|
السعودية والمشروع النووي
قاسم السيد
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 08:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القرار السعودي الاخير في ولوج المجال النووي من خلال استخدام الطاقة النووية لأغراض انتاج الكهرباء اثار كثيرا من الدهشة والاستغراب لعدم وجود الاستعدادات الكافية التي تهيء لنشوء هكذا استخدام في بلد كالسعودية ولقد سبق القرار السعودي هذا قرار مماثل اتخذته دولة الامارات العربية في ولوج ذات الميدان وهي الاخرى لاتتميز عن شقيقتها بافتقارها لنفس الاستعدادات . ان موقف الدولتين هذا يثير اكثر من علامة استفهام واستغراب فهما كانا بالامس يتباكيان من الاثار الجانبية التي من الممكن ان يخلفها مفاعل بوشهر الايراني المنشأ على الضفة المقابلة للخليج بسبب وقوعه بالقرب من دول المنطقة التي تحوي اراضيها اكثر من نصف الاحتياطيات النفطية العالمية وبالتالي ان امدادات العالم من النفط ستتعرض لمخاطر هائلة في حالة تعرض هذا المفاعل لحادث كما حصل لمفاعل تشرنوبيل في اوكرانيا السوفياتية في اواسط ثمانينيات القرن الماضي ولطالما سمعنا من مسؤولي الدولتين ذمهما الشديد لايران بسبب ولوجها هذا المضمار كون هذه المنطقة في غنى عن الطاقة النوويه فهي مترعة باحتياطات بترولية هائلة تكفي لاستخدامات انتاج الكهرباء وغيرها من المجالات الاخرى وان الاعذار التي تتعكز عليها ايران في ان حاجتها للكهرباء هي التي دفعتها الى الخيار النووي هي مجرد ذريعة لستر نشاطاتها النووية في المجال العسكري ليس الا فما الذي دفع الدولتين الى تغيير سياستهما بهذا التوقيت المتقارب. لقد جاء قرار الدولتين ليس متسرعا فقط وانما غير منسجم مع طبيعة النظام السياسي والاقتصادي فيهما فنظام الحكم العائلي والقبلي فيهما والذي ينظر الى مثل هكذا مشاريع خالية من البريق وليست ذات مردودات سريعة وحجم التقنيات التي يفترض وجودها والتي تسبق اقامة اي مشروع بهذه الضخامة والتعقيد تجعله ينظر اليها بفتور وتردد وبدون حماس اضافة للمشروع الاقتصادي المعتمد على عوائد النفط بشكل اساس والذي حال دون تأسيس بنى اقتصادية تحتيه حقيقيه لأكتفائهم وتعويلهم على عوائد النفط الضخمة وغياب القراءة الصحيحة للواقع وحتى المشاريع الصناعية التي تعمل في تلك الدولتين هي من غير جدوى ربحيه و التي يجري دائما الانفاق عليها من الموارد النفطية لتغطية عجزها المالي كل هذه العوامل تجعل المراقب للحدث يشكك في هذه الخطوة التي ربما لم يتخذها صانعوا القرار في الدولتين وانما حملوا على اتخاذها . فالعامل الاول الذي ربما حمل البلدين على الاقدام على هذه الخطوة هو المنافسة التقليدية بين ايران ودول الخليج والسعودية على وجه الخصوص بأعتبار ان المشروع النووي الايراني بأفتراض ان هذه الدول تعتبره برنامجا سلميا فهو مع هذا الافتراض يشكل علامة حضارية فارقة اصبحت تتمييز بها ايران عن دول الاقليم وهذا الهاجس يدفع بهذه الدول على ان لاتترك الريادة لايران وحدها ولقد فات على صانعي القرار في كلتا الدولتين ان المشاريع الحضارية لاتستورد بل يتم استيلادها وطنيا اما العامل الثاني الذي يمكن ان يحمل قيادتي البلدين على اتخاذ هكذا خطوة هو التحريض الامريكي من ان ايران باتت على اعتاب امتلاك سلاح نووي مما يرتب على هذه الدول اللحاق بأيران في هذا المجال وبالتالي ابتزاز هذه الدول بهكذا فزاعة لتسويق معدات نووية يمكن ان تكون فات اوانها وينبغي التخلص منها بشكل واخر . ان ذريعة كهذا لاتصلح ايضا ان تكون اساس يبنى عليه مشروع عملاق كالمشروع النووي وهما وان ورطا في امتلاك بعض المعدات النووية فهما لايمكنهما ان ينشئا مشروعا نوويا حقيقيا لعدة اسباب منها اولا – لاتملك الدولتين نظاما تعليما جامعيا مؤهلا يمكن ان يهيء كوادر علمية لها القدرة على ان تعمل في مجالات البحث النووي وهذا الجانب من الاهمية بمكان بحيث لاتوجد دولة في العالم لديها نشاطات او استخدامات نووية دون ان يكون لديها نظام تعليمي قادر على انتاج كوادر علمية اضافة الى وجود مؤسسات بحث علمي متقدمة يلزم توفرها لكي تقود هكذا برنامج جل نشاطه البحث العلمي وتعدد استخداماته بحيث لم يبقى اي فرع من فروع الحياة الا ولجها البحث النووي وحتى جامعة الملك عبد الله اليتيمة التي تتباهى بها المملكة العربية السعودية و التي اسست في جدة فهي في كل مفاصلها جامعة اجنبية وليست سعودية ابتداء من كادرها التدريسي الى طلبتها المستوردين. ثانيا – ولتأسيس هكذا نظام تعليمي يفرض اشتراطات ومناخات اخرى ستنسحب تأثيراتها على الوضع السياسي والاجتماعي مما سيؤدي الى خلق مناخات اشبه بالثورة او الانقلاب على قيم فكريه وثقافيه وزعزعةبعض الثوابت الاجتماعيه وهو بالتالي سيصتدم مع مصالح النظام السياسي في كلتا الدولتين مما يحول دون ظهور هكذا برامج ترتقي بمستوى التعليم والفكر في هاتين الدولتين لكونه سيأكل من جرف هذه النظم السياسية والكيانات الاجتماعية التي تتقاطع مصالحها مع ما سيحدثه هكذا تثوير حداثي في التعليم والثقافة ثالثا – وحتى لو نشأ هذا البرنامج النووي بحكم الضغط الامريكي فستعمل له حاضنة خاصة اسوة ببعض القطاعات الصناعية والصحية في السعودية ذات الطبيعية الاستعراضيه وذلك بالاعتماد على الكوادر العلمية المستوردة من الخارج ولخصوصية هكذا برامج ولخطورة المواد التي تتعامل بها فأن وضعا امنيا سينشأ من هكذا تعويل على الاجنبي ليس على مستوى هذه الدول او الاقليم فقط بل وحتى على مستوى العالم ايضا فمثل هكذا برنامج نووي متعدد الجنسيات يسهل التسلل اليه من قراصنة البحوث العلمية او عملاء الارهاب العالمي كالقاعدة وغيرها كون العاملين فيه لايملكون الحس الوطني الذي يدفعهم للحفاظ على سرية ابحاثهم اسوة بالبرامج الوطنية المماثلة . رابعا - نتيجة تواضع الامكانات العلمية للقيادات الادارية السعودية والاماراتية فمن الممكن ان تجري في هذه المراكز ابحاث ضارة ممكن ان تؤدي الى صناعة اسلحة نووية وتمرر من تحت ذقن هذه القيادات الى القاعدة واشباهها من الارهابيين دون ان تعرف هذه القيادات مايجري داخل مفاعلاتها النووية لان هكذا منشئات لم تنشأها العقلية الوطنية في الدولتين وانما اشتريت بالمال السعودي والاماراتي ليس الا وهو مؤشر على مدى الهوة الحضارية السحيقة التي يصعب تجسيرها بين منجزات العصر ومستخدميها . خامسا – الولوج في هكذا ميدان ممكن ان يستنزف ميزانيات هذه الدول رغم ثرائها الباذخ كون هذا الميدان ليس تجاريا ومتاحا للجميع الدخول فيه وشراء مايريدون من تقنياته بل تتم التعاملات فيه بترتيبات خاصة وبما ان هذه الدول وثيقة الصلة بالولايات المتحدة فهي ستتولى بالتأكيد اما تزويدها بهكذا معدات او عن طريق طرف ثالث من حلفائها ولنا ان تقدر كم سيكون الثمن باهضا وهذا مارأيناه فعلا في عقد دولة الامارات مع كوريا الجنوبية حيث ان كلفة العقد الاولية ستبلغ اكثر من أربعين مليار دولار امريكي وهو رقم فلكي بالقياس الى المردودات الاقتصادية التي ستجينيها الامارات . سادسا – وجود مثل هكذا منشئات في مثل هكذا دول وماتثيره من مخاوف وما يترتب على وجودها من نشاطات لها اثار امنيه سيعمل على جعل هذه الدول في دائرة الاهتمام والتدخل المباشر وغير المباشر سواء من الهيئات الدوليه او الدول ذات النفوذ العالمي كالولايات المتحدة وبالتالي الضغط على قرارها السياسي بشكل واخر و سيعمل على تآكل جرفها السيادي المتآكل اصلا .
#قاسم_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد العمال العالمي في بلادي يأتي حزينا
-
نحن والحمير
-
مع كامل النجار وتأملاته في القرآن المكي
-
كلام في الحب والصداقة
-
هل في الطريق تفجير قبة اخرى
-
كلام رجاله
-
ماذا جرى ياهل ترى ؟؟؟؟
-
ماذا يعني قرار اعادة الفرز اليدوي في بغداد / هذا القرار له م
...
-
الهلكوست ... نموذج صارخ للارهاب الفكري
-
المليحة ذات الخمار الاسود والموبايل
-
ايران هل ستضرب بالسلاح النووي ام ستمتلكه
-
قصيدة {{ نعي وط-----ن }}
-
كوتا المرأة في البرلمان العراقي مالها وما عليها
-
الديمقراطية العراقية والقمة العربية وأشياء اخرى
-
وأد البنات - بين العامل الاقتصادي والشرف القبلي - الحقيقة أي
...
-
القذافي وأمومة الشعب العراقي
-
اذهبوا فأنتم الطلقاء
-
الهاشمي بين شهوة السلطة والذرائعية القومية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|