أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - سفر الخروج 2















المزيد.....

سفر الخروج 2


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2999 - 2010 / 5 / 9 - 00:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بت أعتقد أن الذين ما زالوا يكتبون في السياسة إنما يكتبون لملء فراغ بات يحيط بهم بعد أن أحاطت بهم الإنهيارات من كل جانب، سواء من الجانب الإشتراكي متمثلة بانهيار المعسكر الإشتراكي، أم من الجانب الرأسمالي متمثله بانهيار النظام الرأسمالي، أم من جانب التحرر الوطني متمثلة بانهيار كل مشاريع بناء الإقتصاد الوطني المستقل. كافة كتاب السياسة ما زالوا يكتبون لأن ليس لديهم ما يكتبون فيه فأخذوا يكتبون لغير فائدة وبغير هدف محدد على أرض الواقع باستثناء محاولات فجّة في تفسير بعض الحوادث. عبثاً يكتبون دون أن يقاربوا واقع العالم مقاربة علمية ليدركوا إدراكاً تاماً أن التاريخ كان قد بدأ يعود إلى الوراء منذ هزيمة البروليتاريا السوفياتية، وهي طليعة بروليتاريا العالم، في العام 1957، وانسحاق الرأسمالية الأميركية، وهي طليعة الرأسمالية في العالم، في العام 1975. هاتان حقيقتان قائمتان على الأرض نتيجةً لمعارك كونية انتهت إلى نتائج أبلغ أثراً وأشد وقعاً من الحربين العالميتين الأولى 1914 والثانية 1939 اللتين شكلتا عالم القرن العشرين الثنائي. عالم اليوم هو منذ ثلاثة عقود عالم أحادي من لون واحد وبلا قطب عكس ما يعتقد الكثيرون ولذلك وصف حقاً بالعولمة. الولايات المتحدة الأميركية الموصوفة بالقطب العالمي الأوحد، تبريراً لسياسات مغرضة، لا تعادي كوريا الشمالية أو إيران لاختلاف في الأنظمة الإجتماعية، فالنظام في كوريا كما في إيران كما في الولايات التحدة نفسها هو نفس النظام، نظام الطبقة الوسطى، إن جاز أن نسميه نظاماً، إذ ليس من تناقض أساسي بين أنظمة الدول الثلاث. تدعي كوريا بالشيوعية وشيوعيتها لا تختلف عن شيوعية الصين حيث الطبقة العاملة مسحوقة حتى العظم، وتدعي إيران بالأسلمة والأسلمة لا تطحن طحيناً وليس بين أنماط الإنتاج نمط خاص بالمسلمين دون غيرهم. الذين يقولون بالقطب الأميركي الأوحد هم أنفسهم لا ينفكون يتحدثون بالعولمة؛ فكيف يقول هؤلاء بالشيء ونقيضه بذات الوقت!!؟ ليس لنا هنا إلا أن نعود لنؤكد حقيقة السياسيين الجوف.

كتبت المقالات الثلاث الأخيرة في الحوار المتمدن، "محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم" و " حول أطروحة المحطة المنحطة التي تحط فيها البشرية اليوم" و "سفر الخروج"، في محاولة لتحليل الأزمة العامة التي يواجهها عالم اليوم وتسد عليه كل سبل التقدم، وأخذت تنعكس عليه بالإنحطاط المتسارع على مختلف الصعد وتهدد إنسانية الإنسان. كتبت مستهدفاً بالدرجة الأولى استثارة كل من لديه اهتمام بمستقبل الإنسان حتى وإن خلا من أية ايديولوجيا فلم أفلح للأسف الشديد ــ باستثناء الرفيقين سعاد خيري وحميد كشكولي اللذين خالفاني في بعض ما يعتقدان ــ إلا من أحد المحترفين بالحط من قيمة الإنسان كمأجور لحزب الله يتجرأ على الكتابة في الماركسية وهو لا يعرف الفرق بين القيمة المضافة والربح، ومع ذلك يتهمني بالعمالة للاستعمار وهو الغر الجهول الذي لا يعلم أن الأمم المتحدة كانت في العام 1972 قد أعلنت رسمياً نهاية الإستعمار في العالم كله. وبناء على هذه الحقيقة الثابتة فالإنسانية لن تجد من يسد عليها منافذ الخروج من محطة الإنحطاط أكثر من مثل هذا المأجور ومن استأجره وهم الذين يستخدمون العداء لإسرائيل فزاعة تخفي أغراضاً في الإنحطاط الذاتي الأمر الذي من شأنه أن يخدم الأغراض القذرة للصهاينة. وبالإضافة إلى هذا المأجور وهو المسيحي المستنير بالأنوار التي تشعها جبين روح الله الخميني تحت التراب كما ذكر (!!)، فقد اجتذبت مقالاتي المشار إليها بعض المتداخلين المصابين بسعار العداء للماركسية. وهكذا نعود مرة أخرى للسياسيين الجوف الذين يكتبون لغير فائدة وبغير هدف.

خلصنا في مقدمتنا " سفر الخروج " إلى أن سائر المجتمعات في العالم، وهي من قوام واحد ولون واحد (معولمة)، هي في تآكل طبقي متزايد حيث أن الطبقتين المتواجدتين فيها، ولا أقول المترافقتين، في حالة انهيار مستمر دون توقف. فالبروليتاريا اُستنزفت حتى الرمق الأخير وما عادت قادرة على أن تعطي أكثر لتغطي فائض استهلاك الطبقة الوسطى. والطبقة الوسطى بدورها ما عادت تجد في السوق البديل المكافئ لخدماتها عداك عن المكافئ المعرفي المزعوم. وهكذا تنزف المجتمعات بعمومها والمجتمعات المتقدمة بخصوصها، تنزف قواها يوماً بعد آخر وليس في الأفق أي بشير يبشر بوقف هذا الانحطاط المتفاقم. ليس هناك أية قوى صاعدة في كافة المجتمعات توحي بأن ثمة بقعة ضوء في نهاية النفق حالك الظلمة. استمرار الحال على هذا المنوال لن ينتهي قطعاً إلاّ إلى نهاية الجنس البشري على الأرض أو عودته إلى الحياة الوحشية الفردية بدون أية علاقات اجتماعية وإنتاجية ولو بحدودها الدنيا المعروفة عبر التاريخ. ليس هناك ما يحول دون ذلك سوى غريزة البقاء وحفظ النوع لدى الجنس البشري وهو ما يتجلى في رحلة الأنسنة الخاصة بالإنسان منذ افتراقه عن مملكة الحيوان عن طريق الإنتاج عبر التشكيلات الإجتماعية المختلفة. وهكذا فبفعل أفظع جريمة اُقترفت بحق البشرية عبر التاريخ وهي هزيمة البروليتاريا العالمية علي يد الطبقة الوسطى السوفياتية بقيادة سيء الذكر نيكيتا خروشتشوف والتي من تداعياتها أيضاً استسلام الرأسمالية العالمية في مؤتمر رامبوييه 1975 للطبقة الوسطى وليس للبروليتاريا، وكان قد تمت هزيمتها، فقد غدا مصير البشرية موضع نزاع نزوعين فاعلين في سائر المجتمعات في العالم وهما . . الانهيار الطبقي المتفاقم من جهة، وغريزة حفظ النوع الإنساني من جهة أخرى. في أية حرب تتراجع فيها الجبهتان المتحاربتان لا يستطيع أي خبير استراتيجي أن يتنبأ بنتيجة الحرب بالطبع. التناقض الهجين بين البروليتاريا والطبقة الوسطى، وهي ليست طرفاً رئيساً في عملية الإنتاج، ظل في خفوت متلاحق خلال النصف الثاني من القرن العشرين وما زال، وسيفنى النقيضان في ذاتيهما بغير الإنتقال إلى حال آخر مختلف. يغيب صراعهما نهائياً ليترك العالم لمصير مجهول يتنازعه نزوعان لم يتوقعهما أحد . . الانهيار الطبقي اللامنتهي مقابل غريزة حفظ النوع الإنساني. في مثل هذه الحالة الاستثنائية والخاصة جداً على الماركسيين الحقيقيين، وهم الذين كرسوا أنفسهم لأن يكونوا روّاد الإنسانية وأنبياءها، أن يشيروا إلى الإحتمالات الواردة كنهاية مستقرة لمثل هذا النزاع. أي دارس للعلوم الماركسية لا يستطيع أن يتنبأ إلا بثلاث نهايات يمكن تخمينها كما التالي . .

النهاية الأولى وهي ما تشي بها الحالة المروّعة القائمة. الطبقة الوسطى تستنزف البروليتاريا وتبيع عليها خدماتها بأضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية بدعوى ميزتها المعرفية. اليوم ولم يعد للبروليتاريا أن تعطي الكثير فقد بدأت الطبقة الوسطى تتآكل وتتساقط منها مساحات واسعة إلى قعر المجتمع، إلى اللاطبقة، إلى جيوش المعدمين المتزايدة باستمرار كما حدث مؤخراً في الولايات المتحدة ــ كلما تهالكت طبقة البروليتاريا كلما انعدمت الطبقة الوسطى. لكن هل ستقبل الطبقة الوسطى الإنعدام الكلي خاصة وأنه ليس هناك في الأفق من عدو لديه العزم والعزيمة ليقوم بتنحيتها عن خشبة المسرح وسدة السلطة. الممثل الوحيد البديل المنتظر اعتلاءه خشبة المسرح، وهو البروليتاريا، لم يعد قادراً على ذلك ليس لأنه فقد صوته فقط بل لأنه فقد النص أيضاً فلم يعد يدري ما يقول وقد أخذ ملقنوه (Prompters)أنفسهم يقرؤون من خارج النص معتبرين أن ماركس قد جرى عليه التقادم ولم يعد يحاكي عالمهم. لكن ما عسى الطبقة الوسطى تفعل في مثل هذا المأزق؟ منطق الأشياء يقول أن هذه الطبقة المعروفة بمكرها وخداعها ستقاوم بقوى الدفاع الذاتي انهيالها إلى القاع المعدم خاصة وأنها تقبض بقوة الدولة على القوى المسلحة والأسلحة المتقدمة وفي مقدمها أسلحة الدمار الشامل. ستظل تستنزف البروليتاريا حتى الحدود الحرجة وقبل أن تفلس ويتهددها الإنهيار التام ستتجه إلى الإعتداء على المجتمعات والدول الأخرى لنهب ثرواتها فيعود العالم لمثل ما كان في العصور المظلمة حين كانت الأمم البدائية تتمون بمؤن منهوبة عن طريق الحرب والاستعمار الكولونيالي القديم. ليس ثمة ما يحول دون ذلك في الأفق المنظور. سوف يستهجن بعضهم مثل هذه النهاية البشعة لكنهم لن يتجاوزوا حدود الاستهجان ليقولوا كلمة تبرر استهجانهم.

النهاية الثانية التي تنفي النهاية الأولى: ما جرجر إلى مثل النهاية الأولى المروّعة هو نيكيتا خروشتشوف الذي تخلّى عن كل القيم الشيوعية طمعاً باحتلال مركز ستالين الرفيع والكبير عليه بكل المقاييس. حال رحيل ستالين، وتحقيقاً لأغراضه الدنيئة، تسلل هذا البورجوازي الوضيع المتلفع بلفاع البولشفية لاحتلال مركز الأمين العام المسؤول عن التنظيم في الحزب؛ فكان أن فتح الباب على مصراعية للبورجوازية الوضيعة لتمكينها من مفاتيح الحزب، وراح يتعاون مع قادة العسكر متعهداً لهم بتحقيق كامل أغراضهم ليكونوا الدعامة القوية في تحقيق أغراضه البورجوازية الوضيعة. خلال شهور قليلة استطاع هذا الماكر أن يعتقل من هو أمكر منه في قيادة الحزب والدولة، لافرنتي بيريا، ويحاكمه ويعدمه بسرية مطلقة خلافاً للأصول الحزبية. وبحركة أخرى استطاع هذا البورجوازي الوضيع إزاحة مالنكوف من مركز ستالين ليحتله هو محققاً أطماعه وهو الغبي الذي لا يعلم أن الرجل هو من يحقق مهابة ورفعة المركز وليس المركز هو الذي يحقق مهابة ورفعة الرجل. منذ العام 1954 فقد كل من الرجل والمركز كل مهابة ورفعة، فقد غدا نيكيتا خروشتشوف عبداً مأموراً لدى مارشالات وجنرالات الجيش وغدا الحزب هيكلاً فارغاً لا يلوي حراكاً كما اعترف خروشتشوف بكل هذا في خاتمة مذكراته التي أملاها ــ لأنه لا يجيد الكتابة ــ بعد أن قضى العسكر منه وطراً ونبذوه، بل تحول حزب البلاشفة حزب لينين وستالين إلى منظمة بورجوازية تشتم باني الإتحاد السوفياتي يوسف ستالين وتنصّب رؤساءً للإتحاد السوفياتي لا علاقة لهم بالشيوعية بل أعداء لها من أمثال بريجينيف وغورباتشوف ومن على شاكلتهما.
نذكر هذه الحقائق التاريخية لنؤكد لمن ليس له علم بها أنها هي وحدها التي دفعت بالعالم إلى أن يحط في محطة الإنحطاط مسدودة المنافذ الماثلة اليوم ــ الحوار المتمدن العدد 2978. كما أن أية شروط تمكّن العالم من الخروج من محطة الإنحطاط هذه ستكون ذات علاقة مباشرة بهذه الحقائق ــ وهنا أسمح لنفسي بالخروج قليلاً عن الموضوع لأخالف المحللين السياسيين البورجوازيين الذين يقرؤون ظاهر التاريخ فقط فيقولوا بانتصار النظام الرأسمالي على النظام الإشتراكي فأقول لهم أن العكس هو الصحيح فالنظام الإشتراكي هو الذي انتصر على النظام الرأسمالي وساقه رغم أنفه ليحبس في محطة الإنحطاط الحالية. لكن وقد آلت مقاليد النظام الإشتراكي إلى عصابات البورجوازية الوضيعة سيق هو نفسه أيضاً ليجد نفسه محبوسا في ذات المحطة المنحطة بجانب النظام الرأسمالي.
إحتمال أن تنهض البروليتاريا لتقود الإنسانية خارج محطة الإنحطاط الحالية يتوقف أولاً وأخيراً على أن تعي البروليتاريا أسباب الكارثة الكونية التي حلت بها إثر رحيل ستالين. صحيح أن فرداً بعينه وخاصة كالغبي الإمعة خروشتشوف لا يستطيع بمفرده أن يتسبب بانهيار دولة عظمى كالإتحاد السوفياتي ونظام تقدمي كالنظام الإشتراكي، بل إن جيوشاً جرارة كالجيوش الهتلرية لم تستطع ذلك، إلا أننا في هذه الحالة أمام طبقة سوفياتية عريضة هي طبقة البورجوازية الوضيعة التي قاومت بكل الأشكال إلغاء تقسيم العمل وعبورها الإشتراكية خلف البروليتاريا، وأقنعت مجمل الأحزاب الشيوعية في العالم أنه لم يعد هناك صراع طبقي في النظام الإشتراكي على العكس من مقولة ستالين في المؤتمر العام الثامن عشر للحزب عام 1938 التي أكدت أن الصراع الطبقي يزداد ضراروة كلما تقدم المجتمع في عبور الإشتراكية. الغبي الإمعة خروشتشوف قال في المؤتمر العام الإستثنائي الحادي والعشرين في العام 1959 أن دولته هي دولة الشعب كله وهي تنبذ الصراع الطبقي لأنه يخدم الأعداء. بكل الوقاحة والغباء قال ذلك وهو الذي قام بانقلاب عسكري قبل بضعة عشر شهراً وطرد نصف أعضاء المكتب السياسي !! فهل طرد أخوة له وأصدقاء!؟
الأحزاب الشيوعية بمجملها كانت قد سرقت بوصلة الثورة الإشتراكية من البروليتاريا. خانت البروليتاريا وثورتها الإشتراكية عندما هللت وصفقت عالياً للخائن المرتد خروشتشوف. خانت الثورة وما تزال تخونها وهي تعزو انهيار المشروع اللينيني لستالين وإدارته البيروقراطية كما تصفها وليس لانحراف خروشتشوف وخيانته. إدانتهم لدكتاتورية ستالين لا معنى لها بل هي كذب صراح طالما أنهم يستنكرون بذات الوقت دكتاتورية البروليتاريا وهي الشرط الوحيد الذي اشترطه كارل ماركس لعبور الإشتراكية. كيف يثبتون أن دكتاتورية ستالين ليست هي دكتاتورية البروليتاريا!؟ لن يستطيع مختلف المجندين في معاداة ستالين أن يثبتوا ذلك. إن من يستنكر دكتاتورية البروليتاريا ليس إلا بورجوازياً وضيعاً. والبورجوازية الوضيعة هي من أخّر انتقال البشرية إلى الحياة الشيوعية لقرن طويل قد يستطيل ليصل إلى القرنين. ويذكر في هذا المقام قرار الأممية الثانية في مؤتمرها في شتوتغارت 1907 القاضي بتحويل أية حرب دولية استعمارية قادمة في أوروبا إلى ثورة اشتراكية تطيح فيها البروليتاريا الأوروبية بسائر الإمبراطوريات الإستعمارية؛ لكن ما إن ذرت الحرب العالمية الأولى قرنها في العام 1914 حتى انضمت أحزاب الأممية الثانية، أحزاب الاشتراكية الديوقراطية باستثناء البلاشفة بقيادة لينين، إلى جيوش الإمبراطوريات الاستعمارية وقاتلت بعضها. تلك هي أحزاب البورجوازية الوضيعة، والأحزاب الشيوعية اليوم تقوم بنفس الدور.
ما يقطع الطريق على الطبقة الوسطى وهي تجر العالم كله إلى مصير في غاية البشاعة، كما في الإحتمال الأول، هو أن تنبذ الأحزاب الشيوعية كل إرث الخائن خروشتشوف لتعيد البوصلة المخطوفة، الماركسية اللينينية، إلى طبقة البروليتاريا التي بدورها سيكون لديها جيش احتياطي هائل من معدمي الطبقة الوسطى الذي بواسطته فقط تستطيع أن تستأنف ثورتها الإشتراكية؛ حيث البروليتاريا وحدها وقد انكمشت حتى الحدود الحرجة لا تستطيع القيام بالثورة وحدها، كما وأن ليس بمقدورها النمو والتمدد. بغير أن تعود الأحزاب الشيوعية عن الإنحراف الذي انحرفته في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وبالسرعة المطلوبة فإن دمار العالم سيغدو محتوماً وعندئذٍ ستكون الأحزاب الشيوعية من أيتام خروشتشوف هي المسؤولة عن تدمير العالم طالما أنها تأبى إلا أن تكون طليعة الطبقة الوسطى، طليعة البورجوازية الوضيعة.

النهاية الثالثة والأخيرة: بافتراض أن الطبقة الوسطى تمنعت أن تخلي سدة السلطة واستحال عليها بنفس الوقت في البلدان القوية والكبيرة مثل الصين والولايات التحدة وروسيا أن تغزو البلدان الأخرى وتنهب ثرواتها فاستحال بذلك الإحتمال الأول، وفي حال تمنعت الأحزاب الشيوعية عن الإعتراف بخطئها ولم تعد بوصلة الماركسية اللينينية التي كانت قد خطفتها في خمسينيات القرن الماضي إلى البروليتاريا كما عرفتها بقيادة ستالين فامتنع بذلك الإحتمال الثاني، فستبقى هناك فرصة وحيدة ولو أنها ضئيلة وبدون دالات محسوسة وتتمثل بجيوش المعدمين المتحدرين من الطبقة الوسطى، كأولئك الذين تدفقت أخبارهم في الولايات التحدة في الأشهر القليلة الماضية، مدفوعة بغريزة حب البقاء وحفظ النوع الإنساني فتقوم بثورة تطيح بفلول الطبقة الوسطى وتبعث من جديد وسائل الإنتاج البضاعي، كما ارتأى الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو الإنتاج الوحيد الذي يوفر أسباب الحياة. ليس من شك إذّاك في أن تسود الفوضى العلاقات الإجتماعية في مختلف الدول صغيرها وكبيرها سواء بسواء وذلك لأن مثل هذه الجيوش، جيوش المعدمين المتحدرين من الطبقة الوسطى، لا تمتلك أية خبرة في وسائل الإنتاج البضاعي، والمعدمون لا يشكلون طبقة بالمعنى العلمي الدقيق للكلمة لأنهم لا ينتجون بعد أن فقدوا وسائل الإنتاج الوضيعة للطبقة الوسطى. ستسود الفوضى في الإنتاج وعلاقات الإنتاج ريثما تستعيد فلول البروليتاريا أقنوم الإشتراكية المتجسد في الماركسية اللينينية فتستأنف ثورتها الإشتراكية التي ستكون شروطها مختلفة بالطبع عن شروط الحلقة الضعيفة التي حكمت مشروع لينين في الإشتراكية السوفياتية. ولنا أن نندهش حقاً إذّاك من أن جيوش المعدمين المتحدرين من الطبقة الوسطى هي التي أعادت بوصلة الثورة الإشتراكية إلى البروليتاريا وليس الأحزاب الشيوعية التي دأبت على السير في مسار خروشتشوف النحرف ولم تتفكك بعد.

الأحزاب الشيوعية من أيتام خروشتشوف التي لم تتفكك بعد لن تتفوه بكلمة واحدة في موضوع أطروحتنا لأن من شأن ذلك سواء وافقت على الإحتمالات المستقبلية أم عارضتها أن يعيدها رغماً عنها إلى مواجهة الماركسية وجهاً لوجهة وهي التي ابتعدت عنها لتركب قطار خروشتشوف في مساره المنحرف عن مسار الماركسية الإشتراكي. هذه الأحزاب من أيتام خروشتشوف تلوذ بالصمت إزّاء أطروحتنا الماركسية بامتياز بحجة إنشغالها بتأسيس الديموقراطية وتداول السلطة والعدالة الإجتماعية وهي بهذا لا تخدع إلا نفسها فمثل هذه المواضيع لم يأت ذكرها على الإطلاق في مؤلفات ماركس المحيطية. إن أطروحتنا في مقالاتنا المشار إليها أعلاه ستظل تتحدى سائر "الشيوعيين" من أيتام خروشتشوف قبل أن يثوبوا لرشدهم.



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفر الخروج
- حول أطروحة المحطة المنحطة مسدودة المنافذ
- حميد كشكولي ضد الإشتراكية
- محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم
- تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
- تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
- هل الرأسمالية متقدمة على الإشتراكية !؟
- من يفتح ملف الإشتراكية !؟
- ليس شيوعياً من يغطي على الأعداء الفعليين للشيوعية
- القانون العام للحركة في الطبيعة (الديالكتيك)
- الوحدة العضوية للثورة في عصر الإمبريالية
- البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة ..
- نحو فهم أوضح للماركسية (3)
- نحو فهم أوضح للماركسية (2)
- نحو فهم أوضح للماركسية
- رسالة إلى أحد الديموقراطيين الليبراليين
- الليبرالية ليست إلاّ من مخلّفات التاريخ
- حقائق أولية في العلوم السياسية
- شيوعيون بلا شيوعية !!
- كيف نتضامن مع الشعوب السوفياتية لاسترداد فردوسها المفقود


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - سفر الخروج 2