|
ما يعيق النظام العالمي الجديد هو الازدواجية في النظرة و التعامل مع القضايا
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 20:35
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
انتهت مرحلة الصراع المتعدد الاوجه بين القطبين، و استقرت الاوضاع على شكلها، و لم تفنى الافكار و الفلسفات التي اعتمدت قبل هذه المرحلة من قبل الكثيرين، رغم التعتيم على فحواها و الادعاءات المتعددة على انها فشلت و اضمحلت عن الوجود مع غروب شمس الشيوعية و ما يعتبرها البعض الكبوة لهذا الفكر و الفلسفة، و ما نتلمسه هو عدم اسكان الحال على نجاح طرف و سقوط الاخر مهما تبجح البعض لحد اليوم. و مر العالم خلال تلك الفترة بمجموعة من الحوادث و الظواهر و بمنحنيات مختلفة من كافة الجوانب، و الاستقطابات التي حدثت كانت مبنية على المصالح اكثر من الاستناد على جوهر الفكر و العقيدة و الفلسفة و ايمان الاكثرية باحقية احد او عدمها او انعدام التوافق مع الاخر، و كانت الايديولوجيا هي المهيمنة اكثر من اي شيء اخر. لا اعيد هنا ما حصل خلال عقود الحرب الباردة بالتفصيل و كيف انتهت ، الا انني اترك ما نراه اليوم للمراقب كي يحكم على مَن مِن الطرفين انفرد في حكم العالم و اين توجهت البشرية و ما جلبت معها التغييرات المختلفة من كافة الجوانب ، و يجب ان نقارنها مع ما وصلنا اليه و حصلنا فيه من نسبة العدالة الاجتماعية و المساواة و ضمان الحرية المطلوبة لنا كانسان، و حقوقنا الذي نعيش في مرحلة معلومة المعالم و الصروحات الفكرية الاتية من الغرب الينا! و يجب ان يعرف الجميع من هو المسبب في تدهور الاوضاع العالمية الاقتصادية السياسية العسكرية و العلاقات الدبلوماسية بين الدول، و يتبادر الى اذهان كل محلل السؤال المصيري وهو هل نبقى الى الابد اسير الحكم الفردي و سيطرة المصالح و الاقتصاد الحر و الاحتكار الرسمالي و استغلال الانسان و الابتعاد عن القيم النبيلة للانسان من قبل الفكر و العقلية التي تدير العالم. المحير في الامر بعد الاتفاقات الثنائية بين القطبين توجهت الولايات المتحدة الامريكية و عملت بكل جهدها لفرض نفسها كقوة وحيدة من اجل ضمان سيطرتها على المعادلات العالمية الجديدة كما افرزتها نهاية الحرب الباردة، و مدت ايديها بطلاقة الى المراكز الاستراتيجية العالمية التي لم تتمكن من قبل الوصول اليها و اعتبرت نفسها منتصرا، كما لم تخفي نواياها منذ الوهلة الاولى و اطلقت في كل يوم مصطلحات و تعاريف و مفاهيم جدد لما فيه العالم من النظام العالمي الجديد و متطلبات العولمة و صدام و صراع الحضارات و نهاية التاريخ ، و جنة الراسمالية الموعود في اخر المطاف و الى اخره من النظريات، و نست انها الموقعة على اتفاقيات ثنائية مع زعيم القطب الاخر و استغلت الافرازات و ما ظهر على ارض الواقع بعد انتهاء الحرب الباردة و سقوط جدار برلين، و اصبح النظام العالمي على حال يمكن ان نصفه بالمهزوز و في مرحلة متنقلة فرضت تغييرات مختلفة من كافة النواحي السياسية الاقتصادية الثقافية على العديد من الدول في كافة بقاع العالم، و تسرع البعض على ابداء خطوات و تضرر منها فيما بعد و لم يحسب لها الحساب الدقيق بينما كان الاخر اكثر هدوءا و صبرا، و هناك من خسر الكثير و لم يعد يتمكن من الاستقرار لحد اليوم. كل هذه المستجدات و لم تنجح امريكا من ضمان امنها و استقرارها لحد اليوم على الرغم من اعلانها النصر على خصمها اللدود، و الهجمات التي تعرضت لها و الازمات التي وقعت فيها و التراجعات التي اجبرت عليها دليل على عدم نجاحها لحد اليوم ، و تعقدت الخارطة الجيوسياسية للعالم باتجاه لم تتمكن امريكا خلال هذه الفترة من تحقيق ولو نسبة قليلة من الاهداف التي اعلنتها في حينه، و الاستقطابات والتكتلات العالمية لم تحدث ما املت امريكا و توقعت ان تكون لمصلحتها و حسب تنبؤاتها التي ادعت انها في الطريق الصحيح . بل لم تتمكن من التاثير القوي المباشر على الحياة السياسية لاقرب المقربين لها و عند حدودها ، فهناك لازالت المكسيك و هي جارها الجنوبي على حال بعيد عما اعلنته امريكا من تقارب و التاثير المباشر و لم تنجح في تغيير ادنى نسبة من الظروف السياسية في قارتها، و كما نرى حال شمالها كندا ايضا، على الرغم من ادعائها بان تكون هذه المنطقة تحت هيمنة مباديء التجارة العالمية الحرة و ادعت من الفرضيات و بينها اتحاد كندا معها، و لكنهما بعيدان عن البعض و لم تنجح في هذا التوقع ايضا ، هذا ناهيك عن الدول اللاتينية من دول امريكا الجنوبية و محاولاتها البائسة للضغط عليها. اما نظرتها الى اوربا و ما تعتري طريقها و اهداف امريكا في هذه القارة، لازالت تتعثر و هي كما هي منذ نهاية الحرب الباردة و لم تتغير وفق معيار الولايات المتحدة الامريكية ذاتها بحيث الدول الشرقية لازالت في بداياتها و على الرغم من توحيد النقد الاوربي لازالت المشاكل كثيرة و حدثت تغيرات عكس تيار الراسمالية الامريكية و نواياها و لازال حال هذه القارة عالقة و تتراوح امريكا في مسيرتها في هذه القارة ايضا. شرق اسيا تحت رحمة المخلفات التي ابقتها لها امريكا من فشلها في فيتنام و الانقسامات العديدة بين الدول المسيطرة اقتصاديا مع متطلبات اليابان و الصين التي منعت فرض السيطرة الكاملة على هذه المنطقة من قبل امريكا و التي ارادت التحكم بمصيرها، و هكذا بالنسبة لجنوب اسيا و محاولاتها التحرر من الهيمنة الخارجية الدائمة بكافة انواعها ، و هذه الدول تجاري الدول الغنية في الغرب في اكثر النواحي و تعتمد عليها الكثير من الدول ذات الثروات في الحصول على الايدي العاملة الضرورية منها، الا انها تحت تاثير عدم الاستقرار و افرازات الارهاب و محاربته و الفوضى العارمة في الشرق الاوسط المثرة عليها . لم تبق الا دول الاتحاد السوفيتي السابق و هي تتحمل ضغوطات الطرفين الروسي و الامريكي و تدخلهما في شؤونهم الداخلية و جهودهما المضنية في كسبهم بالترهيب و الترغيب لتحديد هويتهم وفق تطلعاتهما هما لهذه المنطقة و مصالحهما الاستراتيجية فيها. تنظر امريكا لهذه المناطق بازدواجية كاملة و تتصرف وفق مصالحها الذاتية دون اي اعتبار لخصوصيات كل منها ، لذا لم تنجح لحد اليوم في التقدم خطوة واحدة فيها، و النظريات التي طفت الى السطح بعد انتهاء الحرب الباردة و التقييم الذي اجري لم تنتهي بمحصلة صحيحة. و في هذه المرحلة بالذات تعيد الكثير من هذه الدول في كافة صقاع العالم النظر في سياساتها و علاقاتها و عملها من اجل ضمان مصالحها و لم تؤخذ مصالح امريكا و متطلباتها من الاولويات في رسم سياساتها .و الدول الافريقية في حال لا يمكن الادعاء بانها تحت سيطرة و اوامر امريكا كاملة في هذه المرحلة . اما من الناحية الثقافية و الكلتورية العامة لنظرة امريكا للعالم، لها اراء و مواقف تلصقها بالفكر و النظرة الراسمالية البحتة، بحيث تقسم الحضارات الى الغربية و الكونفوشيوسية و اليابانية و الهندية و الاسلامية و الاوسلافية و الارثوذوكسية و الافريقية، و تعتقد ان الصراع و الصدامات تحتدم بين هذه الحضارات و تريد فرض ما سمتها بالحضارة الغربية و هي الجديدة على العالم، و ادعت ذلك اعتمادا على العديد من الاسباب ، و الاختلاف في الحضارات من حيث العقائد و الدين و اللغة و التاريخ و العادات و التقاليد هي التي تتصادم مع ما موجود في الغرب حسب نظريتها، وتقول هي انه بفعل التقدم التكنولوجي في العالم تقرب المسافة يوما بعد اخر و بعد التلاقح او التضارب و التصادم مع ما موجود في الغرب ستسيطر الحضارة الغربية و تعيش الناس فيما بعد في دائرة محدودة ضمن حضارة واحدة استنادا على التجديد و الاصلاح و التغيير و تستقر الحالة على شكل و صورة واحدة، و حتما تدعي بان الصورة الغربية هي الملائمة و المسيطرة ، و تستند على القوة السياسية و الاقتصادية في تبريراتها، و النظام العالمي يُخفي الاختلافات التي كانت موجودة اصلا. و في جانب اخر ربما الخط الحضاري هو الذي يكون فاصلا بين تكتلات في مرحلة ما الى ان ينمحي بفعل الضغوطات العلمية التقدمية الطبيعية للغرب و يتوجه العالم نحو الوحدوية في الحضارة بعد مراحل الصدامات و الصراعات الحضارية و ليس الحوارات كما يدعي الاخرون. من المباديء الاساسية التي تعتمد عليها امريكا في هذه الامور بعيدا عن الصدامات و الصراعات الحضارية و التي تعتبر من اكبر نقاط ضعفها، و هي تدعي الديموقراطية و الحرية و حقوق الانسان من جهة و التي تصطدم مع تصادم الحضارات و مع ما تطرحها حول الحضارات و مستقبلها في كافة الجوانب ، و ما تعلنه عن سيطرة جهة معينة في نهاية المطاف، و هذا ما يعيق تنظيم العلاقات العالمية و تُكره امريكا في عيون العالم اكثر ، و تعتمد في طرحها هذا على الجوانب الاقتصادية و السياسية فقط ،و تضرب التعددية كاهم ضرورات الديموقراطية الحقيقية عرض الحائط. الامر الهام الذي تهملها امريكا بقصد او بغيره، هو عدم الاعتبار لما موجود لحد اليوم من ترسبات الحرب الباردة، و نحن نعيش في ظل التوجهات و العلاقات التي كانت سائدة في تلك المرحلة ، و هذا واقع نتلمسه و لا يمكن تغاضيه مهما حاولت امريكا من انكارها. لذا الازدواجية في النظرة و التوجه و العمل في السياسة و الاقتصاد و العلاقات مع العالم ستفرز ما لا يحسب له حساب في المعادلات العامة، و نحن ننتظر ما يبرز بعد عبور هذه المرحلة من النظام العالمي الجديد لنرى في الافق ما يستقر عليه العالم، و لكن ما نتوقعه ليس لصالح الرسمالية و نظرياتها لانها بعيدة عن مصالح و منافع الانسان و قيمه و رفاهيته و سعادته الحقيقية و مستقبله الامن.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيناريوات القابلة التطبيق لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
-
الصحافة الكوردستانية الى اين ؟
-
هل يمتلك العراق ما ينقله الى مصافي الدول المتقدمة ؟
-
كيف نغلق طريق الفساد المستشري في العراق ؟
-
من يحدد هوية العراق ؟
-
ما يحتاجه العراق هو الحوار ام المفاوضات ؟
-
اهم نقاط التحول في تاريخ العراق الحديث
-
التحزب و الثقافة السياسية في العراق
-
هل مجتمعاتنا تتقبل الحداثة كما هي بشكلها الصحيح؟
-
انفال انفال و ما ادراك ما الانفال
-
هل ديموقراطية العراق في الاتجاه الصحيح ؟
-
كيفية تدخل الاكاديميين لايجاد الحلول السياسية لما وقع فيه ال
...
-
الحداثة و تاثيراتها على الهوية الثقافية في منطقتنا
-
ماذا يقدم الاعلام لما يحتاجه العراق في هذه المرحلة
-
بعد ترسيخ المواطنة تتفاعل العقلية المدنية
-
هل بالامكان اختزال الديموقراطية في العملية الانتخابية فقط؟
-
من يتحمل مسؤولية عبور المرحلة القادمة في العراق؟
-
ما يرن باستمرار في اذاننا هو العراق الى اين ؟
-
الى متى تطول مخاض ولادة الديموقراطية الحقيقية في هذه المنطقة
...
-
هل ما نحن فيه ازمة ام صراع مصالح القوى؟
المزيد.....
-
أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج
...
-
مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
-
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا
...
-
وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص
...
-
ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي
...
-
صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س
...
-
السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا
...
-
مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال
...
-
وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
-
واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|