أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - النظامُ البرلماني البريطاني المبكر














المزيد.....

النظامُ البرلماني البريطاني المبكر


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3008 - 2010 / 5 / 18 - 23:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعودُ الصراعاتُ الاجتماعيةُ والسياسيةُ البريطانية إلى اقتحامِ النورمانديين للجزرِ البريطانية، وتشكيلهم ارستقراطية مميزة عن أهل الجزر السكسون، الذين كانوا هم الفلاحين.
هذا التضادُ الأولي تراكمتْ فوقه طبقاتٌ سكانيةٌ واجتماعيةٌ متعددة، لكنهُ ظل ينخرُ الواقعَ على مدى قرون، وتشكلَ في بدءِ التجربة الفكرية انقسامُ الشعبِ لطائفتين كبريين، هما الكاثوليك والبروتستانت، ووقفتْ المَلكيةُ مع التحولِ الاجتماعي التحرري البروتستانتي بدوافعِ الابتعادِ عن هيمنةِ كنيسة روما، التي كانت تمثلُ العصر الإقطاعي المديد.
وهو موقفٌ ليبرالي اجتماعي يتطورُ في القارةِ الأوروبية مع نمو العلاقاتِ الرأسمالية. ولهذا وقعَ صراعٌ طائفي طويلٌ بين الجانبين، انتهى بانتصارِ البروتستانتية وببدءِ تشكيلِها لعالمٍ تحرري ديني، وإن لم يكن هذا ينطبقُ على مجملِ الطوائفِ التابعة لهذا المذهبِ فهناك متشددون حَرفيون فيه.
أخذ الصراعُ القديمُ بين الارستقراطية والفلاحين ينمو ويتشكل عبر نمو النظام الرأسمالي الجديد الذي وجد له في الجزر البريطانية أكبر احتضان.
وفي حين كان الفلاحون والحِرفيون يغدون عمالاً أكثر فأكثر فإن الارستقراطية راحتْ تتحولُ إلى صناعيين وتجار كبار، وهذا أوجد حزبين تصارعا لأمدٍ طويل هما حزب التوري: الم(Tory) المحافظ القريب من المَلكية، والهويغ: (Whig) الأحرار، وهو الحزبُ الأقربُ للعامةِ لكنه يمثلُ الطبقة المتوسطة التاريخية في لحظاتِ التداخل بين الأرستقراطية والبرجوازية.
إن عمليةَ التحولِ السياسيةِ والاجتماعية التي بدأتْ منذ القرن الخامس عشر الميلادي، اتخذتْ لها مساراً طويلاً مليئاً بالصراعات وبحربٍ أهليةٍ ضاريةٍ وبانقلاباتٍ عنيفةٍ وبتبدل من المَلكية الشمولية للمَلكية الديمقراطية، وكان هذا يعني تبديل نسيج بريطانيا القروسطية الإقطاعية إلى بلدٍ رأسمالي ديمقراطي خلال أربعة قرون.
ولاحظ المؤرخُ هيوم بأن:(البرلمانات نشأتْ من موافقةِ الملوك، غيرَ أن النظمَ المَلكيةَ تدينُ بوجودِها لخضوعِ الشعب الطوعي)، أما الحرب الأهلية فقد نشبتْ بسببِ قرارِ تشارلس الأول معاملة الأمة كما لو أنها مقاطعة احتـُلتْ عنوةً)، (الأمةُ والروايةُ، المركز القومي للترجمة، مصر).
لعبت السببياتُ الاقتصاديةُ دورَ التشكيلِ التحتي لهذا النسيجِ الاجتماعي، فتوجه الشعبُ للصناعاتِ النسيجية التي أغرقتْ الأسواقَ الخارجية، وكان تصديرُ بريطانيا أكبر من استيرداها، فتنامت فوائض اقتصاديةٌ وُجهتْ نحو الصناعات المتقدمة.
لكن المُلاكَ المتحولين لرأسماليين صناعيين وتجاريين احتاجوا إلى الأدواتِ السياسية من أجلِ حفاظِهم على مصالحِهم الاقتصادية وعملياتِ توظيفاتها، ولتحديدِ أجورٍ متدنية وانتزاع أراضي الأديرة ولمنعِ التشردِ الواسع النطاق في ذلك الحين، بسببِ انقلابِ العلاقات الاقتصادية، وانهيار مكانة الأرياف السيادية القديمة، ونمو المدن بشكلٍ هائل.
لعبَ حزبُ (الأحرار) دورَ المحولِ للعلاقاتِ الاجتماعية القديمة، يقول درزيلي الكاتب والسياسي البريطاني:(إن الوكَز في القرن الثامن عشر حولوا إنجلترا إلى جمهوريةٍ على غرار البندقية حيث لا يتمتع المَلكُ سوى كونه الرئيس الأسمى للدولة بينما تمسكُ الطبقةُ الارستقراطية بالسلطات كلها)، (السابق، ص 309).
إن ابتكار نظام المجلسين(العموم) و(اللوردات)، وتفصيلَ دستورٍ حسب سيطرة هذه الطبقة، هما من أهم عوامل تبدل نسيج بريطانيا، التي سُميت عُظمى لقيامِ اتحادٍ بين إنجلترا واسكتلندا فقط، حيث قام حزبُ الأحرار بإيجاد مناطق انتخابية تُعرف في التاريخ البريطاني بالمناطق الانتخابية المتعفنة(rotten boroughs) ويُطلق هذا الاصطلاحُ على مناطق انتخابيةٍ قليلةِ الأصواتِ يَحقُ لها انتخاب ممثلين يساوي عددهم ممثلي مناطق انتخابية كبيرة.
كذلك احتفظَ الأحرارُ بالأغلبيةِ بسبب العائلات المتنفذة: (pocket boroughs)، فقام حزبُ الأرستقراطية والطبقة المتوسطة المتنامية المتداخلة بإعطاءِ التصويت لكل من يدفع مبالغ ضرائبية زهيدة، وهو أمرٌ جعل العامة تكتسحُ البرلمان، وتحجم من ملاك الأرض الكبار، وتجعل انتصار البرجوازية ممكناً على مدى عقود في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
إن هذه المرونةَ السياسيةَ الكبيرة التحديثية الصناعية نتجتْ من خوفِ المُلاكِ من تصاعدِ النظام الجمهوري العسكري الفرنسي، ومن حروبهِ المخيفة، وكذلك من مجيء مَلكية أجنبية منزوعة الهيمنة الشمولية وهي ما تُسمى بحكمِ آل هانوفر، وهي كلها عواملٌ أسهمت في إطلاق الثورة الصناعية الأولى في التاريخ البشري وتشكيلِ ديمقراطية مُلاك كبارٍ وعامةٍ مساندةٍ لها ومصارعة إياها كذلك.
وهذه التطوراتُ التي تنامتْ عبر العقود أرستْ تطوراً اقتصادياً عميقاً، قدرتْ على تحويلِ النسيج الاجتماعي الطائفي التقليدي إلى نسيجٍ حديثٍ مُنصهرٍ في طبقتين كبريين هما المالكة والعاملة، وبالتالي فقد تنامى مجلسُ العموم وتضاءلَ مجلسُ اللوردات، وارتفعتْ مكانةُ الطبقة العاملة وأُسسَ حزبُ العمال البريطاني، الذي حكمَ في بدايات القرن العشرين، وتوحد الارستقراطيون والبرجوازيون في حزبِ المحافظين، الذي حكم في أغلب الفترات، في حين تحجم حزبُ الأحرار.
وبتجنبِ الحروبِ الداخلية والصراعاتِ الاجتماعية الضارية، وبتوجيهِ الفوائضِ الاقتصادية لثورة قوى الإنتاج، وباعتمادِ الثقافةِ السياسية العَلمانية، استطاعتْ بريطانيا أن تكونَ لقرونٍ القوة السياسية الأولى في العالم.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجار والسياسة
- التعددية الدينية الغيبية والعقلانية
- مصر تتحرك!
- البرجوازية الصغيرة الشرقية العالمية
- جدلية التراكم الديمقراطي
- الأفكار والتحولات في العالم الثالث
- سيناريو العودة للوراء
- سيد قطب (1-3)
- خيار الزوال
- محاصصات طائفية وليست ديمقراطية
- هزيمة اليسار في الانتخابات العراقية
- الحداثة مشروعان فقط
- بُنى اقتصاديةٌ جديدةٌ
- انتخابات العراق والاستقطاب
- توريط مجتمعنا في انهيارات كلية
- في الوعي النهضوي الأولي (3 - 3)
- في الوعي النهضوي الأولي (2)
- في الوعي النهضوي الأولي (1 - 2)
- هل تظهر طبقةٌ وسطى حرةٌ في العراق؟ (2 - 2)
- هل تظهر طبقةٌ وسطى حرةٌ في العراق؟ (1 - 2)


المزيد.....




- -فريق تقييم الحوادث- يفنّد 3 تقارير تتهم -التحالف- بقيادة ال ...
- ترامب: إيران تقف وراء اختراق حملتي الانتخابية لأنها -لم تكن ...
- في ليلة مبابي.. الريال ينتزع كأس السوبر على حساب أتلانتا
- وسائل إعلام: الهجوم الأوكراني على كورسك أحرج إدارة بايدن
- طالبان تنظم عرضا عسكريا ضخما للغنائم الأمريكية في قاعدة باغر ...
- عبد الفتاح السيسي يستقبل رئيس جمهورية الصومال
- إعلام: قد تهاجم القوات الموالية لإيران البنية التحتية الإسرا ...
- السجن لمغني راب تونسي سعى للترشح لانتخابات الرئاسة
- الأخبار الزائفة تهدد الجميع.. كيف ننتصر عليها؟
- هل تنجح الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل؟


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - النظامُ البرلماني البريطاني المبكر