سُلاف رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 16:43
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
كعادته اليومية ، استيقظ قبل الجميع وأعد الفطور لنا وهو يستمع إلى صوت فيروز من إذاعة بغداد، كان صوت حركته في المطبخ يصل إلى غرفتي، ربما هو لا يدري من إنني استيقظت من الساعة الخامسة لأبدأ بمراجعة شاملة لجميع للمناهج التي سوف اجري بها الامتحان الوزاري للصف السادس الإعدادي، وقد وضعتُ لي جدولا زمنيا للقراءة، وأنا بطبيعتي أفضل القراءة صباحا، لهذا تفاجأ حين فتح باب غرفتي وشاهدني مستيقظة، وهو الذي تعود أن يكرر أسمي المحبب له عشرات المرات كي استيقظ من نومي وانفض عني كسل النوم.
حين جلسنا على مائدة الفطور، انقطع صوت فيروز وبدأ برنامج في طريق السلامة يأتي من المذياع الذي يحتل مكانه منذ عشر سنوات على رف خشبي في الزاوية اليمنى المحاذية إلى الباب المؤدي إلى حديقة بيتنا، نهض من مكانه وأغلق المذياع وهو يردد جملة خلقت في روحي طيف من الاكتئاب وربما الخوف (من وين تجي السلامة) قالها بصوت كأنما يتهم بها شخصا معينا. حين عاد إلى مكانه لاحظت أنه لم يتناول من فطوره شيئا، على الرغم من الجبنة التي يحبها والتي جلبوها لنا يوم أمس من ألقوش كانت في صحن فطوره، شرب قدح الشاي الصغير فقط.
اليوم لم يكن كعادته، كان يتفحص كل شئ في البيت، مثلما يتفحص وجوهنا واحدا واحدا، ودعنا وكأنه سوف لا يرانا ثانية، أما أنا فقط طبع على خديَّ ثلاث قبلات، ولم نكن نعرف من أنه لن يعود إلينا ثانية.
مرت ساعات الدوام في المدرسة ثقيلة بالنسبة لي، رغم وجود العديد من صديقات الدراسة، وأحاديثهن التي تبدو للكثير منهن، فقد تركت جملة (من وين تجي السلامة) على روحي ضلالا من القلق، حين عدت إلى البيت لم تكن عندي الشهية لتناول طعام الغداء رغم إلحاح والدتي، حاولت أن أنام الظهيرة كي أعوض ساعات النهوض المبكر، وفي هذه الإغفاءة القصيرة رأيت حلما جعلني انهض فزعة من قيلولتي، رأيت والدي يركض وخلفه كلاب سوداء إلى أن أحاطت به الكلاب في دائرة لا يستطيع الخروج منها، كنت أنظر إليه وأنا في حالة من الذهول الذي شل كل جسدي، حاولت أن أصرخ فلم يخرج صوتي. حاولت أكثر من مرة فلم استطع، إلى أن شعرت بيد والدتي تهزني، رميت رأسي على صدرها، من اجل أن يهدأ روعي، أخبرتها بالحلم، امتقع وجهها، ومع هذا أخبرتني بالحقيقة التي لا أريد أن أصدقها حتى هذه اللحظة، وهي أنهم اعتقلوا والدي لهذا لم يعد إلى البيت في ذلك النهار، والذي امتد لنهارات ثمانية وعشرين عاما.
#سُلاف_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟