|
وماذا بعد رحيل البعبع ؟
عاهد علي الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 19:10
المحور:
الادب والفن
اقصد بذلك مرض أنفلونزا الخنازير الذي حل ضيفا ثقيلا بين ظهرانينا لبعض الوقت ونحن لا نعرف عنه سوى القليل مما نقله الغرب لنا ورحل عنا بسرعة -والحمد لله -ونحن لازلنا نجهل عنه الكثير فهل يعقل ذلك ؟ بدأت الحكاية من المكسيك العام المنصرم وتلقفتها وسائل الإعلام وضخمتها ونشرتها بسرعة تفوق سرعة انتشار النار في الهشيم وهولت من شان المرض وحذرت من سرعة انتشاره وخطورته البالغة حتى أصبح البعض منا يعتقد أننا صرنا على شفير الهاوية بتوقع انتشار وبائي كارثي للمرض قد يتسبب في مقتل ملايين البشر في وقت قصير إذ لم نسارع باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية العاجلة وخصوصا تلك التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للحد من عواقب تفشي المرض وكان على رأس تلك التوصيات سرعة التزود بجرعات مضادة للمرض من الشركات العالمية المختصة بإنتاج مثل هذه اللقاحات والتي اعتمدتها المنظمة لذلك وبالفعل قامت الكثير من الدول خصوصا دول العالم الثالث والدول العربية بشراء ملايين الجرعات من تلك المطاعيم التي أنتجتها الشركات في وقت قياسي قبل التأكد التام من سلامتها على البشر باعترافهم هم بأنفسهم كما هو الحال في باقي اللقاحات المعروفة وقبل أن يحسم الجدل حول جدوى هذه المطاعيم التي انقسم الرأي العام العربي بشان فعاليتها ومدى خطورتها على الصحة بين مؤيد ومعارض لها تراجعت فجأة حدة الحديث عن المرض في وسائل الإعلام وفترت تدريجيا حتى تلاشت تقريبا ولم نعد نسمع شيئا عن ذلك الخطر الداهم وانتهت تلك القصة التي جعلت العالم بأسره يقف على قدميه بسرعة لم تكن لتخطر على بال اشد المتفائلين فهل حدث ذلك كنتيجة للإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها دول العالم أم أن أمر المرض نفسه من الأصل كان مضخما فلما انقشع عنه الغبار تبين انه ليس بشي يذكر ولا يعدو كونه أنفلونزا عادية شبيه بتلك التي تصيب الناس وتضرب في المواسم وتخلف عددا من الضحايا بل وربما انه اقل خطورة منها من هذه الناحية على الأقل.
هل فعلا أن نظرية المؤامرة كانت صحيحة وان الهدف من بث الخوف والهلع في قلوب الناس كان لدفعهم لأخذ اللقاحات المضادة وتسويق اكبر كمية منها بالسعر المحدد بما يعود على الشركات العالمية المصنعة لها بمليارات الدولارات وأنهم اتبعوا لذلك سياسة اكذب واكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرين وان الهدف قد تحقق وتم لهم ما يرومون وانطلت علينا الخدعة . الآن وبعد صدور تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير الذي تحدث عن اقل من 17 ألف ضحية للمرض حول العالم منذ بداية ظهوره حتى تاريخ صدور التقرير في 20 آذار مارس 2010 اتضح فعلا أن المرض لم يكن على تلك الدرجة من الخطورة التي روج لها وتحدثت عنها وسائل الإعلام , فماذا استفدنا نحن كأمة عربية من تداعيات هذه القضية بكل أبعادها وهل تصرفنا بالشكل الصحيح ؟ من وجهة نظري فان وزارات الصحة العربية لم تدخر جهدا للقيام بواجباتها على أكمل وجه بحسب ما توفر لها من معلومات فقد التزمت بتوصيات منظمة الصحة العالمية ووفرت بشكل عاجل أعدادا كافية من اللقاحات المضادة واتخذت جميع الإجراءات اللازمة للحد من الانتشار المتوقع للمرض كإرجاء فتح المدارس لبعض الوقت وتزويد جميع المؤسسات الحكومية بالمعقمات الضرورية وغير ذلك من إجراءات عديدة والآن وبعد انحسار الخطر لم تتم الإجابة على كثير من الأسئلة التي كانت ولا زالت مطروحة حول ماهية هذا المرض هل كان هنالك فعلا وباء خطير يتهدد العالم؟ وهل هذا الفيروس المتطور وجد أصلا ؟ وهل ذلك التطور للفيروس ناجم عن ظروف طبيعية أم هو فيروس تم إنتاجه في المختبر ؟ وهل أن هناك فعلا مؤامرة من جهات غربية وتضخيم للحدث لأسباب اقتصادية؟ أو أن الهدف هو الحد من عدد سكان العالم خصوصا في دول العالم الثالث بحقنهم بمطاعيم خطرة وإيقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا أم أن ذلك مجرد تخرصات من قبل البعض ؟ وهل لا زال هناك احتمال قائم لعودة المرض بصورة مفاجئة ؟ إن أسوأ ما في الأمر من وجهة نظري لنا كعرب أن ليس لدينا مصدر موثوق للإجابة المقنعة عن كل هذه التساؤلات وان جل ما يتم تداوله من معلومات حول المرض لا يعدو كونه صدى لما يردنا من علماء الغرب وأطبائهم ومختبراتهم وما نشر في صحافتهم من أراء مختلفة ومتضاربة أحيانا ولا نمتلك لأنفسنا وجهة نظر علمية مستقلة أو شبه مستقلة بهذا الصدد وكل ما نقوم به هو تأييد وجهة النظر هذه أو تلك بناء على قناعاتنا الشخصية بصلاح أو فساد الجهة التي صدرت عنها وكلما تابعنا المزيد من النقاشات حول الموضوع على شاشات فضائيتنا ازداد الرأي العام انقسامنا وعدنا بمزيد من الحيرة , فإذن وبعد كل ذلك ألا يحق لنا كمواطنين عرب أن نطالب حكوماتنا بان تسارع إلى إنشاء منظمة صحة عربية تكون بمثابة هيئة صحية عليا ومرجعية ذات مصداقية يعتمد عليها ويكون من أولوياتها التعامل مع حالات طارئة كهذه أليس لدينا على مستوى العالم العربي عددا لا يستهان به من خيرة الأطباء والعاملين في المجال الصحي بكافة تخصصاته ممن يعتمد عليهم لقيام المشروع ؟ أليس بمقدورنا أن نتعاون مع أرقى الكفاءات في الشرق والغرب ونستقطب بعضها ونتعلم منها المزيد إذا نجحنا في إقامة المشروع ؟ قيام مشروع حيوي كهذا أمر ممكن إذا توفرت له الإمكانيات المادية والمعنوية اللازمة واتخذ طابعا علميا بحتا بعيدا عن التجاذبات السياسية وغيرها من أسباب الخلاف والمناكفات بين الدول العربية فنحن لا ندري متى يكون التحدي القادم بعد جنون البقر والسارس وأنفلونزا الطيور وأخيرا وليس آخرا أنفلونزا الخنازير.
#عاهد_علي_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صحيح مجنون لكن لست حمارا بقلم عاهد الخطيب
-
الوسطية حاجة ملحة لكل مدرس
-
فضائياتنا العربية عدد كبير وسلبيات كثيرة
-
المشبه ظالم
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|