|
تنامي شعور العداء والرعب تجاه المسيحيين: الحملة على أكاديمية جورج واشنطن بالمغرب نموذجا
نادر عبد الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 17:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يجادل اثنان في أن المدارس العصرية الأولى بالوطن العربي قد أسسها مبشرون ومرسلون، بما في ذلك المغرب الذي أسس فيه الرهبان الفرانسيسكان أول مدرسة لهم بمدينة طنجة سنة 1880. وقد تناسلت بعد ذلك المدارس من إسبانية وفرنسية وأمريكية. ومنذ، ذلك الزمن، أي قبل حوالي قرن ونصف لم يحدث أن أحس المسلمون بأي تهديد حقيقي لأمنهم الروحي، بل لا يزال الكثيرون ممن تربوا أو تتلمذوا أو تطببوا على أيدي الآباء البيض مثلا يكنون كل الاحترام والتقدير والمحبة ل"خدام السيد المسيح" أولئك، دون أن يؤثر ذلك قيد أنملة في عقيدتهم الإسلامية. كما أن المغرب، حتى في عز سنوات الاستعمار الفرنسي بكل ما كان يمثله من دعم سياسي وثقافي ومادي ومعنوي للحركات التبشيرية، لم يشهد في تاريخه الحديث أية عملية محو ثقافي لهويته، أو استلاب ديني أو غيره من الأوهام التي تقض مضجع الإسلاميين اليوم؟
لقد كان المغرب دائما بلد تسامح، ولم يحدث أن وجد التعصب الديني سبيلا إلى أفكار ومشاعر المسلمين المغاربة الذين لا يزالون إلى اليوم يعتبرون الفكر الإخواني وتيارات الإسلام السياسي الوافدة من المشرق حركات دخيلة على هويتهم الوطنية الإسلامية. لكن للأسف مع تصاعد شوكة الحركات الإسلامية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، واستقوائها منذ التسعينات وبداية القرن الحالي بسبب الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجتازها البلدان العربية والإسلامية عموما، بدأ تتسرب إلى المجتمع المغربي مظاهر وسلوكات وأفكار غريبة تغذيها الجمعيات والمنابر الإعلامية الإسلامية والقنوات المتطرفة. من أخطر هذه الأفكار الإيديولوجية الإسلامية المسمومة، وأكثرها تهديدا للتوازن الروحي للمغاربة زراعة مشاعر الرعب والكراهية من أهل الملل الأخرى خصوصا المسيحيين، عبر تصويرالأخيرين كشياطين يتحينون الفرص لتنصير المغاربة المسلمين، وتحويل المغرب إلى محمية نصرانية. وقد جند هؤلاء الإسلاميون ومن يحذو حذوهم ما يملكون من احتيال إعلامي ودس وتهويل وترهيب، كالنفخ في أعداد المغاربة المتحولين إلى المسيحية الذي يرتفع أحيانا بقدرة قادر من 1500 إلى 7000 ثم إلى ما يفوق 50000، وتصوير المغاربة كشعب ضعيف متكالب على بيع دينه من أجل حفنة دولارات أو تأشيرات، والترهيب السياسي عبر الربط بين التبشير والعمالة والتآمر على سيادة الدولة، واستعداء الدولة على المسيحيينن وغير ذلك.
خير مثال على ذلك ما يحدث في المغرب منذ مارس 2010 من حملة ممنهجة ضد مدرسة أمريكية راقية بالدار البيضاء هي مدرسة جورج واشنطن، ويتزعم هذه الحملة محامي حزب العدالة والتنمية مصطفى الرميد، مجندا أذرع الحزب الإعلامية: جريدة التجديد، وجريدة المصباح. وللعلم فأكاديمية جورج واشنطن هي مدرسة أمريكية تأسست سنة 1998 بالدار البيضاء بمساعدة محسنين أمريكيين ومغاربة مسلمين كما تشهد وثائق التأسيس. وبفضل برامجها التربوية الحديثة والراقية استقطبت تلاميذ النخبة بالدار البيضاء حيث بلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون بها هذه السنة 700 تلميذا من ثلاثين جنسية أغلبهم مغاربة 60%. كما تخرج منها لحد الآن 1500 تلميذا يدرسون الآن بأرقى المعاهد والجامعات في أمريكا وكندا وغيرهما. وخلال سنوات وجودها لم يحدث أن زعزعت عقيدة تلميذ واحد. لكن بتاريخ 12 نيسان (أبريل) 2010 وجه ذ مصطفى الرميد المحامي والنائب البرلماني والقيادي في حزب العدالة والتنمية، دعوى ضد المدرسة بتوكيل من أحد الآباء الذي زعم أن المدرسة زعزعت عقيدة ابنه. تقول الدعوى أن تلميذا بات يعاني اضطرابات نفسية بعد أن صار يتصور نفسه مسيحيا، مما أدى بوالده إلى عرضه على طبيب نفساني، ورفع دعوى ضد المدرسة متهما إياها بما وقع لابنه. هكذا وجدها الأستاذ الرميد فرصة سانحة، فشمر على ساعد التهويل والترهيب، معطيا التصريحات تلو التصريحات عن كون هذه لمدرسة بؤرة ومعقلا للتنصير، ومتهما كل موظفيها الأمريكيين منهم والمغاربة المسلمين على السواء (حوالي 100 مغربي مسلم يشتغلون هناك) بكونهم جيشا للتنصير (انظر تصريحه على الجزيرة بتاريح 20 نيسان 2010 في الحصاد المغاربي).
لكن، كيف يجرؤ هذا النائب البرلماني المسؤول والمحترم، والقيادي الواعد الموعود للحركة الإسلامية بالمغرب، والمحامي ذو الضمير المهني على الجزم بتورط المدرسة في جريمة التنصير، وإدانة المدرسة إدانة صريحة، مع أن القضية لا زالت في طور التحقيق؟ ثم كيف يبني اتهاماته، ويؤسس دعواه على كتابات وشهادات منشورة في موقع على الانترنيت أسسه شخص اسمه محسن الملياني انتقاما من المدرسة بعد أن أراد ابتزازها ماليا ورفضت، والمدرسة تتوفر على وثائق بذلك؟ هل تأكد المحامي المحترم من موضوعية المواد المنشورة على ذلك الموقع وعدم تزويرها أو بعضها أو فقرات منها كما تأكدت المدرسة من ذلك؟ كيف يتهم كل العاملين بالمدرسة بما فيهم المغاربة المسلمون، حوالي 100، بكونهم عملاء تنصير دون أن يجشم نفسه عناء التحقق من ذلك؟ "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (سورة الحجرات، آية 6)
أظن أن لهذا الاستقواء المتوسل بظرفية الحملة على التنصير في المغرب تفسير واحد هو تنامي مشاعر الحقد والرعب والكراهية تجاه المسيحيين من مختلف الجنسيات الذين أصبحوا ينظر إليهم كمبشرين بالقوة بسبب هذا التحريض والتهويل والتلفيق. إلا أن نظرة واحدة متبصرة تبين أن الخطر الحقيقي الداهم ليس التنصير، ولكنه الانكفاء والنكوص الثقافي والروحي الذي يروم صناعه الإسلاميون وغيرهم من ورائه العودة بالمغرب إلى عصر الحروب الصليبية، وبعث مشاعر التعصب والعرقية في أفق أسلمة الشارع المغربي والإجهاز على مكتسبات الحداثة والنضال الطويل من أجل ترسيخ القيم الحضارية والديمقراطية في البلد. وما الحملة على مدرسة رائدة في مجال التربية كأكاديمية جورج واشنطن كما يشهد تاريخها، سوى مثال ملموس على النوايا السيئة والمبيتة من طرف هذه القوى الظلامية في أفق الانتخابات التشريعية القادمة وما بعدها، وكل وما يعد له الإسلاميون من عدة لذلك. ونريد من هذا المنبر الديمقراطي الحر أن نهيب بمختلف مكونات المجتمع المدني، ومثقفيه في المغرب عدم الوقوف وقفة المتفرج أمام ما بات يحاك علانية ضد قيم الحداثة والتسامح والحرية والانفتاح على الأقوام الأخرى، وما يتهدد مستقبل الأجيال.
#نادر_عبد_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطفل ع وتلفيق تهمة التنصير لأكاديمية جورج واشنطن
المزيد.....
-
هيئة البث الاسرائيلية:اندلاع النيران في كنيس يهودي بمدينة مو
...
-
تونس.. تسعة معالم دينية في القيروان مهددة بالانهيار
-
بزشكيان:العلاقات الطيبة بين البلدان الاسلامية تحبط مؤامرات ا
...
-
“ارسمي الفرحة على وجه البيبي الصغير” استقبل حالا تردد قناة ط
...
-
الرئيس بزشكيان: على الدول الاسلامي التعاون ووضع الخلافات جان
...
-
هل أحاديث النبي محمد عن الجيش المصري صحيحة؟.. الإفتاء ترد
-
المكتبة الخُتَنيّة.. دار للعلم والفقه بالمسجد الأقصى
-
“خلي أطفالك مبسوطين” شغّل المحتوي الخاص بالأولاد علي تردد قن
...
-
قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|