أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - زيارة














المزيد.....


زيارة


محمود المصلح

الحوار المتمدن-العدد: 2999 - 2010 / 5 / 9 - 11:14
المحور: الادب والفن
    


زيارة
أنهيت آخر أعمالي اليومية ، وضعت جسدي المرهق بثوب شتوي ثقيل، تناولت طعام العشاء ، أوى أطفالي إلى فراشهم ، النافذة الصغيرة مطلة على الشارع الترابي الموحل ، الماء ينهمر من السماء كصنبور مكسور ، المصباح الكهربائي أمام البيت معطل ، الظلام
يخيم على الأشياء ، فتسري في النفس وحشة غريبة ، صوت الرعد يزلزل أركان البيت ، بل الحي ، صوت رشقات المطر على السطح
التنكي يصم الآذان ، الماء لا زال ينسكب من شقوق السماء كالقرب و الأرض تفور.
أحدهم يعبر الشارع مسرعا ، مسحت النافذة بخرقة ، الخروج في هذه اللحظة مغامرة مجنونة ، جلست قرب موقد الفحم ، زوجتي أعدت فراشها لتنام ، فجأة قرع الباب ، تجاهلت الصوت ، ظننت أنه أحد الأصوات التي تتكون بفعل الريح على الصفيح ، تعالت الضربات على الباب الخشبي ، قفزت لعيني رموز الباب، b156 بالخط الأسود ، زوجتي تنظر إلي بعيون متحجرة ، همست لها :
لا داعي للهلع ، هو مجرد ضرب على الباب ، حركات فمها وعينيها شكلت من هذا ؟زويت عيناي وقلبت شفتي السفلى ، نهضت
فتحت الباب ، فحل مكانه رجل طويل القامة ، ملامحه تكاد أن تكون مخفية بفعل الظلمة في الخارج ، قبل أن أتفحصه سارع بالقول أبو سامي أليس كذلك ؟ هل تراني محقا ؟ مساء الخير .
دعمني بصدره البارز نظر إلي من فوق ، رفعت رأسي ، كان طويلا جدا ، قبل أن أرحب به كضيف ربت على كتفي ومن خلال ابتسامة جافة جاء الفحيح: افتح الباب . فتحت الباب تمتمت : تفضل . دخل ، خلع حذائه الموحل عند الباب ، تيار من الهواء البارد استطاع أن يطفئ النار في الموقد، ويبعث البرد في أرجاء الغرفة ، عل ضوء المصباح المتدلي من السطح تفحصت ملامحه ، كأني أعرفه ، كأنه هو ، أحمد بيك مدير المصنع القديم ، مصنع الحديد ، همس بصوت متحشرج كالفحيح :
أبو سامي هل تتذكرني ؟ صمت لحظة ، زوجتي تضع رأسها بين ركبتيها في الزاوية ، تابع أنا احمد مدير مصنع الحديد أتذكر ؟ تمتمت
نعم ..نعم … نعم ، تفحصت الرجل كأنه هو ، تغير كثيرا منذ أن تركت المصنع منذ خمسة أعوام ، حيث تفرغت للعمل في بقالتي الخاصة ، الوجه أصفر كالليمون ، العيون كأنها بلور ملون تشع بالأحمر ، العروق نافرة ، أحلط الشعر ، رث الملابس ، نتن الرائحة ،
زوجتي وضعت البطانية على رأسها .
حاولت أن ابعث في المكان بعض الألفة : رحبت به ، كأنه لا يسمع ، فقط يتكلم . الخوف بدء يتسرب إلى قلبي ، أوجست خيفة ورهبة ، المكان موحش ، نظر إلي ، تسارعت انفاسي ، كدت أسمع دقات قلبي ، قدمي اليمنى ترتجف ، حاولت أن أمسكها ، أن أوقف الحركة لم أفلح ، حاولت أن أكسر حاجز الصمت ، لوحت بيدي لأبعث في نفسي بعض القوة :
أحمد بيك أهلا وسهلا , فيض من الأفكار يدخل رأسي ولا يخرج ، طنين النحل يصرخ في ماذا يريد ؟ كيف أستدل على مكاني،
لماذا أنا بالذات ؟ اظهر ابتسامة ، قلت وأنا أتصنع الهدوء : أتشرب الشاي ؟. هز رأسه ، ظننت أنه لن ينطق ، بعد صمت : نعم . بانت فمه واسعة ، خاوية ، ظهرت تفاصيل الجمجمة كأنها من عظم دون لحم ، سكبت له كوبا من الشاي ، قال باقتضاب شكرا ، رائحة عفنة تنبعث من فمه كلما تكلم ، كأنها جيفة في عرض الطريق .
أنا خائف ، لست أعرف سببا ، لكنني خائف ، هو كأنه ميت يمشي على الأرض ، الكسل يدب في الرجل ، أخذ الكوب ، رفعه إلى فمه ، لكنه لم يشرب ، يرفع الكوب ولا ينتهي ، تهيأ لي أنه ينوي المغادرة حينما مال على الجانب الأيمن ، لكنه تمدد على جنبه ، كأنه لم ينم منذ سنة ، ثيابه ملوثة ، على الضوء أدركت أنها ثياب اقرب ما تكون كفن ، الخوف يكاد أن يقتلني ، زوجتي تغلق أنفها بالبطانية ، نظرت إليه كأنه غرق في بحر من النوم .
تمددت في فراشي أحملق في السقف صوت المطر أصبح الآن أخف كثيرا ، لما نظرت إلى زوجتي لأخفف عنها كانت قد استسلمت للنوم.
زوجتي تغطي أنفها بالبطانية ، لم تعد تحتمل الرائحة ، أنا اعتدت الرائحة ، كأني اعتدتها ،لا لم اعتدها ، لكنني استسلمت لها ، على
صوت المطر وحالة الصمت المطبق وما أصابني من تعب نمت ، صوت الطرقات على الباب ، وضوء الشمس يبشر بالدفيء ، وحركة السابلة في الطريق الموحل ، أطفالي يتراكضون لفتح الباب ، فتحت عيناي ، كان فقط أثر الحذاء الموحل عند الباب ، زوجتي في الزاوية متجمدة ، كأنها تمثال ، رفعت رأسي إلى مكان أحمد بك ، لم أجد أحد ، كانت فقط كومة من الدود على شكل إنسان تنغل برائحة عفنة .



#محمود_المصلح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرطان يمشي على قدميه .. متخفي بصورة رجل
- مافيا عن جد
- تجربة ذاتية .. صيد الخاطر 7
- احترام الاطفال فنيا
- برقية ..
- مسألة صعبة ..
- قصص قصيرة جدا 3
- قصة قصيرة ( المحاكمة )
- قصص قصيرة جدا 1
- قصص قصيرة جدا 2
- صيد الخاطر 6
- التجربة الأردنية
- لمن يحسن المحسنون ..بناء المساجد
- هل الخطاب الديني يساير العصر ...
- التصيق للجلاد
- الولايات العربية المتحدة ..
- القوة النووية العربية
- هلوسة محمود المصلح ........
- صيد الخاطر 5 ..,وأنا شو دخلي؟
- القاع مفتوح ..اهلا وسهلا


المزيد.....




- الجزء الثاني من الفيلم الناجح -Freakier Friday- أصبح جاهزاً ...
- مسجد إيفري كوركورون الكبير.. أحد معالم التراث الثقافي الوطني ...
- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - زيارة