|
ترسيخ التسامح يضمن التعايش السلمي في العراق
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2990 - 2010 / 4 / 29 - 10:59
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
يعتبر التسامح كمفهوم عام من اهم ركائز السلم و الامان، و لم يظهر الى الان الا عند الشعوب التي تعيش في مستوى متقدم من الانسانية التي تعتبر من اهم الفلسفات الحديثة التقدمية المعتمدة والوسيلة الراقية، و في المناطق و المواقع التي تتمتع بالمستوى المقبول من العقلانية في الفكر و العمل و فيها من يكدح من اجل الرفاه و السعادة للبشرية. من المعلوم ان هذا المفهوم الحديث و الحيوي جميل يمضمونه و عفيف من يمتلكه سوى كان فردا او مجتمعا، و من يحمله يجب ان يكون ساميا متواضعا عاقلا خاليا من الصفات البغيضة التي تبعده عن الحياة الانسانية. تاريخ العديد من المجتمعات مليء بالحوادث التي تركت اثارا سلبية على حياة الافراد و تناقلتها الاجيال و لم يحصد المجتمع منها الا البغض و الكراهية و انتشار عقلية الثار و الانتقام و فرض الراي و التوجه و الموقف الواحد على الجميع. بعض الافكار و العقائد التي سادت و الطرق و الوسائل التي اتبعت لنشرها اجبرت الشعوب على التمسك بالصفات السلبية المضرة الصادرة منها، و هذا ما يتطلب التعمق في العمل لازالتها . منذ نشوء الخليقة و تتسم الحياة و خاصة بعد التطور الذي حدث في شؤون الانسان بصفتين متضادتين جراء التعامل مع المحيط و وفق الحاجات و الضرورات و امتلاك الانسان لغريزة التملك و كيفية الحصول على ما يريد و ما يفكر في ضمان المصالح البسيطة بداية و من ثم الكبرى له، و من هنا تبدا التعقيدات في سير المعيشة البشرية من كافة الجوانب، و بانت الى السطح بعد مرور الحقبات الزمنية العديد من الامورالتي تهم وتتعلق بالانسان وازدادت احتياجاته ، و كانت هناك من الصفات التي لم تكن موجودة او مضمرة و طفت الى السطح و ابرزتها الدوافع و العوامل التي تجمعت لخلقها ، و منها خلقت الظواهر المتعددة التي تكونت جراء الاحتكاكات بين المكونات التي اختلفت بمرور الزمن و من ثم جاءت المستجدات و متطلباتها و التغييرات الطبيعية في كافة النواحي التي تمس الانسان و ما تفرضها، فانتشرت المفاهيم و المصطلحات المعاكسة لبعضها منها الصالح و الطالح و السلبي و الايجابي الخير و الشر و غيرها، و هذه اثرت بدورها على الفلسفات بعد انتهاء فترة الاساطير و الخرافات و دخلت في ثناياها الصفات و المفاهيم المضرة. لذا الكراهية و الاعتداء على الاخر و الغزو و الاحتلال و ما شاكل ذلك من ما ورائها من المصالح و الغنائم لم تات اعتباطا و من العدم، بل الضرورات الحياتية هي التي فرضت سيطرة البعض على الاخر او على المجموع ، و هذا لم يكن سهلا من دون ان يستخدم المتمادي الوسائل و الحيل و الخدع و التضليل منذ البداية. و عليه لم تكن البداية في ارضية تنعدم فيها المستلزمات التي من الممكن ان نسميها الخيٌرة، و الدافعة لنشوء الصفات الحميدة، و ان كانت المعيشة بسيطة الا انها كانت على اساس الصراع من اجل المعيشة و البقاء للاقوى كما هو حال الغاب، فلم يكن هناك مجال للمسامحة و الحياة اساسا وكانت الحياة بحد ذاتها تتوقف على المعاداة. و ما زاد الامر تعقيدا هو ظهور الافكار اليدائية السادية و الخرافات و ما اعتبر اديانا و مذاهب و محاولة فرضه و الاعتقادات التي تكتنفها بكافة الوسائل ، فليس امام من يعيش في هذه الاجواء من العقلية و التفكير و ما يحمل من الصفات الا ان يلتزم بالموجود و لا وجود لفرص المسامحة للمخالف و المقابل، لا بل استخدام اعنف الاسلحة و اقذر المواصفات و الخشونة بدات من محاولة السيطرة على الاخر و احتلاله عقليا و موقعا ، فلم يبق ما يشجع على المسامحة طيلة تلك الحقبات التي حاولت الافكار مسح ماموجود و تطبيق ما لدى المسيطر ومن اتجاه واحد . اي منبع العنف و اللاتسامح هو الجهل و التخلف و العقائد البالية المسيطرة منذ الازل و اصبح بمرور التاريخ تراثا ثابتا لا يمكن تجاوزه بسهولة و التوجه نحو العقلانية في الفكر و التطبيق. التاريخ مليء بمن خلف تاثيراته على مسار الانسانية بشكل ايجابي و عمل عكس التيار و لكن من رسخ الصفات اللاانسانية اكثر، و عند ترسيخ الافكار السيئة في فترات و حقبات يصعب فنائها في ليلة و ضحاها و يحتاج الى جهد و عقل و روح نظيفة و نفسيات طاهرة و افكار و نظريات مسالمة انسانية المنبع و الهدف ، من اجل عبور مراحل العصور الغابرة التي نعيشها اليوم ، و من هنا تبدا بناء ارضية الانتقال الى التعايش السلمي و السلام و الامن و التعاون و التسامح. عند التمعن في جوهر مفهوم التسامح و مدى ضرورته و قدسيته اكثر من اي شيء اخر يمكننا ان نجد الوسائل و الاليات الواجبة توفرها من اجل ترسيخه و تثبيته في العقلية الانسانية و تعامل الانسان مع اخيه مهما كان لونه و دينه و عقيدته و فكره و نظرته الى الحياة في اية منطقة كان. كلما تقدم الانسان و توفرت الضروريات و الحاجات الملحة لديه كان الاقرب الى السلام و السماح، كلما سيطر العقل على العاطفة و التراث و ترسبات التاريخ و العادات و التقاليد البالية كلما كان الانسان متسامحا و متواضعا و عالما بدقائق الخلق و استند على العلمية في مسيرته اليومية. لو القينا نظرة عابرة على تاريخ العراق القديم و الحديث بدقة و ما تخللته من الامور التي لها الصلة المباشرة بترسيخ الصفات الانسانية الحميدة و الخبيثة و قسنا مقداريهما ، نلقى العديد من المحطات و المراحل التي احدثت شروخا في العقلية الانسانية سوى ما وجدت من الافكار و العقائد و الاديان و المذاهب و الوسائل المعتمدة في نشرها او الاعتماد على الغريزة اكثر من اي شيء اخر، و في المقابل نرى من اعتكف و اعزل نفسه و ابتعد عن متطلبات حياته الخاصة و تنزه و قدم من العلوم و بنى الحضارات و نشات على ايديه التطورات و المتغيرات التي تقرب الانسان من التعايش السلمي و التسامح و النظر الى الامام و عمل كل ما في خير الانسان و خدمته. اليوم و نحن نعيش في مرحلة مختلفة جدا و التاريخ الحديث احدثَ ما لا يمكن اصلاحه بسهولة ، لذلك يحتاج الواقع العراقي الى العلم و المعرفة و الوسائل السلمية و المراكز العلمية الانسانية اكثر، من اجل ازالة الصفات التي غرستها الحقبات الماضية و ما وصلتنا من الصفات البذيئة ، و عمقتها الدكتاتورية و الحكم الماكيافيلي و الحروب التي اشعلتها و الافرازات السلبية التي لها تداعياتها الخطرة على فكر و عقلية الفرد العراقي و يحتاج هذا الى جهد و زمن لتغيير ما تغيرت من ضفاته الاخلاقية و سماته و ما عمٌق من جهله، و تعويضه بالمفاهيم الانسانية التقدمية ، و هذا ما يحتاج الى اليات و برامج و خطط و وسائل و امكانيات و مراكز و منظمات مدنية مع عقليات تقدمية التي يجب ان تدير الحياة السياسية الاقتصادية و الثقافية للبلد.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مثل هذه الظروف، من يفكر بالطبقة الكادحة في العراق ؟
-
التحالف الكوردستاني و احتمالات تشكيل الحكومة العراقية المقبل
...
-
ما يعيق النظام العالمي الجديد هو الازدواجية في النظرة و التع
...
-
السيناريوات القابلة التطبيق لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
-
الصحافة الكوردستانية الى اين ؟
-
هل يمتلك العراق ما ينقله الى مصافي الدول المتقدمة ؟
-
كيف نغلق طريق الفساد المستشري في العراق ؟
-
من يحدد هوية العراق ؟
-
ما يحتاجه العراق هو الحوار ام المفاوضات ؟
-
اهم نقاط التحول في تاريخ العراق الحديث
-
التحزب و الثقافة السياسية في العراق
-
هل مجتمعاتنا تتقبل الحداثة كما هي بشكلها الصحيح؟
-
انفال انفال و ما ادراك ما الانفال
-
هل ديموقراطية العراق في الاتجاه الصحيح ؟
-
كيفية تدخل الاكاديميين لايجاد الحلول السياسية لما وقع فيه ال
...
-
الحداثة و تاثيراتها على الهوية الثقافية في منطقتنا
-
ماذا يقدم الاعلام لما يحتاجه العراق في هذه المرحلة
-
بعد ترسيخ المواطنة تتفاعل العقلية المدنية
-
هل بالامكان اختزال الديموقراطية في العملية الانتخابية فقط؟
-
من يتحمل مسؤولية عبور المرحلة القادمة في العراق؟
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|