جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 19:08
المحور:
كتابات ساخرة
أكثر ما يميز المجتمع الأردني في السنوات الخمس الأخيرة هو العنف ضد الأطباء أولاً وازدياد أعمال العنف والشغب في الشوارع وانتشار السلاح بدون رخص قانونية وازدياد نسبة المطلوبين للقضاء المدني على خلفية أعمال عنف عشائرية , حتى أن سيدة عجوز قد تعرضت للاغتصاب بشكل مضحك ومحزن في آنٍ واحد , وجرائم كتابة شكات بدون رصيد أو نصب واحتيال, وهنا تسعى الدولة الأردنية إلى تشديد قانون العقوبات وتعديله وهذا يدل على تطور خطير جدا وهو أن غلظة القوانين وشدتها تدلُ دلالة واضحة على صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فكلما كانت القوانين غليظة وشديدة كلما كانت الحياة أكثر غلظة وشدة, وكذلك بناء سجون جديدة في الوقت الذي تسعى فيه الدول المتقدمة لتبييض السجون وإغلاقها وتحويلها إلى مراكز تدريب مهنية , وتراجع بناء المصانع وازدياد نسبة البطالة , وأظن في السنوات العشر القادمة أن المجتمع الأردني على شفا بداية حرب أهلية وتصفيات جسدية ,وقد تتطور أعمال العنف في الأردن إلى شكل آخر وهو الشكل الذي لا يحبُ أحدٌ من الناس سماعه أو رؤيته ألا وهو العنف السياسي أو الثقافي أو أن تصبح الأردن مثل الجزائر في التسعينيات من القرن المنصرم , حتى أن الجريمة المنظمة بدأت تتشكل في مخيلة مرتكبي أعمال العنف وهذا تطور خطير جدا يدل دلالة واضحة على أن المجرم قد أصبحت لديه خبرات تراكمية وأصبح متدربا ً على ارتكاب الجريمة من خلال تمويه نفسه , وأصبح العنف في الأردن ظاهرة لا يمكن تجاهل الحديث عنها , وهي متعدد الأنواع والأشكال والأسباب فهنالك العنف الأسري ضد الأطفال والعنف ضد النساء والعنف في الشوارع والحارات , فلا يمرُ علينا شهر إلا ونسمع بحادثة قتل أو أعمال تخريب ضد الممتلكات الحكومية أو ممتلكات المواطن العادي,وتطال هذه الأعمال حتى المدارس والمراكز الصحية , وهنالك العنف الجماعي العشائري منتشر بشكل تصاعدي وملحوظ كأن تقوم إحدى العشائر بحرق بيوت ومنازل عشيرة أو قبيلة أخرى على خلفية شجار أطفال أو شباب في الشوارع بالغي السن القانوني , ويشترك في هذه الأعمال حملة الشهادات العليا وحملة الشهادات الابتدائية , والأطباء في الأردن يومياً يتعرضون للإهانات وللمسبات وللشتائم من المراجعين , والطبيب الأردني مظلوم وظالم لأنه مظلوم , وهو الذي لا تجد في عيادته موضع قدم لك أو دقيقة لكي تتحدث معه , وكل الناس تشكو في مكتبه من آلام المفاصل والمعدة والضغط وغالباً ما يكتب وصفته دون النظر في وجه المريض , وألاحظ أن المريض حين يدخل على عيادة الطبيب فوراً يبدأ المريض بتعداد طلباته قبل أن يشرح نوع الألم الذي يشكو منه وكأن عيادة الطبيب سوبر ماركت , وأنا لا أستثني نفسي من دون الناس فأنا إذا ذهبت ُ إلى الطبيب الحكومي فوراً أقول له : أريد مضادات حيوية وريفانين وفامودار قبل أن اشرح نوع المرض الذي أشكو منه ,والطبيب طبعاً لا يعترض فيسأل المريض شو بوجعك وهو يكتبُ في الوصفة ولا يعترض الطبيب على سلوك المريض لأن الطبيب (مش فاضي للمجادلة) لكثرة المرضى الواقفين على باب عيادته ,وحين يذهب المريض إلى الصيدلية يجدها خالية أحيانا من الأدوية وخصوصا (الكابوتين) الخاص بخفض الضغط فيسب ويشتم ويلعن على الحكومة وعلى وزارة الصحة وغالباً ما تنتهي شتائمه بالهجوم على الطبيب أو بضربه, ولهذا يتعرض الأطباء في الأردن إلى ما يسمى العنف ضد الأطباء , وشاهدتُ في حياتي في أقسام الطوارئ والإسعافات ضرب للأطباء وتدخل من رجال الشرطة ومندوبي الحوادث لفض الاشتباكات بين المواطن والأطباء .
ثم أن الطبيب الأردني عبارة عن آلة كاتبة مثله مثل كاتب الإحصاءات العامة أو موظف الديوان البريدي في أي دائرة حكومية , تدخل عليه العيادة في الساعة العاشرة تنظر إليه فتجده متعباً مرهقا وقد عاين ما يقرب من 100 حالة في خلال 3 أو 4 ساعات من الدوام الرسمي وبذلك يبذل جهداً أكثر من جُهد عمال الباطون , فكيف سيحصلُ المواطن على خدمات نوعية وكيف سيتم الكشف على حالته الطبية !!, فهو يكتب في اليوم الواحد أكثر من 200 وصفة دواء هذا عدى التقارير الطبية وحالات الإسعاف والطوارئ ولو كان الطبيب مدخل برامج أو طابع على الكيبورد في إحدى المكتبات لَتعب من كثرة الكتابة على الورق ولطلب كاتب آخر معه لكي يساعده, وكلما دخلت على طبيب أردني حكومي أشعر بالخجل منه وأحزنُ عليه جدا ً لكثرة المراجعين , وأقول بيني وبين نفسي لو هؤلاء الذين يدخلون عليه ويعطونه فلوس كثيرة جدا لتعب حتى من عد الفلوس (المصاري) ويده لا تستطيع أن تجس أو تتحسس آلام المريض لأنها مشغولة في الكتابة , والمواطن الأردني يدخل على عيادة الطبيب بدون احترام للطبيب أو للمكتب الذي يدخله وتعامله مع الطبيب بأدب قليل جدا أقل مما يتعامل به مع مكنيكي سيارات أو صاحب بقالة تجارية , وأقولُ بيني وبين نفسي : والله لو المواطن داخل على محل لبيع الخردوات ما بتكون تصرفاته هيك!.
والعنف في الأردن في تصاعد مستمر وهو ضد كل أشكال الحياة المدنية , ويعالج بطريقة تشجع مرتكبيه على ارتكاب سلسلة أعمال إجرامية ضد الناس وأمن المواطن المسالم ,لأن العلاج يكون بتدخلات عشائرية وقبلية هجينة فيشعر المواطن الأردني بقوته التي يستمدها من شيخ القبيلة والعشيرة , حتى أساتذة المدارس يتعرضون للعنف من قبل طلاب المدارس وليس الأطباء وحدهم من يتعرض لهذا العنف المقيت , ويبدو أن المجتمع الأردني مضغوط سياسياً واجتماعيا واقتصاديا , فنسبة البطالة كبيرة جدا وتراجع القوى الشرائية للدينار الأردن في هبوط مستمر , وعدم قدرة ذهاب الناس إلى مستشفيات خاصة تجعلهم جميعا يزدحمون بشكل مقرف على أبواب العيادات الحكومية .
وألاحظ الناس وهم يقفون على أبواب العيادات الحكومية وكأنهم في سوق للخضروات وتتعالى أصواتهم أمام العيادات وكأنهم باعة متجولون, ومنظر الطبيب وهو يكتب في وصفات الدواء يكون وكأنه محرر في صحيفة يومية أو مدقق لغوي لكثرة عودة الوصفات الطبية إليه من الصيدلية لعدم توفر الدواء المطلوب وخصوصا أدوية الضغط فيعيد الطبيب كتابة الوصفة من جديد .
والممرضات يقفن على باب عيادة الطبيب وكأنهن حرس غفر لدفع المواطن الأردني للخلف لأن الموطنين يزدحمون على أبواب العيادات وكأنهم في أزمة سير مروري على طريق مزدحم بالسيارات , وفي كل عشرة دقائق تخرج الممرضة وتقفُ على باب العيادة من أجل تنظيم الدور ودفع الناس وتوسيع الطريق إلى باب العيادة.
وهذا المشهد يتكرر يومياً ويدلُ دلالة واضحة على أن المجتمع الأردني يعاني من أمراض كثيرة , والعنف الذي يتعرض له الأطباء هو صورة مصغرة عن العنف الذي يتعرض له الانسان الأردني في كافة القطاعات الرسمية
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟