|
الإرهاب بين روسيا والعراق
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 00:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه سلطات الاحتلال الأمريكي للعراق بقيادة الجنرال بريمر، غداة احتلالها العاصمة بغداد واسقاط نظام صدام حسين، ليس تفكيك وحل المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني العراقي) فحسب، بل تفكيك وحل ايضا المؤسسة الأمنية بمختلف اجهزتها البوليسية والعسكرية، وعلى الأخص الجهاز الأمني الاستخباراتي. ومن المؤسف ان المعارضة العراقية بشقيها الشيعي العربي والسني الكردي لم تقف ضد هذا الاجراء بل بدت كأنها مغتبطة به لقصر نظرها في خطورة هذا الاجراء وعواقبه ولم تجر انتقادات لتلك الاجراءات من قبل بعض رموز وقوى المعارضة الا بعد فوات الأوان، حتى هذه الانتقادات بدت خجولا، بل الأسوأ من ذلك اقتصرت على حل الجيش فقط. ورب قائل ان جهاز الأمن السري السابق (المخابرات) هو جهاز لا يمكن الوثوق فيه لكونه متورطا في سلسلة طويلة من انتهاكات حقوق الانسان والجرائم بحق الشعب العراقي على امتداد ما يقرب من 35 عاما منذ وصول "البعث" الى السلطة عام .1968 ولعل هذا الكلام يبدو للوهلة الاولى صحيحا اذا ما أخذنا الأمور على عواهنها أو انسقنا للعواطف السياسية والمبادئ المجردة، ولكن اذا ما محصنا الأمور جيدا بموضوعية من جميع الوجوه، اي بعيدا عن العواطف الجامحة، فسنجد ان مصلحة الشعب العراقي وأمنه القومي الداخلي بمختلف ابعاده السياسية والاجتماعية يقتضيان استمرار عمل هذا الجهاز في ظل تلك الظروف البالغة الخطورة من الاضطرابات التي تعصف بالعراق. ان بناء وتأسيس جهاز أمني استخباراتي من لا شيء، اي من الصفر، في ظل بلد بلا دولة تقريبا وتعمه الفوضى والاضطرابات والعمليات الارهابية الضخمة اليومية والمعروفة بحصادها الكارثي من مذابح جماعية يومية ترتكب بحق المدنيين الابرياء هي مهمة عسيرة وبالغة التعقيد وليست سهلة او يسيرة كما يتوهم من يعتقد عكس ذلك، فلم تعد المؤسسة الأمنية السرية او الجهاز الاستخباراتي في الدولة الحديثة المعاصرة هي مؤسسة عادية يمكن بناؤها بكل بساطة بين عشية وضحاها لتمارس مهامها بفاعلية كأي مؤسسة استخباراتية اخرى في العالم، بل هي علم وفن قائم بذاته وبحاجة الى ان تبنى على تراكم من الخبرات والتقاليد. وهذا ما ادركه بالغريزة النظرية كل او معظم قيادات وسلطات الانظمة العسكرية العربية التي وصلت الى السلطة على ظهر دبابة، فلم يعرف عن اي من السلطات الانقلابية العربية انها اقدمت بتهور على الفور لتطهير او تصفية جهاز المخابرات القديم بالكامل، فقد كانت تستعين بخبرته بشكل أو بآخر، بقدر أو بآخر. حتى قيادة ثورة يوليو المصرية على سبيل المثال فإنها بالرغم من انها تسلمت اجهزة ومؤسسات دولة ينخرها الفساد، وبضمنها مؤسسات وزارة الداخلية فإنها لم تعمد بعد تسلمها السلطة انسياقا للعواطف الى حل تلك المؤسسات حلا كاملا او تصفية كل كوادرها وخبراتها وبضمنها على وجه الخصوص الجهاز الاستخباراتي. وأذكر في هذا الصدد انني قرأت منذ سنوات بعيدة كتابا عبارة عن مذكرات لأحد معتقلي اليسار المصري عام 1959 وكان من ضمن ما أشار اليه ان عددا من المحققين والجلادين الذين تفحص وجوههم ومازال يعرف اسماءهم حينها هم انفسهم من محققي وجلادي العهد الملكي الذي اطاحته ثورة يوليو .1952 صحيح ان عددا من كبار قيادات الاجهزة الاستخباراتية او من الصف القيادي الأول وبخاصة المتورطون منهم في جرائم وانتهاكات واسعة فظة بحقوق الانسان لا يمكن الوثوق فيهم، بل لربما وجبت محاكمتهم، لكن من الصحيح ايضا انه كان بالامكان اجراء عملية غربلة دقيقة خلال مرحلة انتقالية مؤقتة يتم خلالها الاستفادة من الكوادر الاستخباراتية المجربة ذات الخبرات المهمة سواء من في الصفوف الأولى، من غير المتورطين في انتهاكات وجرائم كبرى ام من الصفوف الثانية، ومن ثم يمكن الاستعانة بهم لإعادة بناء جهاز الاستخبارات على أسس وطنية وقانونية جديدة، وإعادة تأهيل من يمكن تأهيله منهم خلال المرحلة الانتقالية او استبعادهم او إحالة بعضهم إلى التقاعد بعد انتهاء هذه المرحلة طبقا لظروف كل حالة على حدة. وبسبب غياب جهاز امني استخباراتي عراقي فاعل مجرب عجزت المؤسسة الأمنية الجديدة منذ تفجر اعمال العنف والعمليات الارهابية عن كشف اي عملية من هذه العمليات أو خلية من خلاياها في مهدها اي الوصول اليها قبل طور التنفيذ، بل ان أكثر العمليات الانتحارية جرت دون ان تتمكن وتصل المؤسسة الأمنية بعدئذ إلى معرفة خيوط الخلية والشخص الانتحاري الذي قام بتنفيذ العملية. في روسيا حدث العكس من ذلك فقد استفاد النظام الجديد الذي ورث النظام السوفيتي السابق ايما استفادة من جهاز الاستخبارات السابق المعروف بالـ K.G.B بما في ذلك ما راكمه من خبرات وتجارب وتقاليد عريقة في العمل الاستخباراتي لمكافحة الارهاب. واذا كانت موسكو لم تحقق الكثير من النجاحات للوصول الى مخططي العمليات الارهابية قبل وصولها الى طور التنفيذ، فإنها على الأقل غالبا ما تصل بسرعة فائقة الى الخيوط التي تقود الى الرؤوس المخططة والمنفذة، وهذا ما حققته بعد وقت قصير من العمليات الارهابية الاخيرة التي جرت خلال أواخر مارس في مترو الأنفاق بموسكو وفي قزلار بالقوقاز، وبضمنهم الانتحاريتان اللتان نفذتا تلك العمليات. لكن كما ذكرت فإن العلاج الأمني رغم أهميته ليس كافيا من دون علاج واستئصال المسببات الأخرى الاقتصادية والسياسية والدينية والقومية التي تمهد التربة لتفقيس العقليات الارهابية ليس في العراق وروسيا فحسب، بل في كل بلد يعاني هذا الوباء.
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة والتجربة الديمقراطية الهندية
-
من دروس الانتخابات العراقية
-
هكذا أصبح حال الشعب الفلسطيني اليوم
-
مجلس التعاون ودروس اغتيال المبحوح
-
تلازم الإصلاحين السياسي والاقتصادي
-
حقوق الإنسان العربي والإفلات من العقاب
-
كيف أصبحت سويسرا في مواجهة الإسلام؟ (1 3)
-
لكن الجوع صناعة رأسمالية
-
الجمهوريات العربية وإشكالية التوريث
-
تقرير جولدستون.. هل يتم إجهاضه مجددا؟
-
أوباما و-نوبل-.. وآفاق التغيير
-
تقرير جولدستون.. وفساد -السلطة-
-
دروس هزيمة فاروق حسني
-
تضحيات السوفييت في حرب أكتوبر
-
كوارث العالم.. وإنفلونزا الخنازير سياسيا
-
الصين بعد 60 عاما من الاشتراكية
-
بازار تسليع المرأة سياسيا
-
العمامة والسياسة
-
المقرحي والغرب.. وحقوق الإنسان
-
المثقف والسلطة.. سولجنستين نموذجا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|