا ، لم تعد تستطيع لوحدها تأطير أو بالأحرى ضبط الشباب( القوة الأكثر تعرضا للتهميش و البطالة و الإقصاء الاجتماعي ) ، لذلك وجب البحث عن أساليب أخرى وآليات أخرى أكثر فعالية. فكما قال علي حرب " الاستبداد الثقافي و الفكري هو الأساس الذي يتيح الاستبداد السياسي..." (كتاب : أين نحن من قضية الكواكبي). من ثم يأتي تفعيل ما يسمى " إدارة الإدراك" Perception management ( استفادت من المدرسة السلوكية في علم النفس (أي التحكم بأفكار و مواقف و ميولات الآخرين و التلاعب بالعقول و تشكيلها.لذلك ثم اللجوء إلى مجال اللعب و التسلية ، و برامج الغناء و صناعة النجومية المفبركة ( سنعود إلى هذا الموضوع في مقال لاحق) ، حيث أصبح الفن بدوره مجالا لإعادة إنتاج الثقافة السائدة، إنه أسير الرأسمال. و استفادت الطبقة السائدة من إمكانيات العولمة فأصبحت تبيع و تشتري في كل شيء : التعليم، الرياضة ، الخدمات...( أولم تضمن لها اتفاقية AGCS ذلك؟) فالرياضة تستقطب جمهورا واسعا خصوصا كرة القدم ، مما يسيل لعاب الرأسمال كما أنها فضاء لتفجير الطاقات و ممارسة سلوكات تعويضية تحول دون طرح الإشكالات الكبرى و المصيرية . فأصبحنا نسمع في الإعلام الرياضي المغربي عن الانتقال نحو الاحتراف ؛ الذي ليس سوى دمج قطاع الرياضة في قبضة الرأسمال و خوصصته، و إلا ماذا عن إصرار وزير الشباب و الرياضة الجديد عن بيع أملاك الوزارة . لقد صدق حين قال في أحد البرامج التلفزية أنه " شخصية مغربية بعقلية أمريكية " لا يمكن أن نتحدث عن التغيير وأغلب شبابنا في هذا الوضع ، بعدما كان يقود النضالات الانتفاضات ، أننا إزاء فئة جريئة ، طموحة لن تراكم هزائم الماضي فهي قوة ضرورية و أساسية في أي تغيير. إن حماس الشباب و النشاط و قوة الإبداع الذي أبانه في الملاعب لو ثم توجيهه و استثماره و صقله في اتجاه النضال ، سيعطي قيمة قوية و حقيقية للحركة النضالية المغربية. لكن ذلك لن يثم دون توفير بنيات استقبال للشباب في منظماتنا و جمعياتنا المناضلة ، ودون تقوية الإعلام المناضل ،و المرونة في التعامل مع تبسيط الخطاب بعيدا عن الخطابات الرنانة و اللغة الخشبية . كما بات من الضروري خلق النوادي السنمائية في جمعياتنا" كماهو الشأن بالنسبة للتجربة المتواضعةلأطاك المغرب" و في الجامعات و الثانويات ، ولما لا تنظيم مسابقات في الأدب ( شعر ، قصة قصيرة ...) ذات مضمون نضالي . الاهتمام بالجانب الوثائقي ( تجربة المناضلة سعاد كنون في اطاك المغرب غنية ينبغي الاستفادة منها " ، إنشاء فرق مسرحية و موسيقية في هذا الصدد ... لا بد من إعطاء الجانب الثقافي أهمية كبرى ، وهنا أقترح فكرة عل كل مناضلين و مناضلات اليسار و الشباب على الخصوص. ، إنها فكرة تأسيس أو خلق مهرجان "الثقافة البديلة" ،بهذا الاسم أو باسم آخر لا يهم، لا يمكن لأي جمعية مناضلة لوحدها أن تخلق هذا المشروع ، ومن الضروري تظافر جهود يسارنا ككل، فلا أعتقد أن تكون اختلافات في هذا المجال . فلنرفع شعار ، من أجل ثقافة شبابية بديلة، إن ثقافة بديلة أخرى ممكنة و ضرورية عل غرار إن مغربا آخر ممكن وضروري . و لنوحد الجهود .. فلنفتح الطريق
*"الهدر يستوعب القهر، بحيث إنه لا يصبح ممكنا ( أي القهر) إلا بعد هدر قيمة الإنسان و استباحة حرمته و كيانه في عملية الإخضاع و الإتباع ." عن كتاب : الإنسان المهدور:دراسة تحليلية نفسية اجتماعية " للدكتور مصطفى حجازي، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء، الطبعة الثانية،2006، ص 16.
رشيد أوبجا ، شفشاون 19ماي 2010
#رشيد_أوبجا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربة النوع الاجتماعي في الخطاب و الواقع التربويين بالمغرب.
...
المزيد.....
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
-
10 شهداء في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ببلدة طمون بال
...
-
إسرائيل تعترف باستهداف فلسطينيين في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق
...
-
تحول تاريخي في سوريا.. تشكيل إدارة جديدة وإنهاء ستة عقود من
...
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|