|
استدراك - تقرير أطروحة الدكتوراه- التأسيس للرواية المغربية: من البنيات الفكرية إلى البنيات التخييلية- الرحلة المراكشية- الزاوية- في الطفولة - نموذجا- دراسة بنيوية تكوينية
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 18:15
المحور:
الادب والفن
أقدم لقراء الحوار المتمدن تقريري حول أطروحتي للدكتوراه التي نوقشت بجامعة محمد الخامس - كلية الآداب و العلوم الإنسانية - الرباط بقاعة محمد حجي يوم 19-04-2010 على الساعة العاشرة صباحا . و كانت لجنة المناقشة مشكلة من الأساتذة: - الدكتور حسن بحراوي - رئيسا - الدكتور سعيد يقطين مشرفا و مقررا - الدكتور سعيد جبار عضوا - الدكتور محمد التعمارتي عضوا وبعد المناقشة تم منحي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا يعتبر سؤال التأسيس؛ في مجال النقد الروائي المغربي؛ من أعقد الأسئلة الإشكالية؛ التي ما تزال تتراوح مكانها؛ في الكثير من الكتابات النقدية المغربية. و نحن هنا إذ نثير هذا السؤال الإشكالي؛ فإن همنا ليس الانغماس في بحر الجينيالوجيا؛ مع تناسي الراهن الروائي المغربي؛ الذي يعرف طفرة نوعية؛ تشهد لها أقلام نقدية مغربية و عربية. و لكن على العكس من ذلك؛ يعتبر البحث في تشكل الجنس الأدبي؛ جزءا لا يتجزأ من سؤال الامتداد؛ لأن أي امتداد و تطور يعرفه الجنس الأدبي؛ في أية ثقافة؛ إلا و يرتبط بشروط الإمكان؛ التي تحكمت في ولادته و في نشأته كذلك . لذلك أثرنا سؤال الولادة في الرواية المغربية؛ و كان الهدف الموجه للبحث دائما؛ يتجاوز الولادة إلى الامتداد؛ و ذلك من منطلق أن الرواية المغربية؛ في ولادتها و نشأتها؛ كانت مولودا شرعيا؛ لشروطها المادية؛ التي ساهمت في تشكلها بنيويا و تكوينيا . و لا يمكن فصل هذه الشروط المادية؛ عن التطور الذي عرفته الثقافة المغربية؛ إبان مرحلة القرن التاسع عشر؛ كمرحلة للتحولات القصوى؛ التي ستخرج المغرب من قوقعته؛ و ستفتحه على آفاق جديدة؛ على مستوى الثقافة و السياسة و المجتمع . و من منظور التصور الجدلي الكولدماني؛ ولجنا حقل الدراسة؛ و كان المطلوب منذ البداية؛ هو أن نبحث في الجدل القائم بين مختلف البنيات؛ السياسية و الاجتماعية؛ و التي تدخل في تناظر مع البنية التخييلية . و من منظور مفهوم الجدل؛ القائم على التناظر بين البنيات؛ يمكن منذ البداية أن ننفي -و بشكل مطلق- العلاقة الانعكاسية؛ بين البنية الفنية و البنيات الاجتماعية بمختلف تمظهراتها . و ذلك لأن المنهج البنيوي التكويني؛ الذي شكل رؤية البحث؛ يتجاوز مثل هذه العلاقات الانعكاسية الميكانيكية. إن رؤية العالم - في اعتبار كولدمان – تأخذ بعدا اجتماعيا؛ فهي تحيل على الجماعة الاجتماعية؛ و في الآن نفسه؛ فهي ترتبط بالكاتب؛ الذي يخلق عالما متخيلا في غاية الانسجام، ويجعل بنياته مطابقة للبنيات التي ينزع إليها مجموع الجماعة؛ لكن الكاتب –حسب كولدمان – لا يعكس أبدا وعي الجماعة الاجتماعية بطريقة ميكانيكية؛ كما نادت بذلك السوسيولوجيا الوضعية؛ و لكنه على العكس من ذلك؛ فهو يصل به إلى درجة متقدمة من التجانس. و بهذا المعنى فإن العمل الأدبي يعبر عن وعي الجماعة؛ و لكن ذلك يمر بالضرورة عبر الوعي الفردي للكاتب. (1) وهذا يعني أن مرحلة التأسيس للرواية المغربية، لم تكن فقط تأسيسا لبنية فنية حديثة، بل إن هذه البنية نفسها تقيم تناظرا مع بنية فكرية حديثة، بدأت تغزو الثقافة المغربية منذ بداية القرن 19، واستمرت إلى أن توجت بتحقيق الثقافة المغربية لانفتاح غير مسبوق على مثيلتها الغربية التي قدمت؛ في البداية على فوهات المدافع . مما دفع بالذات الثقافية المغربية إلى طرح العديد من الأسئلة الإشكالية، التي ستفضي بها في الأخير إلى الاقتناع التام، بأن الحل الوحيد الذي ما يزال مطروحا أمامها، هو الاستفادة من هذه الثقافة الغازية، التي حققت ثورة معرفية غير مسبوقة؛ بهدف اللحاق بركب التقدم الذي يعرفه العالم . ولعل هذا الانفتاح على الثقافة الغربية؛ هو الذي سيمكن الثقافة المغربية من ربح رهان كبير في مسيرتها التاريخية، ويتجلى هذا الرهان في بداية التأسيس لبنية فكرية حديثة؛ على أنقاض بنية فكرية تقليدية، الشيء الذي سيجعل هذه البنية تأخذ أشكالا من التناظر مع بنيات أخرى، نجد على قائمتها البنية التخييلية الحديثة؛ التي تجسدت عبر أشكال أدبية منها القصة القصيرة؛ الرواية، المسرح ... لذلك يمكن أن نعتبر أن التأسيس للرواية المغربية، لم يكن فقط تأسيسا لجنس أدبي نثري حديث؛ مقابل الأجناس النثرية التقليدية؛ بقدر ما أن هذا التأسيس هو في حد ذاته تأسيس لبنية فكرية حديثة، ستمارس تأثيرها على البنيات الأخرى للثقافة المغربية؛ و على قائمتها البنية التخييلية؛ بحيث ستدفعها إلى الانتقال؛ من بنية تخييلية تقليدية؛ إلى بنية حديثة . ولتحقيق هذا الرهان؛ آثرنا التوقف عند الخطوتين الرئيسيتين؛ اللتين يعتمدهما كولدمان في مقاربة أي عمل إبداعي، حيث تركز الأولى على تفكيك بنيات النص الصغرى، وتركز الثانية على تفسير هذا النص؛ على ضوء المعطيات الخارج-نصية . و يحضر كل من الفهم و التفسير في البنيوية التكوينية " لا كعلاقة تجاور بين عنصرين مختلفين؛ بل كسيرورة واحدة؛ ترتبط بمستويين مختلفين من الموضوع المدروس. و يقوم المستوى الأول بفهم الموضوع المباشر الخاضع للدراسة؛ بينما يكون على المستوى الثاني تفسير جملة البنى الاجتماعية و الفكرية؛ التي لا وجود للموضوع من دونها " (2) وبتركيزنا على هاتين الخطوتين نكون قد حاولنا - في إطار دراستنا لمرحلة التأسيس للرواية المغربية- طرح منهجية؛ لا تحلل النص في إطاره المغلق، وفي الوقت ذاته لا تهمل النص؛ وتركز على ما هو خارج- نصي. و لعل الجمع بين هاتين الخطوتين؛ هو السبيل الوحيد؛ الذي يمكن أن يقودنا إلى تقديم قراءة؛ تستحضر النص بقدر ما تستحضر ظروف النص الاجتماعية والتاريخية ... اعتمادا على هذه الرؤية المركبة، حاولنا في بحثنا " التأسيس للرواية المغربية : من البنيات الفكرية إلى البنيات التخييلية " الكشف عن الظروف الاجتماعية والتاريخية؛ المساهمة في تحقيق فعل التأسيس للرواية المغربية، حيث حاولنا التوقف عند مرحلة القرن 19؛ باعتبارها مفترق طرق، تلتقي عنده مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف : - الأولى تمتد حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ وهي مرحلة ركوض تاريخي عام، أثر على جميع البنيات؛ السياسية منها والثقافية والاقتصادية والاجتماعية و الأدبية... - الثانية تبدأ ببداية القرن التاسع عشر؛ و تعتبر مرحلة ديناميكية عامة، تتحدد من خلال الظرفية التاريخية التي عرفتها المرحلة، والمتمثلة في سقوط المغرب بين أنياب الحركة الاستعمارية، بما يحمله ذلك من بداية انفجار البنيات السائدة، وظهور بنيات جديدة، هي التي ستساهم -لا محالة- في تحريك تاريخ المغرب؛ والزج به في التاريخ الكوني العام، بعد ما زجت به مرحلة ما قبل ق 19 في تاريخ ضيق حكم عليه بالجمود، خلال سياسات الاحتراز المنتهجة؛ حتى بداية تفكك الحصار، ودخول المغرب مرحلة تاريخية جديدة . و لمحاولة توضيح التناظر القائم بين البنيات السوسيولوجية و الفكرية من جهة؛ و البنيات التخييلية من جهة أخرى؛ فقد عملنا على تناول ثلاثة نصوص سردية؛ تنتمي لفترات مختلفة من مرحلة التأسيس للرواية المغربية، الأول وهو نص "الرحلة المراكشية" لابن المؤقت، ويمثل مرحلة الثلاثينات؛ والثاني هو نص " الزاوية" للتهامي الوزاني، ويمثل مرحلة الأربعينات؛ والثالث هو نص "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون، ويمثل مرحلة الخمسينات. و قد ركزنا على موقف كل نص من حيثيات المرحلة الجديدة، وذلك –طبعا- لم يتحقق إلا بعد دراسة النصوص، وتفكيك بنياتها الصغرى . 1- بخصوص الموضوع: يعد سؤل الجنيالوجيا دائما سؤالا صعب المقاربة، يحتمل تفسيرات متعددة، ترجع إلى طبيعة المقاربة ذاتها. و بخصوص مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ تطرح على الباحث نفس الصعوبات؛ التي يطرحها السؤال السابق، ويمكن تفسير ذلك بكثرة الآراء حول النص المؤسس؛ و هل هو نص واحد أم عدة نصوص. و بعودتنا إلي الرصيد النقدي المتوفر بخصوص هذا الموضوع؛ لابد من إبداء مجموعة من الملاحظات الضرورية كالتالي: - إن مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ ما تزال لحد الساعة خالية من بحوث خاصة وشاملة؛ تقارب هذه المرحلة من مختلف جوانبها، وتخرج بخلا صات؛ تنير طريق الباحثين في هذا الموضوع، ما عدا بعض المقالات المنشورة في المجلات و الصحف، أو بعض الإشارات المبثوثة في هذا الكتاب أو تلك الرسالة . ونشير على سبيل التمثيل إلى مقالات، كتبها كل من الأساتذة (محمد برادة؛ إبراهيم الخطيب؛ أحمد اليبوري؛ عبد العالي بوطيب ... ) وهي مقالات إما منشورة في المجلات والملاحق الثقافية لجريدتي ( الاتحاد الاشتراكي ) و ( العلم )، أو تشكل مضافة إلى مقالات و مواضيع أخرى محتويات كتب مثل : ( دينامية النص الروائي) للأستاذ أحمد اليبوري (3)، ( الكتابة والتجربة ) للأستاذ عبد الكبير الخطيبي(4)... وهما كتابان غير مخصصين لمرحلة التأسيس للرواية المغربية بل يحتويان –فقط- على بعض المقالات التي تهتم بهده المرحلة - ثانيا: إن مرحلة التأسيس للرواية المغربية تتوزع بين مقاربتين: • الأولى : تقارب مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ من خلال النص الواحد؛ متجاهلة مجموع النصوص الأخرى، لأنها لا ترقى إلى النص المؤسس، كما نجد مع الأستاذ محمد برادة (5) الذي يؤكد على أن "حصيلة هذه الفترة من الإنتاج الروائي، لا تعدو –في الطفولة- ". وهذه المقاربة –كما هو واضح – تتجاهل مجموع النصوص، سواء السابقة منها على 1957 أو اللاحقة؛ وهي في الأغلب ( المقاربة) تعتمد رؤية نصية خالصة؛ لا تهمها الظروف؛ التاريخية والاجتماعية والفكرية، التي تنتج النص، بقدر ما تهمها البنية الداخلية للنص. و التي إما أن تستجيب لمعايير نصية معينة فتكون مؤهلة للتأسيس؛ وإما ألا تستجيب لهذه المعاييرفلا تكون مؤهلة. ولعله من نافلة القول أن نؤكد منذ البداية أن بحثنا لا يندرج ضمن هذه المقاربة، و ذلك راجع سواء إلى طبيعة مقاربتنا للموضوع، أو إلى طبيعة الرؤية المنهجية المتبعة، والتي لا تركز على البنيات الداخلية للنص، بقدر ما تتجاوز ذلك لتفسير هذه البنيات؛ على ضوء المعطيات التاريخية و الاجتماعية و الفكرية السائدة، والتي تؤثر -لا محالة- في إنتاجها بشكل معين دون غيره . • الثانية: تقارب مرحلة التأسيس من خلال مجموعة من النصوص، كل نص يمثل حلقة من سلسلة التأسيس في الأخير؛ ويمكن أن نتوقف عند دراستين لكل من الأستاذ عبد الكبير الخطيبي في كتابه ( الكتابة والتجربة )، والذي توقف عند مجموعة من النصوص المغاربية، لكن ما يهمنا منها هي النصوص المغربية خصوصا، سواء المكتوبة منها بالفرنسية ( إدريس الشرايبي)، أو بالعربية ( الروايات التاريخية لعبد العزيز بن عبد الله) . ومقاربة الأستاذ الخطيبي – كما يبدو – لا تدخل ضمن اهتمامنا، رغم استفادتنا الكبيرة منها، لأنها تقارب الرواية المغاربية عموما، وعند توقفها على الرواية المغربية، فإنها تركز على الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية، مع إشارات قليلة للرواية المغربية المكتوبة بالعربية. وضمن نفس المقاربة يمكن أن نتوقف عند دراسة للأستاذ ( أحمد اليبوري ) في كتابه( دينامية النص الروائي ) حيث يتوقف عند مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ اعتمادا على مجموعة من النصوص، سواء (لعبد العزيز بن عبد الله، أو للتهامي الوزاني )، مع التوقف عند (الزاوية) لهذا الأخير . وضمن نفس المقاربة؛ نجد الأستاذ اليبوري في ندوة ( الرواية المغربية )؛ يقدم دراسة تحت عنوان ( تكون الخطاب الروائي : الرواية المغربية نموذجا ) (6)، حاول من خلالها التوقف عند مرحلة التأسيس للرواية المغربية تحت اسم : (الخطاب شبه الروائي) ، وقد توقف الباحث عند أشكال النثر التأسيسية ( السيرة الذاتية ، المقالة ، القصة...)؛ معتمدا في ذلك على مجموعة من النصوص مثل ( الزاوية ) للتهامي الوزاني، والروايات القصيرة التاريخية لعبد العزيز بن عبد الله، وعبد الهادي بوطالب؛ وفي الأخير خلص الباحث إلى أن الإنتاج الأدبي في المغرب خلال هذه المرحلة ( الثلاثينات والأربعينات )؛ متمثلا في السيرة الذاتية والرواية التاريخية وفن القصة القصيرة؛ يعتبر محاولة للخروج من شكل المقال، الذي كانت له الهيمنة في الحقل الأدبي. و إذا كان الأستاذ ( اليبوري) في كتابه (دينامبة النص الروائي ) قد اعتمد رؤية منهجية دينامية، تعتبر الأشكال الأدبية نتيجة تطور، وهو ما يعلن عنه الباحث في مقدمة كتابه (7)؛ فإنه في مداخلته المعنونة ب ( تكون الخطاب الروائي ) لم يحصر رؤيته المنهجية في مستوى قانون تلاقح الأجناس الأدبية؛ بل ركز كذلك على الجدل القائم بينها وبين الظروف المنتجة لها، حيث يؤكد على ارتباط الرواية المغربية في شكلها السير- ذاتي والتاريخي بأنماط تفكير معينة، وبجدلية الحركية السوسيوثقافية، و خاصة ببداية تشكل وعي طبقي برجوازي، متأرجح بين قيم الماضي ومستلزمات الحاضر، متردد في الشروع في حوار مع الآخر (8) . وفي هذا المقال يحاول الباحث مقاربة مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ اعتمادا على رؤية منهجية، تختلف عن الرؤية المعتمدة في كتاب ( دينامية النص الروائي ) ، حيث يبرز الطابع البنيوي التكويني جليا في مقاربته هذه، من خلال ربطه لمرحلة التأسيس بالسياق السوسيوثقافي العام، بعيدا عن طابع الدينامية والتطور؛ الحاضر في كتابه السابق . ضمن هذا التصور-إذن- آثرت في موضوعي أن أتوقف بتأن، وبشكل عميق عند مرحلة التأسيس هاته؛ عبر ربطها بمجموعة من التحولات التي عرفتها الثقافة المغربية إبان مرحلة( ق19)، والتي تعد مرحلة مخاض ثقافي حقيقي مر منه المغرب، حيث انتقل من وضعية ثقافية سابقة عن هذه المرحلة؛ إلى وضعية جديدة . وقد فرضت هذه الوضعية الجديدة شروطها الخاصة على الثقافة المغربية، وأرغمتها أن تنزع لباسها القديم و تلبس لباسا جديدا رغما عنها. ولعل هزيمتي ( إيسلي وتطوان ) لتعدان البرزخ الحاسم، الذي سينتقل بالثقافة المغربية، من استراتيجية الاحتراز إلى استراتيجية الانفتاح . وإذا كانت هذه الثقافة قد دخلت استراتيجية الانفتاح مرغمة، كي تنقد نفسها من الاندثار، فإن لهذا الخيار ضريبته الخاصة، والتي ستفرض نتائجها فيما بعد، عبر ظهور بنيات ذهنية جديدة، تسعى إلى القطيعة مع البنيات الذهنية السابقة . وإذا كانت البنيات الذهنية؛ في تناظرها مع البنيات السوسيولوجية - بالمعنى الكولدماني- هي التي تعكس رؤية الجماعة إلى العالم، فإن هذه الرؤية هي التي ستشكل بنيات تخييلية تتناظر معها . وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم العنف الرمزي؛ الذي مورس على الأشكال الأدبية القديمة (الرسالة –المقامة –الرحلة...) خلال هذه المرحلة؛ في ظل سيادة بنيات ذهنية حديثة، تفرض بنيات تخييلية حديثة مثلها . وهكذا بزغ فجر المسرح الذي فرض نفسه كخطاب أدبي بديل للخطابات السائدة؛ وفي نفس الآن ظهرت القصة القصيرة، ممهدة لظهور الرواية؛ في طابعها الجنيني خلال مرحلة الثلاثينات، والتي ستتطور لتنتج (في الطفولة) خلال مرحلة الخمسينات؛ كبداية حقيقية لمرحلة التأسيس للرواية المغربية. هكذا تكون مرحلة التأسيس للرواية المغربية؛ في الآن ذاته مرحلة تأسيس للفكر المغربي، باعتباره فكرا منفتحا على التجارب الفكرية الإنسانية الحديثة، خصوصا وأن الرواية خطاب أدبي ارتبط في عمقه بالأزمنة الحديثة كما يؤكد ميلان كون ديرا (9)، أو ملحمة بورجوازية كما يؤكد جورج لوكاش (10) . والبورجوازية هنا لا تحيل على البعد الاقتصادي فقط ؛ بقدر ما تحيل على البعد الثقافي العام، خصوصا وأن طبقة البورجوازية هي التي أسست للتجربة الحديثة في أوربا . من هذا المنظور؛ يمكن أن نقارب مرحلة التأسيس للرواية المغربية، وذلك من خلال رصد الحالة السوسيوثقافية للمغرب؛ إبان مرحلة( ق19 ) وبعدها، مع التوقف عند التحولات العميقة؛ التي طرأت على البنيات السوسيولوجية والذهنية؛ وفي الآن ذاته محاولة التوقف على أوجه التناظر (بمعنى كولد مان ) بين هذه البنيات، والبنيات التخييلية الحديثة التي بدأت تغزو الثقافة المغربية . وعلى هذا المستوى؛ لا بد من التوقف عند هذه البنيات التخييلية؛ سواء قبل مرحلة( ق 19) أو بعدها؛ مع رصد التحولات العميقة التي طرأت عليها ودفعتها إلى الانفجار من الداخل، معلنة عن تركيب تخييلي جديد . لذلك آثرنا تناول مرحة التأسيس للرواية المغربية؛ من خلال مجموعة من النصوص الروائية ، التي تشكل سيرورة التأسيس، انطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن مرحلة التأسيس هذه؛ لم تطف إلى الوجود فجأة؛ حتى يمكن أن نقاربها من خلال النص الواحد، وإنما تأسست عبر مراحل، لكل مرحلة سماتها الخاصة بها والنصوص التي تمثلها . وما دامت هناك الكثير من النصوص التي تمثل هذه المرحلة، حيث يورد (مصطفى يعلى،وعبد الرحيم مودن) في ببلوغرافيا الفن الروائي بالمغرب ( 1930-1984) ثمانية وعشرين نصا روائيا، تسعة عشر منها ؛ بين 1930-1957 (11). فإن اهتمامنا انصب على النصوص الأكثر تمثيلية لكل مرحلة من مراحل التأسيس، سواء على مستوى بنياتها الدالة، أو على مستوى قدرتها على صياغة بنيات المرحلة الذهنية تخييليا . و يمكن بناء على هذا، أن نتوقف على ثلاث مراحل، من خلال ثلاثة نصوص كالتالي: - المرحلة الأولى : وتشكل هذه المرحلة فترة مخاض، تمر منه الثقافة المغربية؛ وهي تحاول الانفلات من قبضة البنيات التخييلية القديمة، والبحث عن تشكلات تخييلية جديدة تحقق تناظرا مع البنيات الذهنية الحديثة، التي بدأت تغزو الثقافة المغربية . وتمثل هذه المرحلة البدايات الأولى، التي بدأت تفصح عن معالم جديدة لبنية تخييلية منتظرة؛ بعد الثورة التي تحققت على مستوى البنيات الذهنية . ويمثل نص ( الرحلة المراكشية) لابن المؤقت، خلال الثلاثينات هذه المرحلة – في تقديرنا – باعتباره نصا؛ ما يزال مترددا بين الانفلات من قبضة البنيات التخييلية القديمة، ومعانقة هذه البنيات في الآن ذاته؛ لمواجهة المستجدات التخييلية التي بدأت تغزو الثقافة المغربية . - المرحلة الثانية : وإذا كانت المرحلة الأولى تمثل مرحلة مخاض، حيث معالم الجنس الروائي مازالت لم تفصح عن نفسها بعد، فإن المرحلة الثانية تمثل انتقالا ملموسا سواء على مستوى البنيات الذهنية أو على مستوى البنيات التخييلية، حيث عرفت مرحلة الأربعينات مستجدات كثيرة، تمثلت في ظهور أجناس أدبية جديدة، تمثل ثمرة الصحافة، التي فرضت على الأداة اللغوية؛ الانتقال من مرحلة الأجناس الأدبية التقليدية إلى مرحلة تخييلية؛ تحقق تناظرا مع البنيات الذهنية السائدة . لكن هذا الانتقال لم يحسم الأمر، بل إن المتن الروائي سيظل مفتوحا على جميع الواجهات؛ منتظرا النص الذي سيمنحه شرعية التواجد؛ بما يجسده من انتقال حقيقي، سواء على مستوى القصة أو الخطاب. ويمثل نص (الزاوية) للتهامي الوزاني هذه المرحلة- في اعتبارنا – حيث يمكن أن نلمس انتقالا هادئا من مرحلة البدايات الأولى التي تمثلها( الرحلة المراكشية ) إلى مرحلة ستفتح الباب واسعا أمام نص، سيحسم سؤال التأسيس خلال مرحلة الخمسينات . - المرحلة الثالثة : وإذا كانت مرحلة الأربعينات قد حققت انتقالا ملموسا، تجسد في الانفتاح على لغة سردية، تتجاوز لغة الأجناس التقليدية، وفي الآن نفسه معانقة الرؤية الإبداعية الجديدة، التي تعتبر الأدب صياغة لمتخيل الجماعة صياغة فنية، فإن مرحلة الخمسينات ستنطلق من هذه المكتسبات المتحققة، هادفة الارتقاء بها إلى الأفضل، سواء عبر محاولة صياغة لغة سردية؛ تتعايش مع أحداث القصة وشخوصها، أو عبر صياغة الشخصية بمفهومها السردي الحديث، أو عبر صياغة القصة صياغة تخييلية؛ ترتقي بها إلى مجال السرد . ويجمع الكثير من النقاد على اعتبار رواية (في الطفولة ) لعبد المجيد بنجلون النص الذي استطاع تجسيد هذه المقومات، ولو بشكل نسبي، مكن الرواية المغربية؛ من إعلان تأسيسها، بعد أن مرت بسيرورة؛ تصل إلى عقدين من الزمن تقريبا، حيث مثل كل عقد حلقة من حلقات سلسلة التأسيس فيها . 2- بخصوص المنهج: إذا كان المنهج هو الرؤية التي تؤطرالباحث؛ كما تؤطر البحث؛ و تتحكم في خلاصاته، فإن ضرورة المنهج هذه؛ لا تجعل البحث متمحورا حول المنهج كموضوع له، بقدر ما هو وسيلة للعمل، لذلك فإن هم كل باحث لا ينصب حول المنهج؛ بقدر ما ينصب حول الموضوع . وما دام المنهج في الأخير، ليس عبارة عن مجموعة من القواعد و الخطوات الثابتة إلا في النصوص التي تنظر للمنهجية، " فإن المنهج بخصوص الممارسة العملية للبحث أساسا؛هو المفاهيم التي يوظفها الباحث في معالجة موضوعه، والطريقة التي يوظفها بها، وهذه المفاهيم قد تكون قائمة في نفس المجال الذي يتحرك فيه، أو قد يضعها، أوقد يستعيرها من مجال آخر" . (12) ومادمت قد آثرت البحث في موضوع التأسيس للرواية المغربية، فإن هذا الموضوع المتشعب؛ يفرض علي مقاربته من الزاوية البنيوية التكوينية، التي لا تلغي البنيات الدالة للنص، بقدر مالا تنفي العوامل الخارج-نصية؛ المساهمة في إبداع النص، حيث يحضر البعد البنيوي؛ الخاص ببنيات النص الداخلية (الدالة)، وفي الآن نفسه يحضر البعد التكويني؛ الخاص بأبعاد إبداع النص المادية، الناتجة عن العلاقة الجدلية؛ التي يقيمها النص مع العوامل الخارج-نصية . 2-1- في مفهوم البنيوية التكوينية : إذا كان المنهج الاجتماعي في النقد الغربي؛ يعتبر الأدب انعكاسا مباشرا لما يقع في المجتمع، فإن البنيوية التكوينية؛ التي تعد مرحلة لاحقة للمنهج الاجتماعي، تعتبر الأدب ظاهرة اجتماعية تاريخية، لكنها لا تكتفي بذلك فقط؛ بل " تهتم في نفس الآن ببنياته الخاصة، وبتمثلاته الفنية لعالم الواقع ومتغيراته، على اعتبار أن كل أعمال الإنسان تأخذ شكل بنيات، يمكن تفسيرها في إطار العلاقات الموجودة بين العناصر المكونة لها، وبينها وبين العناصر الخارجية المتفاعلة معها. و من ثم لا يمكن فهمها فهما صحيحا؛ إلا بدراسة عملية تبنينها وتطورها الديناميكي في اتجاه المستقبل ". (13) ويعتبر ( لوسيان كولدمان) 1913- 1970 أهم رموز المنهج البنيوي التكويني، إذ عمل على صياغة منهجه اعتمادا على التنظيرات النقدية ل (جورج لوكاش )، والتي أحدثت ثورة عارمة في مجال النقد الأدبي، حينما صاغ لوكاش نظرياته النقدية؛ اعتمادا على النظرية الماركسية،التي تقوم على الجدل بين البنية التحتية التي تحيل على البعد المادي، والبنية الفوقية، التي تحيل على البعد الرمزي . وبعودتنا إلى المنهج البنيوي التكويني، نجده لا يخرج عن الأطروحات اللوكاشية ، الماركسية الأبعاد. ولعل ذلك واضح بجلاء من خلال الجدل الذي يقيمه (كولدمان ) بين النص (البنيوية)، وخارج النص (التكوينية )، إذ نقف على جدل قائم بين ما هو بنيوي، وما هو تكويني. ولذلك نجد (كولدمان) يميز في منهجه بين زاويتي نظر؛ تشكلان مجتمعتين المنهج البنيوي التكويني : - زاوية الفهم : وتتعلق بما هو بنيوي، مرتبط بالنص، بحيث يكون التركيز على البنيات الداخلية للنص. - زاوية التفسير : ومن خلال هذه الزاوية يتم إدماج البنية الدالة، التي تم الكشف عنها خلال مرحلة الفهم؛ ضمن بنية أوسع تشملها، بحيث يحضر البعد التكويني، ليخرج البنية الدالة من إطارها النصي الضيق إلى إطار أشمل، يحتوي كل ما يمكن أن يحدث تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر على هذه البنية . 2-2- بخصوص تطبيق المنهج: إذا كنا قد عرضنا إلى موضوع البحث، ونوعية المنهج الذي سنقارب من خلاله الموضوع؛ فإن الذي ينقص هذه المقدمة المنهجية؛ هو الكيفية التي سنطبق بها هذا المنهج. وإذا كانت جل الدراسات؛ التي طبقت المنهج البنيوي التكويني، تستغل الكثير من الفجوات؛ التي يتيحها هذا المنهج، فيتحول المنهج الواحد إلى عدة مناهج . فإن هذه الحرية الكبيرة التي يتيحها، توفر للباحثين إمكانيات أكبر للانشغال بموضوعهم؛ و في نفس الآن؛ تفرض عليهم مسؤولية كبيرة في التوفيق بين منهجين مختلفين . إن المطلوب هو ألا تخرج الدراسة عن الإطار المنهجي المحدد، بل على العكس من ذلك، يجب أن تبقى الرؤية المنهجية البنيوية التكوينية هي المؤطرة، عبر المصطلحات التي تفرضها على الباحث من جهة، ومن جهة أخرى عبر اقتناع الباحث بالنظرية البنيوية التكوينية، التي لا تؤمن بالنص الجامد؛ بل بنص يمتلك بنياته الدالة، التي يجب التوقف عندها، وفي الوقت نفسه، فإن هذه البنيات الدالة تدخل في جدل مع ما هو خارج- نصي . ولعل الفجوات التي تحدثنا عنها سابقا تعود بالأساس إلى كون المشروع البنيوي التكويني مع (كولدمان )، لم يول اهتماما كبيرا لمرحلة (الفهم )؛ التي تهدف الكشف عن البنيات الدالة. وإذا كان كل باحث في النقد المغربي المعاصر، قد تعامل بطريقته الخاصة مع مرحة الفهم هاته ، فهناك من تعامل معها تعاملا سيميوطيقيا (14) ، وهناك من تعامل معها تعاملا سوسيونصيا15 ) ) ، وهناك من تعامل معها تعاملا بنيويا (16) ... فإن كل هذه الدراسات تبقى غير مجانبة للصواب، ما دام (كولدمان) نفسه، قد فتح هذا الباب؛ عندما ترك البنيات الدالة هذه؛ مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن السؤال المطروح؛ هو كيف ستتعامل دراستنا هذه مع مرحلة الفهم الكولدمانية ؟ إن ما هو ثابت في المنهج البنيوي التكوينيي؛ هو أنه مشروع غير مكتمل؛ بمعنى أن البنيات الدالة ضمن هذا المشروع؛ لا تحظى بمكانتها الخاصة؛ و يرجع الكثير من الباحثين هذا الأمر إلى الموت المبكر لصاحب المشروع؛ و الذي حال دون اكتماله . لكن هذا لا يعني أن المنهج البنيوي التكويني عند تطبيقه مع كولدمان في دراسته لأفكار باسكال و مسرحيات راسين؛ كان منهجا ناقصا؛ بل على العكس من ذلك؛ خرج كولدمان بنتائج باهرة؛ عبر تطبيقه لهذا المنهج؛ حينما أدخل الممارستين الفكرية و الأدبية ضمن بنية واحدة؛ هي البنية الثقافية بشكل عام؛ و التي ترتبط نفسها ببنية اجتماعية؛ لتعمل في الأخير على صياغة رؤية الجماعة الاجتماعية للعالم؛ و هذه الرؤية توجد مسبقا لدى الجماعة؛ أما المبدع أو المفكر؛ فهو - كجزء من هذه الجماعة – يحاول صياغة هذه الرؤية؛ عبر الذهاب بها إلى أقصى حد ممكن من الانسجام . و في كتابه (الإله الخفي ) (17) حاول كولدمان تطبيق هذه الخلاصات؛ التي يشملها مشروعه؛ في دراسته لأفكار باسكال و مسرحيات راسين؛ حيث ربط رؤية العالم لديهما بالحركة الجانسينية ؛ التي تمثل رؤية مجموعة اجتماعية؛ تعاني التمزق و الضياع؛ في عالم خال من الحقيقة و القيمة؛ لذلك فهم يتخذون موقفا ضده؛ لكنه العالم الممكن و الوحيد بالنسبة إليهم؛ أما الإله فهو غائب و خفي؛ لا يخاطب الإنسان . و هكذا يحدد كولدمان الحالة الفكرية و العلمية؛ التي ظهرت فيها أفكار باسكال و مسرحيات راسين؛ و التي تتميز بانتصار العقلانية بجميع أشكالها؛ و نتيجة ذلك؛ هي تمجيد الفرد و تدعيم مكانته؛ في مقابل الجماعة المتدينة . و هذا ما يقود مباشرة إلى الحديث عن رؤية العالم؛ التي ترتبط بالجماعة الاجتماعية؛ و يصوغها المبدع؛ الذي ينتقل بها إلى درجة عالية من الانسجام. و تؤثر هذه الرؤية –لا محالة- على البنيات الدالة؛ التي تشكل العمل الأدبي و الفكري؛ أي إن البنيات الدالة؛ تشكل في علاقتها برؤية العالم كلا منسجما ؛ بحيث لا يمكن للعمل الأدبي أو الفكري أن يصوغ بنيات دالة؛ من غير جنس رؤية العالم التي يحملها؛ و العكس صحيح . إن أي تعامل مع المنهج البنيوي التكويني؛ من دون استحضار لهذه المفاهيم كما حضرت في الدراسات؛ التي قام بها كولدمان لمجموعة من الأعمال الفكرية و الإبداعية؛ هو في العمق تحوير لهذا المنهج؛ و خروج به عن المنطق؛ الذي وضعه له كولدمان؛ و هذا ما يمكن أن يؤثر على الخلاصات التي يمكن أن تخلص إليها أية دراسة . فسواء طعمنا المنهج البنيوي التكويني خلال مرحلة الفهم – خصوصا- بالبنيوية أو بالسوسيونصية أو بالسيميوطيقية ... فإننا نضرب في عمق المنهج؛ لأنه في الأخير يعتمد بناء ابستمولوجيا خاصا؛ لا يتلاءم و البناء الخاص بمنهج آخر. فكيف يمكن مثلا التعامل مع مرحلة الفهم من منظور بنيوي؛ و نحن نعلم أن البنيات الدالة في المنهج البنيوي التكويني ليست بنيات مغلقة؛ بل تقيم تناظرات مختلفة مع بنى مختلفة اجتماعية و فكرية ؟ أي إن مرحلة الفهم في المنهج البنيوي التكويني؛ لا ترتبط بتفكيك النص إلى بنياته الصغرى؛ في شكل منغلق كما هو الشأن مع المنهج البنيوي؛ و لكنها ترتبط في العمق بمرحلة التفسير. هكذا يبدو أن هناك الكثير من المعيقات؛ التي يمكنها أن تعرقل أي تحليل؛ لا يأخذ بعين الاعتبار هذه الملاحظات الجوهرية؛ فيخرج في الأخير عن منطق المنهج البنيوي التكويني . لقد أثيرت لدي و أنا أختار المنهج البنيوي التكويني الكثير من الأسئلة؛ التي هي في العمق من جنس الأسئلة التي طرحت سابقا؛ و جمعتني بأستاذي المشرف نقاشات معمقة؛ بخصوص هذا الموضوع الشائك في النقد المغربي؛ و لكني خلصت في الأخير إلى الارتباط بمنطق المنهج البنيوي التكويني؛ من دون تطعيمه بأي منهج آخر؛ سواء بادعاء المنهج التكاملي؛ أو بادعاء غياب أدوات تحليل البنيات الدالة؛ في المنهج البنيوي التكويني . لذلك ركزت على مجموعة من أدوات التحليل التي يمنحها المنهج البنيوي التكويني مثل: رؤية العالم؛ البنيات الدالة؛ التناظر بين البنيات؛ البنيات الذهنية؛ البنيات الاجتماعية؛ البنيات التخييلية؛ الفهم؛ التفسير ...و كلها مفاهيم ترتبط جوهريا بالبنيوية التكوينية؛ أولا كرؤية فلسفية؛ و ثانيا كمنهج للتحليل. و في هذا الإطار تعاملت مع الفصل بين الفهم والتفسير بحذر كبير على مستوى التطبيق؛ بحيث لم أعتبرهما خطوتين منفصلتين؛ بل على العكس من ذلك يشكل كل من الفهم و التفسير سيرورة واحدة؛ ترتبط بمستويين مختلفين من الموضوع المدروس . و في نفس الآن حاولت من خلال مفهوم التناظر الكشف عن العلاقات التي تقيمها البنيات التخييلية مع مختلف البنيات الأخرى؛ الاجتماعية و الفكرية . و من خلال مفهوم رؤية العالم؛ حاولت رصد التحول الذي خضعت له رؤية العالم؛ في إطار التحولات الكبرى التي عرفتها الثقافة المغربية؛ خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ و ذلك عبر ربط هذه الرؤية بالجماعة الاجتماعية؛ و من ثم بالكاتب؛ الذي يعبر عنها في شكل تخييلي؛ فيعمل على صياغتها بشكل متماسك . ومن خلال مفهوم البنيات الدالة؛ حاولت تناول بنية العمل الأدبي المدروس؛ في علاقتها بالمستوى التكويني؛ و ذلك إيمانا مني – امتدادا للمنهج البنيوي التكويني - بأن المستوى البنيوي في أي عمل تخييلي؛ يرتبط بمجموع العناصر؛التي تشكل مستوى التكوين فيه. لذلك حاولت ربط البنيات الدالة دائما بالمستوى التكويني؛ وأي تحول في هذه البنيات؛ يرتبط بتحول مماثل على مستوى البنيات السوسيولوجية و الفكرية . في الأخير لابد من التأكيد على أن المنهج البنيوي التكويني؛ هو أكثر من منهج للتحليل؛ لأنه يرتبط بمنظومة فلسفية؛ تؤمن بالجدل القائم بين البنيات التحتية التي تأخذ بعدا ماديا؛ و البنيات الفوقية التي تأخذ بعدا رمزيا؛ ومن ثم يمكن التعامل مع مجموع المفاهيم التي يقوم عليها هذا المنهج؛ و في الوقت ذاته يمكن من خلالها فهم العمل الأدبي؛ الذي يشكل بنية تخييلية ؛ تدخل في تناظر مع بنيات أخرى سوسيولوجية و فكرية .
الهوامش
1 - Le structuralisme Génétique – par : Annie Goldmann – Michel low –Sami Nair – les édition denoel/Gonthier-paris-1977-p : 24 2- فيصل دراج – نظرية الرواية و الرواية العربية – المركز الثقافي العربي – ط :1 – 1999 – ص :53 3- أحمد اليبوري – دينامية النص الروائي – منشورات اتحاد كتاب المغرب – ط: 1993 . 4- عبد الكبير الخطيبي – الكتابة والتجربة – منشورات عكاظ – الرباط – ط : 2 5- محمد برادة – الأسس النظرية للرواية المغربية المكتوبة بالعربية – ضمن كتاب الرواية المغربية للخطيبي- منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي- الرباط . 6- أحمد اليبوري – تكون الخطاب الروائي : الرواية المغربية نموذجا – مجلة آفاق – ع: 3- - دجنبر- 1984 . 7- أنظر :أحمد اليبوري- دينامية النص الروائي – مرجع سابق . 8- أحمد اليبوري – تكون الخطاب الروائي- مرجع سابق 9- ميلان كونديرا – فن الرواية – تر: أمل منصور – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط: 1. 10- جورج لوكاش – الرواية كملحمة بورجوازية – تر: جورج طرابيشي – دار الطليعة – بيروت – 1979 . 10- جورج لوكاش – الرواية كملحمة بورجوازية – تر: جورج طرابيشي – دار الطليعة – بيروت – 1979 . 11- مصطفى يعلى و عبد الرحيم مودن – ببلوغرافيا الفن الروائي بالمغرب – مجلة آفاق – ع: 3-4 – دجنبر – 1984 . 12- محمد عابد الجابري- الخطاب العربي المعاصر : دراسة تحليلية نقدية – ط:4 – مركز دراسات الوحدة العربية . 13- محمد خرماش- إشكالية المناهج في النقد المغربي المعاصر : البنيوية التكوينية بين النظرية و التطبيق – ط: 1- 2001. 14- عبد العالي بوطيب – بنية الطموح و الفشل في أعمال زفزاف الروائية – رسالة لنيل د.د.ع.م- الرباط . 15- حميد لحميداني – من أجل تحليل سوسيوبنائي – منشورات عيون البيضاء. 1984 . 16 - محمد بنيس – ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب – دار العودة – بيروت – 1979 17- L. Goldman – Le dieu caché – ed : Gallimard, Paris, 1959
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير أطروحة الدكتوراه- التأسيس للرواية المغربية: من البنيات
...
-
بعد نجاح شعار التغيير الأوبامي داخليا - هل من أمل في التغيير
...
-
نتنياهو .. و رهان تغيير أوباما
-
الحركة الصهيونية: مشروع استعماري غربي بغطاء يهودي
-
الكيان الصهيوني: منظمات إرهابية تشكل دولة !!!
-
الموساد: منظمة إرهابية بغطاء دولي !!
-
التنين الصيني - هل هي بداية تحطم أسطورة نهاية التاريخ ؟
-
التحقيق مع طوني بلير: هل هي بداية ملاحقة مجرمي الحرب؟
-
السياسة الخارجية الأمريكية وقود تنظيم القاعدة
-
باراك أوباما و حصيلة السنة الأولى- ماذا بقي من شعار التغيير؟
-
اليمن : البوابة الجديدة للسيطرة على الشرق الأوسط
-
خطة أوباما الأمنية الجديدةهل هي بداية انتصار المقاربة الجمهو
...
-
حصيلة القدس سنة 2009 : مزيد من التهويد
-
نهاية سنة أمريكية دامية
-
التقارب السوري-اللبناني: تغليب كفة المصالح المشتركة
-
مذكرة اعتقال تسيبي ليفني: مصداقية القضاء البريطاني على المحك
-
أزمة ديون دبي في نقد المقاربة الإيديولوجية
-
أزمة المآذن في سويسرا في الحاجة إلى نقد مزدوج لثقافة التطرف
-
الوضعية السياسية الجديدة لحزب الله ما بين التصريح الحكومي و
...
-
وهم وقف الاستيطان المخرج الأمريكي- الإسرائيلي من المأزق
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|