جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 2990 - 2010 / 4 / 29 - 09:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المحظور من الكلام في تاريخ العرب والشام ..؟ -1
سأخالف المعتاد في كتابة التاريخ , هذه المرة لأسجل في الطليعة بعض المقاطع الهامة من الوقائع المنثورة باستحياء في مصادر -- الإخباريين العرب – الذين سجلوا التاريخ كما يريده السلطان – باستثناء إبن خلدون --, لاكما وقع فعلاً وكما ينسجم مع الفكر الغيبي والأسطورة لاكما تراه عين العقل واستقراء الواقع ..
ومادام موضوعنا يتعلق بجزء صغير من تاريخ دمشق في القرن السادس الميلادي تحت ظل مملكة ( ماوية ) التنوخية ومملكتها السريانية التي دمجت القبائل العربية المقيمة في الشام مع السكان الأصليين الأراميين وأحفادهم السريان , وبقايا اليونان المحتلين الذين سيطروا على جزء الإمبراطورية الشرقي – بيزنطة --- التي كانت مسيطرة على المشرق العربي كله ومصر وشمال أفريقيا .. لنصل إلى الجزء الغائب أو المحذوف عمداً من تاريخ شعوب هذه المنطقة قبل الغزو المكي ( القريشي ) لها عام 630 م وما بعدها ...
ولم يذكر الإخباريون العرب عن حياة شعوب هذه المنطقة وحضارتها قبل الغزو إلا النادر المشوه أو المغلف بالأسطورة , كأن التاريخ بدأ بالغزو بقيادة خالد وأبي عبيدة وانتهى بهم باغتصابهم حضارة ومنجزات غيرهم ونسبها لهم فيما بعد ..
.كما لم يكتب إلا النادر عن علاقة هذه الشعوب مع بعضها ومع البيزنطيين وخصوصاً الممالك الشبه مستقلة في جنوب سورية – الغساسنة – أو مملكة كندة – أو في دمشق نفسها – مملكة ماوية – وكيف كانت الحياة الشعبية في هذه الممالك وعلاقة السكان الأصليين السريان مع المحتل البيزنطي وثوراتهم وانتفاضاتهم ضده – رغم وحدة الدين – بعد عام 330 م بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة البيزنطية الرسمي وبدأ إستغلاله لخدمة الحكام والطبقات المستغلة ,,, كما هو دور الدين الإسلامي اليوم في حماية أنظمة الإستبداد والتخلف .. كما طمس تمرد السكان الأصليين السريان القاطنين هذه الأقطار مع القبائل العربية واليونان والكرد وغيرها من الأقوام المهاجرة إلى بلاد الشام والعراق والأمازيغ والأقباط في الشمال الأفريقي وغيرها من الأقوام المجتمعة كلها تحت خيمة الدين المسيحي ودورهم الرئيسي في انتصار ودعم جيوش الغزو( القريشي ) في اليرموك أولاً وفي القادسية ضد الفرس في العراق ثانياً .عام 630 م وما بعدها . بينما فشلت محاولة محمد في أواخر حياته باحتلال مخفر حدودي بيزنطي صغير في مؤتة جنوب الأردن وقتل عمه العباس فيها ,, لعدم وجود شعب متمرد على الإحتلال يساعده ...- وكان محمد يعلم أن سيطرته على القبائل في مكة والمدينة بالسيف والدم لن تطول مالم يوجه جيشه لاحتلال الشام والعراق وأخذ ثرواتها ومواردها , غنائم , ونسائها جواري وسبايا ..كيف لا وهو الذي عرف الشام جيداً أثناء مرافقته عمه أبو طالب في تجارته أولاً , ثم مرافقته لتجارة خديجة بنت خويلد إلى الشام قبل أن تطلب يده للزواج منها وبعد أن أصبحت زوجته , لذلك سجلت عشرات الأحاديث في صحيج البخاري ومسلم تدعو المسلمين في مكة والمدينة لغزو الشام وفارس أيضاً ,,
ومادام موضوعنا الأول في هذه السلسلة هو :- مملكة ماوية الدمشقية – فإنني أسجل بعض الشذرات الملتقطة من المصادر القليلة النادرة من هنا وهناك حول دور سكان سورية والعراق الأصليين من أبناء وأحفاد السريان والعرب في تحرير بلادهم من الإحتلالين البيزنطي والفارسي فيما سمي في التاريخ : ( فتوحات إسلامية ) ...
قال الواقدي في تاريخه ( فتوح الشام ) : - بأن راهب إسمه بطرس حفر ثغرة في سور دمشق قرب الباب الشرقي , وأدخل منها جنود خالد بن الوليد ليقتلوا حراس الحامية البيزنطية ويدخلوا من الباب الشرقي... بينما دخل أبو عبيدة سلماًً من باب الجابية بعد فتحه بالترحيب من قبل الأهالي ... والتقى الجيشان في السوق الطويل الممتد من باب الجابية إلى باب شرقي والمرجح إلتقيا قرب كنيسة المريمية اليوم .. ورغم ذلك أراد خالد بن الوليد إستباحة المدينة ونهبها زاعماً أنه دخل المدينة حرباً , لكن أبي عبيدة رفض ذلك.. معلنا فرض الجزية فقط على سكان دمشق لأنه دخلها سلماً ..واستمر الصراع بينهما حتى قدوم عمر بن الخطاب ( الخليفة ) وإصداره قرار بعزل خالد . لذلك أطلق السريان سكان دمشق على عمر لقب ( الفاروق ) أي المنقذ أو المخلص باللغة السريانية يردده الكتاب العرب عبر القرون دون أن يعلموا مصدره واللغة التي إنحدر منها ....-فتوح الشام ص 3- 4 –
وورد في نفس المصدر أن خالد بن الوليد لما أسقط في يده في دمشق ولم يستطع سلبها وسبيها أخذ مجموعة من المقاتلين وأتجه بهم نحو الشمال ليلاحق فلول البيزنطيين والهاربين إلى بيزنطة حتى بلغ إنطاكية وفعل بها وبجموع الهاربين وأموالهم ونسائهم ما فاته في إحتلال دمشق ....
كما قال الواقدي أيضاً في نفس المصدر : -- إن البطريق روماس بطريق بصرى إتصل ليلاً بخالد أثناء حصاره المدينة , وألبس جنود خالد لباس جنود الروم وأدخلهم من أحد الأبواب ليقتلوا جنود الحامية الرومانية ويحرروا بصرى – ص 32 –
كما ذكر الواقدي أن العرب ( المسيحيين ) كانت لهم رايات في القتال ضد البيزنطيين في القادسية في العراق , وفي معظم المدن السورية ..
وفي معركة اليرموك قاتلت القبائل المسيحية السورية مع جيش المسلمين وأهمها قبائل : كلب وقضاعة وربيعة وقيس وتميم ,و وأمير حمص السرياني – الذي أساء الجنود البيزنطيين معاملته --على رأس جيش من السريان ,, وقد طلبوا من أبي عبيدة أن يقسم الفيء – الغنائم – بينهم بالتساوي مع المسلمين ففعل ذلك ص33 وما تلاها ..
كما امتنعت قبيلة تغلب عن دفع الجزية لقتالها في اليرموك فيما بعد وكان مركزها الديني في الرصافة على الفرات فاستجاب عمر لطلبها و رفع الجزية عنها ..
كما قاتل مسيحيو جنوب العراق الإحتلال الفارسي مع جيش سعد وهم : بنو شيبان وسريان الجنوب والحيرة الذين كان يطلق عليهم إسم ( العبّاد)وبني عجل بقيادة سيار العجلي وبكر وائل وغيرهم من أبطال معركة ذي قار الذين هزموا جيش كسرى قبل ذلك بحوالي عشرين سنة فقط ( 610 م ) تقريباً هذه المعركة المطموسة في التاريخ باستثناء ماكتبه الإسلاميون عنها ونسبوها لهم رغم وقوعها قبل إعلان ( النبوة )
حتى أن بطل القادسية القعقاع الذي قتل كسرى وصاح : قتلت رستم ورب السماء كان سريانياُ .. لكن الإخباريين العرب بدلو ا صرخة القعقاع ب - قتلت رستم ورب الكعبة –
وقال إبن خلدون في تاريخه : إن قابوس بن المنذر ملك الحيرة إستشهد في قتاله الفرس في القادسية – ج2ص 561 ...
كما جاء في فتوح البلدان للبلاذري مايلي :
حاصر خالدبن الوليدالحيرة , فخرج إليه عبد المسيح بن قيس بن بقيلة , وهاني بن مسعود الشيباني , وأياس بن قبيصة الطائي , ( أبطال معركة ذي قار ) فصالحوه على مئة ألف درهم ,, وأن لايهدم المسلمون لهم قصراً أو بيعة –ج2 ص 297 ) كما وردت الحادثة في كتاب الخراج للقاضي المشهور ( أبو يوسف ) – طبعة – مصر – بولاق ص 94
... بعد هذا المرور السريع لبعض وقائع الأيام الأولى للغزو القرشي لبلاد الشام والعراق ماذا حل بالسكان الأصليين الذين فتحوا مدنهم الحصينة ومنازلهم وقلوبهم لجيش الغزو وقاتلوا في صفوفه حتى النصر للخلاص من إضطهاد الإحتلال البيزنطي ؟؟؟
الإخباريون العرب تجاهلوا الدافع الأساسي لسكان الشام والعراق وربطوه بالخرافة والأسطورة الدينية فالله هو الذي أوعز للراهب بطرس في دمشق ولبطريرك بصرى ولقلدة ووجهاء سكان الحيرة وغيرها من مدن العراق وسورية لنصرة الإسلام ...ألخ ورغم تقدم كبار الدمشقيين وفي مقدمتهم الحاكم المحلي سرجون الدمشقي وإبن أخيه الرئيس الديني في دمشق يوحنا الدمشقي الشهيرلاستقبال الغزاة وتعليمهم نمط حياة المدينة ( عاملوهم كأبناء عمومة وليس كغزاة ولم يرفعوا سيفاً في وجههم وهم مقتدرون وحاربوا الدولة المحتلة وجيوشها وانتصروا عليها عدة مرات )).. ومثلهم فعل سريان وكلدان واًشوريو وصابئة مابين النهرين لكن جزاؤهم جميعاً كان ... سلب حق المواطنة منهم بالدرجة الأولى ومعاملتهم باحتقار وعنصرية معاملة العبيد والغدر بهم ..و ( يدفعون الجزية وهم صاغرون ) والعودة " للعهدة العمرية " التي أهداها عمر بن الخطاب ( الخليفة العادل الذي حيكت حول عدله الأساطير ) لسكان دمشق الذين أستقبلوه بحفاوة وأكرموه ,, تضعنا أمام وثيقة عنصرية همجية تتجاورز كل شرائع وممارسات ودساتير النازية والفاشية... وضعت شعبنا تحت جور مخالبها قروناً طويلة ( الشريعة السمحاء ) وجعلته غريباً في وطنه ,,وأترك نشر " العهدة العمرية " هذه التي أذلت واستعبدت شعبنا عشرات القرون أتركها لغيري ,,ومازالت اّثارها في الكثيرمن التشريعات الحديثة خصوصاً في مصر وفي قوانين الأحوال الشخصية ... وفي الكثير من النفوس المريضة في عصرنا ولو عاشت في القرن الحادي والعشرين ---,
لآعود إلى الوراء قبل غزو قريش وحلفائها لبلادنا بقرن ونيف فقط لنرى كيف كانت دمشق وكيف كان يعيش شعبنا سياسياً واقتصادياً وكيف كان يبني ويفكربصورة تقريبية في مملكة " ماوية الدمشقية " المطموسة في تاريخ الإخباريين العرب .... يتبع
#جريس_الهامس (هاشتاغ)