|
ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
أمير أمين
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 12:52
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في الأيام الأولى من نيسان عام 1985 , حيث كنت أدرس في معهد العلوم الإشتراكية في عدن , إشتد المرض على الفقيد عزيز مدلول ( أبو سعود ) كما كنا نسميه وإقترح الأطباء إرساله فوراً الى لندن لمحاولة إنقاذه من أزمة قلبية حادة ألمت به لا سيما وأنه قد أزمن مرض القلب , قمنا بتوديعه في النادي العراقي الكائن في خورمكسر في عدن , كان شاحباً مصفراً ونحيلاً بشكل ملفت وقد إحتار الرفاق في طريقة إرتداءه للحذاء بحيث كانوا يقومون بإستبداله بآخر لتعذر ذلك بسبب الورم الكبير في قدميه .. إبتسم قليلاً وهو يستمع الى أحد الرفاق الذي حاول أن يتلاطف معه قبل سفره بالقول ( هذي بنتك مطلعها كوبي عليك ) , تمنينا له السلامة وغادر لكنه عاد الينا بعد أسبوع محمولاً بنعش لندني من النوع الفاخر بلون سماقي .. كان يوم الرابع عشر من نيسان يوماً ساخناً في عدن حيث تجاوزت الحرارة كالعادة الأربعين درجة وكنا على موعد مع مراسيم دفن الفقيد عزيز حيث تجمع عشرات الرفاق والرفيقات في مقبرة أرضها سبخة وموحشة .. تجمعنا حول النعش وقرأ الرفيق أبو سامي كلمة الحزب التي لم يستطع من إتمامها فكانت العبرات تستوقفه لعدة مرات.. كان الألم يعصر قلبي ولم أستطع أن أذرف دمعة وكنت أشعر أن حزني قد تضاعف بحيث أنني خفت أن تكون فاجعة ما قد ألمت بيّ عدا هذه التي أنا الآن بصددها لسوء وضعي النفسي والآلام التي شعرت بها تنزّ في صدري ذلك اليوم وقبيل وبعد تلك السويعات القليلة التي كنا نواري بها جثمان الفقيد أبو سعود..لم أكن أعلم حينها أن حدسي أو ألمي كان في محله حيث أنه جرى في هذا اليوم بالذات تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بحق حبيبة قلبي الغالية في العائلة وأختي الصغرى والتي ساهمت بتربيتها وبشكل يومي الى أن ودعتها في يوم 21 من نيسان عام 1979 بسبب إشتداد الحملة على الحزب الشيوعي والقوى الوطنية من قبل زمر البعث المجرمة ولم أستطع من رؤيتها منذ ذلك اليوم ولحين إستشهادها..., الشهيدة سحر بنت الحزب والتي إعتلت أعواد المشنقة في الرابع عشر من نيسان قبل ربع قرن من الزمان بعد أن قام المجرم المقبور عواد البندر بتحويل الحكم الأولي الصادر بحقها من المؤبد الى الإعدام شنقاً حتى الموت ...صعدت الى المشنقة بخطا واثقة وهي تزغرد وتهتف لحزبها وشعبها وكانت أقدامها الجميلة الناصعة البياض فوق رؤوس الجلادين المارقين وقد رفضت أن تضع الكيس الأسود فوق رأسها لكي تقوم بتحية الرفاق والرفيقات المرشحين بعدها لنيل الشهادة ولكي ترى بأم عينيها الوجوه الصفر للجلادين الذين كانوا حتماً يرتجفون من قوة شكيمتها ومن هتافات الشيوعيين الوداعية لها .... ربع قرن من الزمان مر ولم نسمع نكتة أو ضحكة من أختنا الصغرى سحر التي كانت تملأ البيت غبطة وسرور وكانت لاتتوانى عن تنفيذ أي مطلب لنا بإبتسامة ورضى ودلال بالوقت الذي كان يجب علينا تدليلها لأنها كانت آخر العنقود..ذهبت سحرولم تكمل ربيعها الحادي والعشرين ومعها آلاف الرفاق والرفيقات شهداء في سبيل أن تشرق شمس الحرية فوق سماء مدن الوطن الجميل الذين ضحوا بأرواحهم في سبيله .. ذهبوا بكل قناعة وبشجاعة نادرة ولم يدركوا أو يتوقعوا يوماً ما سيزول النظام بقوة أجنبية غازية وسيحل محله أناس ما كان أغلبيتهم الساحقة في المعارضة يوماً ما !! بل كان عدد لا يستهان به منهم الى يوم سقوط النظام جزء حيوي من حزبه وماكنته السياسية والعسكرية المحركة وفي غفلة من الزمن لبسوا ثوب الدين المدجج بالدجل ودخلوا من منافذ عدة ليملؤا الفراغات الهائلة التي تركها نظامهم السابق ويصبحوا وزراء وأعضاء برلمان وفي مجالس المحافظات خصوصاً ما عدا القلّة والتي كانت معنا في سوح النضال والتي قارعت النظام بصدق وإخلاص وهم لا يشكلون إلاّ جزء يسير من القوى البديلة للنظام السابق في الوقت الحاضر !! في هذه المناسبة الحزينة مناسبة مرور ربع قرن على إستشهاد سحر وفقدان الرفيق أبو سعود لا يسعني إلاّ أن أتقدم بالشكر للأخ نوري المالكي هذا الإنسان الشجاع الذي لم يتردد لحظة في توقيع حكم الإعدام بحق صدام وعواد البندر والمجرمين الآخرين بالوقت الذي رفض فيه السيد الطالباني التوقيع بحجج غير منطقية كما تردد النائبان طارق وعادل عن التوقيع بالوقت الذي أعتقد فيه أن هذا التوقيع يشرّف أي مواطن عراقي قد تضررمن جرائم النظام المقبور...لم تستطع السلطة المقبورة من إخفاء جريمة إعدام سحر وقد إضطرت الى الإعلان عن ذلك في حزيران من نفس العام 1985 لكنها لم تسلم الجثة لأحد وجرى العثور على إسمها الثلاثي بعد سقوط النظام في مقبرة أحمد السكران في بغداد ..,وفي أواخر تشرين الأول عام 1986 وبعد عدة أيام من مراسيم دفن الفقيد ستار كناوي في صوفيا عاصمة بلغاريا .. وضع رفاقنا بين يدي عدة أوراق وصحف لكي أطلع من خلالها على إستشهاد أختي الكبرى الشهيدة أنسام ( موناليزا أمين ). والتي كانت قد إستشهدت في كردستان في 7 أيلول عام 1986..... كانت كارثة حقيقية بالنسبة لي علماً أن حزني على صديقي الفقيد ستار قد إمتص جزءً من الألم .. لكني في اليوم التالي كنت على موعد مع رفاقي لتنظيم إجتماع حزبي لهم وقبيل بدأ الإجتماع الذي كان بحضور مشرف تصفحت بعض الوثائق ومن خلالها قرأت خبر إستشهاد أختي الصغرى سحر ( والذي عرفت أن جميع الرفاق كانوا ملمين به لكنهم لم يستطيعوا من مفاتحتي بذلك ) وتركوا الوثائق عمداً لكي أقرأ الخبر بنفسي وهذا ما حصل .. وكنت في حيرة وإرتباك وخجل لأنني سوف أقوم بإدارة الإجتماع وأمام المشرف ! فكيف سأتصرف !.. إستطعت بصعوبة بالغة جداً أن أكبت حزني وأقود الإجتماع لكني إنتقدت الرفاق على عدم إشعاري بذلك قبل عدة أيام ليكون حزناً واحداً على الأختين .. إعتذروا مني ولا أدري كيف قدت ذلك الإجتماع حيث أن أفكاري كانت مشتتة الى حد كبير وكنت أشجع نفسي على الصبر وتحمل المصيبة بعد سماعي خبر إستشهاد أختي الكبرى الموناليزا ( أنسام ) وتأملت خيراً ببقاء سحر على قيد الحياة لا سيما وأنني كنت حينها أعلم أنها لا زالت في السجن في العراق .. وفي هذه اللحظة الحرجة خاب أملي بشكل مفاجيء وكلي ووقعت أسير الأحزان والتي خف جزء منها أيضاً من خلال قيام جمعية الطلبة العراقيين في بلغاريا بعمل حفل تأبيني للأختين ولشهداء آخرين من داخل الوطن ولهم أقرباء في بلغاريا ..المجد لشمعة العائلة الأخت الحبيبة سحر بنت الحزب الشيوعي العراقي وجميع رفاقها ورفيقاتها الذين نذروا أرواحهم الغالية في سبيل وطن حر وشعب سعيد والموت للجلادين المارقين من أي طائفة او دين أو قومية وعاش الحزب الشيوعي ,حزب المناضلين والمناضلات في وطننا الحبيب العراق .
#أمير_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و
...
-
في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !
-
عمي جوعان يحب الحرس القومي !!!
-
الداد ... المهمة الاولى لحكومتنا القادمة !
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|