|
النورس الأزرق
محمد فهيم
الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 12:24
المحور:
الادب والفن
النورس الأزرق "ذاهب لترجمة الليل" قاسم حداد
1.قبل تمزيق الستار: المدينة ذات مساء ،جسد راقص على إيقاع انفجاراته اللونية،التي تشبه ذلك الانفجار الأنطولوجي الذي لفظنا ذات زمن سحيق،في مدارات المتاه...حيث "اللابيت" .أأتينا نقتفي نداء المجهول...؟أم الزمن محبل اللايقين.. ؟حينها كان الشرق الحكيم لم يشرع نوافذ صبحه الزاحف نحو أثينا ،حيث الحكمة تتنكر في رداء عدمها ، فيما البيت العتيق لم يعرض ألهته و معلقاته وجواريه على قارعة الطريق.لم يتكلم زرادشت بعد، حاملا في رأسه مطارقا "لأفول الأصنام".وبوذا لم يفضي بعد، ما مافي قبسه ،قبل أن تعدمه أورمة الألف الثالث. زيليس ،عنقاء تتضرج في رمادها.سيزيفية تتهشم على صخرتها جماجم الهولاكيين...وإذا بطيف هلامي آخر يرقص في انتشاء و توهج على شكل هيولى ثانية لا تشبه الهيولىالإغريقية،عاد الفنيق إلى مرقده...عاد القلم إلى نصله...عاد الحبر إلى كهفه ...عاد الإله إلى عدمه ...عاد الزمن من حيث أتى ...أو لعله على شكل "أبجدية" ثالثة،قد تشبه أبجدية الضوء في ليالي شفيق وأدونيس و"صديقنا الثالث".هي المدينة تنسل من أحصنتها الطروادية،كي تداهم ألوان النار.هي المدينة تتجرد من غلافها الإسمنتي،إلى أن تغيب في اصطخاب الأزرق .متلبسا بعراء سليم بركات وكائناته الشعرية المروضة ، يعلن الجسد عراءه "الوحشي" ،ممزوجا بصبيب الغضون ،وسيل الفوادح على ثخوم لغة آخر المطاف.أراك تنقطعين إلى عجائن التكوين في أبلانوس ،فتعشقين ثانية أجساما منشطرة بغيمة راقصة. ولما مرت قطعة من الليل،كنا صمتا فاجعا ،إذا بصوت فيروز "يقرع أجراسه"،فنتنسم رائحة الأرز والبارود ودم التوأم.حينها أشمست سهى بشارة زهرة للجنوب وشراعا لرئة الوطن. 2.نعش من قصب: عمت صباحا،ذات سفر: يا متهللة الوجه و طلقته .يا من تلهب القلب و تسلب مجامعه من أية طينة انحدرت ؟. وأية حكاية تلك التي تخفينها في خمارك الأبيض المقدس؟ . وأية ريح جامحة هذه،التي ساقتني إليك؟. و أي إزميل هذا الذي ينقر و ينحت طاقك كذراعين تلتهبان سؤالا ماكرا .أنى لك هذا يا تباريج الفيض؟ .أقتبس من ضوئك الداخلي صبابة الوقت الغارق في ثمالته .متى لامست جدرناك تسري في جسدي رعشات انخطافية،و تشرق سلافات المخاض. ضايفتني ذات شروق ،طاولة من قصب عتيق.و تلك عتبة أخرى تناديني،تفتتني.فإذا بالقصب يعزف زئبقية السؤال الأزلي،هو ذا الجسد المائي الذي هشمته عبثية الزمن الفادح،هو ذا المتجذرفي البتق الفائح برائحة الأم الأولى،القصب ذاكرة الاجتثاث،كنه ينبتر من ينبوعه الحاتمي،يتفتق عن تشكيلاته الجانحة ،ويتصدع من مراتع اللامنتهى.القصب كينونة التلاشي ،تشيع احتقانها الماحق ،على إيقاع ترنيمات الإله بان المتسكع في غاباته وأحراشه وهو يصبو إلى عدمه.أتراها جينولوجيا أخرى للانشطار والتشظي؟أم اللحظة تموج في لهيب الرؤيا؟ هو ذا الظمئ لتضاريس الدفقة الشابكة،ولكأن تلك اللحظةاختراق لهندسة الموت.فإذا بطيف طاليس ينبعث من فجوات لحده الإغريقي ،و هو يتلو وصيته الأخيرة:العالم ممتلئ بالآلهة و الماء إلهي. بينما ساورني المعنى هذا الكائن الرعش، التجت نحوي بنات الدهر وتبهم علي الوجود.
3 .سيدة العلامات: إلى أين تجرفني سيولتك الجامحة ؟ أم هذا سفر إلى فسحتك الجوانية ؟ أم نافذة تستشرف تجريدية البهاء الأزلي؟أم استضاءة لليلنا البهيم الذي يطبق الأنفاس..؟تذهلني عتباتك الزرق...فترعشني لذة فجائية،و ما إن تغمرني لجج باخوسية،حتى يشدي جوفي ..المجد لهذا الجسد الأزرق... المجد لهذه المدينة التي تحمل قيثاراتها وأصباغها وتقارع ليلها.تباهج المكان وأقصب،حتى في ظلاله كمحراب شاعر، يطوقه طيف ينفض عن جبته الصوفية،غبار المدن التي جف صلبها....هو ذا سفر..أم سفر نحبره بأنامل اختل عصبها في عتمات سرمدية،لكنها تميط اللثام عن مرايا الروح.. و زجاج الجسد. أتأبطك أيتها الحكاية،حين تألق السفر الوجداني، لعلي أبدد.. هذا العدم العصي....و أنقذف في شرك المعنى.ثم أمتطي صهوة المتاه الجامح.لما لا أحضن شبقية الحروف المبثورة.؟ ولما صداقة المعنى عشق جسور؟، يجتثك من سطوة المدن النفاثة،متوغلا في إيروساتنا السرية ،تلك المنسية والخفية، مقتفيا الأثر الهارب و المنفلت.
4."عين القلب": عمت مساء.يا معزوفة تسبح في لجج ضوئية ،تمحو المسافات و تقيم حفلا طقوسيا للقادمين... من عدمهم و الهاربين من المقبرة البيضاء.يداك مجاديف، ضفيرتك حبال للعبور،متى كنت تحملين على قواربك شعرائك الصعاليك، و توقدين قناديلك العتيقة في أبراجك الساهدة.هاهنا المدينة تنسج حكايا الموج النابض في صدرها للتائهين في زقاقها وحاناتها،الصارخين أين حواس المدينة؟وأين جسدها. درت أنخابك ليلا متوهجا يعزف لجوف البابلية، وينصهر في الشرارات العارية.أراك تفيضين حروفا لونية تنبسط في تجويفات المكان،و تركن إلى أبجدية التشاكل..تحضن جسد اللوحة الكرنفالي ،و أنا الطروب بهالتك الطيفية ،المجنون في أنفاق فحواك...أرتشف من أقداحك المسائية في اللكسوس بعد لهاث خانق،فيما الجدران نصوص و دفقة حاتمية...و كأن الألوان مشيمة المدينة،لا تكف عن اقتفاء أثري و خطاي....
5.الفراش الليلي: أركن إلى مقهى أحبك و لست أصغي إلا لنبضك الذي يرتق شذراتك المجنحة....ينسج أغصان القلب و طيات الروح...يخلصني من هذا الصخب الوجودي...كأنه يعيدنا معا ، إلى ثنايا الهيولى ...أو إلى مختبر الآلهة أو إلى مشرحة داروينية....ما أضناني عباب القريض ،إذ لون المساء كمياءه،وأنبض أوثار معزفه ،تم رقص النبيذ في ضفاف القصيدة و حيثما جال و ارتحل. هي ذي عيناي تكتحل بك،يا هذا الفراش الليلي بعد عماء وسديم.أيمن، يا هذا المحارب الزئبقي حفيد دون كيشوت، يرتشف رحيق الأصيل،بعد أن يرسم فوق بياضه ألوان الشفق و ضوء العبو ،عابثا في تباشير العبارة،بيد أنه يسابق الريح،مقتفيا مجرى طائرته الأرضية ..إلى أن ينساب في ألفة الزوايا.. و طقس الطواف ،لعله يفك شفرة العالم الأولى. وهدا إيلوس، إله المدينة أخيد في سباته ذات صباح ...و يلوح في الأفق الأزرق....ينبوع ينسل إلى أجسادنا المليئة بالأقفال الصدئة،والضوء القصي يذكرك بحلمك الرمادي..و بالضفاف الأخرى بالعبور الجميل...النوارس تدعن لسلطة المكان...و طقوسه النشوانة...لحظة أفول أخرى و نمضي إلى أقبية العتمة.
6.ريحانة الروح: تسهدني العتبات الزرق كما رتاجاتك الموصدة،ترابض في أرصفة الحبور كمزهريات شاعرة قصيدتها إلاهة بحر في طوفان اللامرئي...لكنها إمراة لا تهاجر أعشاش القلب .ترقص عارية على بساط الليل ولا تبرح خلايا الرؤيا تجدل ضفيرتها... ومن نافذتها تستنبت رياحين الصباح.. في غمدها الطيني.. فتنسج للعابرين حكايا كهف الحمام و حطام الأقواس و رفاة البصرة و خبايا الأزرق، و هو يزهر من أنامل إلينا أسنثيو الإشبيلية و يستشرب في عقر السريرة.و يترحل الى حيث الظلال نشقة تسري في قفرنا غيثا..يرعش هدا الجسد الجفيف.فتؤرقني عيون الحلم العابث بأحلامنا ،التي لن تهوى إلاأعيادا شبقية... فأرى الشعراء يضاجعون ثدى مبثورة على رصيف الهباء...وإذا بجسد الصورة يهوي في جحيم البياض. أينما ترحلت نشوة الطلق المحموم في أديم الليل،يتعقبني طيف مرسمك المجنح فأتتشظى ذرات لونية تعانق هندسة النوافذ،فأتشجر على جدرانك ومعلقاتك حتى أغوص في ديناميت الشهوة.حتى لو فاح طيفك في سراديب الشعراستعرفك ،فاحلم بجسدين في حالة عري راقص...،بالنوارس تبيض في عقر قصيدة علقت بحطام الروح..يا ذات المنحت النضيريا ذات الينابيع العارية،يا ذات الشرخ الجميل.حتى لو فدحتني خطوب المعنى ...أستغورك بعصب ينفذ إلى جلدك الذي يرشح إيروسا صاخبا...يا غبطة الوجود .يا التي تنفلت من سطورها، فتجنح في إشتهاء إلى ألف غواية وغواية ..تناغم الطريق في سجايا أخلاطها الكونية ثم ترتقنا بقلبها السرمدي. محمد فهيم كاتب من المغرب أصيلة 2003
#محمد_فهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|