أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب















المزيد.....

عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 18:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمكن القول أن العالم لم يمر في كل تاريخه بمرحلة كهذه التي نعيشها اليوم، سواء لجهة ظهور المخترعات والإكتشافات الجديدة المفيدة للبشرية، أو لجهة تسارع عملية تطوير وتحديث الموجود منها كي تعمل بفاعلية أكبر أو بطاقة أقل أو بشغل حيز أصغر.
ومعنى هذا أنه لا يمر عام إلا ويصبح الغريب والمبهر مما في متناولنا حاليا من أجهزة وآليات ووسائل تكنولوجية، قديم ويجب إحلاله بالجديد الأكثر تطورا. وهذا بدوره يحدث تراكما هائلا في صورة جبال من الأجهزة العتيقة، أو ما أصطلح على تسميته بإسم "النفايات الإلكترونية" الخطيرة على صحة الإنسان وسلامته، والمسببة للعديد من الأمراض (مثل السرطان و أمراض الجهاز التنفسي) بسبب المواد والمركبات الكيميائية التي تحتويها، إن لم يسع المرء للتخلص منها بالطرق الصحيحة.
في الماضي كانت تلك النفايات محصورة في مصابيح الإضاءة المعطبة، أو البطاريات منتهية الصلاحية، أو زيوت السيارات وإطاراتها المستهلكة، أو العبوات الزجاجية والبلاستيكية الفارغة، أو أشرطة الأفلام التالفة. غير أننا نجد أنفسنا اليوم أمام تحد من نوع آخر هو كيفية التخلص من أطنان من أجهزة الكومبيوتر والتلفزة والتسجيل والهواتف النقالة ، والأقراص المدمجة والصحون اللاقطة للفضائيات، وذلك بسبب ما تطرحه وتسوقه مصانع الدول المتقدمة كل عام من أجهزة أكثر حداثة وتطويرا من سابقاتها، أو أسهل نقلا، أوأصغر حجما. وبطبيعة الحال، فإن هذا التحدي سوف يتضاعف في المستقبل القريب بفضل التطورات الجارية في علم "النانو تكنولوجي" أو علم التقنيات التكنولوجية متناهية الصغر.
بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وتايوان وألمانيا أوجدت حلولا لهذه المشكلة، فأصبحت "النفايات الإلكترونية" بالنسبة لها عبارة عن مواد خام يمكن إعادة تصنيعها وتدويرها وبالتالي مصدرا جديدا من مصادر الدخل. لكن الوضع مختلف تماما في مجتمعات الدول النامية، التي يكاد الوعي البيئي والصحي فيها أن يكون منعدما تقريبا إلى الحد الذي لم يسمع معها مواطنوها بعد بمصطلح "النفايات الإلكترونية" وأضرارها،.
في هذا المقال سنركز تحديدا على التجربة التايوانية في التعاطي مع هذه المشكلة، وهي تجربة مستمدة إلى حد ما من التجربة اليابانية، وذلك من خلال الحديث عن شخصية رائدة في هذا المجال هي "وو ياو صن" صاحب مؤسسة "سوبر دراغون" أو التنين العظيم. هذه المؤسسة التي تعتبر اليوم من أضخم مؤسسات تدوير "النفايات الإلكترونية"، كونها إستطاعت في عام 2008 وحده من إستخراج ما يزيد عن 46 ألف كيلوغرام من المعادن من بطون الأجهزة الإلكترونية التي تخلى عنها اصحابها، فكونت من تلك الكمية وحدها ثروة زادت على أربع بلايين دولار تايواني أو ما يعادل 127 مليون دولار أمريكي.
لقد إكتشف الرجل وغيره من التايوانيين أنهم ليسوا إزاء جبل من النفايات، وإنما أمام "منجم من الذهب"، وهو المصطلح الذي بات يطلق على المواد التي يمكن إستخراجها من الأجهزة الإلكترونية العتيقة أو المعطوبة، ولا سيما الرقائق المعدنية والفضية ونترات الذهب، علاوة على مواد أخرى مثل البوتاسيوم والمنغنيز و البالاديوم والسيانيد وغيرها، مما يمكن بقليل من الجهد والتخطيط والمال إستخدامها في إنتاج أجهزة جديدة.
يقول "وو صن" الذي إنتقل من البؤس والفاقة إلى واحد من أغنى أغنياء تايوان خلال أقل من ثلاثة عقود، بفضل دخوله مجال تدوير "النفايات الإلكترونية" في مقابلة صحفية أجريت معه مؤخرا:"لقد كنت معدما في صغري إلى الدرجة التي لم أجد معها ما يسد رمقي من الطعام، فإمتهنت وأنا لا أزال في مرحلة التعليم الإبتدائي مهنة جمع الزجاجات الفارغة من الحقول وبراميل القمامة". و يضيف: "إضططرت من أجل تحسين دخلي ومستواي المعيشي أن أهاجر من مسقط رأسي في مدينة "تيكسي" إلى العاصمة "تايبيه". وفي الأخيرة إشتغلت في مهن عديدة. فمن عامل في محل للمجوهرات، إلى سائق سيارة أجرة، فإلى مالك لإحدى المطاعم الصغيرة، فمستثمر في إحدى شركات صناعة البلاستيك".
أما النقلة الكبرى في حياته فقد حدثت - حسبما قال - في عام 1987 حينما كان في سن الخامسة والثلاثين، حيث أسس شركة صناعية لتدوير النفايات بمدخراته ومدخرات زوجته. لكن تلك المدخرات لم تكن كافية وقتذاك لشراء آلات جديدة، الأمر الذي جعله مضطرا لإستخدام الآلات المستعملة في البداية.
لم يكن المال وحده هو العقبة في هذا المنعطف الهام من حياته، وإنما واجهته، كما يروي، عقبة توفير الأيدي العاملة وتوظيفها. "كان الجميع يخشى العمل في مثل هذه المصانع بسبب وجود وعي قوي لديهم حول خطورة النفايات الإلكترونية على صحة الفرد والمجتمع. علاوة على ذلك، كان الكثيرون ينظرون إلى العمل في مصانع تدوير النفايات كعمل حقير أو غير مشرف بل مشابه لعمل من ينبشون القبور".
في ظل تلك التحديات إعتمد "وو صن" وزوجته على نفسيهما في إدارة مصنعمها وتشغيله. ورغم ما كابداه من عناء ومشقة، فإنهما لم يتوقفا قط، وظلا يعملان لعقد متواصل من الزمن، قبل أن يحققا بعض الأرباح ويبنيا في الوقت نفسه جسورا من العلاقات مع بعض المصانع المماثلة في اليابان.
يقول "ووصن": "لم تكن في تايوان في التسعينات التقنيات المطلوبة لتحويل النفايات الإلكترونية إلى مواد أو سلع يمكن إعادة إستخدامها، لذا كنت أجمع تلك النفايات وأقوم بتصديرها لليابانيين الذين كانوا أقدر منا على تحويلها إلى أشياء نافعة وجني الأرباح الكبيرة من ورائها. لكني لم أفقد الأمل في الحلول مكان اليابانيين، فطلبت المساعدة التكنولوجية من "معهد أبحاث تكنولوجيات التصنيع" التابع للحكومة التايوانية، لكن الأخير – بسبب تبعيته للدولة، وبيروقراطيته الجامدة، وتركيزه على إعتبارات محددة مثل مدى ربحية المشروع – لم يقدم المساعدة المطلوبة بالشكل المرغوب، مما دفعني إلى إستيراد الآلات والخبرات من ألمانيا واليابان، علاوة على تأسيس معهد تابع لشركتي من أجل تطوير مهارات العمل وتقديم الإستشارات الضرورية".
بعد ذلك وجه "ووصن" وفريقه أنظارهم نحو تأسيس فرع ضمن شركتهم مختص بالتعاطي مع النفايات غير الإلكترونية، وعلى الأخص العبوات الزجاجية الفارغة والمواد الصمغية. حيث وجدوا حلا لها يدر مداخيل لا بأس بها، وهو تحويلها إلى مسحوق ناعم قابل للإستعمال في صناعة طوب البناء. وهذا الأسلوب لئن كان مكلفا، فإنه الأمثل من الناحية البيئية.
واليوم بفضل تجربة "وو صن" الرائعة والمثيرة، إنتشرت مصانع تدوير النفايات الإلكترونية وغير الإلكترونية في جميع أرجاء تايوان حتى تجاوز عددها الرقم 1000 (نحو 95 بالمئة منها هي مصانع عائلية)، من بعد أن كان عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في الثمانينات حينما بدأ الرجل مشروعه. ويعود الفضل في نمو مثل هذه المصانع إلى مبادرة الدولة بتأسيس ما يعرف بإسم "الصندوق الحكومي لدعم عمليات إعادة التدوير".
من جهة أخرى، وطبقا لإحصائيات إدارة حماية البيئة في تايوان، فإن الأخيرة، باتت اليوم تعيد تدوير نصف إجمالي نفاياتها الإلكترونية، وبنسبة تفوق المتوسط العالمي بحوالي 15 – 30 بالمئة. هذا على الرغم من أن ظاهرة جمع النفايات الإلكترونية في هذا البلد الآسيوي، هي ظاهرة جديدة ولم يمض عليها سوى عقد من الزمن، بمعنى أن التايوانيين قبل ذلك التاريخ كانوا يشكون مثلا في إمكانية الإستفادة من حواسيبهم القديمة، أو حتى إمكانية تحويل بعض أجزائها إلى شيء نافع قابل للإستخدام مجددا.
أما الأمر الذي بات يقلق مضجع "وو صن" فليس منافسة المصانع الأخرى لمصنعه، وإنما عدم وجود منحى جدي لدى المستثمرين التايوانيين للإستثمار في تصنيع وتطوير الآلات اللازمة للقيام بعمليات التدوير وإعادة التصنيع. ولعل بسبب هذه المشكلة ينحو الكثيرون ممن دخلوا هذا المجال نحو جمع النفايات الإلكترونية وشرائها بقصد بيعها وتحقيق بعض الفوائد الضئيلة من ورائها ، دونما إستشعار بمخاطر تلك العملية والمتمثلة في قيام المشتري بإزالة ما يحتاجه من الجهاز الإلكتروني، ثم دفن الباقي في الأرض أو إحراقه في الهواء أو إغراقه في مياه البحار والإنهار. وهذه كلها، بطبيعة الحال، أعمال تندرج ضمن أعمال تخريب البيئة و الإعتداء عليها.
إلى ذلك إشتكى "وو صن" في مقابلته الصحفية من الحظر الذي تفرضه الحكومة التايوانية على شركات البلاد العاملة في مجال تدوير النفايات الإلكترونية لجهة إستيراد تلك النفايات من الخارج بقصد إعادة تصنيعها، حتى وإن كانت عبارة عن مخلفات لأجهزة إلكترونية صدرتها تايوان نفسها إلى الخارج، قائلا: "لا أفهم كيف أن الصين تسمح لشركاتها البتروكيميائية بإستيراد النفط الخام لتصفيته وتحويله إلى منتجات متنوعة، بينما يحظر علينا إستيراد ما صدرناه من أجهزة إلكترونية كي نستخلص منها المواد الخام التي وضعناها بها".
ويضيف: "أن مثل هذه السياسات قد تجبر الكثيرين من أصحاب مصانع تدوير النفايات الإلكترونية في تايوان على نقل أعمالهم إلى البر الصيني، أو الإستثمار في أنشطة مماثلة هناك، خصوصا في ظل التطورات الإيجابية الأخيرة على صعيد الروابط الثنائية ما بين بكين وتايبيه في مجالات التبادل التجاري والإستثمار المشترك وحركة النقل والإتصالات.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحيرة ما بين النظامين الرئاسي والبرلماني: باكستان مثالا
- دييغو غارسيا .. صاحبة الدور المحوري في حرب الخليج القادمة
- الصين كعقبة وحيدة أمام عقوبات أممية على طهران
- حول عملي الروائي الأول
- - ذو المتين- صار في خبر كان
- دماء في پونا الهندية
- باكستان تكذب رواية طهران عن إعتقال زعيم متمردي بلوشستان
- إستمرار الفساد في أندونيسيا يقوض شعبية يودويونو
- تايوان كنموذج للدولة العلمانية متعددة الأديان
- في رثاء -الماركسي- الذي رفض أن يحكم الهند
- عن إنهيار عملاق الطيران الآسيوي
- وداعا يا أبا الديمقراطية والعلمانية الإندونيسية
- سريلانكا: إنتهت الحرب الإنفصالية، وبدأ الصراع السياسي
- علينا أن نحترس من بعض الباكستانيين
- الكوريون يعودون إلى الخليج فيا مرحبا!
- مفتي روسيا يطرح -حلا عبقريا- لمشكلة سيبيريا الديموغرافية
- عملية تهريب السلاح الكورية: معلومات متشابكة وتفاصيل غامضة
- آسيا لا تصنع السلع فقط وإنما أيضا الرجال!
- قمة فوق قمة
- دعونا نحلق شعورنا على الطريقة الإشتراكية


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب