|
دعاة الإقليمية وأنصار المحاصصة، وجهان لعملة واحدة
عمر شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 2999 - 2010 / 5 / 9 - 16:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحدث دعاة الإقليمية مؤخرا، فقاعة إعلامية ضخمة، تفوق حجمهم الحقيقي، خاصة بعد بيان اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين. وكيف لا والأستاذ ناهض حتر من أبرز منظريهم. وهو يستطيع كتابة مقال أو صياغة بيان بوقت أقل مما يستلزم قراءته، لكنها متناقضة وملتبسة، الثابت الوحيد فيها هو خلق "الفوضى الخلاقة" وجعل مصير الأردنيين من أصول فلسطينية ألعوبة لمقترحاته. وقد تم تسخير موقع "كل الأردن"، باستثناء بعض المقالات المتوازنة لغيره من الكتاب، لهذا الغرض.
أما الدسترة على طريقة اللجنة أو منظرهم ناهض حتر، كما أوضحها بالأمس" وتتمثّل في إضافة بند يحدد حدود المملكة الأردنية الهاشمية بما يجعل الضفة الغربية خارج الحدود " أي تغيير حدود الدولة الأردنية، فهذا ما تنتظره إسرائيل، وسيؤدي إلى كارثة للشعب الفلسطيني، لعدم وجود دولة فلسطينية معترف بحدودها. وسيؤدي إلى ضياع الأماكن المقدسة وشرعنة الاستيطان الإسرائيلي، ومعظمه قائم على الأراضي الأميرية في الضفة الغربية المملوكة للأردن. فكفى عبثا يا ناهض!
المتقاعدون العسكريون هم من خيرة أبناء الوطن، حماة الديار الذين نفخر ونعتز بهم، ومواقفهم الوطنية والقومية المشرفة فوق أي شبهة. ومن حق المتقاعدين العسكريين الانضمام إلى الأحزاب السياسية، كل حسب ضميره السياسي بعد التقاعد، حسب قانون الأحزاب كما أفهمه. ولكن لا يحق لهم تشكيل منظمة سياسية تخصهم وحدهم كفئة مهنية. فهذا الوضع يؤثر على حيادية الجيش والقوى الأمنية، ومن هذا المنطلق فبيانهم مرفوض.
المعني هو شيء آخر، يتعلق بالطروحات السياسية الواردة في بيان اللجنة الوطنية التي تعبر عن مصالح بعض أوساط الجهاز البيروقراطي للدولة أو البرجوازية البيروقراطية. فمرحلة التقاعد العسكري، من الجيش وأجهزة الأمن العام والمخابرات هي أشبه بمرحلة "البرزخ" لبعض المتقاعدين في التقاليد الأردنية. فمن هناك يتم اختيار الأعيان وأصحاب الدولة والنواب والمحافظون والحكام الإداريون والوزراء والسفراء والمدراء... لمن يناله الحظ. والفرصة كبيرة لارتفاع وتيرة تغيير المسؤولين في الأردن وهي الأعلى في العالم!
من الطبيعي أن يهب بعض المتقاعدين ويتساوقون مع من ينظر لهم من المتضررين، ويخرجون عن انضباطهم، أو يُدفعون لذلك لغايات المناورة ربما، أو جراء تحركات من ينافسهم من أنصار المحاصصة، رغم وحدة الولاء للفريقين...للدفاع عن حصتهم المطلقة في إدارة الدولة. فما يطرحه أنصار المحاصصة يسلبهم نصف حظوتهم ونصف نفوذهم السياسي ونصف مصالحهم الطبقية.
ومن علم الإدارة، فإن التنافس على المنصب العام يؤدي إلى الضغائن بين الناس، خاصة في مجتمعات ما قبل إتاحة تكافؤ الفرص، وتداول السلطة. ولذلك فإن بعض أوساط البرجوازية البيروقراطية قد غيرت بديهياتها الهندسية، التي أصبحت تتعارض ومصالحها الآنية.
وبعد أن كانت تضطهد كل من تسول له نفسه بالتضامن مع الشعب الفلسطيني... وصولا إلى إصدار الأمر بإطلاق النار على طلبة المدارس في يوم الأرض عام 1982، تغير الوضع بعد "فك الارتباط" وإلغاء الأحكام العرفية. وأصبحنا الآن نشاهد تفاقم الدعوات التي تربط بين الإصلاح السياسي "وحق العودة الكامل" خوفا على نقاء وأصالة المسؤولين، إلا أن الباعث الحقيقي لتحركات دعاة الإقليمية، هو المصالح الاقتصادية والوظائف المهددة بالضياع في حالة الإصلاح السياسي على طريقة أنصار المحاصصة، بعكس الإصلاح الحقيقي وما قد ينجم عنه من توازن المصالح، وقف الهدر والفساد وترشيد الإنفاق العام.
ورقة التوت لستر الأهداف الحقيقة، وهي كبيرة جدا بحيث سترت عيوب النظام العربي برمته، ألا وهي القضية الفلسطينية. لذلك نجد أن دعاة الإقليمية يرفضون حل الدولتين، بالطبع ليس كل من يرفض هذا الحل إقليمي بالضرورة، وبرنامجهم الأدنى هو تفكيك الكيان الصهيوني. وهم يطالبون بإصدار جوازات سفر فلسطينية متناسين أنها لا تصدر إلا بموافقة إسرائيل. وهم يتحدثون عن عودة اللاجئين وكأنها متاحة ولكنها متوقفة بسبب التقاعس.
ويحار المرء، فتارة يلومون سكان المخيمان لابتعادهم عن النضال الطبقي والسياسي، وببوق أخر يريدون تجريدهم من حقوقهم السياسية والنقابية.
أما أنصار المحاصصة فهم أقل كلاما وأعظم فعلا. وهم يعملون في الخفاء، وقد أسماهم البعض عن حق بخفافيش الظلام. وهم يطالبون بتقاسم المناصب الحكومية، ولهم اتصالات خارجية بحكم طبيعة عملهم وموقعهم الاجتماعي كبرجوازية كومبرادورية، يتم توظيفها لخدمة مصالحهم السياسية.
لقد نمى دور الكومبرادور الاقتصادي، الكبير أصلا، بفعل تنامي الإستيراد والتجارة الخارجية وقوى البزنس والخصخصة. وهم يمارسون التمييز في اختيار الموظفين لصالح الأردنيين من أصول فلسطينية في مؤسساتهم. وهم الآن يطالبون بحصة سياسية توازي وزنهم الاقتصادي، دون تبني سياسة غير إقليمية في مجال التوظيف. وهنا يكمن بيت القصيد.
البرجوازية البيروقراطية تدافع عن مواقعها، والكومبرادور يريد حصة سياسية. أي أن الطرفان يتقاتلان على فتات مائدة الحكم المطلق، على الكعكة السياسية، وعلى المناصب السياسية والإدارية... دون طرح برنامج سياسي يحل مشاكل البلاد، بل برنامج يضمن مصالحهم وحسب. فكلاهما إقليمي وكلاهما يسعى للمحاصصة، وتنافرهما المستمر يكرس الحكم المطلق ويؤخر الإصلاح السياسي.
ويسبب ضعف البرجوازية الوطنية المرتبطة بالإنتاج الصناعي والزراعة وضعف وعيها لذاتها اقتصاديا وسياسيا، وضعف اليسار عموما...وهذه القوى لا تستطيع لغاية الآن أن تبني تحالفا يوحدها على أساس برنامج للإصلاح السياسي ينبذ الإقليمية والمحاصصة.
يتعين ترك المناصب السياسية العليا للأحزاب الأردنية. فلكي تفوز في الانتخابات، فعليها إعلان قائمة متوازنة ممثلة للوطن، إضافة إلى البرنامج السياسي والاجتماعي. وبدون ذلك فلن تفوز في انتخابات حقيقية على أساس القائمة الحزبية، التي تعتبر الأردن دائرة واحدة. بغير ذلك فمن المستحيل وضع الأحزاب أمام مهامها للاهتمام بالمواطن: اللبنة الأولى للوحدة الوطنية.
لقد تم فك الارتباط بقرار إداري ضمن ظروف محددة، لحل الخلافات بين الأردن والمنظمة. وبعد انتهاء الأحكام العرفية والسماح بالأحزاب وبداية مسيرة الأردن نحو الديمقراطية، تراجع التأييد للقرار. فتأخر الأردن في السير نحو الديمقراطية، ومناوراته السياسية الرجعية، أوجدا تربة خصبة لليمين الفلسطيني وطروحاته الإقليمية. ولذلك فيتحمل الطرفان مسؤولية تمزيق أنجح وحدة عربية، على الصعيد الرسمي، لكنها ما تزال قائمة وقوية على المستوى الشعبي. وقانونيا، فإن دسترة فك الارتباط يعني الانفصال. وهذا يتطلب موافقة برلمانين منتخبين للأردن وفلسطين، دون أن تكون الأخيرة تحت الاحتلال. وأعتقد أن زوال الاحتلال، والتمسك بالخيار الديمقراطي سيعيد صياغة الوحدة من جديد.
وإلى أن يتم ذلك، فقرار فك الارتباط حقيقة قائمة. وكل من يحمل الرقم الوطني هو أردني، وينبغي وقف عبث الأجهزة الأمنية به. ويتعين تصويب الأوضاع الناجمة عن الخطأ في تطبيق القرار بموجب قرار لمجلس الوزراء، قابل للطعن لدى محكمة العدل العليا.
جزء هام من الأردنيين لهم حقوق في فلسطين، بما فيها حق العودة والتعويض. وقد تم التنازل عنها وعن الحقوق المائية وغيرها بموجب اتفاقية وادي عربة. وقد تنازلت المنظمة وحماس بدورهما عن حق العودة. ومن أجل تحصيلها فيتعين بناء توازن استراتيجي بين الدول العربية وإسرائيل. وبدون ذلك فشعار حق العودة غير قابل للتطبيق ويراد به الباطل. والمواطنة لا تعني ضياع حق العودة. ولقد تم استخدام شعار "عدم التوطين" لابتزاز سكان المخيمات وحرمانهم من حقوقهم السياسية، بموجب التفاهمات بين فتح والسلطات الأردنية.
أما الفلسطينيين من غير المواطنين المتواجدين بحكم الدراسة والاستشفاء أو حتى للإقامة، فالقانون الأردني لا يمنع ذلك. والقوانين الدولية تسمح لهم، وللإخوة العراقيين والمصريين، وغيرهم الانضمام للنقابات ونيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون السياسية، وتشكيل منظمات سياسية سلمية تخصهم كمغتربين، دون التدخل في الشأن الأردني. الأردنيون متساوون قي الحقوق والواجبات وفي الحق في تقلد المناصب العامة. وينبغي العمل على وضع خطة وطنية للقضاء على المحاباة والتمييز لسد الفجوات في التعيينات في أجهزة الدولة، والقطاع الخاص. وهي مهمة شاقة وصعبة لكنها ضرورية. وهي ليست قضية محاصصة بل إجراءات ضرورية على طريق الوصول إلى تكافؤ الفرص.
#عمر_شاهين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تتعارض اتفاقية سيداو مع الإسلام؟
-
من فشل لآخر!
-
هل نواجه مؤامرة التوطين، بطعن الضحية؟
-
بؤس السياسة
-
تعطيل الإصلاح السياسي:- تحفيز للإقليمية
-
هل هو حقا -كل الأردن- ؟
-
القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسل
...
-
خطاب أوباما: دعوة للتصالح على قاعدة المصالح الأمريكية – الإس
...
-
انتخابات نقابة الأطباء: من النقيب الشرعي؟
-
ماذا يجري في نقابة الأطباء الأردنية؟
-
المستأجر بين الإخلاء أو دفع الفدية!
-
سر الأغنياء والفقراء
-
هل حقا يريدون الإصلاح ؟
-
الأوهام القومية, بين الركابي والبستاني
-
معارضة في جيب الموالاة
المزيد.....
-
الولايات المتحدة: إطلاق نار في حرم جامعة فلوريدا يسفر عن مقت
...
-
بوشكوف: ترامب غير معجب بأوروبا ولا يريد تحمل مسؤولية الغرب ب
...
-
مقتل طفل بهجمات مسيرة أوكرانية على جمهورية دونيتسك الشعبية
-
موقع كويتي ينشر تقريرا -مثيرا- عن سوري اكتسب الجنسية وأمه أص
...
-
قائد بريطاني: الضمانات الأمنية التي ستقدمها أوروبا لأوكرانيا
...
-
الخطوط الجوية السورية تعلن رسميا عودة رحلاتها إلى الإمارات
-
مقتل شخصين وإصابة 5 في حادث إطلاق النار بجامعة فلوريدا والسل
...
-
اليمن: الولايات المتحدة تقصف ميناء نفطيا في الحديدة وتجمد أص
...
-
حماس تستنكر -الانتقام الوحشي- من سكان غزة وتحذر بشأن الأقصى
...
-
الجيش الفرنسي يعلن تدمير مسيرة في البحر الأحمر
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|