معتصم الأزيرق
الحوار المتمدن-العدد: 915 - 2004 / 8 / 4 - 12:22
المحور:
الادب والفن
مختار و ثلاثية موسيقية لضحايا العراق..عمل من اجل الأنسان فقط...
معتصم الأزيرق
ناقد موسيقي وشاعر- من السودان
(1)
ثلاثية العود/ الفلوت / الايقاع ، للمؤلف و عازف العود المنفرد احمد مختار كانت موضوع الامسية الموسيقية التي أعدت لها مدرسة الدراسات الشرقية و الأفريقية و التي افتتحها البروفسور معاذ صالح بكلمات تستوجب التوقف قليلا ً، فقد وصف احمد مختار ، بأنه الكلاسيكي و المحدث ، في أن معاً و اشاد الى موهبته الموسيقية الفذة التي جعلت هيئة الامم المتحدة أن تختار أحد أعماله ( مقطوعة حوار) مع سته عشر عملاً من ثقافات أخرى لًتجسد الضمير الابداعي لحقوق الانسان، و لعل البروفيسور لم يشر الى نيل الجائزة الاولى لمختار من أتحاد الموسيقيين البريطانيين للموسيقى الغير غريبة لكونها لم تعد سراً منذ حين.
الجمهور و طائر الحرية.
و الامر الجدير بالأعتبار ان القاعة التي كانت ممتلئة ، سجلت حضوراًغالبا للجمهور البريطاني و لعة من نافلة القول ان تلك الامسية الموسيقية لم تكن ناجحة و حسب بل ممتعة و متفرده ايضاً ،حيث شخصت الابصار و اصغت الأذان و الافئدة، في انصات و حفاوة بالغة على مدى ساعة كاملة ، تجاوباً بالصمت حيناً و بالتصفيق حيناً أخر، و لم تكن للكثيرين تلك الساعة كافية اذ مرت سريعاً ، فكانت المطالبة بالمزيد و استجاب مختار و كان عمل( الطائر / الحرية) هو لحن الختام ، عبر المؤلف من خلاله عن حرية الفنان التي نالها بعد ان قدم الكثير من المعناه ، وهي قصة كل عراقي تواق الى الحرية.
الاعمال او المحاور الموسيقية التي احتوت عليها الأمسية هي :
- تقاسم رست
- مقام نهاوند و قطعة رثاء النخيل:
و ايرد بها المؤلف رثاء المبدعين العراقيين من ضحايا الحروب و الكوارث التي مر ويمر بها العراق و بمعنى أعم ، رثاء العملية الابداعية التي كانت تقاوم سكرات الموت بغياب الحرية.
- فتازيا العود:
و هي معزوفة تبرز فيها الطاقات الهائلة الغير مكتشفة، الا قيلاً لهذه الالة الغير التقليدية و التي تتمثل على وجة الخصوص في مساهمات المدرسة العراقية الحديثة و هي تتجاوز نطاق القوالب و التقاليد العربية البحتة في الوقت الراهن ،و ربما كانت لها جذور تراثية بحاجة الى الأستقصاء.
- قرى:
و هي من وحي الاقاليم الكردية العراقية ذات الطبيعة الجبلية، و تعتبر ايضا ذات الانسان الكردي الشعبي، محب الخير و الذي تنطور شخصيتة على سجية انسانية لم تختلط بألاعيب السياسية .
- رقصة البدوي:
و تتجلى فيها الجمالية الايقاعية للعود بشكل واضح.
- غياب :
و ترمز للمقابر الجماعية ، و عبر التقاسيم و الايقاعات و الجمل المؤلفة ، تكشف عن الصرخات و النزيف الداخلي الذي يتدفق عبر ( عالم الا وعي) حيث تتداعى المشاعر المكبوته و تتفجر شلالاتها ، من بين ثنايا النغم العميق .
- سماعي بغداد: بنية كلاسيكية من موسيقى العصر العباسي، بتقنية عالية و تمازج مقامي اخرجتها الى عالم الحداثة.
- اسبانيا: براعة في الصابع واضحة جدا.
(2)
لكي نستطيع النفاذ الى جوهر هذه المساهمة الموسيقية الرائدة يتعين علينا ان نضع نصب اعيننا الطبيعة الجدلية، و التي غالبا ماتتميز بها موسيقى احمد مختار بل و كل موسيقى او عمل فني يحتوي على قيمة ابداعية، و يقتضي ذلك منا اكتشاف مركز و تجليات هذه الجدلية ، في النسيج العام لهذه المساهمة ، و في جزئيات هذا النسيج ايضاَ.
على وجه العموم ، فان الذي يؤشر على جدارة خصائص هذا العمل بالاهتمام، أنه استطاع ان يشد انتباهنا نحن الجمهور و يغذي ذائقتنا التي لم تشبها شائبة من الضعف او الفتور وتكوين الجدلية و التنوع و الوحدة الصوتية ، التي ارتكز عليها هذا العمل بشكل اساسي. ولكي نستطيع تشخيص النسيج العام لهذه الثلاثية للابد لنا ان نتبين:
اختيار الة الفلوت
1- ان لحمة هذا الثلاثية وسداها ، تتألف بدءاَ من التأليف، فختيار الالات ، ثم الاداء الذي تحلت به، لبلورة هذا التأليف المبني على الجمال و القوة و الهادف الى ابراز جدارة العود لخوض مثل هذه التجربة و تحقيق التجانس ، و التوافق و التفاعل مع الفلوت و الايقاع و بالضلوع بالمشاركة دون التضحية بخاصية التفرد الذي تمتلكه ايضاً الالتان الاخريات، . ان اختيار المؤلف لالة الفلوت كان موفقاً لانه ينسجم و يتجاوب مع الة العود و مع طابع الموسيقى الشرقيةعموماً ، فهو شبية بالناي و فوق ذلك فقد كانت العازفة نوبوكو غاية في البراعة، وواعية بدورها و بهدف المؤلف ، وقد استطاعت اداء الخاصية المقامية العربية( ذات التقسيم الرباعي) بمهارة فائقة، و ذلك عبر التحكم بالنفس و شحنة بالحساسية النغمية المنشودة و التي تملك منها نوبوكو الشي الكثير. و قد حالف التوفيق ايضا عازفة الايقاع جوئيل بيكرالى درجة مثيرة للدهشة لكونها بريطانية ، و مع ذلك فقد استطاعة ان تؤدي الايقاعات العربية المعقدة بجمال عالي و بعذوبة و كان وضحاً أنها تلقت بعض المساعدة الفنية من المؤلف خلال البروفات، غير انها بموهبتها استطاعت أن تشكل ضلعاً اساسيا متألفاً مع الضلعين الاساسين ( العود + الفلوت) .
المدرسة البغدادية
2- ان استخدام المؤلف لل(هارموني) لاحدى الفعاليات الموسيقية كان من المقومات الحيوية، فقد استند المؤلف في بناء الهارموني على مقام النهاوند الذي يمثل مفصل الألتقاء مع الموسيقى الغربية فهو السلم الهارموني الصغير (Harmonic Minor) و لكنه اتخذ منه نقطة أرتكاز يبتعد منها بالدخول الى مقامات أخرى ذات قابلية للقواعد الهارمونية مثل مقام الكرد و الحجاز و هذه خاصية تلازم أغلب اعمال المؤلف بشكل خاص و المدرسة البغدادية اجمالاً. و بطبيعة الحال فان البناء الهارموني يخاطب الأذن الغربية مخاطبة حميمة لكون جاء في سياق موسيقى شرقية عربية غنية بالميلودية و الايقاعات هذه المرة ، مما اكسبه خصوصية بالنسبة لهم .
3- ان النسيج الموسيقي للثلاثية أحتوى مواضيع السحر و الشاعرية الذي يتجلى ذلك بالتجانس الفريد بين الايقاع الخارجي القائم على الوزن متمثلاً في الايقاعات و بين التقاسيم التي لايلتزم بها اللحن و لكنها تجعل ايقاعها الداخلي الحر مؤتلفاً مع ذلك الوزن. و من مواضيع السحر و الشاعرية ايضاً ، جسارة التقنية لدى العازفين الثلاثة و التحكم الكامل في كل الة و ذلك حين يخفف صوت الفلوت و يسيل عذوبة و نعاساً ليترك المحل مفتوحاً أمام العود ليتفجر و يبعث بالرسائل ذات الرنين و الوهج، بينهما يعلو الأيقاع و يخفت تباعاً ، فحين يمثل صوت العود اندفاع الوهج ، يأزره الايقاع بالهدير و حين يهدأ اندفاع الموج في صوت العود يأخذ الايقاع في الخفوت بينما يسترسل الفلوت في صوت الخرير. ان ذلك يمثل جوهر الصراع بين عالم النفس التي تريد ان تنعم بسلام و بين تحديات عالم الواقع الذي ينذر بالمازق و النزاع .. و يهدد السلام النفسي الفردي و الجماعي. أو ليس تلك هي جدلية وحدة و تناقض الاضداد؟ متجسدة الشكل في والحدة و المضمون بلغة النقد، او كما يحلو لاصحاب الموسيقى ان يطلقو علية ( و حدة الروح و التتقنية) ؟ واذا افتتحنا الباب اما المصطلح الصوفي فتلك هي وحدة عالمي الظاهر و الباطن حيث يتجلى أحدهما بالاخر.
#معتصم_الأزيرق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟