مصباح وريدات
الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 21:54
المحور:
الطب , والعلوم
ان من أكبر المنغصات على حواس الانسان العادي هو ما تنفثه الحضارة الحديثه من مواد نتنه ذات روائح غير مقبولة , من ملوثات الهواء والماء تصل لحاسة الشم عندنا وكلها مواد كيميائيه ذات طبيعة مميزة ولكل منها رائحته الخاصة به وأهمها :
المواد الكبريتيه Mercaptans: ذات الصيغه الكيميائيه العامه R-S-H والتي ترجع رائحة الأشياء المتعفنة فيما يعرف بالرائحه العفنة.
الأمينات Amines : ذات الصيغ العامة RNH2 , R2NH , R3N : والتي تميز رائحة السمك أو الرائحة المنبعثة من حظائر الحيوانات .
الألدهيدات الخفيفة ( ذات الكتل الجزيئية القليلة ) مثل ميثانال HCHO وايثانال CH3CHO .
الكبريتيدات Sulfides : التي تشتم منها رائحة مميزة فيما يعرف برائحة الثوم Garlic Odor حيث ترجع هذه الرائحه في الاساس للمركب الكبريتي CH2=CH-S-S-CH=CH2
كيف تتم عملية الشم :Olfactation Mechanism
بقيت ميكانيكية الشم وتمييز الروائح واختلافها من مادة لأخرى غامضة لفتره طويلة, الى أن لاحت بالأفق بعض البوادر العلمية التي أعطت تفسيرات معقولة لهذه العملية المعقدة . والتي يقوم بها جهاز بالغ الدقة والحساسية عند الانسان السليم تدعى جيوب الشم Olfactory Clefts والتي تقع بالجزء الخلفي العلوي للأنف والمكونة من خلايا ذات حساسية وتخصص عالي Highly Specialized في استقبال وتمييز أصناف الروائح لونها مائل للصفرة ولا تتعدى مساحتها 5- 6 سم2 عند الانسان ويميل لونها للبني وهذه الخلايا أوسع مساحة عند الحيوانات ذات حاسة الشم القوية Keen Scented animals كالكلاب البوليسيه مثلاً.ويغطي هذه الجيوب شعيرات تخرج من نهايات خلايا الشم وتنغرز في خلايا دعامية أقوى ضمن طبقة مخاطية تساعد على اذابة بعض المواد المسببة للروائح ان لم تكن متطايرة مما يسهل على اعصاب الشم تمييزها وادخالها عبر القنوات الانفية الداخلية.
وأثبت التحليل الكيميائي لهذه الشعيرات أنه يدخل في تركيبها احماض دهنية غير مشبعة حيث تفاعلت بالاضافه مع محلول من رباعي اكسيد الاوزميوم OsO4 وعند حرقها انبعثت منها روائح تشبه رائحة الزيت اثناء القلي.
أنواع الروائح
لقد كان من الصعب ولفترة طويلة وضع جدول محدد لأصناف الروائح إلى أن تمكن العالم Henning من تقسيمها لست فئات هي :
رائحة الفواكه Fruity , الرائحة الوردية Flowery , الراتنجية Resinous , الحريفة Spicy ,الحارقة Burnt , و الكريهة Foul .
وقد وضع المواد المكونة للرائحة الواحدة كنبات الخبيزة الذي لأزهاره الرائحة الورديه (مكون واحد 1- Component ( على الزوايا والمواد ثنائية التكوين Components 2- كالفانيلا ذات الرائحة الحريفة والوردية على الحواف ووضع المواد ثلاثية التكوين 3-Components ورباعية التكوين 4-Components على الاوجه كالورد الاحمر الذي تنبعث من ازهاره الحمراء الروائح الوردية والحريفة والحارقة والكريهه , ولم توجد مواد خماسية التكوين
5-Components
العلاقه بين تركيب المادة ورائحتها
تختلف المواد في روائحها كاختلافها في التركيب فالمجموعات الوظيفية (الفعالة ) يرجع اليها الاختلاف في التفاعلات الكيميائية والرائحة المميزة لها : فأرجع Henning الرائحة الحريفه للأنيسالدهيد (كما في الفلفل Pepper ( لوجود مجموعة الدهيد CHO ومجموعة ميثوكسي OCH3 في وضع مقابل (بارا) في حلقة البنزين ,في حين وجودهما في وضع مجاور (اورثو )يسبب الرائحه الورديه.وترجع رائحة الفاكهة المنبعثة من المادة المتطايرة Citral التي نشتمها عند فلق برتقاله او ليمونة لوجود مجموعات مثيل(CH3) متفرعة وترجع الرائحه المرة للأكرالدهيد (Acradehyde والتي نشتمها عندما ننفخ على شمعه مشتعلة لاطفائها لوجود الروابط الثانئيه (عدم التشبع ) فيه وترجع الرائحة الراتنجيه في زيت الصنوبر Pine Oil لوجود المجموعة الجسريةBridged Group داخل الحلقة السداسية في تركيبته بينما الرائحة الحارقة بالأنف للمركبات بسيطه التركيب كما في البيريدين لوجود النيتروجين وأما الرائحة الكريهة للمركبات الكبريتيه كما في غاز H2S والمطاط المشتعل فترجع لوجود الكبريت. أما الروائح الوسيطة(غير المنتمية لأي رائحة من الفئات الست السابقة) فترجع لوجود أكثر من مجموعة فعالة وفي أوضاع مختلفه للصيغة الكيميائية للمركب كما في الفانيلا حيث ترجع الرائحة الحريفه لوجود مجموعتي OH ,CHO على حلقة البنزين فيه في وضع بارا بينما وجود مجموعتي OCH3 ,OH بوضع اورثو سبب الرائحة الوردية له في نفس الوقت..
ونود التأكيد هنا بان العلاقة بين تركيب المادة ورائحتها غير واضحة في بعض الأحيان فقد تتشابه رائحة مواد رغم الاختلاف في التركيب الكيميائي لها فكل من حمض الهيدروسيانيك HCN والنيتروبنزين C6H5NO2 والبنزالدهيد C6H5CHO كلها لها رائحة اللوز المر Bitter Almond .وهناك مركبات حلقية واخرى خطية لها نفس الرائحة تقريبا الا انه يبقى التأكيد القوي بتشابه رائحة مركبات نفس العائلة كما في الكحولات المتطايرة كالميثانول والايثانول والبروبانول لها الرائحة الحلوة المقبولة تقريبا والتي تقل بزيادة كتلها الجزيئية لتناقص تطايرها.
وتجدر الاشارة هنا الى ان هنالك عامل مهم غير التركيب الكيميائي للمركبات وتمييز روائحها هو حد العتبه ( Threshold Limit ) :الحد الادنى من كمية المادة (تركيزها ) اللازم وصوله لعضو الشم ( أنف الانسان العادي ) لتمييز رائحتها . فقد وجد أنه لغاز الامونيا NH3 ذو الرائحة الخارقة Pungent Odor يجب ان لا يقل عن 0.037 مليغرام / لتر ولغاز ثاني اكسيد الكبريت SO2 الخانق فيصل الى 0.009 مغ / لتر ولحمض الهيدروسيانيك HCN السام جدا فلعلها حكمة الهية أن يكون قليل جدا وهو 0.001 مغ / لتر ولكبريتيد الهيدروجين ذو الرائحة الكريهة يصل الى 0.018 مغ / لتر .
نظريات تفسير الشم
هنالك عدة نظريات صيغت لمحاولة اعطاء تفسيرتقريبي لما يحدث بين جزيئات المادة المسببة للرائحة ومستقبلات الروائح Odor Acceptors في جهاز الشم وهي :
1- نظرية التفاعل الجزيئي بين جزيئات المادة ومستقبلات الشم
2- نظرية الاهتزاز : والتي تقول ان تمييز الرائحه يعتمد على ذبذبات الروابط في الجزيئات حيث تسبب هذه الذبذبات اثارة لمستقبلات الشم.
3- نظرية اشعاع الطاقه : حيث تقول بأن هنالك فوتونات من الطاقة واقعة في منطقة الاشعة تحت الحمراء i.r. تنبعث من المواد ذات الرائحة مسببة اثارة للمستقبلات فتميزها كما تميز العين البشرية ألوان الضوء المرئي.
الا ان هذه النظريات الثلاث لم تستطع اعطاء التفسير الشافي لتمييز الروائح في خلايا الشم
4- وأخيرا ظهرت نظرية رابعة للعالم جون أمورJohn Amoor وهي الاكثر قبولا More Coneivable لادراكنا ككيميائيين والتي تعتمد على علاقة الشكل الفراغي للجزيئات الكيميائية فسميت بالنظرية الفراغية للروائحStereochemical theory of Odors :حيث أن هنالك أشكالا هندسيه في نهايات أعصاب الشم تستقبل الجزيئات الشمية كل حسب شكله الفراغي وهذه النظرية تشبه لحد بعيد نظرية القفل والمفتاح Key and lock المعروفة في عمل الانزيمات الحيوية.
فمثلا الجزيئات الكروية كالكافور Camphor تستقبلها اشكالا نصف كرة Hemi Sphere مما ينتج عنه تداخلا تاما بين الجزئ ومستقبله وبعدها يتم ارسال اشارة عصبية لمنطقة الدماغ المسؤولة عن الشم لادراك رائحتها المميزه وتذهب هذه النظرية لابعد من ذلك في كيفية تفسيرها لشم بعض المواد حيث ان هنالك مستقبلات تحمل شحنات سالبه قادرة على استقبال الجزيئات التي تحمل ذرة من مجموعتها الفعالة شحنة جزئية موجبه(محبة للالكترونات) Electrophile كما في الاحماض الكربوكسيلية (الكربون) كحمض الفورميك HCOOH وأما المستقبلات الي تحمل شحنات موجبه فانها تستطيع استقبال وتمييز روائح المواد النيوكلوفيلية Nucleophiles ا لتي تحمل احدى ذراتها (الكبريت) شحنات جزئية سالبة كما في H2S (رائحة البيض الفاسد) C2H5SH ذو الرائحة النتنة Putrid Odor التي يشتم من الفواكه المتعفنة ويرجع اليها اكتساب هذه الفاكهة اللون الاسود بعد التعفن .وهذه النظريه اكثر قبولا كما أسلفنا وهي المعتمدة حاليا في تفسير الروائح المختلفة والمميزة للنعناع والايثر والمسك .
وأخيرا نود التأكيد على نقطتين هامتين وهما :
1- الشخص العادي قادر على الشم الا اذا وجد أحد الموانع التالية :
أ- افة في منطقة الدماغ المسؤولة عن الشم Brain Lesion
ب- التهاب في أعصاب الشم Olfactory Nerve Lesion
ت- انسداد في الجيوب الأنفية مما يسبب حالة النقصان في تمييز الروائح Anosmia
2- هنالك مواد يسهل شمها واخرى يصعب شمها وذلك راجع لتطايرها وكميتها الي تصل لنهايات الاعصاب وقرب وبعد المسافة التي نقربها لانوفنا وتبقى المواد ذات الكتل الجزيئية الكبيرة صعبة الشم أو قد تكون عديمة الرائحة Odorless بالمقارنة مع المواد المتطايرة سهلة الشم والتمييز Odorous. وأحيانا قد تتعب حاسة الشم لرائحة ولكنها تبقى قادرة على شم وتمييز رائحة أخرى .
على أي حال تبقى حاسة الشم نعمة من الله تعالى الخالق جل وعلى لنميز بها المواد بجهاز لا تتعدى مساحته 6 سم2 في هذا الجسم البشري به ملايين الخلايا الحسية وتختلف في حساسيتها لتمييز المواد من شخص لاخر.
#مصباح_وريدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟