|
القرآن وبنو إسرائيل 4-4
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 19:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد أن قتل محمد يهود بني قريظة وهجّر الباقين إلى خيبر والشام، واستقر له الأمر بيثرب التي خلت من اليهود، بدأ محمد بوضع التشريعات اللازمة لمملكته، خاصة تشريعات النساء التي كانت تمثل له الهاجس الأكبر بعد اليهودية. ولكن في دخيلة نفسه كان لا يزال يخطط للإستيلاء على أموال اليهود في خيبر، خاصةً وأن بني النضير قد حملوا معهم كميات كبيرة من الذهب لأنهم كانوا صاغة المدينة. ومحمد كان في حاجة لذلك الذهب لأن قوافل مكة قد نضبت وغزواته على القبائل المجاورة لم تدر عليه غير الإبل والأغنام والنساء، وهو يريد المال لتوسعة جيشه. فجاء محمد بسورة النساء، رقم 92 حسب "نزول" السور، وكان أغلبها عن الزواج والطلاق وعدة المرأة المطلقة، ولكنه في وسط هذه التشريعات لم ينس أن يذكر أتباعه باليهود ويألبهم عليهم، فقال: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وأتينا موسى سلطاناً مبيناً) (النساء 153). فهل يستطيع أحد أن يلوم بني إسرائيل على طلبهم أن ينزل لهم كتاباً من السماء إذا كان رب السماء قد أرسل لهم ألواحاً كتبها هو بنفسه قبل ظهور محمد بأكثر من ألف وخمسمائة سنة، ثم جاء محمد بآيات شفهية- آيتين أو ثلاثة كل عدة أسابيع- وقال إن الله قد أرسلها مع جبريل الذي لم يره أحد؟ من حق اليهود أن يتوقعوا من أي نبي جديد أن يحضر معه ألواحه التي كتبها الله بخطه، كما فعل مع موسى. والقرآن نفسه يقول لنا: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظةً وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين) (الأعراف 145). فإذا كان قرآن محمد نفسه يعترف بأن الله كتب الألواح لموسى، فمن حق اليهود أن يتوقعوا أن يكتب الله ألواحاً لمحمد، خاصةً وأن محمداً أمي لا يعرف كيف يكتب القرآن. والغريب في هذه الآية أن الله يقول لموسى أن يأمر قومه أن يأخذوا بأحسنها. فهل ما أنزله الله لموسى فيه الحسن وغير الحسن، أم هي هفوة من محمد؟ والآية القرآنية بها خطأ إملائي واضح، فهي تقول (سأوريكم دار الفاسقين) ولا شك أنّ الأصل كان (سأورثكم دار الفاسقين) بعد أن يهلك الفاسقين، وهم اليهود. ولكن لأن الحروف لم تكن منقطة في الأصل، كتبها شخص فيما بعد (سأوريكم). ثم إذا كان قد كتب في ألواح موسى (من كل شيء موعظةً وتفصيلا) لماذا طلب محمد من اليهود أن يسلموا وكتابهم به كل شيء، ولماذا أصلاً أرسل الله محمد وكتاب موسى موجود في المدينة وبه كل شيء مفصل تفصيلا؟ ثم أن محمد قد اختلط عليه الأمر هنا فهو يقول إن أهل الكتاب، أي اليهود، قد سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، ولكن القرآن نفسه يناقض تلك الرواية ويقول لنا إنّ موسى هو الذي طلب أن يرى الله جهرة: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربِ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) (الأعراف 143). والغريب أن الله في هذه الآية لم يغضب من موسى بل جعل له سلطانا. ولكن في الآية السابقة عندما قال إن أهل الكتاب سألوا موسى أن يريهم الله جهرةً، أخذتهم الصاعقة لأنهم طلبوا أن يروا الله. هل هذا إله عادل يعامل الناس بالتساوي؟ ومسألة الشك في وجود إله السماء مسألة طبيعية، وقد سبقهم إبراهيم في ذلك فقال لربه: (ربِ أرني كيف تُحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (البقرة 260). فاليهود، إن كانوا قد طلبوا أن يروا الله جهرة، فإنهم أرادوا أن تطمئن قلوبهم. ولا غبار على ذلك، ولا نعلم لماذا أبادهم الله بالصاعقة ثم أحياهم مرة أخرى، ليستمروا في معاندتهم له، كما سوف نرى. إنه مجهود ضائع لا عائد منه. واستمر محمد في سورة النساء في إشانة سمعة بني إسرائيل فقال: (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) (النساء 156-157). أولاً مريم كانت فتاة يهودية ولم تكن نبية أو رسولاً، وعندما حملت وهي لم تكن قد تزوجت، تكلم جميع أهل قريتها بذلك، فهل هذا سبب كافي لرب السماء أن يسخط على اليهود؟ ألا يتحدث المسلمون في قراهم عن الفتاة التي تحمل دون زواج، بل يذبحونها، وألم يتحدث أصحاب محمد عن عائشة عندما اختلت بصفوان بن المعطل؟ فهل غضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير؟ ثم أن اليهود وقت ظهور عيسى لم يعترفوا به رسولاً، فكيف يقولون (قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله)؟ هذا، بلا أدنى شك، قرآن من تأليف محمد. وعندما لم يجد شيئاً آخراً يلومهم به، لجأ إلى الخداع، وهو القائل: الحرب خدعة، فقال في نفس السورة: (فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيباتٍ أُحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا. وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليما) (النساء 161). ولكنه قال لنا في سورة سابقة: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة). وهذا يعني أن التوراة لم تُحرّم عليهم إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه. فإذاً رب السماء لم يحرم عليهم طيباتٍ أُحلت لهم لأنهم تحدثوا عن مريم بالبهتان أو لأنهم كفروا. أما بخصوص الربا فإن التوراة تُحرّم أخذ الربا من اليهودي ولكنها تبيحه من غير اليهودي، فكونهم أخذوا الربا من غير اليهود لا يضيرهم بشيء. والربا كان تعاملاً معترفاً به في جزيرة العرب (استقر التعامل بالربا في مجتمع الجزيرة بأعتباره من الدخول الريعية التي تضخ لهم مالاً دون بذل اي مجهود مثله مثل عرق العبيد وافخاذ الاماء اللائي دأبوا على تشغيلهن في الدعارة. ومن بين اكبر المرابين: العباس بن عبد المطلب الجد الاعلى للعباسيين ، وخالد بن الوليد بن المغيرة. قال السدي: نزلت آية الربا في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية. فقال النبي: ألا ان كل ربا من ربا الجاهلية موضوع واول ربا اضعه ربا العباس بن عبد المطلب) (النص المؤسس ومجتمعه، خليل عبد الكريم). ففي الوقت الذي نزلت فيه الآية عن اليهود وأخذ الربا كان العباس عم محمد يتعامل بالربا، ولم يسلم ويضع محمد رباه إلا بعد فتح مكة عام ثمانية من الهجرة، ووقتها قال محمد "أول ربا أضعه ربا العباس". فالذي بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بالحجارة. أما قوله في نفس الآية (وأكلهم أموال الناس بالباطل) قول يناقضه القرآن بنفسه حين يقول (ومن أهل الكتاب من إنْ تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إنْ تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً) (آل عمران 75). فالذي تأمنه من اليهود بقنطار من الذهب يرده إليك، وحتى الذي تأمنه على دينار يرده إليك إذا كنت عليه قائماً، فأين أكلهم أموال الناس بالباطل؟ ثم أليست هذه طبيعة البشر في كل مجتمع إنساني؟ أم أن رب السماء لا يعرف أن هذه طبيعة البشر، فيلوم كل أهل الكتاب؟ ألم يقل القرآن للمؤمنين (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) (البقرة 188). فلماذا حرّم بعض الطيبات التي كانت أُحلت لبني إسرائيل لأنهم أكلوا أموال الناس بالباطل، ولم يحرّمها على المؤمنين الذين يعطوا أموالهم للحاكم ليأكلوا أموال الناس بالباطل؟ ثم صمت القرآن فترة طويلة عن ذكر اليهود، ولم يتطرق لهم إلا في السورة 109، وهي سورة "الصف" التي يقول فيها: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين) (الصف 6). وطبعاً هذه كانت خدعة ومحاولة يائسة من محمد لإثبات نبوته. فعيسى لم يقل لبني إسرائيل إن نبياً سوف يأتي بعده، ناهيك أن يسميه لهم، وعيسى كان يتحدث الآرامية، فلو قال لهم إنّ نبياً سوف يأتي من بعدي، فهو حتماً لم يقل اسمه أحمد، وإنما رمز له ب "المخلص" الذي سوف يأتي في بني إسرائيل. وفي سورة المائدة، وترتيبها 112، قال: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا فيهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) (المائدة 12). كان قد بقيّ من القرآن سورتان فقط بعد المائدة، وكان يهود المدينة قد ذُبِحوا وهُجروا، ومع ذلك تتحدث سورة المائدة عن الميثاق الذي أخذه الله مع موسى، وعن عدد النقباء في بني إسرائيل. وقد استفاد محمد من هذه الآية وعيّن اثني عشر نقيباً أو أميراً على جيشه لأنه كان يعتقد أن دين اليهود من عند الله، وما دام الله قد بعث في اليهود اثني عشر نقيباً، فلماذا لا يُعيّن محمد اثني عشر نقيباً ليثبت أنه نبي كأنبياء اليهود؟. وإذا كان الله قد قال لليهود إنه معهم إذا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمنوا برسله، فلماذا تركهم لمحمد ليذبحهم وهم كانوا قد آمنوا بكل الرسل الذين بعثهم إليهم وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة؟ الشيء الوحيد الذي لم يفعله بنو إسرائيل أنهم لم يقرضوا الله قرضاً حسناً، ولم يقرض يهود يثرب محمداً قرضاً حسناً كان قد طلبه منهم عدة مرات لتجهيز جيشه، ولهذا السبب وحده، غضب الله على يهود يثرب وأطلق يد محمد فيهم. فلو كانوا أقرضوا الله (محمد) قرضاً حسناً لأدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار (مع أن فقهاء الإسلام يقولون لا يدخل الجنة إلا مسلم). ثم ما معنى أن يُعزروا رسله؟ التعزير هو العقاب الذي يفرضه الحاكم على مرتكب الاثم الذي ليس له عقاب واضح في التشريع، فكيف يعزر بنو إسرائيل الرسل؟ فلا بد أن الكلمة المقصودة هي "يُعززوهم" ولكن لأن القرآن لم يكن منقطاً، كتبها ناسخو القرآن "يعزروهم" (وإنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ثم يرجع محمد بعد كل هذه السور في القرآن التي كرر فيها قصة موسى وبني إسرائيل، فيقول في سورة المائدة: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤتِ أحداً من العالمين) (المائدة 20). ومرة أخرى يمن على بني إسرائيل ويذكرهم بأفضال الله عليهم وأنه جعل منهم الأنبياء والملوك وفضلهم على العالمين. ويوم أتت هذه الآية كان محمد قد ذبح يهود بني قريظة وهجّر بني قينقاع وبني النضير. وياله من تفضيل على العالمين. ولأن محمداً كان يعرف أن يهود خيبر أغنياء وكان ينوي قتلهم ومصادرة أموالهم، وكان يعرف أنهم يتحصنون في قلاعهم، أراد أن يوحي للمسلمين أن اليهود جبناء ولن يقاتلوهم، فقال (قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون) (المائدة 24). وطبعاً اليهود لم يقولوا هذا لموسى وإنما حاربوا القبائل الكنعانية أينما وجدوهم، بل تحاربت القبائل اليهودية مع بعضها وقتلوا الآلاف من بعضهم. فاليهود لم يتهربوا من الحرب ولم يخذلوا موسى، ولكنها الدعاية المحمدية لإيهام المسلمين أنهم قادرون على هزيمة اليهود المتحصنين في قلاعهم في خيبر. تستمر سورة المائدة فتقول: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم أن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمفسدون) (المائدة 32). هل تذكرون أنه قال لهم في إحدى السور المكية إنه كتب عليهم أن يفسدوا في الأرض مرتين، وهاهو هنا يجعل أكثرهم مفسدين باستمرار. ولا ننسى أنه قال عن بني إسرائيل إنه اختارهم عن علمٍ وجعلهم شعبه المختار، ألم يكن يعلم أن كثيراً منهم لمفسدون في الأرض؟ فهاهو إله القرآن يقول لبني إسرائيل ألا يقتلوا نفساً بغير نفس ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً. وفي الآيات السابقة رأينا أنه فرض على بني إسرائيل الصلاة والزكاة وعدم الشرك به، والإحسان إلى الوالدين والجار والمساكين، وقال لهم كذلك السن بالسن والعين بالعين، وفرض عليهم رجم الزاني والزانية، وحرّم عليهم الدم ولحم الخنزير والخمر والربا، فلماذا إذاً احتاج أن يبعث محمداً بالإسلام ورسالته لم تزد على هذه الأشياء التي كان قد فرضها على بني إسرائيل؟ ولم يكتفِ محمد بقتل بني قريظة وتهجير بني النضير، فقال (وقل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) (المائدة 60). فلأن يهود خيبر ما زالوا في الجزيرة العربية استمر محمد في صب جام غضبه عليهم وتحقيرهم، فجعلهم قردةً وخنازيراً. وبعد أن قتل محمد بني قريظة وشرّد بقية القبائل اليهودية، أتى بآية في سورة المائدة تقول: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليذيدن كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) (المائدة 64). القرآن طلب من اليهود أن يقرضوا الله قرضاً حسناً، فقال بعض من اليهود إن يد الله مغلولة، فشتمهم الله ولعنهم وقال إن يد الله مبسوطة ينفق كيف يشاء. هل يحتاج رب السماء أن ينفق المال، وإذا كانت يداه مبسوطتين وينفق كيف يشاء، لماذا طلب من اليهود أن يقرضوه قرضاً حسناً، ثم كرر نفس الطلب من المؤمنين؟ أما قوله إنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فقول يعوزه الدليل. فعندما طرد يهود بني قينقاع من ديارهم، ذهبوا إلى خيبر حيث يقيم بعض اليهود وسكنوا معهم وشاركوهم في مساكنهم ومزارعهم. واليهود اليوم من أكثر الناس الذين يساعدون بعضهم سواء في أمريكا أو أوربا أو إسرائيل. وكذلك قوله إن الله يطفيء نار الحرب كلما أوقدها بنو إسرائيل قول لا ينطبق على الواقع. فاليهود حتى قيام دولة إسرائيل سنة 1948 لم يوقدوا أي نار للحرب، حتى عندما ذبحهم محمد وأجلاهم إلى خيبر، وعندما أخذ مزارع فدك منهم، لم يحاربوه ولم يوقدوا ناراً للحرب. ولكن منذ 1948، فقد أوقدوا عدة نيرانٍ للحرب وكسبوها، ولم نرَ لله مفعولاً في إطفاء تلك النيران. ثم تستمر السورة، فتقول: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون) (المائدة 70). وهذا مجرد افتراء على بني إسرائيل. فقتل رسولٍ حدثٌ مهم لا يمكن أن يتجاهله التاريخ، وتاريخ بني إسرائيل لم يذكر أي رسول قد قُتل. وكيف سمح الله لبني إسرائيل أن يقتلوا رسله، ألم يقل في القرآن (إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا) (الحج 38)؟ فهل كان رسله غير مؤمنين فسمح لبني إسرائيل بقتلهم؟ وماذا فعل عندما قتلوهم؟ فلو أخذنا أي دولة قد أرسلت سفيرها إلى دولة أخرى وقتلته تلك الدولة للجأت الدولة المُرسِلة إلى الحرب لتنتقم لسفيرها، فهل فعل الله شيئاً عندما قتل بنو إسرائيل رسله؟ وإذا كان لم يفعل شيئاً لماذا خذل رسله؟ ألا توحي هذه الآية بأن الله لا وجود له، وإلا لكان انتقم لرسله الذين قتلهم بنو إسرائيل؟ ويبدو أن رب القرآن قد يئس أخيرأ من بني إسرائيل فقال: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داؤد وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) (المائدة 78). وطبعاً لا داود ولا عيسى بن مريم قد لعن بني إسرائيل، مجرد ادعاء من محمد لا يسنده أي دليل. وتستمر السورة فتقول: (كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) (المائدة 79، 80). فبنو إسرائيل الذين صادقوا الأوس والخزرج قبل أن يسلموا وتولوهم، سخط الله عليهم وسوف يدخلهم النار إلى الأبد. فرب القرآن يكره أن تتصادق الشعوب وتعيش مع بعضها في وئام. ثم يختار رب القرآن أن يألب المسلمين على اليهود الباقين فيقول: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) (المائدة 82). فإذاً قد شهد رب القرآن، وهو خير الشاهدين، أن اليهود أكثر الناس عداوة للذين آمنوا، وعليه لا نتوقع من الذين آمنوا إلا أن يفوقوا في عداوتهم لليهود تلك العداوة التي زعم رب القرآن أن اليهود يضمرونها للذين آمنوا. وهذا هو إشعال نار الحرب ضد يهود خيبر. ثم جاء في السورة قبل الأخيرة في القرآن، وهي سورة التوبة، وترتيبها 113، بآية صريحة في حث المؤمنين على قتال يهود خيبر، فقال (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) (التوبة 12) ونحن نعرف من كتب التراث أن محمداً لم يوقع عهداً إلا مع يهود المدينة ثم في العام السابع الهجري مع أهل مكة (صلح الحديبية). وعندما "نزلت" هذه الآية كانت مكة قد سلّمت له وأسلم أبو سفيان وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص. فالذين نقضوا عهدهم هم اليهود، وقد اتخذ محمد هذا عذراً لقتل بني قريظة، والآن يريد أن يتخذ نفس العذر لقتل يهود خيبر، فقال (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفِ صدور قوم مؤمنين) (التوبة 14). وفي آية أكثر صراحةً من سابقتها، يقول محمد للمؤمنين: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقِ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) (التوبة 29). فاليهود والمسيحيون لم يعد لهم مكان في مملكة محمد.وكنتيجة حتمية لملء رؤوس الأنصار والمهاجرين بنفاق بني إسرائيل وبالتحريض على قتالهم، سار محمد على رأس جيشه إلى خيبر سنة سبعة من الهجرة، وحاصر اليهود في حصونهم حتى نزلوا إليه فعذب زوج صفية ليكشف له مكان الذهب، فرفض. وهنا قتله محمد بدم بارد وقتل أبا صفية ثم تزوجها ودخل بها في نفس الليلة، وصادر جميع مزارع خيبر من اليهود، وصالحهم على أن يزرعوها ويرسلوا له نصف المحاصيل سنوياً. وهكذا تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل. ثم أخيراً لجأ محمد إلى إشاعة الأكاذيب، لتبرير ما فعله بهيود خيبر،فقال: (وقالت اليهود عُزيرُ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّا يؤفكون) (التوبة 30). أي إنسان يعرف مثقال ذرة عن اليهود يعرف أنهم لم يقولوا غُزير ابن الله، وعُزير أصلاً اسم لا وجود له في التوراة ولا يعرفه اليهود، ولا يمكن أن يقولوا إنه ابن الله. ولما اكتشف المفسرون هذه الحقيقة بعد أن تعلموا قراءة التوراة، أتوا بتفاسير مضحكة للخروج من هذا المأزق. يقول القرطبي: (سبب ذلك أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم، فخرج عُزير يسيح في الأرض، فأتاه جبريل فقال أين تذهب؟ قال أطلب العلم، فعلّمه التوراة كلها، فجاء عُزير بالتوراة لبني إسرائيل وقال إن الله قد حفّظني التوراة، فجعلوا يدرسونها من عنده وقالوا إنّ هذا لم يحدث إلا لأن عُزير ابن الله، حكاه الطبري) (تفسير القرطبي). فهل الله يلعب مع بني إسرائيل؟ أنزل لهم الألواح بخط يده، فعبدوا العجل، فقال لهم أقتلوا أنفسكم، فقتلوا سبعين ألفاً منهم، ثم غفر لهم، ثم قتلوا الأنبياء من بعد موسى، فغضب عليهم ورفع التوراة عن صدورهم، ثم حفّظها لعُزير ليحّفظها لبني إسرائيل بعد أن رفعها عن صدورهم. ثم بعد هذا يقول المفسرون إن التوراة محرفة. هل تدخل مثل هذه القصص أي عقل سليم؟ ثم زاد القرآن الطين بلةً عندما قال في الآية التي تلت هذه: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيحَ ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) (التوبة 31). مرة أخرى أحرج القرآن المفسرين لأنهم يعرفون أن اليهود لم يتخذوا أحبارهم أرباباً دون الله، ففكرو ثم قدروا، ثم أتوا بالقصة التالية لتفسير هذه الآية: "سُئل حذيفة عن قوله اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً، هل عبدوهم؟ قال: لا، ولكن أحلوا لهم الحرام فاتبعوه وحرّموا عليهم الحلال فحرموه". اليهود عندهم التوراة والمشنا فيهما تفصيل كل المحرمات من كل أنواع الطيور والحيوانات وغيرها، وهم حتماً ملتزمون بها أكثر من التزام المسلمين بحلالهم وحرامهم. ألم يلم رب القرآن محمد نفسه لأنه حرّم على نفسه ما أحله الله له (مارية القبطية)؟ وماذا عن شيوخ الوهابية الذين حرموا إهداء الزهور للمرضى، ورب القرآن لم يذكر الزهور في كتابه. وهاهم الشيوخ قد أحلوا زواج المسيار وزواج الفرند وقد حرّم الله زواج المتعة. فهل اليهود اتخذوا رهبانهم أرباباً أم اتخذ المسلمون شيوخهم أرباباً من دون الله؟ أم أنه الحقد على اليهود والنصارى لأنهم لم يؤمنوا بمحمد؟ ونرى هنا أن رب القرآن أو محمد لم يعرف كيف يتعامل مع اليهود في جزيرة العرب لأن محمداً كان يرى فيهم قوة معترف بها، ولو آمنوا به لاعترف به العرب، ولذلك حاول أن يكسب ودهم بأن تشبه بهم وصلى لقبلتهم وصام عاشوراء. ولكن في بعض الأوقات كان ييأس منهم ويأتي بآيات تهاجم اليهود وتسبهم. ثم إذا احتاج لمالهم من أجل غزواته، يأتي بآيات أخرى تُقرّظ بني إسرائيل. وكنتيجة لهذا التذبذب الواضح أتى القرآن متخبطاً ومتناقضاً في كثير من آياته عن بني إسرائيل، كما تناقض في أمور أخرى كثيرة. ولكن محمد لم يكتفِ بالتناقض في أقواله بل ذهب أبعد من ذلك وقتل اليهود وهجّرهم وسبى نساءهم وأطفالهم واستحوذ على أموالهم تحت غطاء إلهي من آيات القرآن.
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن وبنو إسرائيل 3-4
-
القرآن وبنو إسرائيل 2-4
-
يهود الأندلس
-
في استراحة القراء 1
-
القرآن وبنو إسرائيل 1-4
-
في معية القراء
-
القرآن ونساء النبي
-
في رحاب القراء 4
-
تأملات في القرآن المكي 4-4
-
في رحاب القراء 3
-
تأملات في القرآن المكي 3-4
-
في رحاب القراء 2
-
تأملات في القرآن المكي 2-4
-
في رحاب القراء 1
-
تأملات في القرآن المكي 1-4
-
تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
-
تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
-
تاريخ وماهية القرآن 2 – 3
-
تاريخ وماهية القرآن 1- 3
-
يقولون ما لا يفعلون
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|